نقطة، إثر أخرى، تهوى من قعر الزير الأخضر، اللزج، للأرض، أضيق سماء، لا تكفى لجناح عصفور، أو رعد جليل..
تتكور القطرة في قعر الزير، ببطء موزون، على ساعتها الخفية، تنظر بعينها الزجاجية للقاع تحتها، خائفة، مترددة بين المغامرة، والحنين للأصل، تهددها سيولتها، بيدها لا بيد عمرو، ثم تنسل للأسفل، وهي لاتزال ممسكة بقعر الزير، متخذة شكل الكرة، ثم تتمطى أكثر وأكثر ، نحو الأسفل، منتحلة شكل ثدي امرأة مرضع، ترضع الروح؟، لأطفال الملائكة، غير المرئيين، للرقة ألف ثدي...
تطاولت أكثر، تبدو كفصي ثمرة فول سوداني، ثم هوت القطرة السفلى، وظلت العليا ممسكة بقعر الزير، كنهد حسناء، وليست "ثدي مرضعة"، والأخرى، وهي تهوي، لم تعد تحس بالأمومة، وهي راجعة للأرض، مثل نهد صبية، كطفلة، ..أهناك فرق بينهما؟... بين الطفولة والأمومة!!
في تلك المسافة الصغيرة، نحو الأرض، استعادت تكورها، "أنثى حامل بمسيح يغني بالشعر فور ولادته".. صارت كرة لؤلؤ، تعكس بوجهها الأملس، شاعرية الضوء، بل حملته بداخلها، كي تواجه مصيرها، مضيئة كأنثى، كبرق مكور، وسائل...."برق مكور، كروي..وسائل"..
مشتعلة بالضوء، بدت كشمس تسير رأسيا، تشرق في الأعلى، وتغرب في البركة الصغيرة...
تكورت بسرعة مذهلة، بلا أذن أو فم أو عين، في وجهها الكروي الصبوح، مستغنية عن الفضول، كله، وغير آبهة بمصيرها، هي!! تفهم الموت كميلاد جديد، وإلا لم استعدت له، بجسد أملس، كوري متقن، محتشدة حول ذاته، حول روحها، وشاعريتها السائلة...
كونت بركة صغيرة تحت الزير، فتحت البركة فمها، وهي مغمضة عيونها كي تحضتن جوارحها العائدة، تغوص القطرة في وجه البركة، تحفر ثقب صغيرة، وعلى حواشيه حائط مائي، دائري، ورزاز صغير، وكأنها تنفث زفير فراشة، ثم تلتئم البركة من جرحها المؤقت، وتتداعى كدوائر من شعور مخمور، حتى أطراف وشواطئ البركة المقدسة، كزمزم.. ...
لاتزال البركة مغمضة عيونها، أنها في حالة قبلة أبدية، يهتز جسمها، كله، كله، لا تترك النشوى حيز، في جسمها الرخو، تنداح النشوى بشكل دائري، حتى نهاية ضفافها الصغيرة، ياله من كرم فطري، من خلقه، ..
وهذه القطرة، لم تأخرت،.. لم كسرت الايقاع، تأخرت أكثر مما يجب، بدت كعين خائفة، (المسافة بعيدة، سوف اتشظى)، فجأة فكت يديها وهوت.. مثل طفل هوى من غصن لرمل،.. لم اختارت الرخاوة والسيولة جسدا لها، فلتتصالح مع قدرها..هوت.. في طريقها للفناء، ستفقد ملامحها كلها، وتعود بركة صغيرة تحت الزير.. لقد هوت، لم تسمع حتى خواطري، نهاية خواطري.. لقد هوت، تعيش في المغامرة، وله، وبها ثم غاصت في البركة، كسهم حب في قلب منتظر.. ماذا لو غيرت رأيها في منتصف الطريق؟.. هل بمقدورها أن ترجع إلى قعر الزير الأخضر، اللزج..؟!! للماء قدرة على الاستحالة!! تتجول خرافه فوق اديم السماء، (سحب، سحب بيضاء، سحب سوداء، سحب بنية، وغيم)، وفوق الجبال الشاهقة، كالصقور الجارحة، يعلب الماء هناك، كتاج ابيض على رؤوس الجبال، كشعر أشيب لرجل حكيم.. وكطرحة، بيضاء، تلف رأس الجبل الحكيم، الشامخ، الساكن..
في النصف، بين قعرالزير، والارض، حيث البركة منتظرة، عودة الفتى الضال، بل الفتاة الضالة. بل الحرف الضال، من قصيدة غيم..
بمقدورها ان ترجع، بل تتسامى كناسك، ولكنها حازمة في قرارها، لا تتراجع.. هاهي في منتصف الطريق للحتف، (هل بمقدورها ان تعود لقعر الزير اللزج، الاخضر)، ستعود، لو أرادت، إليست ساحرة، والأكسير والضوء برحمها المائي،..
يالها من خيانة، لسيولتها.. ان تبل اليد، والجبل، والارض.. وتهوى نقطة الماء، الكروية،، كمطرة من قطرة واحدة، خالقة ساعة من دقات قلب السيولة، وصوتها، ورائحتها، وعبقريتها الصامتة..
ثمة جوهرة تهوي، ...
ومض شاعري غمر عيني، كأني حلم، بل دخلت فيها، تلكم القطرة الصغيرة، تكومت بداخلها، كجنين، ومن سرتي رأيت الحبل السري، يربطني بالسيولة، بهشاشة، برقة ناعمة، حرير هو الوجود.. ثمة قطرة تهوي، وبداخلها إنسان، وخمر، وفيل، ونجمة، وغزالة،.... الاستحالة جسدها، هذه القطرية المغنية..
صوتها وهي تتلاشى، تفنى في البركة الصغيرة، أثار كنه الوقت، أثاره بصورة مباغته، وعظيمة (ما الوقت، ما الزمن!!)... ومض في خاطري، في ذاتي، شعور غريب بالزمن، شعور توارى خلف افق الكلمات، والتعبير...
شعور، وكفى... من ساعة مائية، هي نقاط الزير.. من موسيقى رخوة، تنفث من سطح البركة الصغيرة، وهي تتهز كبطن أنثى باسمة..
الدوحة 2007م
03-25-2008, 08:18 AM
Sidig Rahama Elnour
Sidig Rahama Elnour
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 3420
كالعادة يا أستاذ عبدالغني تعمل من الحبة قبة، فمن يتوقع مقال عن نقاط الزير ؟؟؟ تارةً تكتب لنا عن كيس النايلون وهو يلاعب الهواء عبر تشكلاته المختلفة ، وتارةً أخرى تكتب عن سقوط الرجل من أعلى البرج وتقرأ كل ما طاف في خياله من أفكار ، ومرة تكتب لنا عن طريقك من البيت الى المدرسة في مراحلك الأولى وها انت تكتب لنا عن نقاط الزير تلك النقاط المنسية التي لاتلفت نظر أحد ، ولكن كما يقولون فأن التي تقرأ هي الروح لا العيون ... تكتب بطريقة غير مالوفة وعن أشياء غير مالوفة وهذا هو سر التميز يعجبني كتاباتك عن التفاصيل بخيال كبير أغبطك عليه ، حفظ الله خيالك وقلمك
03-25-2008, 09:11 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
للحق، مسكون بالتفاصيل، ... فالذرة الخيفة، تأوي نظام شمسي صارم، والغيث الذي يغرق المدن والحقول، هو تجمع قطرات ضيئلة.. وللحق تقصي التفاصيل نفسها في ركن قصي، متوارية، خجولة، امام عموميات بنت جسدها من (التفاصيل)، ... والحكاءة اللبنانية، علوية صبح، تحور الحديث النبوي الجميل (الناس نيام، إذا حكوا.. انتبهوا)، فكم من حكاية، تلفت النظر، لشي عميق، يحيط بنا، ولكن (الحياة التي تحكمها العادة، والعقل الباطن)، تجعلنا نمر مرور الكرام..
ورائعة، جميس جويس، يولسيس، هي قصة يوم، لبطل مغمور، بائع جرائد، يهودي، يدعى بلوم، يتجول في دبلن، يراقب الظلال، ويجلس على ركبتيه، كي يدق (خبز قديم، جاف)، ثم ينثره على العصافير، ثم يراقبها،... وهكذا، يدخل المقهى، كي يتحدث عن الفلسفة اليونانية، وهي مهجس بالاسئلة الوجودية، وكأنه مسئول عن العالم... هكذا يمضي، متأملا، ساخطا، مخمورا، سعيدا، بما حوله..
فالتفاصيل، هي بركة الحياة، وهي طبلها، الذي تصيغ منه موسيقى الوجود بإثرها، وخطوة خطوة مشينا، ومشوار المليون يبدأ بخطوة، وحين لف ابن بطوطة العالم، القديم، بدأ بخطوة من فرسه، ثم سار، وسار، وجال، ولاحظ، وشم، وفتن، وتحير، وارتبك، من عادات وصفات الكون..
والله بيني وبينك، سحرتني قصة (نقاط الزير)، ولحدي هسي شايف اني لم انصف نقاط الزير، لما يثيره فيني من شجن، وجوى، وفرح، وتذكر، وروائح، واشياء مرتبطه به، الحوش، والحبوبة، والطفولة، والزير، ووقائع كلها، تيقظها نقرات نقاط الزير..
لكم المحبة، اخي صديق، وكن بخير، وصحة وعافية..
03-25-2008, 09:17 AM
khatab
khatab
تاريخ التسجيل: 09-28-2007
مجموع المشاركات: 3433
Quote: هل مر أحدكم بهذه التجربة ؟ الوردة أوالوردي أو الورد (بكسر الواو وتسكين الراء) تعني الحمى ! في قرية نائية سهرة مزعجة وصراع مع الملاريا في ليل هادئ طويل يقطع سكونه صوت النقاع بانتظام يسبب الهستيريا : طق!
الشقيق الحبشي رغم متابعتي لكل ما تكتبه أنت بالذات لكن هذا البوست لم يمر عليّ وأنت تعرف دخولي المتقطع لهذا الفضاء بسبب المشاغل ، الحمد لله الذي جعل بوست كاتبنا عبدالغني يجي بهذا البوست .. وحقيقي شكراً لك ثمة أشياء صغيرة وجميلة تحتويها تفاصيل الحياة ولاتجد من يلتفت لها فهذان البوستان (انت وعبدالغني) نموذجان لهذه الأشياء الدقيقة التي تمر علينا ونمر عليها مرور الكرام... لكن مشكلتك يا الحبشي ما بتم البوست لنهايتو ، ويشغلوك الجماعة بالتفاصيل ، مازلت أنتظر تمامة بوست اوتيلا ليتك تفعل عبدالمنعم ياريت يسمع النداء ويجينا ويورينا الحاصل شنو ، طولنا منو ومشتاقين ليهو ولحروفه الدافئة
معليش يا عبدالغني للونسة الجانبية وفعلاً أن نقاط الزير وبعد قرأتي لما كتبته انت يمكن ان نكتب فيه الكثير ومن زوايا متعددة ، ويمكن أن نكتب عن مآلات تلك القطرات فقد كانت جدتي عليها رحمة الله لا تشرب الشاي السادة إلا من هذه القطرات ، وكانت تضع جردلاً مخصصاً لهذا الغرض تحفه بالعناية والإهتمام والنظافة والحراسة من الطيور والأطفال وكانت الأمهات في بلادنا على ضفاف النيل يتخذن طرائق عديدة للحد من نقاط الزير بإعتباره خالقاً لعبء إضافي هن في غنى عنه وهو المشوار لمل الزير من النيل ، بالهبوط والصعود عبر (قيف) شأبي وشبه مستقيم لك الشكر والتقدير
03-26-2008, 04:15 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
Quote: وكانت تضع جردلاً مخصصاً لهذا الغرض تحفه بالعناية والإهتمام والنظافة والحراسة من الطيور والأطفال وكانت الأمهات في بلادنا على ضفاف النيل يتخذن طرائق عديدة للحد من نقاط الزير بإعتباره خالقاً لعبء إضافي هن في غنى عنه وهو المشوار لمل الزير من النيل ، بالهبوط والصعود عبر (قيف) شأبي وشبه مستقيم
استاذي العزيز، خطاب.. الشاعر، سأكتفي بهذه من سماتك، وأنها لتكفي، وتفسر باقي همك الوجودي..
في احد الاجازات، وانا منهك من سفر، لوري بدفور، سمى باص مجازا، له يايات لحمل البضاعة، وليس ل 45 راكب قاعدين، ومثلهم واقفين، وضعفهم فوق سطح البص...
وصلت القرية منهك، دوما الإنهاك الشديد، يقوي حواسي، ويجعلني احس بحميمية، أخرجت اختي العنقريب، ووضعته في الراكوبة، فأسندت ظهري، ورأسي، وبفتور نظرت حولي، فلم اجد سوى الزير، في ركن الركوبة، حيث الهواء العليل، والنسيم يدس بردوته في جوف الماء، فأحسست بإلفه، نحو الزير، ورأيت الماء يتسرب من تحته، لا ثقب في الزير، ولكن للماء سطوة ورقة، يجعله يتسلل كعيون الحسان، وللماء قدرة ان يكون ثلجا، وغيما، وسحاب..(عيد من التحولات بقلبه المجنون)، ألهذا خلقنا من ماء، يتراءى لي ان المسيح خلق من السحاب، والشعراء من الغيم، وهتلر (من الثلج)، ومع بقية المجرمين.. كلنا ماء..دافق...
كنت اراقب نقاط الزير بفرح عجيب، وانا انتظر امي تحلب الليمونة، وتجيب الشربات، طق.. طاق، طق طاق،.... ثم اسمع صوت ذوبان القطرة في البركة الصغيرة.... ومن محاسن الصدف، ان هناك شعاع تسلل من بين القصب، ويمر تحت الزير، وقد استغل النقاط هذه الشعاع كي يتمثل، ويحاكي، بل ويبز أعتى اللألئ والماس.. يتكور بلذة آسرة في قعر الزير، ويبدو سعيدا، ثم يفك يدية فجأة كطفل مللو، ثم يهوي للبركة.. للواحة تحته..
شعاع صغير، تعبره القطرات وهي تزهو، وتلبس أرق فستان، فستان الضوء، بلون طيف عجيب... فسحرني المنظر، وغرقت في لجته، وسبحت وحلقت، وعربدت.... حتى صحوت على صوت امي
قوم اشرب الشربات.. يا ولدي..
وبعد الشربات، والارهاق يزحف لباقي الجسد، وقد اطل المخلوق الجميل (النعاس)، وبدأت الاشياء تختفي، وكأن بشاورة غير مرئية مسحت الاصوات، الاشكال، لم اعد اسمع سوى نقاط الزير، بل نمت، وفوجئت به في الحلم.... أيقاع الماء جميل، وحاني.... والماء يذكرني باهتزاز البنطون، هزة الماء لا تشبه هزة المرجحانية، هزة الماء تذكر بماء الرحم، الطفولة الاولى... في البنطون تهتز الاجساد والحمير والعربات، كما لو أنها في مهد... الماء رقيق.. وحاني... و...
ماذا إن غيرت أنا رأيي وقررت العودة في منتصف الطريق ؟ عقدت مقارنتي بين شكل عودتي وعودتها فلم أجد وجه شبه إن هي إستطاعت فليس لها آخر يقض عليها عودتها أما أنا فالآخر لن يبقي لي أصابع أعضها ندما على عودتي ولن يمد لي يده لأعود في نفس الطريق السابقة إذاً فلتهنأ هي بالعودة إن إستطاعت ولأبقى أنا مكاني أحسب الخطوات حتى لا أسقط في شرك الآخر.
عبد الغني أجمل مافيك بساطة المفردة وصعوبة الحس هنيئاً لي بك
03-26-2008, 06:10 AM
Mohamed Abdelgaleel
Mohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 10415
من يومين وانا أمر على العنوان نقاط الزير وأقول في نفسي ياخي نقاط زير عبدالغني ده يكون عاوز زول مخو رايق وقلبو برضو عشـان يتأمل التفاصيل التي لا تجد حظها من التأمل إلا من الفلاسفة والشعراء، وأقوم أزوغ مـــن الموضوع والآن وأنا أقرأ نقاط الزير تأسفـت لإضاعتي ثروة من التأمل وقد قضيت سنين عددا وبقربى زير مطحلب لا أشعر بما يدور فيه وحوله من أشياء تكفي لخلق عوالم أدبية وفلسفية وفنية غاية الجمال، يرى الشبه والروابط اللانهائية بين أشياء العالم، ما الفرق بين الفيلسوف والإنسان العادي؟ هل فلسفة الأشياء حـــالة يطورها الفرد إرادياً أم هي قسمة ونصيـب مثل الطول والقصر وحور العيون أو ضيق خيارات مخ أحمد ود السعيد في فهم الأشياء فقد كان يقول عندما يرى (الشيمة) وهي منطقة في النهر يدور فيها الماء بسرعة هائلــة وكانت تتسبب في غرق الأطفال، كان أحمد ود السعيد يقول: والله الشيمة دي ربنا خلقه عشان تغرق الشفع، ولم ير منها إلا هذا الجــزء ليت أحمد ود السعيد يقرأ نقاط الزير ليعرف العوالم التي يمكن خلقها من النقاع، وشكرا عبدالغني، وتحياتي لك دائماً.
03-27-2008, 04:42 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
بارك الله في الزير، فقد برد لنا الماء، وظل ساعة مائية، بنقاطه الموزوون.. ومن العجب، عندنا جيران، جو من الامارات بأطفالهم، اطفالهم مواليد ابوظبي، ولم يحضروا للسودان إلا كبار.. ومن شافوا الزير، وهم يجروا ويلعبوا به، ويقولوا لأمهم (الزهرية) مليانه ماء...
كان الله في عون الزير..
عزيز قوم ذل... التلاجة ما خلت ليهو شي.... بقى تراث، يعرض في المعارض، كإرث قديم، أسد فقد اسنانه.. ومخالبه.. والله ما دخلت بيت وإلا لفت نظري الزير، وهو اخضر من طحالبه، ورطب بالندى، كخد حسناء..
من كرامات الاولياء، كما حكى الاستاذ، إن هناك درويش كان حين ينشد تمتلئ الازيار بالماء.. (إنها كا ئنات حية، تسكن البيوت، زيها وزي الدجاج والاطفال والخراف)، ... ومن صور الرفق بالاشياء، كان الاستاذ حين اعتقل بالسجن، يدخل معه الجردل للزنزانة، وكانت استاذة بتول مختار حين تزوره، تخرج الجرد، وتنظف الغرفة، والاستاذ دوما يدخله، وقال لها (انتي البطلعي الجردل، نحن مأمورين بالرفق بالاشياء والاحياء)، حتى النملة التي غرقت في وضوءه، غرس اصبعه حتى تسلقته، ثم وضعه في التراب، حتى نزلت..
صباحك منور وبشوش وحاني..
03-26-2008, 08:12 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
يقال بأن هناك حرية، وإليك الاشياء التي لم اختارها..
لم اختار وطني، (ولك ان تتصور ملابسات هذا الاختيار)، ولم اختار امي، ولا أبي، ولا حواسي (وهي عكاز الاعمى، في بيئة مجهولة، ومترامية الاطراف، من حيث المسافة او الزمن، متى بدأت، ومتى تنهتي)، ولم اختار فكرة اكون انسان ذاتو، بل لم اختار وقائع الحياة وجريانها من طفل لشاب لعجوز لموت، حتى المشاعر التي تسكن قلبي (من حب، وغبطة، وحزن، وحقد، وتسامي، وخجل)، لم اختارها.. والسيد الموت، لم اختاره، لم لم اختار ا لميلاد في البداية، ثم لغتي، ثم ديني، ثم شكل النجوم، ثم قيود الجاذبية الارضية، وسطوة الغرائز، (جوع، عطش، امن، جنس، خوف، فرح)... وسر الزمن وغموضة، ولم اختار عجز حواسي عن لإدراك، فأبصرت قدامي طريق، فمشيت.. هناك اجابات لما يمور به العقل (في الكتب، في الفلسفة، في الدين)، ولكن سياده العقل والقلب، لا بعجبو العجب، و الصيام في رجب )(هكذا خلق)، يرن، ويطن، وتمر الخطرات، والهواجس... ولم اختار امراض تهدد جسدي، من ملاريا، وحمى، ونزلة، ولم اختار، طولي، شكلي، وصوتي، ....وحتى الخيارات التي قمتها بعد سطوة هذه الحتميات تدخل ضمن حفظ (الذات، أو تطوير الذات)، بفعل اشياء معطاه، يعني (القلب المعطى)، يدعوني للحب، للعشق، للخوف، وكذلك (العقل المعطى)، يدعوني للتدبر، زي حال الحلاج، (ألقاه في اليم مكتوفا من الايدي، وقال له: إياك إياك ان تبتل بالماء)، وفكرة الخلود راودت جلجامش، والحلاج، واي زول، نخاف من الرحيل، ونجري لدكتور، ونوفر، ونحرص..
ثم جاءت حتميات حركة الشمس، والقمر، والارض، والفلك، نتمرجح، زي الاطفال، بل نرى نجوم ماتت منذ ملايين السنين، وحين طلع منها الضوء لم تتشكل الارض بعد، كانت جزء من الشمس، فالكون طوييييييييييييييييييييييييييييييييييييييل، وعريييييييييض....
ورغم ذلك، أحس بسر ما، بجمال ما، وبعقل ما، عصى الفهم، عصي التفسير... وترن نقاط الزير، كي تحي جوى قديم، ذكرى قديمة، حين تقلبنا في باطن الماء، رشاقة الماء..
ماذا إن غيرت أنا رأيي وقررت العودة في منتصف الطريق ؟
كل من حاول العودة، تربص له الاخوة (البشرية)، بالفقه، وبالإرث، وبسوط التقليد، فاردوه قتيلا..
لك حبي، حبيبي طارق.. (وشعتفت الروح بحضور الحب في زمن الكوليرا)... ومع
03-28-2008, 07:46 PM
Ishraga Mustafa
Ishraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885
الفيلسوف عبد الغنى. اتابع كل ما تكتب وإن كنت اعلق لمامآ او نادرآ. الصورة قالوا تؤطر النص وتقيده، وتسحبه من تجريده الى انعكاس فى عدسة. ولكن الصورة فى تقديرى اكثر من مجرد اطار او انعكاس فيزيائى لموضوع. الصورة ومحتواها وظلالها وضوؤها وصدفة العثور عليها فى الانترنيت، فن قائم بذاته. ومثير للفكر والشجن والتأمل.
03-29-2008, 06:07 AM
Mohamed Abdelgaleel
Mohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 10415
نقاط الزير تذكرت لحظة قراءتى تلك القطعة الانيقة تذكرت البيت فى الابيض حيث الماء لابد ان نشربه من النقاط تغسل امى الجردل الابيض تبدا الاصوات فى التناغم طق طق طق طق لان قاع الجردل فاضى كنت احيانا اجدنى ارقص على تلك الايقاعات او تجدنا نصفق احيانا مع تلك الايقاعات نؤلف احيانااغنيات من وحى تلك الايقاعات فى الخريف لم نكن نحتاج الى( نقاع )الزير لان المطر وحده يسقينا كنا نعبئ الجرادل بماء قراح عذب ونقى شكرا لك عبد الغنى يا غنى الوجدان
03-31-2008, 08:07 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
الله الله، على الابيض، زرتها وقتلت قلبي، برقة أرضها، ونعومة روحها ، ودفء حياتها، مدينة غريبة، كم تطربني الذكريات عنها، .. تجولت وتحت رمالة ناعمة، كيد حاجة (مستورة)، التي اكرمتنا بأمومة، فائقة.. وحضرنا مبارة في كمبوني.. وتجولت في ربوع الكنسية....
والاسواق... وشارع النهود، او الدكتاترة..
بارك الله في قلمك، حيثما يسطر دفق شوق، ورؤى، وشعر، وقصة..
اخوك عبدالغني
03-30-2008, 10:08 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
والله صاح، ياخي الصور خطاب عجيب، للعين، وبقية الحواس، وجدنا النفري يقول عنها (ربما خاطب المنظر.. الناظر، بما لا يقال، ولن ينقال)..
والورطة كلها في (لن ينقال)، يعني بس يكتفي البصر، ومعه الشم، ومع الحس، في تذوق المشهد... وزي ما قال صديقي العزيز، جدا، محمد عبدالجليل، مرتلا، قول الجميل.. الحكيم..
Quote: الصورة ومحتواها وظلالها وضوؤها وصدفة العثور عليها فى الانترنيت، فن قائم بذاته. ومثير للفكر والشجن والتأمل.
ومافي صدفة، زي ما بقول جدودنا الصوفية، والذين ربوا لشعب السوداني حوالي ثلاثة أو اربع قرون متواصلة.. وتركوا اثارهم، شئنا ام ابيناء في جينانتا، وحركاتنا، وسكناتنا.. ومن ملحهم، أن قالت دوريش لشيخه، (قابلت فلان بالصدفة، وقال له الشيخ: يا المبروك، أمرنا ده كلو قايم انو مافي صدفة)... والله صحرتني الصور، واخوك كان داير ينزل صورة، وفشلت، والله كم فرت فشلت، وشاءت الصدف (إن كانت موجودة)، أن تنزلها انت، على قدر، ياموسى، يا أخي محمد..
Quote:
عليك الله شوف الزير ده، وشتلة الموز..والطحالب الخضراء تحنن قعره، حيث تنزلق حبيبات النقاع..
Quote: كالعادة يا أستاذ عبدالغني تعمل من الحبة قبة، فمن يتوقع مقال عن نقاط الزير ؟؟؟ تارةً تكتب لنا عن كيس النايلون وهو يلاعب الهواء عبر تشكلاته المختلفة ، وتارةً أخرى تكتب عن سقوط الرجل من أعلى البرج وتقرأ كل ما طاف في خياله من أفكار ، ومرة تكتب لنا عن طريقك من البيت الى المدرسة في مراحلك الأولى وها انت تكتب لنا عن نقاط الزير تلك النقاط المنسية التي لاتلفت نظر أحد ، ولكن كما يقولون فأن التي تقرأ هي الروح لا العيون ... تكتب بطريقة غير مالوفة وعن أشياء غير مالوفة وهذا هو سر التميز يعجبني كتاباتك عن التفاصيل بخيال كبير أغبطك عليه ، حفظ الله خيالك وقلمك
فما بين "كيس النايلو" و "نقاط الزير" توجد كتابة متميّزة و يوجد كاتب خلّّاق
فلك كل الود
03-31-2008, 08:31 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
نعمل شنو، قلنا نخلق ابطال من اشياء (مهمشة)، صراع المركز والهامش، هههه، انت عارف، في برنامج في اذاعة قطر، اسمو قصة، كتاب، تطرق لكتاب اخوك، وعجني كلام النقاد فيهو، اول شي، حسيت بأنو اي نص عنده عدة تأويلات، والناقد قال (انو ابطاله مش عقد لؤلؤ، أو حصان عربي اصيل، أو.. بل (كلبة، وحمار واعظ، واشياء منسية)، ..
والله ضحكت على نفسي، ده كلام شنو، ابطالك كلهم وهم؟
شخينا الحلاج، بقول (وأي ارض تخلو منك؟... حتى تعالوا يطلبونك في السماء)، تراهم ينظرون إليك جهرا، وهم لا يبصرون من العماء..
واخوك اظن شال (وأي ارض تخلو منك)..
والله سعيد بك اخي الحلاوي، وأمي من ناس (عسيل)، يعني ... يعني اولاد عم في الجينات، والهم الإنساني..
الفرح لك، واسعدك الله، وأسعدنا بك..
03-30-2008, 10:32 AM
Baha Elhadi
Baha Elhadi
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 879
عبدالغني : يا له من روح يتلصص على كائنات الله في تجلياتها الكونية روح شفيف يغوص في عمق التكوين لتقريبه لرؤى والرؤيا علنا نرعوي أن هناك أخرون معنا
يستفزني ( تلقيحة المطر ) مثل العين التي تمتليء بالدمع قبيل انفجاره كدا : يا عبد الغني تأمل السحاب وهي قاب قوسين أو أدني من الانهمار الأصوات والوشوشات .... ورائحة الدعاش ... حركة الناس ... الجوطة المرتبة والمرتبكة في آن
خوف الأطفال... مناداة الناس لبعضهم... الحيوانات ( خاصة البقر ) وهو يشرئب و( يتكرف الدعاش ) الريح الرخاء وهو يحمل الأشياء الخفيفة أحدهم فوق سقف البيت ( يردم ويسدد الأخرام) تهيؤ السماء كادت .... كادت ..... كادت ....................... النقاط الأولى وله الماء للأرض سرعة التلاقي سخانة الأرض بعد النقاط الأولي يا الله من المطر وادهاشه لك غيمة ود ماطرة
03-31-2008, 09:44 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
الموضوع ماهو هين، منظر ولادة المطرة، إرهاصات الطلق، وتجمع السحب، وارتباك الاغنام، والماعز، وتلبد السحب، وخاصة لو كانت المطرة نهارية. ... ياااااااااااه، وكمان رؤية المطرة نازلة في مناطق قريبة، وشكل الدهش الإلهي، والروائح التي تضفر هذه اللوحة، وشكل السحب، بين بيضاء ورمادية، وسوداء، وقد تهيأت الأرض لهذا الحمام الإلهي، واختفت الشمس خلف غلالة من الغيم المبارك، وصارت الضوء خافت، يبوح بأسرار وألق، ويخاطب المنظر (الناظر)، كما يقول النفري..بما لايقال....
