تعالت الكثير من الأصوات اليوم لتعلن أن الوقوف ضد إعلان المنظمة الإعلامية الأمنية الحكومية في هذا الموقع هو موقف ضد الديمقراطية !
وأرى أن أصحاب هذه الرؤية ينقسمون لفئتين ، أحداهما تحمل تصورات مثالية خيالية لمعنى الديمقراطية لا ترتبط بواقع محدد وظروف معلومة، ولا يرتبط التصور عندها بالمكان والزمان ، أما الفئة الثانية فهي مؤيده أصلا لكل ما تفعله السلطة بالعباد والبلاد وهى بموقفها هذا لا تسجل شيئا جديدا .
السلطة الحالية والتي تسيطر على أدوات القمع ، الثروة والتي ارتكبت وترتكب كل يوم الجرائم في حق شعبها، هي السلطة التي حولت الحرب الأهلية في الجنوب لحرب دينية كان ضحيتها مليوني إنسان، إنها السلطة التي أشعلت دارفور ودمرت المجتمع الدارفورى وقتلت واستباحت وشردت ، هي ذات السلطة التي شردت كوادر الخدمة المدنية وحرمتهم من لقمة العيش، اغتالت من اغتالت في سجونها وعذبت الكثيرين في بيوت الأشباح ، وهى التي أفرغت الدولة من مضمونها حيث حل تنظيمها محل الدولة.
ذات السلطة التي تأمرت وخدعت المواطنين في منطقة أمري ووعدتهم بتعويضات مجزية ولم تفي بوعدها بل ذهبت نحو قمعهم لإسكاتهم، نفس السلطة التي تريد إغراق معظم ما تبقى من الأراضي النوبية وتهجير المواطنين النوبيين وفتك النسيج الأجتماعى وإغراق التراث والتأريخ، وبالأمس فقط لم تتسامح مع مظاهرة ومطالب المفصولين تعسفيا من الخدمة المدنية، وأمرت الشرطة بضربهم.
نحن يا أصدقائي نتحدث عن السلطة التي تمنح الأعلام هامشا من الحرية وفق مصالحها حينا يضيق وحينا ينفرج قليلا، لكنها لا تستطيع السيطرة على المواقع الإلكترونية خارج البلاد، ولو كان هذا الموقع يصدر من الداخل لدمرته وألقت ببكري ابوبكر في أحد سجونها، لكنه يصدر من الخارج لذا لا تستطيع ذلك ،فماذا تفعل؟ من الأشياء المعروفة عن علاقة السلطات وجماعات الضغط المختلفة ( Lobby’s)والشركات بوسائل الأعلام المختلفة، أن هذه الجهات تحاول السيطرة على مسيرة وتوجه وسائل الإعلام عن طريق الإعلانات وعندما يصير اعتماد الوسيلة على ما تدفعه هذه الجهات مهما وأساسيا عندها يبدءا الإملاء والضغوط ، وليس ما حدث العام الماضي ( لست متأكدا متى حدث ذلك العام الماضي أم قبل الماضي ) مع جريدة الصحافة السودانية ببعيد عن الأذهان، فعندما اختارت جريده الصحافة الكتابة عن هموم وقضايا الشعب سحبت الشركة ذات الصلة الوثيقة بمراكز النفوذ في الحكومة السودانية الإعلانات منها، حيث أنبرى رئيس التحرير الأستاذ عادل الباز معلنا انحياز الجريدة للشعب وعدم حاجت الصحيفة لتلك الإعلانات.
الديمقراطية لمن وضد من؟
هذا سؤال فلسفي قديم قدم الديمقراطية نفسها، فمثلا نحن نعانى فى بلادنا من أهدار كرامة وحقوق كل من يعارض السلطة الحالية، أذا الديمقراطية في النموذج السوداني ( هذا إذا جاز التعبير ) يتمتع بها فقط أعضاء التنظيم الحاكم و محاسيبه، بالطبع الوضع الطبيعي أن تكون الديمقراطية ضد القتلة، سارقي قوت الشعب ، تكون ضدهم بمعنى أن يحاسبهم القانون على جرائمهم ويردعهم، ويخيف من يفكرون في ارتكاب الجريمة اى كانت. فى حالتنا الراهنة وحيث أننا مقموعون مظلومون في بلادنا فإننا لا نملك إلا الدفاع عن أداتنا الإعلامية هذه والتي يريد النظام السوداني مصادرتها منا بالطرق المختلفة . يبدوا أن النظام قد أحس بأن كتابات من يوالوه في هذا الموقع غير كافية لذلك يريد مصادرة كل الموقع.
لو تماهينا مع رؤية الذين يظنون أن الديمقراطية تعنى السماح للمخابرات السودانية متمثلة في المركز الإعلامي السوداني بالإعلان في الموقع ، فذلك يعنى استسلامنا لإرادة السلطة بتجريدنا من هذا الموقع، فما الإعلان إلا مقدمة للسيطرة عليه، ولا أعتقد إننا سذج للدرجة التي يمكننا تصور براءة مقصد ( SMC ) أو حسن نية القائمين عليه . يجب علينا الدفاع عن موقعنا هذا بكل الوسائل، وأول هذه الوسائل وأنجعها تبرعاتنا المادية للموقع وتقديم الدعم المعنوي لصديقنا بكرى ابوبكر، الذي يمنح الكثير من وقته ووقت أسرته لنا، وهذا المجهود العملاق سيسجله له تاريخ الصحافة الإلكترونية السودانية بحروف من نور.
كيف أتفق أن تكون أصوات "الفئة الثانية" عالية دون أي شعور بالذنب أو الخجل، (إنني الآن أفكر بصوت مسموع)، هم يعلمون تماما بأن كلمة حرية هي ألد أعداء النظام الحاكم وأجهزته، كيف لهم أن يطالبوننا باسم الحرية بالتخلي عن موقعنا هذا؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة