ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 04:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة رجاء العباسى(Raja)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-28-2003, 02:10 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان

    إنه آت لا محالة!:


    بقلم: د. الشفيع خضر سعيد

    تفاؤل عند الكثيرين وأمنية عند الأكثر بأن تنتهي المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية بتوقيع اتفاق نهائي في القريب العاجل، والشعب السوداني الصابر يتطلع بلهفة وقلق إلى أن تتحقق أمنية هؤلاء وتفاؤل أولئك، ونحن نقع ضمن دائرة المتفائلين والمتمنين والمتلهفين، ليس من منطلق العاطفة والرغبة المحض، وإنما بالاستناد إلى الوقائع الموضوعية التي تجعلنا نتوقع نجاح المفاوضات بنسبة 85% على الأقل، على أن النسبة المتبقية للفشل 15% قابلة للزيادة والمضاعفة، فما تم انجازه حتى الآن، بما في ذلك اتفاق الترتيبات العسكرية الأخير، لا يشكل في تقديري تخطي العقبة أو العقدة الأساسية على عكس ما تقول الحكومة، مقارنة بالقضايا العالقة والتي يبتعد الطرفان كثيرا عن نقطة الإلتقاء حولها، وخلال الجولة الأخيرة إنهمك الوسطاء في دفع الطرفين للإتفاق على إحدى هذه القضايا أو جزء من إحداها على الأقل إستقبالا لوزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي وطئت قدماه أرض نيفاشا ليواجه بأن عثرات التفاوض أكبر من أن تتخطاها قدما من عبر وتخطى المحيطات!

    بالنسبة لقضايا المناطق الثلاث توقفت جولة سبتمبر الماضي عند الخلاف حول وضع منطقة أبيي التي ترى الحركة الشعبية ضمها لمنطقة بحر الغزال في الجنوب تصحيحا لوضعها الإداري، بينما ترى الحكومة ان أبيي تقع خارج حدود الجنوب المتفق عليها في أول يناير 1956، إضافة إلى ضرورة الأخذ في الإعتبار التغيرات الديموغرافية التي حدثت في المنطقة، ولم تتطرق المفاوضات إلى المنطقتين الأخريين، جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، وهما في تقديري أكثر تعقيدا من قضية أبيي على الرغم من أن الحكومة تبسَط المسألة بالإشارة إلى أن المنطقتين تقعان داخل حدود الشمال، فالمنطقتان تشكلان بالنسبة للحركة الشعبية واقعا من الصعب تخطيه، حيث تدخل المنطقتان ضمن التركيبة التنظيمية للحركة قيادة وجيشا، كما تدخلان ضمن منظومتها السياسية والفكرية من حيث مفهوم «المناطق المهمشة» ومفهوم البعد الإفريقي في مواجهة الاستعلاء العربي، أضف إلى ذلك ما تحمله الحركة الشعبية من تفويض للتعامل مع هذه القضية والذي قدم للحركة خلال المؤتمرات التي نظمتها في كل من جبال النوبة والنيل الأزرق وشارك فيها د. قرنق.

    وبالنسبة لقضية توزيع الثروة فهنالك الاختلاف حول نسب توزيع عائدات البترول حيث تطالب الحركة بنسبة 60% بينما يقترح الوسطاء 40% إلى 50% وبينما تقترح الحكومة تحديد حصص من الناتج الإجمالي المحلي لكل إقليم من أقاليم السودان بما في ذلك الجنوب، تطالب الحركة بتخصيص ميزانية محددة ومستقرة للجنوب وذات موارد محددة ومعروفة تفاديا للقصور الذي شاب تطبيق اتفاقية أديس أبابا 1972، وتفاديا لاعتماد الجنوب على الموارد المخصصة من الحكومة المركزية في الشمال، وردا على إصرار الحكومة على تطبيق النظام المصرفي الإسلامي في الشمال في مواجهة لدعوة الحركة إلى تبني المعايير المصرفية الدولية، تطرح الحركة قيام مصرف مركزي في الجنوب واعتماد عملة خاصة به.

    أما بالنسبة لمسألة تقسيم السلطة فإن جولة سبتمبر لم تناقشها، كما لم يتم التطرق إلى قضية أوضاع أجهزة الأمن والمخابرات والتي لم يشملها اتفاق الترتيبات العسكرية الموقع بين الطرفين، بل تم ترحيلها لتناقش ضمن قضية تقسيم السلطة.

    إذن... القضايا العالقة كبيرة وشائكة، ومع ذلك فإن الراجح هو الاتفاق، قد يتأخر شهرا أو ثلاثة، لكنه آت لا محالة، ومن الواضح أن هنالك عدة ضغوطات تدفع باتجاه ترجيح كفة الاتفاق، منها:

    ـ قوة الدفع الذاتي الكامنة في عملية التفاوض نفسها.

    ـ ضغوط الواقع وحالة التوازن الراهنة بما في ذلك توازن الإرهاق من الحرب.

    ـ ضغط الرغبة الشعبية العارمة من أجل نبذ الحرب وتحقيق السلام.

    ـ الضغط الدولي والإقليمي من الحكومات والمنظمات المختلفة.

    ـ الضغوطات من داخل الطرفين، الحركة والحكومة، للإسراع بالتوقيع.

    ثنائية حتى النهاية!

    بتاريخ 27/1/2002 التقى مندوب من الولايات المتحدة الأمريكية بأحد قادة التجمع وأبلغه بأن الإدارة الأمريكية قررت التحرك تجاه المسألة السودانية وفق النقاط التالية:

    أ- أن تكون الأولوية لوقف الحرب ثم يأتي بعد ذلك البحث عن اتفاق سياسي.

    ب ـ هدف الإتفاق السياسي هو الحفاظ على وحدة السودان وفق صيغة تعالج موضوع علاقة الدين بالسياسة وتخفف من حدة شعار حق تقرير المصير.

    ج ـ الآلية المطروحة هي التفاوض الثنائي المباشر بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية إلى أن يتوصلا لإتفاق نهائي حتى ولو كان جزئيا، لأن ذلك خيار«أفضل من عدم التوصل لاتفاق !».

    د ـ استبعاد التجمع تماما في هذه المرحلة.

    هـ ـ أيضا استبعاد مصر في هذه المرحلة وتكليف كينيا بدور الوسيط الرئيسي تحت مظلة الايغاد.

    وهكذا منذ البداية خطط للمفاوضات أن تكون ثنائية، فبدأت ثنائية وتستمر الآن ثنائية، صحيح أنه منذ تلك البداية وحتى هذه اللحظة لم نتراجع عن موقف الرفض التام لمنهج التجزئة الذي تسير عليه عملية التفاوض، وصحيح أن هذا الموقف لم يؤد إلى تعديل مسار التفاوض لصالح شمولية التمثيل والقضايا، إلا أنه أحدث شروخا في جبهة دعاة الحل الجزئي من حيث التشكيك في إمكانية استمرار ورسوخ السلام، إذا تحقق، في ظل غياب دور فاعل للقوى السياسية الأخرى، ومن حيث التساؤل حول كيف يمكن للفترة الانتقالية أن تكون جاذبة لتيار الوحدة في ظل بعض الترتيبات الواردة في بروتوكول مشاكوس والتي تدفع بالمسار في الإتجاه المعاكس؟

    عموما، قناعتي أنه مثلما بدأت المفاوضات ثنائية فستنتهي ثنائية بتوقيع اتفاق للسلام بين الحركة الشعبية والحكومة.

    ومع أهمية مواصلة الطرق على قصور هذا المنهج وعلى ضرورة شمولية التمثيل، إلا أن من الأجدى أن نركز على المرحلة التي ستعقب التوقيع على اتفاقية السلام، وهذا لايعني إتخاذ موقف الفرجة والانتظار السلبي إلى حين ظهور نتائج التفاوض، بل النظر إلى مجريات التفاوض باعتبارها من ضمن آليات الصراع السياسي في البلاد، وبالتالي المساعدة في بذل كل ما هو ممكن لإنجاحها، وفي نفس الوقت بذل مزيد من الضغط على مسار المفاوضات عبر الوسطاء والمراقبين والمفاوضين، من أجل البناء فوق الإيجابيات التي تضمنها بروتوكول ماشا كوس، ومن أجل التأثير الممكن على بنود الاتفاقية النهائية حتى تأتي لصالح الوطن والمواطن.

    إن العملية التفاوضية الجارية الآن، وبغض النظر عن نتائجها النهائية، وعن درجة الرضى عن هذه النتائج، ستحقق على الأقل ثلاثة إنجازات أساسية هي:

    أولا: وقف الحرب والقتال وتدمير الوطن.

    ثانيا: الاتفاقية اختراق قوي في جدار الشمولية وتأكيد آخر لفشل مشروع إعادة بناء الدولة السودانية على أساس آيديولوجي، أيا كانت هذه الأيديولوجية.

    ثالثا: ستخلق الاتفاقية واقعا جديدا في البلاد يفتح آفاقا نحو التحول الديمقراطي، ويهيئ مناخا أفضل للصراع السياسي من أجل إرساء قواعد السلام العادل والشامل في كل ربوع الوطن، ومن أجل استعادة الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان وضمان تصفية دولة الحزب الواحد لصالح النظام الديمقراطي التعددي، ومن أجل المحاسبة القضائية لكل من أفسد أو ارتكب جرما ضد الوطن والمواطنين، صحيح أن مجرد اعلان الاتفاق والاحتفال بتوقيعه لن يعالج مفاصل الأزمة، ناهيك عن أن منهج التفاوض الذي استمر قاصرا حتى النهاية سيلقي بتبعاته السالبة دون شك، ولكن العبرة هنا في كيفية استثمار الحركة السياسية والجماهيرية لهذا الواقع الجديد لصالح استنهاض نشاط شعبي فعّال، وحراك جماهيري متصل ومتقد يقوم على تكامل مختلف أشكال العمل السياسي والجماهيري، وذلك من أجل التصدي لحزمة من القضايا الأساسية الملموسة والتي من ضمنها:

    1ـ العمل على تحويل الاتفاق الثنائي بين الحكومة والحركة الى اتفاق شامل في اطار صيغة للاجماع الوطني، ويأتي ضمن ذلك التمسك بضرورة عقد المؤتمر الدستوري خلال الستة شهور الأولى من الفترة الانتقالية، باعتبار أن ذلك هو السبيل الأمثل لتحقيق إجماع وطني حول دستور البلاد وحول مشروع قومي لحماية السلام وتعزيز الوحدة، كذلك الاستعداد منذ الآن في بحث كيفية المشاركة في تنفيذ التدابير الناتجة من واقع التفاوض والتي سيوقع عليها الطرفان، مثلا: تكوين لجنة الجهاز القضائي، لجنة الخدمة العامة، اللجنة القومية لمراجعة الدستور، لجنة الترتيبات العسكرية والأمنية، اللجنة القومية للانتخابات، لجان مراقبة أوضاع حقوق الإنسان... الخ، إن هذه العملية تستوجب أن يتم منذ اللحظة تقوية مركز العمل المعارض في الداخل بكل الوسائل بما في ذلك نقل نشاط تجمع الخارج إلى الداخل.

    2ـ مخاطبة قضايا المعيشة ومعاناة الحياة اليومية للمواطن السوداني بما في ذلك قضايا المفصولين والمشردين والنازحين، فالسلام وحده لن يشبع الجوعى ويكسو العراة!

    3ـ مخاطبة قضايا التوتر العرقي والمناطق المهمشة والتي ستظل بؤرا للصراعات المتفجرة، فالصراعات القبلية تجاوزت طابعها التقليدي، وتحولت إلى صراع على الموارد الطبيعية المتدهورة، وتطلع مشروع نحو اقتسام عادل للثروة والسلطة، والمشاركة الديمقراطية في القرار السياسي والإداري، وفي هذا السياق تحتل الأزمة في دارفور موقعا خاصا، فأزمة دارفور، رغم حيزها الجغرافي وخصوصيتها، امتداد للأزمة الوطنية العامة، كما أن سياسات وتجاوزات حكومة الإنقاذ، فاقمت الأزمة وحولتها إلى مأساة إنسانية مرشحة للتدويل.

    4ـ إعادة تأهيل الحركة النقابية، والمشاركة الواسعة في اعادة تأهيل الاقتصاد، إصلاح الخدمة المدنية، إضافة إلى خلق أوسع قاعدة جماهيرية لحماية حقوق الإنسان وترسيخ التحول الديمقراطي.

    5ـ مقاومة إفرازات فشل مشروع السلطة الحضاري وما أفرزه من هوس ديني وإرهاب.

    6ـ المحاسبة والمساءلة لكل من ارتكب جرما في حق الوطن والمواطن.

    7ـ الاستعداد لخوض الانتخابات وفق برنامج انتخابي مستمد من قرارات مؤتمر القضايا المصيرية، ووفق قائمة موحدة.

    الاتفاق والشراكة!

    موضوعيا فإن أي اتفاق بين الحركة والحكومة هو درجة من درجات الشراكة، وهذه مسألة مقبولة ومفهومة، لكن السؤال هنا ما هو محتوى ومدى هذه الشراكة؟! دوائر النظام تستعجل التوصل لاتفاق يقوم أساسه على شراكة سياسية كاملة بينه وبين الحركة الشعبية، وذلك بهدف الحفاظ على البنية التحتية للنظام، خاصة الاقتصادية والأمنية، مما يعني احتفاظ هذه الدوائر بقدرتها على إفراغ أي اتفاق أو مسعى للتحول الديمقراطي من محتواه، وكذلك الحفاظ على ما غنمته من مكاسب طيلة سنوات الحكم، و السعي في نفس الوقت للإفلات والهروب من المحاسبة والمساءلة، هذه الدوائر بقيت في السلطة بقوة القمع والبندقية، والآن تريد مواصلة البقاء في الحكم والهروب من المحاسبة بواسطة الحلول الجزئية والشراكة، لكن هل يمكن أن تغامر الحركة الشعبية لتحرير السودان بكل ما قدمته من تضحيات جسام لصالح قضيتها العادلة؟ وهل يمكن أن تضحي بكل تاريخها الزاخر بالمفاهيم والشعارات النضالية من نوع: السودان الجديد، الاجماع الوطني، الوحدة الطوعية على أسس جديدة، التمسك بمقررات مؤتمر أسمرا 1995 للقضايا المصيرية... الخ، وتختزل هذا النضال في اقتسام السلطة والثروة مع نظام الإنقاذ على نمط اتفاقية أديس أبابا 1972؟

    إن مشاركة الجماهير الواسعة في كل شيء، في التفاوض وفي تنفيذ نتائجه، هي الشراكة الوحيدة التي يمكن أن تخرج بلادنا من الأزمة، وهذه لن تتأتى إلا عبر التحول الديمقراطي الواسع والحقيقي، ونحن ندرك أن نظام الخرطوم يرفض هذه الشراكة لأن محصلتها النهائية هي تفكيكه.

    من زاوية أخرى تدور الآن أحاديث حول التحالفات في المرحلة المقبلة، وهي أحاديث لانجد تفسيرا لها سوى بدء السباق نحو كراسي السلطة، ونظام الخرطوم يناور في هذه الوجهة من منطلق توسيع الشراكة عبر «صرف» العديد من كراسي الحكم بعد صنع المزيد منها، إن إختزال التغيير في مجرد إعادة إقتسام وتوزيع كراسي السلطة هو المدخل لاستمرار إعادة انتاج الأزمة.

    إن التحول الديمقراطي هو مفتاح الحل لأزمات الوطن، ولكن فإن أي تغيير قادم في السودان لا يهز في وقت واحد البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، سيظل مشوها وناقصا ويحمل في طياته إمكانية الانتكاسة، ولنا في تجربة ثورة أكتوبر 1964 وإنتفاضة أبريل 1985 خير درس، إن عملية الهز هذه لن تتم بالرغبة الذاتية، وإنما عبر صراع سلمي وطويل يشكل الأساس لوجهة نظرنا حول صيغة التجمع الوطني الديمقراطي، كما يشكل الأساس حول كيفية إعادة اصطفاف قواه في مرحلة لاحقة بالارتكاز على أربع ركائز أساسية هي:

    1ـ الطابع الجماهيري لعملية التغيير حتى وان تم عبر التسوية المتفاوض عليها.

    2ـ التعددية بمفهومها الواسع والذي يلبي الواقع السياسي والاجتماعي والعرقي والثقافي والديني.

    3ـ الديمقراطية الواسعة المرتبطة بواقع التعددية أعلاه، والتي تمارس وفق أرضية سودانية تلبي في الأساس الحاجات الرئيسية للمواطن (لقمة العيش).

    4ـ دور المناطق المهمشة وقضايا القوميات في اتجاه جذب طلائع هذه المناطق للتحالف مع قوى القطاع الحديث بهدف التصدي لعلاج المشكل السوداني حيث في إطار ذلك فقط سيتم حل قضايا مناطقهم التي عانت طويلا من التهميش والإهمال والظلم.

    مستقبل التجمع

    وفي إطار السباق المحتدم نحو السلطة خلال الفترة الانتقالية، في حال التوصل لاتفاق، تعمل منذ الآن قوى مرئية وأخرى مستترة، لتفكيك التجمع باعتبار أن مرحلته قد انتهت، إن هذه القوى - بوعي أو بدون وعي - تعبر عن اتجاهات الأزمة وإعادة انتاجها، إن التجمع الوطني الديمقراطي وعاء يضم الأحزاب والنقابات وممثلي القوات المسلحة والشخصيات الوطنية، لكنه ليس مجرد كم حسابي - حاصل جمع مكوناته - وإنما هو صيغة جديدة في التجربة السياسية السودانية، صيغة نبعت من جملة من التناقضات الملازمة للممارسة السياسية في السودان منذ الاستقلال: الحلقة الشريرة، التناقضات المرتبطة بالممارسة الحزبية والبرلمانية، ارتباط السياسة بالطائفة والقبيلة، التناقضات الناتجة عن تهميش قوى مراكز الإنتاج الحديث (القوى الحديثة) وفى نفس الوقت تهميش قوى الأطراف (مراكز التوتر العرقي)، وصيغة التجمع تمثل أحد أوجه الصراع الاجتماعي في السودان وذلك على أرضية الصراع في إطار التحالف، لذلك فهو ليس مجرد جبهة معارضة من أجل إزالة النظام الديكتاتوري الحالي وحسب ، وإنما هو وعاء يدار فيه الصراع الاجتماعي حول كافة قضايا الوطن بصورة سلمية وديمقراطية وفق منهج جديد يصحح سلبيات الماضي ويمنع إعادة إنتاج الأزمة، والتصدي لقضية بهذا العمق يستوجب استنفار الشعب بأسره، وصيغة التجمع مساهمة فعّالة في هذا الصدد حيث ألتفت حوله الجماهير وعقدت عليه آمالها لا في الخلاص من الديكتاتورية فحسب وانما في إخراجها من ما يقرب من خمسين عاما من الإحباط وفي تحقيق تطلعاتها إلى وطن تترجم فيه الديمقراطية والحرية السياسية إلى حياة تزدهر ماديا وروحيا، وعلى هذا الأساس أدار التجمع نقاشا واسعا وعميقا حول قضايا إعادة بناء الدولة السودانية حيث تم التوصل إلى نقاط اتفاق واسعة ضمنت في مواثيق ومقررات التجمع، ولعل أكبر إنجاز كان مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا - يونيو 1995 - والذي يعتبر شكلاً مصغراً للمؤتمر الدستوري حيث تم الاتفاق على قضايا فصل الدين والسياسة ، شكل الحكم في الفترة الانتقالية بعد إزالة الديكتاتورية، إيقاف الحرب والسلام، البرنامج الاقتصادي الانتقالي، عقد المؤتمر القومي الدستوري خلال الستة أشهر الأولى من الفترة الانتقالية وصولا لصياغة دستور دائم للبلاد، كيفية تنظيم الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية على أساس النظام الديمقراطي التعددي... الخ، وقد التزمت كافة أطراف الحركة السياسية السودانية باعتبار ميثاق التجمع وملحقاته من قرارات مؤتمر أسمرا التاريخي بمثابة الثوابت التي ستبنى عليها الدولة السودانية الحديثة الموحدة والمستقرة، ومؤخرا طرح التجمع مشروعا للإجماع الوطني يستند إلى تلك المقررات التاريخية، وذلك في مواجهة الحلول الجزئية التي في تقديرنا لن تتصدى لعلاج جذور الأزمة، وفي الحقيقة فإن مواثيق التجمع ومقرراته وحدت قوى متباينة، بل ومتعارضة، ظلت - لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية وإقليمية... الخ - تتخاصم وتتصارع حقبا طويلة قبل أن تقتنع بأن الوطن كله أصبح في مهب الريح وان خطرا داهما يتهددها جميعا، وان التفكير السليم يقول بان ما يجمعها من مصالح- في الحد الأدنى الضروري للحياة - أقوى مما يفرقها، وأنه آن الأوان كيما تلتقي بجدية واخلاص لصياغة واقع جديد في السودان يحافظ على دولته الديمقراطية الموحدة، ويهيئ مناخا ملائما للتداول السلمي للسلطة ولإنجاز مشروع تنموي لصالح الجماهير السودانية التي ظلت صابرة لعقود من الزمن لا تحصد سوى الريح، ولكن أبدا لم تفقد الأمل.

    إن هذا التشخيص يفترض أن يظل التجمع موحدا ومتماسكا طيلة الفترة الانتقالية، وفي نفس الوقت ينفتح على كافة القوى الأخرى على أساس مواثيق أسمرا ومشروع الإجماع الوطني، فهل شطحنا يا ترى؟

    خاتمة

    لقد ظللنا نكرر، ولن نمل التكرار، بأن الأزمة السودانية ليست أزمة عابرة أو مؤقتة، وإنما هي أزمة وطنية عميقة وشاملة تخللت كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية، إنها أزمة مزمنة تمتد جذورها إلى فجر الاستقلال، لكنها تفاقمت وتعقدت بالمعالجات القاصرة والخاطئة على أيدي القوى الاجتماعية التي شكلت الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على الحكم طيلة الفترة التي أعقبت الاستقلال وحتى يومنا هذا.

    وما يشهده السودان اليوم ليس سوى التعبير الأوضح والنتاج المنطقي لهذه الأزمة التي وصلت مداها الأقصى في ظل النظام الحالي، بحيث تشهد بلادنا اليوم مأزقا مأساويا حقيقيا... نورد هنا - باختصار - بعض مظاهره: ـ سيادة الإرهاب والطغيان وانتهاك حقوق الإنسان في السودان بدرجة لم تشهدها بلادنا من قبل.

    ـ اتساع رقعة الحرب الأهلية المدمرة لتشمل كل البلاد غربا وجنوبا وشرقا، ونتيجة للحرب الأهلية يفقد السودان الآلاف من شبابه كما تتضاعف أعداد المعوقين، وتتضاعف أعداد النزوح واللجوء حيث الآلاف يبحثون عن ملاذ ومأمن لأطفالهم في كندا واستراليا وهولندا وبريطانيا ونيوزيلندا والولايات المتحدة... الخ.

    ـ انعدام المقومات الأساسية للحياة وتفشي المجاعة واستجداء قوت الطعام وانهيارات الطبقة الوسطى لدرجة التسول... الخ.

    ـ انعدام الأمن والأمان، الطفولة المشردة، تحطم الأسر وتفسخ النسيج الاجتماعي، الخوف من المستقبل، نزيف العقول والكفاءات والمهارات وسواعد الشباب.... الخ.

    ـ محاولة فرض مشروع اجتماعي متخلف تحت مسميات «إعادة صياغة المجتمع» و «المشروع الحضاري»، صحيح أن هذا المشروع أصابه الفشل الذريع، لكنه أفرز مجموعات الهوس الديني، كما أدخل على البنية الاجتماعية عددا من الممارسات الغريبة.

    ـ صعود شرائح الطفيلية الجديدة وأثرياء الحرب وسماسرة المجاعة وناهبي المال العام.

    وكانت حصيلة هذا الواقع المأساوي:

    ـ شكل جديد من الاستلاب والاغتراب ليس تجاه الدولة أو مؤسساتها فحسب، وانما تجاه الكيان السوداني ذاته، وهنا تكمن الخطورة.

    ـ إعاقة نمو واتساع القوى الحديثة في المجتمع، القوى التي يفترض أن تبني المستقبل.

    ـ ترييف المدينة التي خبا بريقها كمركز إشعاع ثقافي وسياسي.

    ـ إنهاك مؤسسات المجتمع المدني، ثم فقدان الثقة في هذه المؤسسات بما في ذلك الأحزاب، وتراجع المواطن إلى رحاب القبيلة والعشيرة بحثا عن الأمن والأمان، وما يحمل ذلك في طياته من إمكانية تصدع الدولة.

    إن الصراع السياسي في السودان ليس مجرد صراع حول السلطة بين المعارضة والحكومة،كما لا يمكن حصره في أنه معركة بين الشمال والجنوب، مثلما لا يمكن توهم حله بمجرد وقف القتال بين المتحاربين، لكن جوهر الصراع هو في الحقيقة حول إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة، القائمة على الاعتراف بالتعدد الاثني والديني والثقافي، والمرتكزة على أسس النظام المدني الديمقراطي التعددي، وعلى التنمية المتوازنة بين كل أطراف البلاد، وذلك في ظل نظام للحكم يحقق هذه الأهداف.

    ومثلما أن الأزمة في السودان لم تبدأ بانقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 30 يونيو 1989، فإن حلها لن يتم بمجرد تصفية هذا الانقلاب واستعادة الديمقراطية وإن كان هذا هو المدخل الوحيد لحلها، ومن الواضح أننا لا نتحدث عن تأزم سياسي فقط ، وإنما نشير إلى أزمة ذات حلقات متشابكة ومتداخلة ومترابطة ولا يمكن حلها بفض إحدى الحلقات دون الأخريات، والحلقات هي:

    /1 وحدة السودان /2 السلام /3 الديمقراطية /4 التنمية.

    وأزمة بهذا العمق لا يمكن أن يحلها حزب واحد أو حزبان أو ائتلاف أغلبية أو نظام عسكري، وفى ظل الوضع الراهن لا يمكن أن تحل عبر تفاوض بين حكومة الخرطوم وأحد الأطراف في الجنوب أو الشمال، أو عبر وساطة أقوى دولة في العالم، كما لايمكن حلها بمجرد التوقيع في البيت الأبيض، حل الأزمة، أي فض كل حلقاتها، يعنى إعادة صياغة السودان وإعادة بناء الدولة السودانية الحديثة، وهذه مهمة شعب بأسره، وهى مهمة لا يمكن أن تنجز إلا في ظل الحرية والديمقراطية ودون وصاية من أحد، وبالتالي فإن تهيئة المناخ المناسب لحلها تتطلب إزالة الديكتاتورية الجاثمة الآن على صدر السودان، ونقطة البداية تبدأ بالوعي بضرورة الانطلاق من حقيقة أن السودان وطن متعدد بالمعنى الواسع للكلمة: متعدد في مستويات التطور الاجتماعي ، ومتعدد الأعراق والعناصر والقوميات والتكوينات القومية ، متعدد الديانات والحضارات والتقاليد واللغات، وإذا كانت حقيقة التعدد القومي والعرقي والديني والثقافي لا تعنى شيئا كثيرا فيما سبق ، بالنسبة للكثيرين، فإنها الآن قد صارت معترفا بها - ولو لفظيا- من قبل كل القوى والشرائح في المجتمع السوداني، التحدي الذي يواجهنا يبدأ بالاعتراف بالتعدد لا بالوقوف عنده فحسب، بل التقدم لصياغة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تترتب عليه، كما أن رؤية التنوع لا تعمى نظرنا عن عوامل وحدة المجتمع السوداني والتي تراكمت عبر القرون.

    عبقرية الشعب السوداني تفتقت عن فكرة المؤتمر القومي الدستوري باعتباره الماعون المناسب لحل الأزمة وإعادة صياغة الدولة السودانية، والمؤتمر الدستوري ليس مجرد جلسات حوار عادية تختتم بتوصيات وقرارات، وإنما هو سلسلة عمليات مركبة process تستوجب مشاركة كافة الأحزاب والنقابات والمنظمات والشخصيات ورجالات القبائل وممثلي القوميات... الخ، ويشارك في أعماله أوسع قطاع من الجماهير عبر الإعلام المسموع والمقروء والمرئي وعبر ورش العمل والسمنارات والندوات... الخ، لذلك فإن انعقاده يتطلب جوا من الحرية والديمقراطية والحوار الحر الواسع، والمؤتمر الدستوري سيؤدى مهام ووظائف ذات طابع تأسيسي ظلت مؤجلة ومتراكمة منذ فجر الاستقلال، أسقطتها القوى الاجتماعية السياسية التي اعتلت دست القيادة، سواء عبر الانقلاب العسكري أو الانتخاب الديمقراطي، فلم تركز إلا على مسألة السلطة وبقائها فيها.

    وهكذا فإن فكرة المؤتمر الدستوري أقرب في دلالتها إلى أن يختط السودان بتعدد كياناته القومية والعرقية ومعتقداته الدينية المتعددة وجذوره الثقافية الحضارية المتنوعة، منهجا لحل معضلاته المزمنة كيما يستقر دولة حديثة جديرة بأهله، ورقما ينتزع الاعتراف به في هذا العالم، من ناحية أخرى فإن فكرة المؤتمر الدستوري والمهام التأسيسية المناط به حلها، ترتبط تماما بمفهوم آخر، محوري وأساسي لإعادة بناء السودان، ألا وهو مفهوم الفترة الانتقالية، إن جوهر أهمية الفترة الانتقالية يمكن إدراكه في إطار فشل المشروع الديمقراطي في السودان والذي يأتي عقب فترات انتقال فاشلة ، بمعنى لم تستكمل مهامها، والمسئولية هنا تقع على عاتق الحركة السياسية السودانية، وفي الحقيقة فإن السودان يعيش في فترة انتقالية منذ فجر استقلاله، انجز خلالها خروج المستعمر وتطور الحركة السياسية والجماهيرية على أساس ترسيخ مفاهيم التعددية والانتفاضة ودور المنظمات الجماهيرية... الخ في حين ظلت قضايا التنمية والهوية والحكم... الخ معلقة دون علاج.
                  

11-28-2003, 02:26 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان (Re: Raja)

    http://www.albayan.co.ae/albayan/seyase/2003/issue654/textstwo/1.htm

    http://www.albayan.co.ae/albayan/seyase/2003/issue654/facts/1.htm

    حروب الأطراف ودعاوى التهميش في السودان، قرنق يلعب على الحبلين ولو استمر فلن يجد سوداناً يحكمه

    بقلم : محمد أبو القاسم حاج حمد

    أصبح تعبير «المناطق المهمشة» مصطلحاً دارجاً في القاموس السياسي السوداني منذ أن استخدمته حركة تحرير شعب السودان بقيادة العقيد جون قرنق في بيانها «المانفستو» الصادر بتاريخ 31 يوليو 1983 حيث حددت المناطق المهمشة في (الفصل الثاني/فقرة 6) بأنها كل السودان ما عدا وسطه (مديرية الخرطوم ومديرية النيل الأزرق القديمة) حيث تتموضع العاصمة وأهم مشروع إنتاجي للقطن في الجزيرة.

    وحمّلَ البيان الاستعمار (الحكم الثنائي البريطاني/ المصري 1889/1956) مسئولية تهميش هذه المناطق، ثم حملّ المسئولية- من بعد الاستعمار ـ لما أطلق عليه أنظمة شلل الأقلية في الوسط، بداية من عام 1956 (الفقرة 7).

    إن أي تحليل سياسي اجتماعي لا يستطيع في النهاية إلاّ أن يعطى المانفستو قيمة وطنية مع تقدير الحل الجذري الذي تبنى مفهوم السودان الموحد باتجاه إشتراكي وحل ديمقراطي لكل القضايا القومية والدينية (الفصل السابع/فقرة 23).

    وللتأكيد على هذا النهج الوطني أدان المانفستو الحركات الانفصالية في جنوب وغرب وشرق السودان (الفصل السابع/فقرة 23) باعتبار أنها ستقود إلى تفتيت السودان. مع النص على أن الضرورة فقط هي التي أملت قيام الحركة في جنوب السودان إلاّ أنها تستهدف تحويل السودان كله (الفصل السابع/فقرة 21).

    فشل الوسط السوداني إذا قرأنا النص قراءة تحليلية باستخدام نظرية جدل الواقع التي تبحث عن محركات التغيير وقوى التغيير في الواقع السوداني سنأخذ بعين الاعتبار فشل كافة القوى التي تعاقبت على حكم السودان منذ عام 1956 وإلى اليوم (نصف قرن تقريباً) وتناوبها الحكم ما بين قوى عسكرية وأخرى سياسية حزبية وطائفية، وما بين قوى تقليدية وأخرى اجتماعية حديثة طبقاً للجدول الذي أعده الدكتور التجاني عبدالقادر حامد. (1)

    يعكس هذا الجدول ـ لدى تحليله ـ مسار جيلين في حياة السودان السياسية، الجيل الأول وهو الذي حكم الفترتين النيابية والعسكرية الأوليتين، من 1954 وإلى نهاية 1964 (أزهري ـ عبدالله خليل ـ عبود) والجيل الثاني من (1969 وإلى اليوم 2003). (نميري ـ الصادق المهدي ـ البشير).

    قد عايش الجيل الأول وطناً سودانياً موروثاً في تركيبته الجغرافية ـ السياسية عن مصر (1821 ـ 1874)، وعايش اقتصاداً حديثاً موروثاً عن بريطانيا (1905)، ثم مارس الجيل الأول سيادته الوطنية بعد الاستقلال في إطار (المجتمع المصغر) الذي خلفه الحكم الثنائي و(القبضة الفوقية) بمرجعياتها التاريخية (كعلي الميرغني وعبدالرحمن المهدي) والاجتماعية والسياسية (كالأزهري) والصفوف الوظيفية العليا من كبار العسكريين ورجال الخدمة المدنية، مستنداً إلى نظم الدولة الحديثة التي زرعها الاستعمار في قلب المجتمع التقليدي وعزَّز مؤسساتها وفق روح دستور السودان المؤقَّت لعام 1956 والذي اسْتُمِدَّ من اتفاق الحكم الذاتي الانتقالي بين بريطانيا ومصر لإدارة شئون السودان في الفترة (1953 ـ 1954).

    الجيل الثاني بلا موروث لم يرث الجيل الثاني- الذي وُلِد معظمه ما بين نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات ـ عن الجيل الأول تلك المقومات التي ذكرناها، فهذا الجيل الثاني الذي بدأ صعوده مع ثورة أكتوبر الشعبية عام 1964 وانقلاب نميري في 1969 وجد نفسه في حالة فراغ بعد أن تجاوز دستور 1956 بداية من عام 1966 وإن توافر له التواصل مع الإرث التعليمي لأكاديميات (بخيت الرضا) وهي الأكاديمية (الأم) و(خورطقت) و(حنتوب) و(وادي سيدنا).

    ظل عبء السودان ومنذ استقلاله في الأول من يناير 1956 أكبر من طاقة أبناء الشمال والوسط، وأكبر من طاقة قواهم الاجتماعية الحديثة التي لا تتجاوز نسبتها أكثر من 17% من قوى المجتمع السوداني وقواعده الحضرية التي لم تتجاوز في العاصمة نسبة 21% من مجموع السكان عام 1983، ثم أعقب ذلك تغيرات جدية بسبب النزوح المتعاظم طوال حقبة التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة لا بسبب الحروب وحدها (حرب الجنوب الرابعة 1983) ولكن حتى بدوافع التصحر والجفاف والأوبئة والجوع، فعبء السودان يظل أكبر وسيظل كذلك من الشماليين كلهم.

    فالكيان السوداني كوطن إنما يرجع في تحديد معالمه للتوسع المصري جنوباً باتجاه وادي النيل والبحر الأحمر، بداية من محمد علي باشا في عام 1921 ثم بلوغ الأوج في مرحلة الخديوي إسماعيل باشا (1863 ـ 1879) حيث ضمت مصر إلى وسط السودان كلاً من شرقه (سواكن) وغربه (الفور) و(جنوبه)، بل واتسعت حكمدارية السودان الخديوية لتشمل شمال يوغندا والبحيرات الاستوائية جنوباً، وكذلك كامل أريتريا، ولم ينحسر هذا الاتساع إلا حين حكم المهدويون الأنصار فتقلصت رقعة الكيان السوداني جنوباً وشرقاً وغرباً(2).

    فالسودانيون لم يسهموا في صناعة (الوطن) أو (الكيان الجغرافي- السياسي) للسودان المعاصر وإنما صُنع في مصر وفق توجهاتها الجيوبوليتيكة، فوجد (وسط) السودان نفسه ـ وتحت الإدارة المركزية الخديوية ـ في دائرة التفاعل مع الشرق (البجاوي) والغرب (الفوراوي) والجنوب (النيلي). وقد استمر هذا التفاعل إيجابياً حين تُفعّل القواسم المشتركة، ديناً وصوفية، مع الفور والبجا، في حين يستمر التفاعل سلبياً مع الجنوب دون قواسم مشتركة.

    الصناعة البريطانية للاقتصاد

    وكما أسست مصر الكيان والوطن السوداني المعاصر، كذلك أسست بريطانيا مشاريع الري الحديثة بداية من مشاريع (الزيداب) و(العاليات) و(البرقيق) في 1904 ثم مشروع الجزيرة ـ مصدر الأقطان في السودان ـ عام 1925، ومد السكك الحديدية منذ بدايات التوسع في عام 1896، وافتتاح كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقاً) في عام 1902، وافتتاح المدرسة الحربية (الكلية الحربية لاحقاً) عام 1905 وتأسست البنية التحتية من أكاديميات (وادي سيدنا ـ قرب أم درمان) و(حنتوب ـ وادي مدني) و(خور طقت ـ الأبيض) وكذلك شيخ الثانويات والمعلمين (بخت الرهنا -الدويم).

    فالشماليون لم يصنعوا جغرافية السودان السياسية بهذا الاتساع البالغ مليون ميل مربع وبما يتجاوز جغرافيتهم المحدودة في الوسط والشمال وإنما صنعتها مصر وحافظت عليها بقوة تتكافأ مع إمكانياتها العسكرية والإدارية القهرية ثم ورث الشماليون ذلك وهم أضعف من قدرات مصر.

    وكذلك لم يصنعوا اقتصاد السودان الحديث الذي صنعته بريطانيا وإنما ورثوه وهم أضعف من بريطانيا تقنيا وإدارياً فإذا كان الشماليون قد صعدوا إلى سدة السلطة والمراكز العليا ـ بحكم الأمر الواقع بوصفهم قاعدة القوى الاجتماعية الحديثة التي تأهلت بحكم المصالح الاستثمارية الاستعمارية فإنهم لا يملكون قدرات بريطانيا وقدرات مصر.

    فعوضاً عن مناقشة سلبيات الوسط والشمال (العربية/ الإسلامية) واستئثار الشماليين بما لغيرهم ـ دون أن نحدد ما كان بحوزة هذا الغير قبل أن يستولي عليه الشماليون ـ فمن الأصوب مناقشة لماذا عجز الشماليون عن إدارة السودان وبنائه اقتصادياً ودمجه في بعضه وطنياً؟ وذلك باعتبار منطق المسئولية المكافئة لحجم العبء من جهة والتي توزن بالقدرات الذاتية والموضوعية للوارث الشمالي عن بريطانيا ومصر.

    فبريطانيا لم تضع مخططات النمو الاقتصادي في السودان لحل مشكلات التخلف مستهدية بكتابات بول باران وايف لاكوست ومنتدى روما، وإنما بقائمة طلبات مصانع لانكشير.

    ويخوض السودان منذ ما قبل استقلاله ومنذ مرحلة حكمه الذاتي الانتقالي (54 ـ 1956) حروباً دامية في الجنوب اشتعلت أولاها في أغسطس 1955 ثم توارثت أنظمة الحكم السودانية وإلى اليوم (2003) مشكلات الصراعات القبلية وما فوق القبلية (الإثنية)، وبالذات في غرب السودان.

    الأمر الذي حال ويحول دون تحقيق الوحدة الوطنية وتدامج أقسام المجتمع، إضافة إلى إهدار موارد الدولة المحدودة لكبح جماح هذه الصراعات التي اتخذت مسارات عسكرية مسلَّحة مخلِّفة العديد من القتلى والجرحى والمعاقين جنباً إلى جنب مع إبادة المواشي وإحراق المزروعات. وهكذا غدا السودان وهو الغني بمصادره الطبيعية وكثافته السكانية أحد رموز الفقر والمديونية في العالم الثالث.

    وطوال النصف قرن تقريباً، من الحكم الذاتي (1954 وإلى اليوم 2003) لم تستقر أوضاع السلطة وأنظمة الحكم في السودان نتيجة الافتقار إلى بنية مؤسسية دستورية يلتزم بها الورثة عن بريطانيا ومصر إذ اغتالوا في وقت مبكر حتى أساسيات الأبنية الدستورية التي ورثوها وأعني من بينها مجلس الشيوخ الرقيب على البرلمان، وكذلك روح ونصوص دستور السودان المؤقت لعام 1956 وأبنية المؤسسية من قضاء مستقل ومحكمة دستورية وخدمة مدنية، فساد الاضطراب في الحياة السياسية السودانية بما يمثله الجدول من تعاقب الحكومات، مؤتلفة وغير مؤتلفة في المراحل النيابية أو تعاقب التغييرات داخل فترات الحكم العسكري.

    اضطربت خيارات الجيل الثاني وتلاشى في عهده (المجتمع المصغَّر) كما تلاشت (القبضة الفوقية) وقيم وتقاليد المؤسسات، في حين انزوى الكبار من الجيل الأول.

    وكذلك لم يرث الجيل الثاني لا عن الاستعمار ولا عن الجيل الأول مناهج التخطيط الاقتصادي المبرمَج على مستويات الخطط القصيرة المدى (السنوية) أو متوسطة المدى (الخمسية) أو طويلة المدى (العشرية). فكل ما ورث هو (عقلية الميزانية) التي تعتمد على مضاهاة الانفاق بالدخل وتوسعة ما هو قائم من مشروعات موروثة عن الاستعمار ـ باستثناءات تمت في عهدي نميري وعبود ـ وهي استثناءات محدودة.

    صحيح أن الإدارة البريطانية قد اضطرت بعد الحرب العالمية الثانية لوضع خطتين للتنمية الاقتصادية، وكلتاهما خماسيتان، الأولى للأعوام (1946 ـ 1951) والثانية للأعوام (1951 ـ 1956) وقد تزامنت نهاية الأخيرة مع بداية الاستقلال في عام 1956. ولم تكن تستهدف تلك الخطط سوى زيادة انتاجية ما هو قائم وبالذات في مجال الأقطان. ولم يعرف السودانيون طوال الفترة من 1956 وإلى 1961 أي خطط جديدة باستثناء توسعة مشاريع المناقل والزراعة الآلية وغيرها.

    وحتى حين بدأ نظام عبود العسكري في وضع خطة (عشرية) للتنمية القومية الاقتصادية الاجتماعية في عام 1962 فإن هذه الخطة لم تستمر لأكثر من ثلاث سنوات ولكنها بقيت مرشداً للنظام النيابي الذي تلا حكم الفريق عبود فيما عرف بالنيابة الثانية (1956 ـ 1969). ثم جاء نميري ليضع خطة خمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ولكنها تقلّصت إلى ثلاث سنوات فقط ولم تكن قد أتت أكلها. ثم استيقظ نميري في عام 1977 على شعارات (السودان سلة غذاء العالم)، فوضع خطة (سداسية السنوات) يمتد تنفيذها إلى عام 1983 ولكن سرعان ما انهار الجنيه السوداني وتقلّصت الاستثمارات وكان لحرب الجنوب التي اندلعت في مرحلتها الرابعة (1983) الأثر السلبي الكبير وانتهت الدولة حتى تنقذ نفسها لسحب الدعم من السلع.

    كان واضحاً افتقار الجيل الثاني لذلك النوع من الاستراتيجيات القومية الشاملة لوطن غني في موارده إذ تبلغ حصته من مياه النيل ضمن اتفاقية 8 نوفمبر 1959 مع مصر (5/1 مليار متر مكعب من المياه لا يستغل منها سوى 8 مليارات إضافة إلى أمطار السودان ومياهه الجوفية. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية الصالحة فيه (300) مليون فدان تبعاً لتقديرات (الفاو) عام 1973، ويمتلك من الثروة الحيوانية الكثير إضافة إلى مصائد الأسماك النهرية والحيوانات البرية والغابات! إن أدنى الاحصاءات توضح ما لدينا من أبقار وجمال وماعز وخراف بما يتجاوز (160) مليون رأس وعدا ما يملكه من نفط وثروات معدنية وعدا عن ثروات ساحلة على البحر الأحمر بطول (640) كيلومتراً وما بقاع هذا البحر من رسوبيات المعادن: وقد كانت هذه الرسوبيات المعدنية محل اتفاق استثماري بين السعودية والسودان وقع بين البلدين في 6 مايو 1974 ولم ينفذ بعد.

    وتقدر ثروات قاع وما تحت قاع البحر الأحمر بمليارات الدولارات وقد استكملت كافة دراسات الجدوى.

    النيابة البرلمانية والأنظمة العسكرية والقصور عن طرح البدائل

    فالنيابية البرلمانية كيفما تطبَّق في السودان وفي العديد من دول العالم الثالث ما دون مرحلة الصناعة والسوق الحر، والتوجهات العلمانية والليبرالية، لا تعني سوى (التداول السلمي للسلطة) واستخدام (آليات الانتخاب)في مجتمع غير مؤسس ديمقراطياً كما أن النظام النيابي لا يتضمّن في ذاته (مبادئ موجهة) لمشكلات البلاد، فطرح هذه المبادئ الموجهة هي من مهمات افتراضاً من يأتي به الناخب إلى المجلس النيابي.

    غير أن الناخب في السودان، وبحكم التركيبة التقليدية المتخلفة، اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً، لا يأتي إلا بمن يمثلون مركبات واقعه السائد، على أسس طائفية وعشائرية، ثم يمارس هؤلاء سلطتهم البرلمانية كامتياز ليس إلا. فقلة قليل منهم ـ تكاد تصل درجة العدم ـ يهتمون بالثقافة العامة ولا يلجون حقل الدراسات السياسية والاستراتيجية ولا حتى الاجتماعية، ولا نلمس لهم إسهامات في جمعيات فكرية أو ثقافية. وقد تميّز جيل الآباء المؤسسين (الجيل الأول) بارتياد بعضهم لهذه المجالات وإنشائهم لجمعيات ثقافية وفكرية جادّة. أما الجيل الثاني فهو خلو من ذلك إلى حد كبير.

    أما في حال الأنظمة العسكرية فإن مسيرة الجيل الثاني وقواه الاجتماعية الحديثة هي كمسيرته السلبية تماماً وكحاله في إطار الأنظمة النيابية الطائفية. فالأنظمة العسكرية طغت بفرديتها حتى على تفكير (النخب) أو (الصفوة) الموالية لها، واستأسدت بمزاجيتها وضحالتها الثقافية والسياسية على الجميع.

    ثم إن الجيل الثاني وقواه الاجتماعية لم يتواصل ويتفاعل مع أهم مصدرين كان الجيل الأول يتعاطى من خلالهما (الاستنارة): المصدر المصري منذ بواكير مرحلة فكر النهضة في مصر (بدايات فكر النهضة في مصر 1798 وإلى 1939). والمصدر البريطاني منذ إنشاء كلية غوردن في السودان عام 1902. فالجيل الأول كان يستشعر عظم المسئولية التي ستُلقى على كاهله لإخراج الاستعمار من جهة، ولقيادة السودان المستقل من جهة أخرى، فكرَّس جهده لتأهيل نفسه. أما الجيل الثاني فقد افتقر لشحنات حماس مماثلة نتيجة عدم وجود تحد مباشر كالتحدي الاستعماري.

    فبانقطاع الجيل الثاني وقواه الاجتماعية الحديثة عن مصدري فكر النهضة والذي كان من خلال مصر، والثقافة البريطانية من خلال التواصل مع الجامعات ومراكز التأهيل البريطاني، وغياب (المجتمع المصغَّر) و(القبضة الفوقية)، وقيام نظام عسكري لا يحترم حتى آراء نخبته، ويراوح بين اليسار واليمين والوسط، وقيام نظام برلماني عبر مرحلتين (1965 ـ 1969) و(1986 ـ 1989) احتلّت فيه الطائفية موقع الصدارة، وفي مواجهة مشكلات مجتمع مفكك في بنيته الإقليمية والقبلية، وغائص في وحل المنازعات، وتجدُّد الحرب المأساوية في الجنوب، وانهيارات الوضع الاقتصادي.

    كل ذلك عزَّز سلبية الجيل الثاني وأضعف دور قواه الاجتماعية الحديثة والتي لا تشكل قوتها سوى 17% من المجتمع.

    التحدي هنا أخلاقي وفلسفي وسياسي كبير لأن الأمر يتطلَّب تفكيراً منهجيّاً واستراتيجياً لا لمعالجة مشكلات السودان فحسب ولكن (لإعادة التأسيس) لتعزيز جدلية الوحدة في مقابل جدلية التجزئة الإقليمية والطائفية والقبلية، وتعزيز استراتيجية النمو في مقابل التخلف الاقتصادي والاجتماعي والفكري، وبما أن الدور السوداني عبر تاريخه المعاصر لم يكن طرفاً صانعاً ومؤثراً في تحديد الكيان السوداني واقتصاده الحديث، وإنما كان وريثاً ومستثمراً فقط لما أحدثته مصر وما أحدثته بريطانيا، فقد طغت السلبية من بعد الاستقلال ولم يتسنَّ للبديل الجذري المطلوب أن يظهر. علماً بأن الجيل الأول نفسه قد عايش ما هو موروث ولم يضف عليه سوى الاستقلال.

    أما العقائديون خاصة من القوى الاجتماعية الحديثة والذين ظهرت أدوارهم في فترتي نميري اليسارية الأولى (1969 ـ 1971) واللاهوتية الأخيرة (1983 ـ 1985) ثم الانقاذ (1989 وإلى اليوم) فقد ظلّوا جميعاً أسرى السلفيات الماضوية التقليدية للفكر الإسلامي والماركسي والقومي وهكذا نجد أن كثافة التحديات التي واجهها الجيل الثاني وقواه الاجتماعية الحديثة، عميقة ومتجذرة، متنوعة ومتعددة، وبلا استعداد وتأهيل. ثم أنه قد أتيحت الفرص بشكل يكاد يكون مطلقاً أمام معظم قطاعات القوى الاجتماعية الحديثة والمتعلمين منهم خاصة من ذوي الخبرات والشهادات العلمية ما فوق الجامعية أثناء فترة حكم نميري (69 ـ 1985) بالرغم من كافة سلبيات النظام فاندرج فيه (285) وزيراً من ذوي المؤهلات العلمية والأكاديمية(3).

    فمع اندراج هؤلاء المتعلمين في حقبة نميري إلاّ أن أثرهم التنموي اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً لم يكن إيجابياً على الاطلاق، بل ان بعضهم لتبرئة ذاته قد أدان عدم فهم الجماهير للتجربة وليس النظام نفسه كالدكتور منصور خالد في مقالاته المنشورة لا خير فينا إن لم نقلها(4).

    المانفستو: من التوجه الوطني إلى الممارسات العنصرية

    أقر تماماً مع المانفستو فشل الوسط وأقارب بعض الأطروحات الواردة فيه، غير أن بحث الدكتور جون قرنق عن حلفاء في الشمال قاده لنقيض نوعية التحالفات التقدمية اللازمة لبناء سودان جديد وفق منهج المانفستو.

    فقد تحالف مع نفس القوى الطائفية التي أدان ممارساتها (التجمع الوطني الديمقراطي) كما تعامل مع قضايا الأطراف في الأرجاء الشرقية والغربية وجنوب الوسط السوداني تعاملاً (اثنياً/عرقيا) ليطابق بين التهميش والمكونات الاثنية بما يعني تفتيت السودان وبما يتناقض جذرياً مع (الفصل السابع/فقرة 21).

    وحين أتوقف بتحفظ لدى هذه المفارقة بالذات يتهمني صديقي العزيز د.منصور خالد بنظرة غير موضوعية لهوية السودان الثقافية (5)، وكنت أود أن يزن دكتور منصور كتاباتي بميزان التناول السلبي للوسط والشمال وأهله الوارد في كتابات مجلة مسارات جديدة (6) الصادرة عن لواء السودان الجديد والتي جعلت من الشماليين نموذجاً للعنصريين البيض في جنوب إفريقيا. فقد قرأت بتركيز ما ورد في (مسارات جديدة) وذلك أثناء إقامتي في (أسمرا) وأدركت المعضلة الكبرى بوجه قرنق الذي أصبح شمالياً، والمعضلة الأكبر بوجه الصديق (ياسر عرمان) الذي أصبح جنوبياً وكمثله الصديق الآخر (محمد سعيد بازرعة)، فما أتوا عليه جميعاً في مقالاتهم يحتاج إلى (تفكيك تاريخي واجتماعي وسياسي) فأنا كمثلهم من أنصار (السودان الجديد) ولكن ليس بطريقتهم، إذ لا أمرر المصطلحات عفوا، ولا أعالج قضية الهوية والفوارق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية (بعقدة الذنب) التي يراد افتعالها بمنطق تهميش الشمال للجنوب أو أبناء الغرب والشرق. وكان لينصفني الدكتور منصور خالد في كتابه (جنوب السودان في المخيلة العربية) لو كان كتبه بالطريقة التي حقق بها (المجيديات) فأنا أنتمي للمجيديات وليس للمخيلة. فأنا أقرب إلى الدباغ وعبدالماجد (7).

    إن أمام قرنق أن يكون جنوبياً فيكون ما بيننا وبينه خيار الوحدة الكنفدرالية(، ومن حقه أن يكون شمالياً فيكون خياره (برنامج السودان الجديد) دون (جنوبه للشمال) ومن غير أن يلعب على الحبلين مستغلاً توجهات النظام السلبية في الشمال من جهة ومجاراة بعض القيادات الشمالية له دون وعي استراتيجي وحضاري من جهة أخرى.

    إذا اختار قرنق طريق (السودان الجديد) حتى في إطار ما عبر عنه (برنامج العمل) المنشور في (مسارات) فسيجد حتماً الآذان الصاغية، وربما في الشمال بأكثر من الجنوب، فمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والفكري في شمال السودان يقارب روح (برنامج العمل) بأكثر من قاعدة قرنق نفسها في الجنوب. ويمكن أن تؤدي مناقشة برنامج العمل في الشمال إلى توضيح معالمه وإزالة (شوائبه) التي تضع عرب الشمال موضع (البيض) في مواجهة (السود) فيما كان من تمييز عنصري في جنوب إفريقيا.

    يعلم أخي منصور أني مسلم ضد الدولة الثيوقراطية وأطرح حاكمية الكتاب بأفق معرفي إبستمولوجي ضد ما تمثله سيد قطب وأبوالأعلى المودودي للحاكمية الإلهية أو حاكمية الاستخلاف وذلك مضمون محاضرتي في جامعة أم درمان الأهلية بتاريخ 28 يونيو/ 2000 (9).

    ويعلم أني ضد اللاهوت الذي يعجن الدين في مستنقع الأيديولوجيا بفكرها الماضوي السائد. ويعلم أشياء كثيرة أخرى.

    فذلك كله لا يجعلني خصما شماليا متعصبا للجنوب والجنوبيين، غير أني لا أكيل بمكيالين، فنقدي العنيف لحركة قرنق في الجنوب يتسق تماماً مع نقدي الأعنف للقوى الطائفية والحزبية في الشمال، وللإنقاذ بصفة خاصة وللذين يمارسون الأحادية والفردية على وجه الخصوص داخل هذا الإنقاذ (10)

    هل يمكن أن يعيد قرنق حساباته؟

    كم أتمنى أن يعيد الدكتور جون قرنق حساباته الاجتماعية والسياسية والثقافية فيرجع إلى أصول المانفستو ويستبدل تحالفاته الراهنة مع الاثنيات العنصرية في الشمال سواء أكانوا من النوبة أو البجا أو الفور أو الانقسنا أو النوبيين أو غيرهم بتحالفات مع القوى الاجتماعية الحديثة ذات التطلعات الوحدوية والديمقراطية، فهكذا يبني السودان الجديد رغما عن أن النخب قد أدمنت الفشل كما كتبت دكتور منصور.

    في حين أن الفشل راجع إلى مسألة تكوينية خاصة بالشمال كله وليس بنخبه، فالشمال والوسط مثلهما مثل الرجل العجوز والبحر في روائية الكاتب المبدع أرنست همنغواي فقد اصطاد ذلك العجوز بمركبه الصغير جداً حوتاً أكبر منه ومن مركبه ومع ذلك أصر على شد الحوت الكبير إلى المركب الصغير، فتناوشت كلاب البحر الحوت حتى أبقته هيكلاً عظمياً، وهكذا حال قوى الوسط مع السودان رغماً عن سلبياتها التي أوافق كثيرين عليها.

    الكتاب الأسود في الغرب

    قد كان مانفستو قرنق أكثر رحمة بالوسط والشمال من الكتاب الأسود الذي لم ينتسب حتى الآن لواضعيه في غرب السودان، فهذا الكتاب بعنوانه الرئيسي اختلال ميزان تقسيم السلطة والثروة في السودان والصادر بتداول سري في الخرطوم حوالي منتصف العام 2000 فهو شحنة متفجرة من الاحصاءات الدقيقة التي توجه الاتهام إلى أبناء الاقليم الشمالي (ولايتي النيل والشمالية).

    استهل الكتاب الأسود مقدمته بالتالي «يعكس هذا السفر بشاعة الظلم الذي مارسته الأنظمة السياسية المتعاقبة على البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم، بصرف النظر عن توجهاتها وألوانها.. علمانية كانت أم إسلامية ديمقراطية مزعومة كانت أم ديكتاتورية. هذا الظلم البشع المتمثل في محاباة جهة واحدة من السودان على حساب باقي جهاته. مؤثرة إياها بالعناية والرعاية والاهتمام والتنمية. لقد جعلت الحكومات المختلفة، من الحكم أداة لتكريس سلطة الإقليم الشمالي (ولايتي نهر النيل الشمالية) على باقي أقاليم السودان الأخرى».

    ثم تظهر الاحصائيات سيطرة أبناء الشمال بما نسبته 60 إلى 80 بالمئة على المناصب الدستورية والتنفيذية والسياسية منذ استقلال السودان في عام 1956 وإلى موعد صدور السفرـ الكتاب الأسود في عام 2000.

    وعندما استقر الأمر بالانقاذ، وتوطدت لها أركان الدولة، وبدأت في تكوين وزارتها، لم تجد ما يدفعها للخروج على نهج السابقين في تعزيز وجود ممثلي الأقليم الشمالي في حكوماتها المختلفة، والمحافظة على غلبتهم، مشيحين عن الشعارات التي رفعتها الانقاذ باسم المشروع الحضاري، أسلمة الحياة بالقدوة الحسنة، وتحقيق العدالة والمساواة وجعل المواطنة هي الأساس، فهزمت تلك الشعارات وداست عليها على أبواب التمكين، فكان تمكينا لعنصر جهوي، لا تمكيناً لمبادئ وشعارات.

    والجدول أدناه خير ناطق وهو يشمل المناصب الدستورية في عهد الانقاذ منذ الحكومة الأولى إلى ما قبل قرارات الثاني عشر من ديسمبر 1999م حيث بلغت جملة المناصب 202 توزعت كما يلي:

    وانتهى الكتاب الأسود إلى القول: بلغت نسبة تمثيل الاقليم الشمالي في الحكم 4,59%، وهم بنسبة 2,12% من جملة مجموع سكان السودان. فيكون مصير السودان 8,87% من سكان السودان، معلق بارادة بإرادة 2,12% فقط من جملة سكانه (وهذه النسبة السكانية الضئيلة في داخلها مجموعات اثنية تعاني من التهميش مثل المناصير والمحس، أولهم يمثل المهمشين من العناصر العربية والأخر يمثل المهمشين من العناصر النوبية وبهيمنة ثلاث مجموعات اثنية فقط في إطار الاقليم الشمالي هم الشايقية والجعليين والدناقلة).

    لا ريب أن هذه الاحصائيات والنسب المستخلصة منها صحيحة. غير أن الفارق هو في التحليل الذي ينتهي بارجاع تفوق النسبة الشمالية قياساً إلى باقي مناطق السودان إلى عامل الهيمنة العنصرية أو الجهوية في حين أن الفارق يعود اجتماعياً وليس عنصرياً إلى نسبة قوة وعددية القوى الاجتماعية الحديثة في السودان إلى نسبة قوة وعددية القوى الاجتماعية التقليدية والريفية فيه. وهي القوى الحديثة التي أنشأها الاستعمار لخدمة استثماراته.

    فثقل القوى الاجتماعية الحديثة لا يتجاوز 17% من مجموع السكان، وتتركز هذه النسب الضئيلة في المدن الرئيسية وعلى رأسها العاصمة ـ الخرطوم- ومدينة واد مدني مركز مشروع الجزيرة الزراعي وبورتسودان (الميناء على البحر الأحمر) وإلى حد ما عطبرة مركز تجميع وإدارة ورش السكك الحديدية وهي مدن معاصرة ولا يرجع الفضل في نشأتها أو تكوينها إلى أبناء الشمالية وإنما إلى حقبة الاستعمار البريطاني وشريكه الأضعف المصري.

    فقد اختار هؤلاء أن تكون العاصمة في هذا المكان حيث يقترن النيلان الأبيض والأسود وأتوا بعمال البناء المهرة من مصر، ولم يختاروا أن تكون العاصمة في أقصى الجنوب باتجاه توريت أو في أقصى الغرب باتجاه الفاشر، لا حباً في الشماليين ولا تحيزاً ضد الجنوبيين وأبناء الغرب ولكن لاعتبارات إدارية وعملية.

    ونفس الأمر حين اختاروا منطقة الجزيرة ما بين النيلين لزراعة القطن وتخيروا مدني مركزاً لها، فذلك مرتبط بمصانع لانكشير في انجلترا وليس أبناء الشمالية. وبنفس الكيفية شيدوا مدينة عطبرة لتكون ورشة كبيرة للسكك الحديدية وصيانتها في منتصف الطريق بين مناطق الانتاج وميناء بورتسودان. وهذا الميناء شُيد أيضاً على البحر الأحمر لأنه ميناء يرتبط بخطوط المواصلات البحرية باتجاه العالم.

    الشماليون أنشأوا أم درمان بأزقتها المتربة حتى الآن وليس الخرطوم وشوارعها المسفلتة (سابقاً)، وأنشأوا دامر المجذوب وليس عطبرة وكذلك مع الأتراك أنشأوا سواكن وليس بورتسودان وأرصفتها البحرية، أما علاقتهم بالسكك الحديدية فهي علاقة دراسة وتعني (العمال الاجراء).

    فالاستعمار قد كوّن من أبناء الشمال والوسط كادراً إدارياً وفنياً ومحاسبياً بقدرات مهنية متوسطة بحكم وجودهم الجغرافي في الوسط والشمال، ولم يؤهلهم قط لإدارة مليون ميل مربع تسكنه (570) قبيلة.

    فالذين حكموا السودان هم مجموعة من الكتبة والإداريين والمحاسبين ومعلمي المراحل الوسطى في الأغلب، ولا علاقة لكل هؤلاء بالأصول الفلسفية للحكم وأنظمته أو مناهج التربية أو استراتيجيات التنمية، وقد عانى منهم الوسط والشمال بأكثر مما عانت منهم الأطراف.

    كما أن عروبة أبناء الوسط والشمال هي عروبة ترتكز إلى مجرد اللغة والثقافة وليست عروبة حضارية فقد نشأ الكيان العربي في السودان ممثلاً في تحالف الفونج والعبدلاب في مرحلة الانحسار العربي الحضاري منذ سقوط الأندلس عام 1492م، وكانت مصر في شمالهم تحت هيمنة المماليك فلم يكن لديهم رافد حضاري عربي فركنوا لثقافتهم الشفهية ولم يعرف عن انتاجهم الفكري سوى طبقات ود ضيف الله وكاتب الشونه.

    وما زالت الثقافة الشفهية تسيطر على المثقفين وعلى انتاجهم وعدم مواكبتهم بالنقد والتحليل للابداع العربي أو الأجنبي من حولهم. وبالطبع هناك استثناءات ولكنها ليست القاعدة.

    ثم أن وسط السودان وشماله هو خليط أعراق واثنيات يغلب عليها المزيج البجاوي والنوبي بما في ذلك أهلي الرباطاب أنفسهم الذين يدعون نسباً خالصاً للعباس بن عبدالمطلب.

    إن المطلوب هو وقف التوجهات الاثنية والجهوية، والكف عن استخدام شعارات غير منطقية وغير واقعية ضد أبناء الوسط والشمال، وعودة الجميع إلى إعادة بناء السودان تأسيساً على موروثه الجغرافي ـ السياسي المصري للتحوّل به إلى وطن وإلى تدامج وطني، وتأسيساً على موروثه الاقتصادي البريطاني للتحول به إلى نمو وتنمية فالشمال ليس مسئولاً عن تهميش الأطراف إلاّ بقدر مسئولية الشماليين عن تهميش أنفسهم ومناطقهم.

    ثم أني أحذر!!

    أنه إذا استمر الحال على هذا المنوال في خضم الاتهامات العنصرية المتبادلة فلن يجد قرنق نفسه سوداناً يحكمه أو يشارك بحكمه.

    كما أن أهل الوسط والشمال سيتحولون برد الفعل إلى قوة ترى في دعاوى التهميش من الأطراف إبتزازاً لها فيطالب أبناء الوسط والشمال بالانفصال عن الجنوب والغرب معاً ولا يبقى لديهم سوى الشرق الذي لم يعد بجاوياً إلاّ في جباله.

    الهوامش

    (1) د. التجاني عبدالقادر حامد ـ السودان وتجربة الانتقال للحكم الاسلامي ـ مجلة قراءات سياسية ـ س2- عدد 3 ـ صيف 1412ه/1992م ـ ص 33.

    (2) للكاتب ـ السودان والمأزق التاريخي ـ المجلد الأول ـ ص 62 وما بعدها- International studies & Research Bureau British west Indies 1996

    (3) صحيفة الخليج ـ الشارقة ـ 14 أبريل 1986.

    (4) د. منصور خالد ـ سلسلة مقالات بدأ نشرها في صحيفة الأيام السودانية ـ 17 فبراير 1980 ـ العدد 9934 ـ وما يلي من أعداد، ثم صدرت لاحقاً في كتاب بنفس العنوان.

    (5) د. منصور خالد ـ جنوب السودان في المخيلة العربية ـ الصورة الزائفة والقمع التاريخي ـ دار تراث للنشر ـ لندن ـ الصفحات 329/333 / 363/367 ـ ط1 ـ 2000م.

    (6) مجلة مسارات جديدة ـ العدد الأول ـ أغسطس 1998.

    (7) الثلاثية الماجدية ـ تحقيق د. منصور خالد عبدالماجد ـ صورة من الأدب الصوفي السوداني ـ تراث المحدودة للنشر ـ British Virgin Indies ـ 1997/ ربيع ثاني 1418ه.

    ( للكاتب ـ خيار الوحدة الكنفدرالية ـ صحيفة الحياة ـ 26 مايو 1999.

    (9) محاضرة للكاتب ـ (علاقة الدين بالدولة في إطار المفاهيم الدالة على علاقة الله ـ سبحانه ـ بالإنسان) ـ جامعة أم درمان الأهلية ـ السودان ـ 25 ربيع الأول 1421ه/28 يونيو/ 2000.

    (10) للكاتب ـ معركة البشير المقبلة في السودان مع نائبه علي عثمان محمد طه ـ صحيفة الحياة ـ 13 مارس/ 2001 ـ العدد

                  

11-28-2003, 05:40 PM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف صحيفة البيان السياسي.. البحث عن سلام السودان (Re: Raja)
                  

11-28-2003, 07:29 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف صحيفة البيان السياسي.. البحث عن سلام السودان (Re: sultan)

    Sultan,,
    Thanks a lot dear,,
    وكل سنة وأنت طيب...
                  

12-10-2003, 03:38 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان (Re: Raja)


    UP
                  

11-28-2003, 08:15 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان (Re: Raja)

    Quote: 1ـ د. الشفيع خضر سعيد
    العمل على تحويل الاتفاق الثنائي بين الحكومة والحركة الى اتفاق شامل في اطار صيغة للاجماع الوطني، ويأتي ضمن ذلك التمسك بضرورة عقد المؤتمر الدستوري خلال الستة شهور الأولى من الفترة الانتقالية، باعتبار أن ذلك هو السبيل الأمثل لتحقيق إجماع وطني حول دستور البلاد وحول مشروع قومي لحماية السلام وتعزيز الوحدة، كذلك الاستعداد منذ الآن في بحث كيفية المشاركة في تنفيذ التدابير الناتجة من واقع التفاوض والتي سيوقع عليها الطرفان، مثلا: تكوين لجنة الجهاز القضائي، لجنة الخدمة العامة، اللجنة القومية لمراجعة الدستور، لجنة الترتيبات العسكرية والأمنية، اللجنة القومية للانتخابات، لجان مراقبة أوضاع حقوق الإنسان... الخ، إن هذه العملية تستوجب أن يتم منذ اللحظة تقوية مركز العمل المعارض في الداخل بكل الوسائل بما في ذلك نقل نشاط تجمع الخارج إلى الداخل.

    2ـ مخاطبة قضايا المعيشة ومعاناة الحياة اليومية للمواطن السوداني بما في ذلك قضايا المفصولين والمشردين والنازحين، فالسلام وحده لن يشبع الجوعى ويكسو العراة!

    3ـ مخاطبة قضايا التوتر العرقي والمناطق المهمشة والتي ستظل بؤرا للصراعات المتفجرة، فالصراعات القبلية تجاوزت طابعها التقليدي، وتحولت إلى صراع على الموارد الطبيعية المتدهورة، وتطلع مشروع نحو اقتسام عادل للثروة والسلطة، والمشاركة الديمقراطية في القرار السياسي والإداري، وفي هذا السياق تحتل الأزمة في دارفور موقعا خاصا، فأزمة دارفور، رغم حيزها الجغرافي وخصوصيتها، امتداد للأزمة الوطنية العامة، كما أن سياسات وتجاوزات حكومة الإنقاذ، فاقمت الأزمة وحولتها إلى مأساة إنسانية مرشحة للتدويل.

    4ـ إعادة تأهيل الحركة النقابية، والمشاركة الواسعة في اعادة تأهيل الاقتصاد، إصلاح الخدمة المدنية، إضافة إلى خلق أوسع قاعدة جماهيرية لحماية حقوق الإنسان وترسيخ التحول الديمقراطي.

    5ـ مقاومة إفرازات فشل مشروع السلطة الحضاري وما أفرزه من هوس ديني وإرهاب.

    6ـ المحاسبة والمساءلة لكل من ارتكب جرما في حق الوطن والمواطن.

    7ـ الاستعداد لخوض الانتخابات وفق برنامج انتخابي مستمد من قرارات مؤتمر القضايا المصيرية، ووفق قائمة موحدة.

                  

11-28-2003, 08:33 PM

Osman Hamid
<aOsman Hamid
تاريخ التسجيل: 11-24-2003
مجموع المشاركات: 187

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان (Re: Raja)

    العزيزة رجاء,
    سلام,
    وتجديننى , مقدراً لكل مجهوداتك, بالبورد, وبصحيفة البيان, وانىّ من القراء المنتظمين للصحيفة, وملفها الثقافى الرصين. على ايّة حال, فقد اضاءت الصحيفة الكثير من الأسئلة, وعرّفت الكثيرين, خاصة الموجدين خارج السودان, لك الشكر
    وشكرا سلطان على الاضافة المقدرة
    عثمان
                  

12-07-2003, 04:43 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان (Re: Raja)


    *
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de