ثم المطرة، وهي تبدأ العزف، وتكون حبيبات طين صغيرة مع كل قطرة، في الحوش، هنا وهناك، ثم ترش البيت، وتعبق رائحة الطين، كلنا حوامل، كلنا أطفال نأكل حلوى الأرض، أليست الارض مشتهاه من قبل الحوامل والاطفال، ثم تكون البرك، ونخرج بطفولتنا، وتلتصق القمصان البسيطة بالجلد، ويشق البرق، بسيفه الذهبي السحب، ..
ياااااااااااااه، يابهاء، طفت لسطح الذاكرة، ذاكرة المطر، وهيهات، هيهات للحروف سبرها، ووصفها.. ولنا عودة بإذنه تعالى، والله حاليا بشم في الدعاش، والاغنام الهاربة، ورائحة صوفها المخلوط بالمطر، والشعفوفة، وارتباك الشبابيك، وصوت المطرة في السقوف، وفي البراميل في الحوش، والغميم الذي يظلل القرية، وصيحات الناس، (يا ولد خش، امسكي الشافعة دي، يا ولد اطلع صلح السبلوقة، وكب ليك جردل تراب في القد)......
المطرة،
عزيزي بهاء، شكرا لاستدراج هذه الذكرة لعين الخيال والتذكر..
والله التصور صعب، والنفس محلقة، والدعاش، ومنظر الخراف والدجاج وقد دخلت الغرف، والمطبخ، والحظيرة.
03-31-2008, 08:43 AM
Adil Osman
Adil Osman
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 10208
الفيلسوف عبد الغنى السلام والرحمة. محمد عبد الجليل اقتطف من كلامى جملة راقت له. وارى انها راقت لك ايضآ. فشكرآ لكما. انا سعيد ان ما اكتب يجد استحسانآ من متذوقين رهيفين مثلكما. Re: نقاط الزير ..!...
03-31-2008, 03:23 PM
محمد الطيب حسن
محمد الطيب حسن
تاريخ التسجيل: 03-31-2007
مجموع المشاركات: 1609
انت عارف، الكون ده غريب بالحيل، والله كنت في البداية ناوي انزل صورة زير، ثم انزل الموضوع، وفشلت كم مرة، يعني لو نزلت لما هممت انت بإنزالها، ... ويعني الامر كان مرسوم، إن هناك رجل، في بلاد تموت من البرد حياتنها سوف ينزل صديقنا الزير، وعليك الله شوف صورة الزير ده، مالي الاسافير، والشبكة، زي موجات الراديو، تملأ الكون، بس دايره وسيط يظرها (مذياع)، فالكون ملئ، ولكن جهاز الالتقاط (الجسد البشري، بكل كرنفاله)، نائم، أو ساهي، أو نعسان، أو شارد اللب، وشرود اللب يترك الإنسان بعيد عن المحيط (ممكن الواحد يقعد في كرسي مع عشرة ناس، وهم ينقاشون موضوع حار، وبصوت عالي، وهو يكون سارح)، وما يسمع شي، عشان كدة السمع عملية إرادية، بالعقل، وليس بالاذن، الاذن مجرد خادم مطيع للعقل..
والله عشان كدة جاءت فقرتك، لكي تفتح للذهن، غموض، و مرامي العقل القديم، ... وحاليا، حين أقوم بقراءة الايام (وهي قراءة التجربة الفردية،)، بشوف عجب عجاب في حياتي، اشياء بسيطة تغير الحياة، احداث واحداث، وللحق يوم قريت لكافكا، قصة لرجل واقف في البلكونة وهو يراقب الشارع، والناس يمنه وشماله، وعندو تصور للموقف، في حين ان الناس في الشارع، وخاصة هو شارع تقاطع، ما عارفين منو هناك، وبرضو كان بشوف سيارات مسرعة هنا وهناك، وممكن تعمل حادث..
للشمولية شجون، في إدارة دفة حياة غريبة، وبرضو من الغرائب، حين قامت حرب في دولة، وهرج ومرج، استطاع حرامي ان يسرق (عود)، كي يعزف عليه، وقال بأن امنيته كانت (شراء عود)، ولأنه فقير لم يتمكن، فسرقه حين شاعت الفضوى بسبب الحرب (ألهذا قامت الحرب)... كي يجد الفقير المعنى عودا، ينفث فيه همومه وشجنه... أم قامت الحرب لاختلاف هويات، أم مصالح، أم... هوس... للتاريخ، والتاريخ ملايين الاوجه..
والزير، ذو النقاط، والصلصال الذي خلق منه، يتفح الباب، للموية الباردة (ما البروده،)، والعطش، والفرح بالري..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة