أيكون الماء ساكناً في درجة الغليان؟ هكذا الخرطوم!!؟
(1)
تتطاول العمارات، وتعلو، وتعلو، ليست كالبخور، ولكن كدخان لستك محروق، ورغم طولها العظيم، لا يرى ساكنوها الملائكة، ولا تعشش فيها العصافير، كالأشجار، الأقصر منها والأسمى، والأكرم، ومن نوافذها القصية، مثل بثور الجدري، يخرج الصراخ والانين، والصلف، ففرت الملائكة من تلك السموات الأسمنتية، ونزلت كالأمطار، وكوحي الشعراء، إلى ظلال الاشجار، المليئة بالاوراق الصفراء وصراخ الباعة ودعوات الشحاذين، نزلت إلى سموات لم تفارق أديم الارض الطيبة، قلوب بسيطة، وحالمة، بغد بسيط، قوت وراحة بال، وعاطفة ندية!!...
كل الأشياء ستنزل للفقراء والحالمين والشعراء، كقطرات المطر، وكالملائكة، وكسحر الفلسفة، فعلى يد سقراط هبطت وحيها للأرض، إلى بيوت اثينا الفقيرة، فصار ا لبسطاء، يخوضون في اعتى المعضلات، بقلوب سليمة، وعقول صافية، فأنتشت الاجساد البسيطة بخمر الحكمة، والإشراق والاستقراء، فأعظم الجامعات في العالم، هي قلوب ا لبسطاء..
أنها سور صين حقير، عمارات عمارت، فوضى اقتصاد رأسمالي، ديني، مهوس بالصعود لله، ليس بالزهد والصلاة، ولكن بالاسنصير، والاسمنت، جشع، بلحمه وشحمه، ودقنه، أحال الحيشان البسيطة، والتي لم يعد القمر يحلق فوق سمائها الصافية، والشمس لا تشرق من خلف أفق العمارات القاسي، إلا بعد الواحدة ظهرا، وتختفي بعد سويعات، عتمة في قلب النهار، تقاصر نهار البيوت القصيرة، إلى سويعات، ثم تغرق في ليل مصطنع، لا شعر فيه، ولا هدوء ولا نجوم....حولتها إلى سجون، لا ضوء، ولا نسيم، ولا رحمة..
وتنعس العناقريب، في ضجيج، لا تأخذه سنة ولانوم، حتى الواحدة ليلا، حين كان الكاشف يخرج عوده، ويستمتع لضربات قلبه، ويلحن الاغاني بمناقير الملائكة، كانت اصوات الرقشات والامجاد والحافلات، تنقل العمال من أماكن العمل القصية، داخل الخرطوم، وإلى إماكن السكن، زنزانات النفي في أطرافها القصية، والتي يرجع البصر خسيئا، و هو حسير..
وحيشان الاحياء الشعبية، ذات الاربعمائة متر مربع، بل ذات الثلاثمائة متر مربع، صارت تأوي تحت عشها، حوالي ثلاث اسر، أو أكثر، الفقرا اتقسمو النبقة، ولو انقلبت في السرير، فسيصحو جارك، وجارك هو اخوك، المتزوج، وستبكي طفلة في الحجرة الأخرى، وتسمع كلام غزل، عروس لعروس في غرف أخرى، تلاشت الحدود، احتشد الناس، قطرات مطر في بركة، استدرجها الجاذبية الارضية، كما استدرجتهم المعاناة، والحاجة ام الاختراع...الحياة والموت يتصارعان في الجسد الإنساني، أبشع ما يكون...
شوارع، ليتها ترتاح على أريكة فرويد، أو كارل يونج، كي يمسح عنها عنت دخيل، (بوحي ا يتها الشوارع، لليونج، للمسيح، لله)، سيبكي يونج، ويضئ نور خفيف، أكثر هذالاً من شحوب الغروب، كي تبوح، كي تمارس غريزتها المكبوتة، في القوت، في الحب، في دار وسعيه، في كتاب محلق، في جسد شهي...مارسي حياتك الممنوعة، والمباحة، انت بعيدة عنك، وعن الشمس، وعن جلسات المغربية، وعن غد ضاحك..تفر أقلام الرصاص والألوان من أنامل الأطفال، لا فرق بين الطفل والكهل، فالتجربة تختصر المسافات، الأعمار، فالنار، تحرق الاشياء القديمة والجديدة بنفس الواحد، شاخ الجميع، الجميع شارد، وساكن، في انتظار جودو..
تبدو الشوارع، كشخوص في رواية، برزخ بين الحياة والموت، قدم في الموت، اليمنى بلاشك، واليسرى على وشك أن ترفع كعبها من الحياة الدنيا، مثل النعاس، تتداخل من سطوته العوالم الداخلية، والخارجية، يتشابه عليك الحلم والواقع، أنها نار المعاناة، أحرقت فضول القول، وفضول الاهتمام، وملذات كثر، ألقاه في اليم، مكتوفا من الأيدي، وقال له: إياك إياك ان تبتل بالماء، تبتل الجنون، تبتل بالخطيئة المبارك، أي كانت..الأسرة المحظوظة، هي من ترى أبيها نائما، (إن لم أقل ميت) من وعثاء العمل، كي تعلو العمارات، وتعلو وتعلو...
05-10-2006, 03:39 AM
عبدالغني كرم الله بشير
عبدالغني كرم الله بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2005
مجموع المشاركات: 1082
إن عين المايكروسكوب العوراء!!، والتي بمقدورها أن ترى نقطة الدم الضئيلة، المتكورة على شريحة زجاجية، وكأنها بحر أحمر بلا شواطئ، وفي قعره تسبح حيتان الملاريا وهي مكشرة أنيابها في تلك الإغوار المظلمة لإلتهام كريات الدم البيضاء الضخمة المذعورة، هذه العين الزجاجية العوراء، التي ترى ما لا يرى ، وبكل وضوح حزين، لا تستطيع أن تميز.. هل الذي أمامها هو مريض محتضر بمستشفى الذرة، أم سجين بكوبر، أم مجنون بعنابر التجاني الماحي، فشوارع الخرطوم المكلومة، تحمل على ظهرها المتورم المجعد الهرم، كل هذه الذوات المتعبة، من كبد قديم، مكتسب وموروث، وعصى الانقراض، عصي الفهم!! أهو(دبيب النملة السوداء في الليل الظلماء).
كما تتناثر حبات الذرة من ضربات المطرقة، تناثرت القرى، من ضربات سنوات عجاف، هاجرت الحبيبات الحية من سنابلها الآمنة الوديعة، سنابل تحتها جذور، وحكايات، وأرض خصبة وزغاريد وحنان، وفوقها نسيم، يداعبها، كما يشاء، مستغلا لدونتها الفطرية، هاجرت الحبيبات، ووقعت لقمة سائغة على حواشي الخرطوم، تلك المدينة الدولة، وذلك الغول والملاك، كي تضحن ذاتها، وكيانها الجميل، كي تئن مرة أخرى تحت ظلال الاسمنت القاسي...وتهرب ذكريات الحقول القديمة، وونسة الاماسي الندية، وكبرياء الفطرة....
على الأرض، أما الأثير، ببغاء يكرر صدى العنت، صورة طبق الأصل والحزن والتجهم، غبار عالق طوال اليوم، يعاند الجاذبية الأرضية، كما يعاند هؤلاء القوم شباك الموت، والجنون، وتتصادم في الأثير موجيات الضجيج الأزلي (... لله يا جماعة ... برد برد ... نفر الحاج يوسف .. والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة... العدناني العدناني مفتاح الجنان.. آآآآخ عفصتنا ياخي.. الأيام الرأي الأخر قوووووون... دفاعنا الشعبي ياهو ديل.. السكر ده مالقى شوال... وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار... يا مجنون أنا مش ليلى...1500 جنية بس يا فردة... حقير تافه ما شايفني...)...
(برد برد) كانت هذه الكلمات تخرج من فمها الصغير بآلية، كانت تعلب بحصى قرب صفيحة الماء، إحدى عشر حصى، أقل من عمرها بحصى، فتدحرت حصى حتى اصطدمت بشنطة شاب، شنطة تحمل كتاب لمسرح العرائيس وبورخيس، وبوذا، وكيس صعود، وقلم جاف، وعملة معدنية، وسيرة ذاتية، اقترب منها الشاب، وقد أخذ الحصى الضائعة، وقد سارت الحصى نحوها وكأنها رجل عجوز، كانت أنامله ذكية في التعامل بالحصى ككائنات بشرية، ضحكت الصغيرة بخجل منقطع النظير، (أنفطر قلب الشاهد المجهول)، وقال لها الشاب بصورة جادة (الحصى عشطانه) وقد أحست الصغيرة بجفاف ريق الحصى، ضحكنا الأربع، الفتى والصغيرة (والإله وأنا)، فشربت الحصى العطشى 7 أكواب وهمية، وكأنها جاءت من الحاج يوسف واقفة على قدميها في زحمة الدفار، فأعطى الشاب الفتاة ثمن السبعة أكواب، الوهمية، كانت مسرورة، وهي تنظر للحصى، ، نظرة طفولية ساحرة، و بحنان بالغ للحصاية، للرجل العجوز العطش، والذي التهم سبعة أكواب، سبع قطرات، إنه عجوز مشرد صائم..زحت الحصى للأرض الرطبة قرب الصفيحة... وهي تصيح بآلية( برد برد).. منشغلة بري الرجل العجوز، حتى لا يلحق جدها الميت عطشا في رحلة الحج لرمضاء الخرطوم من نار التصحر والمجاعة والهوان بأطراف البلاد المنسية.
أما الشاب فمضى، وهو يفكر بالحصى الصغيرة، وقد ارتطمت بشنطته، وهي تلف حول ذاتها، ثم تلوت بشكل عشواي مثير، ثم استقرت على بعد 5 سنتمتر من الشنطة، رقصت حول نفسها، ثم تكاسلت بصورة منتظمة حتى هوت ساكنة..أحس بتلاشي القوى التي أرقصتها، قوى غير مرئية، بمقدورها ترقيص حصى بصورة رائعة، وشاعرية، أين ذهبت هذه القوى!!؟.قوى شعرية لا محال.. يد خفية، دوخه كنهها، وقد تجمعت كل قواه للمس تلك القوى الخفية وتجسيدها بخياله... ألم يحس بأنها قوى شعرية.. فكيف يدرك كنهها..وجف قلبه لحيظة، فأحس وكأنه رأى ما لم يُرى!!..
شـكراً جميلاً يا ود كرم الله إنــتباهه: * للاخطاء اللغوية والطباعية * حشر بعض التعبير فى غير موقعها * مزج بين العامية والفصحي يشتت القارئ * استخدام مسميات لا يعلمهامن ( بالخرطوم)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة