1976 - دكتوراة الفلسفة PhD في علم الآثار المصرية Egyptologyمن معهد الدراسات الشرقية - أكاديمية العلوم السوفيتية - موسكو
موضوع الأطروحة: الجذور المحلية للثقافة السودانية القديمة- دراسة من واقع المعطيات الآثارية. اعتمدت الدراسة على نتائج أعمال الاستكشاف والتنقيب التى أجراها الباحث في النوبة السودانية في الفترة 1969- 1973
1969 - ماجستير في علم الآثار المصرية Egyptologyبمرتبة الشرف الأولى من جامعة شدانوف للدولة- لننجراد.
2002- حالياً أستاذ التاريخ القديم بشعبة الدراسات العليا في قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة سبها.
1988-2002 أستاذ الآثار والحضارات الشرقية القديمة بكلية الآدابوالدراسات العليا – جامعة الفاتح.
1996- 1998 أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية العلوم والآداب بيفرن – جامعة الجبل الغربي.
1992- 1996 أستاذ الأنثروبولوجيا والحضارات المقارنة بقسم الدراسات العليا بكلية العلوم الاجتماعية التطبيقية – جامعة الفاتح.
1987-1991المدير العام للإدارة العامة للآثار والمتحف القومية- السودان
1986-1987أستاذ الآثار والحضارات الشرقية القديمة بمعهد الدراسات الاجتماعية– جامعة وهران – الجزائر.
1983-1986المدير العام لشركة أورينتال لنشر الكتاب المدرسي– مدريد– أسبانيا وأستاذ مشارك زائر للآثار والحضارات الشرقية القديمة بمعهد الدراسات الاجتماعية – جامعة وهران– الجزائر.
1981-1983أستاذ التاريخ القديم المساعد بكلية التربية– جامعة الفاتح
1979-1981أستاذ الآثار والتاريخ القديم المساعد بكلية التربية– جامعة عدن
1976-1979محاضر في الآثار والتاريخ القديم بكلية التربية– جامعة عدن
1973-1976باحث بمعهد الدراسات الشرقية– أكاديمية العلوم- موسكو
* التنقيب الآثارى في مدافن المملكة المصرية الوسطى في جزيرة صاى (السودان)، ضمن أعمال البعثة الفرنسية لجامعة لييل تحت إشراف البروفسور جين فيركوتيه
* التنقيب في مدافن العصر المروى في صادنقا(السودان) ضمن أعمال بعثة شيف جورجينى بإشراف البروفسور جين ليكلان.
* التنقيب في المدينة الملكية في مروى، ضمن بعثة جامعة الخرطوم بإشراف البروفسور بيتر شينى.
* التنقيب في مدافن العصر المسيحي المتأخر في دنقلا العجوز، ضمن أعمال البعثة البولندية بإشراف البروفسور كازيمير ميخالوفسكى.
* الاستكشاف الآثارى لمنطقة ما وراء الشلال النيلي الثاني، ضمن البعثة المشتركة لمصلحة الآثار السودانية والوحدة الفرنسية التابعة لها.
* الاستكشاف الآثارى لمنطقة جبال النوبا، ضمن بعثة مصلحة الثقافة السودانية للمسح الفولكلوري لجبال النوبا 1975.
* المدير الحقلي لبعثة المركز اليمنى للأبحاث للمسح الآثارى (1980-1981)لمنطقة يافع/ المحافظة الثالثة بجمهورية اليمن الديمقراطية.
* المدير الحقلي للبعثة السودانية المشتركة للإدارة العامة للآثار والمتحف القومية مع السوق الأوربية للمسح والتنقيب في وادي الخوي.
* المدير الحقلي لبعثة الإدارة العامة للآثار والمتاحف القومية السودانية للاستكشاف الآثار لمنطقة الشلال الرابع المهددة بالغرق في حالة تشييد خزان الحمداب.
* المدير الحقلي لبعثة الإدارة العامة للآثار والمتاحف القومية السودانية للتنقيب في المدافن النبتية في شبا العرب بمنطقة جبل البركل.
* حالياً المشرف على العمل الميداني الاثنوأركيولوجي في منطقة غات، برنامج الدراسات العليا بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة سبها.
1-مجتمعات الاشتراكيَّة الطبيعية:دراسة تحليلية لتطور الثقافة والتقنية والاقتصاد في مرحلة ما قبل التاريخ، اورينتال للنشر، مدريد، ط. أولى 1983 ، ط. ثانية 1985. (موجز)
ليس هدف هذه الورقة مناقشة قرار مجلس الأمن 1593، كما وليس من أهدافها التعقيب على الكم الهائل من التحليلات والملاحظات والتعقيبات المتعلقة به والتي ملأت صفحات الصحف اليومية الصادرة في الخرطوم، أو التى قدمت من خلال الإذاعة المرئية. الورقة تسعى لإحداث قراءة للخطاب الثقافي الذى عبر عن نفسه من خلال تلك التحليلات والآراء.
قبل أن أبدأ في محاولة تحليل ملامح هذا الخطاب الثقافي يبدو أنه قد يكون من الأفضل الوقوف عند بعض القضايا والمفاهيم التى من شأنها أن تمكننا من وضع هذا الخطاب في سياقه الصحيح. ذلك أن المفاهيم تُعد مصدراً من مصادر البلبلة في الثقافة عموماً إذ عادة ما يتم شحنها بدلالات مسكوت عنها يغلب عليها الطابع الأيديولوجي. من هنا ضرورة تحديد المحتوى المعرفي للمفهوم الرئيس هنا والمتعلق بالخطاب الثقافي والمثقف المنتج لهذا الخطاب.
يحاول الخطاب السياسي لأهل الإنقاذ على مدي السنوات التى فرض فيها نفسه بقوة السلاح أن يقوم بدور محوري في توجيه الحياة الثقافية للمجتمع السوداني، لذا فإن أية رغبة في تأسيس مشروع ثقافي بديل تتطلب ضرورة القطع معه، وتأسيس لغة ثقافية مستقلة عنه، الأمر الذى يتطلب ضرورة بناء مرجعية تفكرية مستقلة عن هذا الخطاب، حتى يتمكن المثقف من تشكيل رؤية جادة تتجاوز اكراهات الخطاب الأيديولوجي الإنقاذوي.
سعت سلطة الإنقاذ لفرض هيمنتها على المجتمع بكل أبعاده، من خلال مجموعة من النظم القانونية المتجسدة في مؤسسات، هذه القوانين تنبع في جوهرها من خطاب أيديولوجي تتخذه الإنقاذ مرجعية لممارستها السلطوية. في سبيل الهيمنة على المجتمع، استخدمت الإنقاذ ولازالت كل الأدوات المتاحة أمامها، والتي من ضمنها المثقف، فحاولت وتحاول توظيفه بهدف إسباغ الشرعية على أفعالها، وبالنظر لمنتج أولئك من المثقفين الذين انقادوا بوعي أو بدون وعي لرغبات الإنقاذ، نلحظ نشوء نوع من العلاقة اللا شرعية بينهما، أشبه ما تكون بزواج المتعة، فكلاهما يقترب من الآخر لغايات تبدو متغايرة، فالمثقفون المنقادون أو أشباه المثقفين، وما أكثرهم، عندما يقتربون من "الإنقاذ – السلطة" فلغرض تسويق بضاعة كاسدة تفتقد لمعايير الجودة الفكرية، في حين أن الإنقاذ تستخدمهم وتصنع منهم مفكرين لتمرير رسائلها ومشاريعها من خلالهم، في المقابل تمنح حمار نيتشه وجوداً متميزاً من الناحيتين المادية والاجتماعية.
إن هذا النمط من العلاقة يرزح تحت وطأة مآسي زواج المتعة الذى عادة ما يكون علاقة عابرة تفتقد لشرط الأبدية، كما أنه لا يثبت فيه نسب، إلى جانب أن الاقتران والافتراق لا يستلزم وجود شهود، مما يعني أنه دعارة شرعية، أو كما يسميها نيتشه دعارة تفكرية.
يحدد لالاند مفهوم السلطة بأنه "مرادف لكلمة قوة/قدرة ... ملكة قانونية أو أخلاقية، حق القيام بشئ ما ... جسم متكون، يمارس هذه السلطة : السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية للأمور المتعلقة بحق الناس، والسلطة المنفذة للأمور المتعلقة بالحق المدني" (1). سلطة الإنقاذ أو حكومة الإنقاذ، سمها ما شئت، كلمة مرادفة للقوة والبطش، كونها الكيان المؤسساتي الوحيد، بحكم الأمر الواقع، الذى يمكن أو من حقه أن تتجلى فيه مظاهر القوة والبطش، فهي الوحيدة التى لديها حق ممارسة العنف كونها الوريثة الشرعية له، بعد أن قامت بمصادرته قسراً من أفراد المجتمع، ومن ثم تجسد فيها بصفتها الاعتبارية. تتوزع السلطة عموماً على ثلاث مؤسسات : مؤسسة تشريعية مهمتها استنباط قوانين تتماشى مع الأيديولوجيا المسيطرة، وسلطة قضائية مهمتها الحكم والفصل بالاستناد إلى هذه القوانين، وسلطة تنفيذية يتعلق بها الجانب التنفيذي للقوانين، فهل تركت الإنقاذ لغيرها حق الإسهام في أي من هذه المؤسسات؟ فقط من خلال منظور كهذا يجوز مناقشة أزمة السودان، المأزق الخطير الذى وضعتنا فيه - بوصفنا "أمة سودانوية" و"قطراً أفرو عربياً" و"مجتمعاً مدنياً"- الأيديولوجيا الإنقاذوية المسيطرة، لنجد أنفسنا بمواجهة بعضنا الآخر ثم لتدفع بنا إلى موقف ننساق فيه كالقطيع معها لمواجهة المجتمع الدولي بسبب جرائم هي ناتج طبيعي لأيديولوجيا انسدادية أدخلت البلاد في حالة احتراب استدعى تدخل المجتمع الدولي للمرة الثانية. الإنقاذ منذ مجيئها سعت بكافة الوسائل، القمعية منها والخبيثة، إلى احتكار المجتمع والوصاية عليه عبر آليات تتسم بالعقلانية، وذلك لإعادة إنتاجه بحيث يتمشى مع منطقها ورغباتها، ولإنجاز هذا المطلب كانت الإنقاذ بحاجة إلى طبقة متعلمة أو حتى أنصاف متعلمة تساعدها في تكريس هذه الرؤية. هكذا بدأت الإنقاذ في تفريخ تقني السلطة. أستخدم هذا المصطلح وفق التحديد الذى يقدمه لالاند .. "ما يتعلق بالطرق الفنية العلمية أو الصناعية ... يقال بنحو خاص في مقابل المعرفة النظرية التى ينظر في تطبيقاتها" (2). بهذا المعنى يتحدد التقني بصفته ذاتاً لا تمتلك أي نشاط تنظيري، يقتصر دوره على نقل النظرية من مستوى النظر إلى مرحلة التطبيق العملي، مما يعني أن التقني ليس صاحب كشف نظري، من هنا فهو لا يشكل أي خطر على الأيديولوجيا الإنقاذوية، كونه وجد لخدمتها.
لذا فإن خطاب الإنقاذ السائد لا يرحب بوجود المثقف، فهذا الأخير يحمل عادة رؤية ومشروعاً بديلاً للمشروع القائم، لهذا فإن السلطة عادة ما تسعى إلى إقصائه وتهميشه، بل والى تكفيره دفعة واحدة. بالمقابل سعت الإنقاذ إلى استنساخ مثقف معدل أيديولوجياً وهو ما يمكن تسميتهم "بأشباه المثقف"، تسبغ عليهم مؤسسات السلطة – الإذاعة المسموعة والأخرى المرئية ودور النشر الحكومية والصحافة التابعة – هالة من الاحترام والقدسية، حتى تتمكن من تمرير خطابها ومشروعها من خلالهم. أولا نرى تطابق سياسات الإنقاذ مع التحديد الذى يقدمه فوكو .. "إنتاج الخطاب في كل مجتمع هو في الوقت نفسه إنتاج مراقب، ومنتقى، ومنظم، ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التى يكون دورها هو الحد الأدنى من سلطاته ومخاطره"(3). لأجل قطع الطريق أمام أي مشروع ثقافي أو سياسي سودانوي جديد، تقوم الإنقاذ بفرض رقابة على آليات إنتاج الخطاب، بدءاً من المدرسة وانتهاءً بمؤسسات النشر وأجهزة الإعلام المسموع والمرئي، فهي المؤسسات التى تمنع رخصة شرعية إنتاج الخطاب، لذا فإن المثقف الحامل لمشروع بديل عادة ما يكون ليس فقط خارج دائرة اهتمام سلطة الإنقاذ بل عرضة لأجهزة قمعها المختلفة وما أكثرها (وهو ما أشار إليه الصادق المهدي في لقائه مع قناة الجزيرة في يوم الجمعة 8/4 الماضي).
لا يقتصر الأمر على هذا، بل يتجاوزه إلى حد احتكار اللغة، أو ما يمكن تسميته بظاهرة تأمين اللغة الذى يقول عنه روييل .. "إننا لا نقول ما نريد، إن أيديولوجيا معينة تحدد لا فقط طريقتنا في الحديث، كذلك معنى كلامنا. إن ألفاظاً مثل حرية، وفاشية، وديمقراطية، وليبرالية تمتلك دلالات مختلفة حسب أيديولوجيا أولئك الذين يستعملونها"(4).
وضعت الإنقاذ يدها على اللغة وصادرتها لمصلحتها، من خلال تكريسها عبر وسائل التربية والإعلام، فأصبحت دلالة أي نتاج ثقافي أو حتى سياق لغوي أدبي شعري أو روائي مثلاً رهناً بمدى انسياقها مع لغة الأيديولوجية الإنقاذوية المفروضة قسراً، هكذا فإن أي مشروع ثقافي بديل للأيدولوجيا الإنقاذوية يبدو وكأنه خارج الشرعية لافتقاده للدلالة، كونه كلاماً غير ذي معنى، لا طائل من ورائه، هكذا تعمل الإنقاذ بآلياتها المتنوعة إلى تهميشه من هذه الزاوية.
السيطرة على الرصيد اللغوي أو ما يمكن أن نطلق عليه الرأسمال الرمزي، وفر للإنقاذ أدوات قمعية أكثر عقلانية، فبدل اللجوء فقط وفقط للعنف الجسدي (والذي لم تتخل عنه الإنقاذ)، أصبح في إمكانية الإنقاذ استخدام العنف اللغوي. فالإنقاذ جعلت، عبر فرض لغة خطابها الأيديولوجي، من ممارسة العنف ضد بعض أفراد المجتمع، بل والمجتمع ككل مبررة، فلغة الخطاب السياسي السائد تعطي المبررات لممارسته، وقدمته في صورة درء المفاسد وحماية من ارتكب جرائم بحق الإنسانية ضد أهله وعشيرته للمحافظة على جسم الدولة ومؤسساتها، وحماية السيادة الوطنية، وتقدمه اللغة الإنقاذوية ليس بصفته عنفاً، بل بصفته حرباً مقدسة.
أصل من ذلك إلى القول بأنه لا يصح مطلقاً القول بأن العلاقة بين المثقف السوداني الأصيل والإنقاذ علاقة تتسم بالاعتراف المتبادل، بل هي علاقة تنابذية، فالإنقاذ تقصي المثقف، كونه يحمل مشروعاً بديلاً، والمثقف الأصيل يرفض الإنقاذ كونها تمثل مشروعاً قابلاً للتجاوز. من هنا فإن المثقف الأصيل يتعارض مع الإنقاذ بوصفها أيديولوجيا تحاول فرض سيادتها، يقول محمود أمين العالم في توضيح هذا الفرق "الثقافة في تقديري ليست مرادفة للأيدولوجيا، وقد يكون مفهومها أكبر من مفهوم الأيديولوجيا. إن الثقافة تعني أولاً المعرفة بالمعنى الشامل للمعرفة ... الأيديولوجيا هي نسق من الأفكار والقيم والسلوك المعبرة عن مصالح طبقة من الطبقات الاجتماعية"(5). أيديولوجيا الإنقاذ لا تعبر سوى عن مصالح الرأسمالية الطفيلية التى نهبت ثروات البلاد ولازالت.
علينا أن ندرك بوضوح حقيقة كون الثقافة ذات حدود أوسع من الأيديولوجيا، فهذه الأخيرة نسَّقية التفكر، لهذا كان التفكر فيها نشاطاً مغلقاً كل شئ فيه محدد سلفاً، في حين أن الثقافة تفكر منفتح لديه الاستعداد للتواصل مع كل مصادر الحقيقة. في المقابل لا تعترف الأيديولوجيا سوى بمصدر واحد تستمد منه الحقيقة، والمتمثل بمنطلقاتها النظرية. إن الأيديولوجيا تعبر عن رؤية ومصلحة شريحة معينة من المجتمع، في حين أن الثقافة تهتم بالإنسان مهما كان انتماءه الأيديولوجي، فالثقافة تفكر أكثر تجريداً من الأيديولوجيا.
وأعتقد أن الجابري كان على حق عندما رسم علاقة المثقف بالسلطة ... "مع ذلك فلقد شقت الكلمة – الثقافة – طريقها لترتسم كمقولة عصرية تدل على المشتغلين بتفكرهم – لا بأيديهم – في فروع المعرفة، والذين يحملون آراء خاصة بهم حول الإنسان، ويقفون موقف الاحتجاج والتنديد إزاء ما يتعرض له الأفراد والجماعات من ظلم وعسف من طرف السلطات، أياً كانت سياسية أو دينية" (6). من هنا أقول بأن المثقف السوداني لا يجوز أن ينال الاعتراف بصفته مثقفاً إلا بقطعه مع الإنقاذ، كونه يحمل مفهوماً مميزاً عن الإنسان السوداني بوصفه إنساناً وعن المجتمع السوداني بوصفه مجتمعاً متنوعاً ثقافياً ودينياً وعرقياً، يهدف للدفاع عنهم ضد ظلم وعسف الإنقاذ وأيديولوجيته الانسدادية، مهما كانت انتماءات هذا الإنسان، فالقضية هنا انتماء ثقافي وليس أيديولوجي.
في تقديري أن تدشين قطيعة معرفية مع الخطاب الأيديولوجي الإنقاذوي يعد المرتكز الأساس لأي مثقف. في هذا أتفق مع رأي لفيف من المفكرين بأن "رفض الأيديولوجيا الخاصة السائدة المتعارضة مع كونية توجه المثقف. وذلك انطلاقاً من رفض وضعه كأداة لغايات لم يحددها هو. هذا الرفض الذى يضعه مباشرة في مواجهة السلطة التى صنعته. وهو الذى يحول تقني المعرفة العلمية مثقف يزج نفسه فيما يعنيه".
أقول بأن ما يكتبه أو يقوله بعض "المثقفين السودانيين" هذه الأيام بمناسبة قرارات مجلس الأمن الخاصة بالسودان تفرض علينا أن نضع الحروف في مكانها الصحيح. إن وعي المثقف لا يرتسم إلا في ظل أيديولوجيا مهيمنة يسعى من خلال نشاطه الفكري لتجاوزها، كونها تتعارض مع منطلقاته، فهي تفكير نسقي يلغي ذاتية الإنسان، في حين أن التفكير الثقافي ذاتوي، يقوم على الإيمان بالذات وتفعيلها. فالمثقف هو الإنسان النرجسي المالك لذاته، وعند انخراطه في خطاب أيديولوجي يفقد هذه الخاصة، لذا فهو في تعارض وجودي ومعرفي مع الأيديولوجيا. وأعتقد أن الخطاب المعبر عنه في الأيام الأخيرة قد أكدَّ على مثل هذا "الانفصام" حيث أصبح بعض من المثقفين السودانيين، ولا أشير هنا إلى أشباه المثقفين، يمكننا الخلاصة إلى أن المثقف يتعارض في نشاطه التفكري مع الأيديولوجي، فهذا الأخير تفكر نسقي يتسم بالانغلاق – دوغما – في حين أن التفكر الثقافي منفتح، يؤمن بالحقيقة من أي مصدر جاءت، لهذا فالمثقف يتحدث لغة مغايرة للغة الأيديولوجي، فهذا الأخير يقيس الأشياء بمدى مطابقتها لمنطلقاته الأيديولوجية، بالمقابل فإن مفاهيم المثقف أكثر تجريداً، فهو يؤمن بالإنسان مهما كانت انتماءاته الأيديولوجية.
إذا اتفقنا على فرضية كون المثقف يكتسب شرعيته من خلال مواقفه، لا بالاستناد إلى أيديولوجيا بعينها وما تفرزه من مؤسسات تمنح الشرعية وفق معيار القرب أو البعد عنها. وإذا اتفقنا من جانب ثان على فرضية أن الأيديولوجي أقرب ما يكون إلى التقني الذى تقتصر مهمته على نقل النظرية من إطارها النظري إلى تطبيقاتها العملية ومن ثم عجزه عن إنجاز أي فتح نظري جديد يكون بديلاً للمشروع الأيديولوجي السائد؛ فإننا يمكن أن نقول وفق هذا المعنى، بأن المثقف مقابل للأيديولوجي، الأول يخلق رؤيته الخاصة، والثاني يتبنى رؤية جاهزة، ولا يكون المثقف مثقفاً إلا إذا حافظ على مساحة فاصلة عن الأيديولوجي، وعند انخراطه في أي أيديولوجيا مهيمنة يفقد خاصة المثقف ويتحول إلى تقني. قطعاً قراءة في خطاب العديد من مثقفينا، الذين أكن احتراماً لهم ولإسهاماتهم، قد نجحت الإنقاذ في تحوليهم إلى مجرد تقنيين.
هوامش
(1) لالاند، الموسوعة الفلسفية، ترجمة أحمد خليل، منشورات عويدات، ط 1، بيروت 1996، ص. 1012.
(2) المرجع السابق نفسه، ص. 1428.
(3) دفاتر فلسفية: اللغة، إعداد وترجمة محمد سبيلا وعبدالسلام بن عبدالعالي، دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب 1994، ص. 89.
(4) المرجع السابق نفسه، ص. 92.
(5) محمود أمين العالم، "إشكالية العلاقة بين المثقفين والسلطة"، في : المعرفة والسلطة في المجتمع العربي، معهد الإنماء العربي، بيروت 1988، ص. 397.
(6) محمد عابد الجابري، المثقفون في الحضارة العربية محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1995، ص. 24.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة