|
مادة المذابح الجماعية
|
الصحافة العدد رقم 4836 بتاريخ 27.11.2006
إلغاء مادة المذابح الجماعية
يس عمر حمزة:
Quote: خلافاً لما كانت تتوقَّع الحكومة، لم تقابل جماهير الشعب السوداني، والمفصولين على وجه الخصوص قرارها القاضي بإلغاء مادة الفصل للصالح العام من مواد قانون الخدمة المدنية، لم تقابله بالفرح والتهليل ولكنها قابلته بصمت وبرود، بل إن الأكثرية من جماهير المفوصلين للصالح العام قد قابلت ذلك القرار برفض شديد وعدم قبول. والشيء الغريب في هذا الأمر أن يصدر مثل هذا القرار من حكومة طوَّرت ووسَّعت مجالات التشريد والفصل التعسفي والإقصاء بمسميات أخرى غير الإحالة للصالح العام. فهي التي ابتكرت أسماء مثل (إخلاء الوظيفة) و(فائض العمالة) و(الخصخصة)، وكلها مسميات تحمل طابع الذبح الجماعي والتشريد الكلي لكل قوى الخدمة المدنية، ولم تشهد الخدمة المدنية طوال تاريخها الطويل مثل تلك الحملة الشعواء، والتي يقودها دفتردار العهد الإنقاذي البغيض، وهو يؤطر لطرد كل الذين قامت على أكتافهم خدمة مدنية، كانت مضرب المثل في سائر البلاد العربية والدول المجاورة في الإنضباط والدقة والأداء الراقي الرفيع. والخدمة المدنية في عهد الانقاذ اُنتهكت كل حرماتها وقدسيتها، وأصبحت رافداً من روافد النظام الانقاذي بعد أن عبثت بها يد (الإحلال) و(التمكين) وفرض كوادر الجبهة عليها من دون أدنى خبرة أو مقدرة أو كفاءة، وكان المعيار الأول والأخير هو الولاء للنظام، ولم تتورع رموز الانقاذ في ذلك الزمان من ذبح كل الاسماء اللامعة والكبيرة، والتي كانت تدير دفة الخدمة المدنية بكفاءة عالية واخلاق مهنية، اقول لم تتورع رموز الانقاذ عن ذبح تلك القامات السامقة في الخدمة المدنية ورميها في مذبلة التاريخ، ارضاءً وتمكيناً لكوادرها التي اثبت الواقع انها غير قادرة على استيعاب واقع جديد، لم تكن في كل تاريخها القريب او البعيد، لم تكن جزءاً منه ولم يعرف عن كوادر الجبهة التي حلت محل رموز الخدمة المدنية الانضباط والتقيد بلوائح وقوانين الخدمة المدنية. والحكومة عندما تقوم بإلغاء مادة الاحالة للصالح العام، فكأنما تحمي منسوبيها الذين احتلوا تلك الوظائف في ظل غياب القانون والضمير الانساني. ان إلغاء مادة الصالح العام في هذه الظروف يصب في مصلحة كوادر الجبهة ويحميها من تغول الطابور الخامس، ويحمي ظهرها من كيد الذين ذاقوا الامرين على يد هذه الكوادر. ان كوادر الجبهة التي تسرح وتمرح في ساحات الخدمة المدنية لم تعرف طوال تاريخها غير التخلص من كل المنضبطين والمحافظين على لوائح وقدسية الخدمة المدنية، والنأي بها عن كل عمل سياسي. وكوادر الجبهة في الخدمة المدنية لم تخلف وراءها عملا صالحاً نافعاً بل خلفت وراءها جيوشا من الضحايا الذين كانوا يعولون اسراً حرم الكثير من ابنائها من التعليم والعلاج وكل ضروريات الحياة، وكانوا سبباً رئيسياً - أي كوادر الجبهة- في كل المآسي الانسانية التي حدثت لتلك الاسر جراء تلك السياسة الرعناء والتشريد الجماعي الذي طال معظم الاسر السودانية، ولم يراعوا حتى حقوق المواطن في ان يعمل بل في بعض الاحيان امتد الامر الى اكثر من الطرد من الخدمة وشمل حتى الحرمان من مغادرة البلاد التي يحكمونها بحثاً عن رزق خارجها، وشمل مضايقات كثيرة لا حصر لها ولا داعي لذكرها. كان يجب على الحكومة ان كانت جادة في انحيازها للخدمة المدنية ان تعيد النظر في كل اخطائها التي ارتكبتها في حقها، وتعيد البسمة الى الشفاه التي حرمت منها منذ ان استولت طلائع الجبهة على حكم السودان في ذلك اليوم المشؤوم. كان يجب على الحكومة ان كانت تريد ان تكفر عن اخطائها ان تعيد الاعتبار لكل الذين شملهم الظلم جراء سياساتها التي لم تكن تعرف غير المحاسيب والمنظمين، تحت لواء حزبها وتابعيهم من الهتيفة والذين يتمسحون باعتاب كل حاكم قادم. كان يجب على الحكومة قبل إلغاء مادة الصالح العام ان تصالح كل الاسر السودانية الكثيرة التي تضررت كثيراً وفقدت الكثير من تلك المادة اللعينة سيئة الذكر، ولكن كما قلنا سابقاً ان القصد من إلغاء مادة الفصل للصالح العام هو الاحتفاظ بتلك الكوادر التي لا ولاء لها إلا لذلك النظام الذي استولى على السلطة فجر ذلك اليوم 30/6/1989م. نحن من اشد الدعاة لأن تكون الخدمة المدنية بعيدة عن الحكومات والانظمة مهما كانت، ونحن ندعو نهاراً جهاراً الى استقلال - بالقاف- الخدمة المدنية حتى لا تكون مطية في يد الحكام، حتى يشعر العاملون بالامن والامان من أي دفتردار اخر او هولاكو قادم يحطم كل كل ما بناه الاخرون من عمل مجيد. في ختام مقالنا هذا، نطالب الحكومة ان تنظر لكل الشعب السوداني بعين واحدة متساوية، فقد انتهى عهد دولة الحزب الواحد وحلت مكانه دولة الوطن والمواطنين. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لنا ولكم.
|
|
|
|
|
|
|