دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
الاخ المبدع
عبد الغني............سلام
عندما وجدت بالصدفة قصاصات تحوي بعض قصصك القصيرة
ذات يوم في منزل اصدقائي حامد ونسرين عجبان
تاكدت حينها بان هناك كنزا دراميا بييننا نحن السودانين هنا
واحتفينا مع اصدقائي بقرائة تلك القصص التحفة
وواصل ايها النبيل وحلق بنا في عوالم الجمال والسرد الجميل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: عبدالكريم الامين احمد)
|
المهندس العزيز/ عبد الكريم..
صبح ضاحك، وظهيرة حنونة، وليل خصب..
لم يبقى سوى (حياة الدواخل)، والاحساس بتلكم (الذوات المتعبة في بلادي)، تلك الذوات المفطورة على الجمال والبساطة والحياة...إنهم أبطال، بل هم (الأبطال)...
صرنا نمارس (الكتابة)، كي نعلاج ذواتنا المتوترة، بغياب (العدل والمساواوة الحرية).. كي نسترق السمع لهمس الخواطر، والتي قتلتها أصوات الضجيج الإلكتروني والمادي...
( ولا زال ديوجين يحمل مصباحه كي يعثر على إنسان صافي وسوي في زجمة السوق الكبيرة).. في بلادي 30 مليون بطل، بطل حقيقي، (والبقية تسمنت الكراسي والمآسي)....
عميق شكري، لإحساسكم الطيب بأمي (حاجة بتول)، وهي ذات وجه يصدح كل يوم بكلمة (كلهم أبنائي)... همسة: ألتقنيا في أرض المعارض (في يوم حميم، دافئ رغم الشتاء)... منذ حين..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: ضحيه ابراهيم)
|
عزيزي وأخي الجميل/ ضحية....
صباح ثري بالصحة والتوفيق..
إن شعبنا شعب عظيم، عملاق... نحس بذلك، بل نستقين ذلك حين نقارن مع الآخرين، شعب يحمل نكهةخاصة، تحس بذلك في الحافلة، وفي المنتدى، وفي الشارع، وفي الجيران، وفي السجن، وفي الانداية، وفي ندوة شعرية وفي الحقل وفي الصحراء..
شعب بطل، يعاني (المعلمين)، ويعاني (النقلتية)، ويعاني (الحرامية، والشعراء، والمهندسين)، في جنوبه وفي شرقه وفي غربه وفي شماله وفي وسطه، مكتوي بنار الفقر (كما تكتوي حاجة بتول بنار الكانون، ونهار حار)..
شعب عبارة عن لوحة إلهية، جيناته، واشكاله، ولونه، وطربه، (أغاني التباين)..وتراثه الصوفي والفكري والمسيحي ومكارم المعقتدات، في الجنوب والشمال والوسط والعمق والغرب والشرق..
عزيزي ضحيةلكم حبي وتقديري...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
الاخ والصديق عبد الغنى كرم الله باسم الصداقة اقدم ليك تحياتى
Quote: أخفى من دبيب النملة السوداء في الليل الظلماء |
Quote: (هل رأيتم لذة الشعر، وخطفة النبؤة ماثلة أمامكم!!!؟)... |
Quote: لو تبقت جذوة الطفولة بداخلي، لقلدته، وفكيت قيد جسمي المتبلد، ولحقت به في الأعالي، في الأغاني، في المعاني... |
اطلاله العمل الفنى والبيئة الاجتماعية فى مدلولها الكبير.همزة الوصل العميقة بين العطاء والحياة وحرية الكاتب النفسية فى صياغة وجدانه وقضاياه وافكاره على نحو ربما يغاير ماهو عليه فى واقع الحياة اليومية من حيث قوانين الطبيعة والمجتمع. هذه الاجواء المليئة بالتصوير الخاطف لجزئيات شخوصها واحداثها والبناء الفنى للشخصيات والتحليل بالحوار انضج الاجواء. والضوء الحى الذى يقودنا الى ماوراءه والتعمق فى استخلاص النتائج. نكهة الكتابة الطازجة لتجليات السياسة والثقافة وايقاع الحياة بقلم مخلص التعبير عن نفسه وجيله ومجتمعه وزمانه!!!!!! غيمه بنفسجيه ........وغيمه رومانسية......وغيمه تراجيدية فشكرا لسبيكة عبد الغنى المعهودة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: مطر قادم)
|
أيها المطر القادم من جهة الغد، كي يطفئ لوعة الأمس، واليوم..
طبت روحا، كعادتك، كبسمتك...
وهل تصف الحروف (حاجة بتول)، وتنصفها!! إن اللغة، كعادتها الذميمة تحوم حول الحمى، وتترك (سويداء الحدث)، عذراء...
حاجة بتول فوق الوصف، كنت استلف منها القروش، مجرد دين بسيط (ألف جنية)، ولكن وبرب السماء هي أعظم وأكتر من (مليارات الوليد بن طلال)، هي عرق جبين أمرأة عجوز، ساقتها (بلاد غير عادلة)، كي تحج لشجرتها قبيل أن يصحو عباد الشمس، وتذهب لبيتها (الشعوائي)، بعد أن ينام عباد الشمس، ويلم تويجاته...
ألم يقل المسيح، حين وضع ناصري درهم واحد (هذه الدرهم خير من كل الأموال التي وضعت في الهيكل، فهذا دفع من حاجته، وأولئك دفعوا من فضولهم)...
في احدي الأيام وبرفقة والدتي (حاجة بنت المنى)، ونحن ماشين لمركز العيون بالمنشية، جرى بصرى لبائعة الشاي تحت الشجرة، ( ومعها طفلتها، معها طلفتها يا مطر)، (بتول أخرى، على وزن مريم أخرى) فدخلت المستشفى على عجل، أن اسعد بها وبه، (إنا مع المنسكرة قلوبهم)، وحين عدت وجدت أثار نار منطفئة، وكبابي مكسرة، (لقد أحرقوا شجر الجنة وقتلوا الملائكة)، ولم اجد سوى فارس دعي (يلبس الأخضر في جسده)، ويظل قلبه جاف وأجرد.. (ليت دون كيشوت يعود، مرة أخرى، ولكن بقوى شاب، وبصيرة حكيم)...
كنت استلف منها القروش، ونأكل معها فطورها الجاف (الغني)، ومع هذا، اعطتني أجمل شئ في الحياة (أنها امرة حنونة)، وجهها يحوي اسارير وتعابير عن البساطة والفطرة لا توجد حتى في وجوه الاطفال..بل الملائكة...
تحت كل شجرة ظل، ظل يأوي الناس من هجير الواقع، وكل بائعة شاي هل ظل، ظل أليف، نقي، (وتظل الحياة ناقصة)، كعادتها، حتى تعود امي بتول لبيتها، واولادها المتعلمين، تعود كالمسيح، ......
أيتها العدالة... أيها التاريخ، منذ الطبري، وأنتم تتعثر....
(لكل نار.. نور)... فنار المعاناة، جعلت (نور بتول)، يسري في روحي، بثراء وجمال الفطرة (الأبدي)..
ويظل المطر يسقط، بل يسمو للأرض، لوطنه الذي ذهب عنه بفعل الحرارة.. بفعل الهجير...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
الأستاذ عبد الغنى
لك التحية وانت تصوغ الواقع نغما جميلا "وتعمل من الفسيخ شربات" فكم مثل الحاجة بتول لا يلتفت اليها أحد الا باستهجان وازدراء ويرى انها عبء على المجتمع - كما افرد احدهم بوستا عن بائع الماء تحت وهج الشمس المحرقة - ولكنك سيدى نظرى بعين الفنان وانتجت لنا كلاما متناغما رائعا جميلا ...
لا أملك الا أن اقول ليسلمك الله ويحفظك لنا ولنرى ابداعات مثل هذه تكون عبرة لنا وللاخرين..
لك تحياتى وودى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: بدر الدين الأمير)
|
عزيزي استاذ/ بدر
صباحك طيب، وسعيد...
كعادة (الطيب محمد الطيب)، في التقصي والتعب والجري وراء الكتابة، جاءت رائعة (الانداية)، وشدني كلامه عن (كأس سيدي الحسن)، فقد اشتكت امرأة للسيد الحسن عن بوار تجارتها ( العرقي) فقال لها السيد الحسن (قولي ده كأس السيد الحسن)، فالحيوات أولى بالرعاية...
هناك خمر، وهناك خمر آخر، بل أحس بأن هذا الأثير هو (خمر من غاز)، تستنشقه الرئات، كي تفكر، وكي تتأمل، وكي تئن، وكي تضحك، وكي تسمر......
اتنئ بالصبوح، يابهجة الروح، إن كان في الكأس باق.. (عندنا قريبتا اسمها (بهجة)، صغيرة، وهي تحلف بأن هذه الأغنية لها)... أنها طفلة (مخمورة بالفطرة الأولى).....
(خمر الروح، وخمرالجسد).. (هناك دراسة رائعة لمجلة نيوزويك.. عن نشاط العقل في الصلاة والخشوع والتأمل، وعن نشاطه بفعل الخمر الحسي، والنتيجة تقارب حد التطابق)... وعن (هذا يسار إلى الطعان)....
يشدني أهداء، للاستاذ، وهو معنى (بالجسد الإنساني)، وهو : (إلى الذين يتوقون إلى إضاءة أجسادهم، وإنارة عقولهم)، فكأن روح الطقوس الدينية (حيث كانت) هي أحياء الجسد، جاءت كي يستقظ الجسد من غفوته، وكي يحي المعطل، فالجسد نائم، بل يغط في نوم عميق، وآن له أن يستقيظ، أن يصحو (الناس نيام....... انتبهوا)، وكي يصحو الجسد، وتشتغل تلك الغدد المعطلة جاءت مفرادات الحياة كلها، كي (سخر لكم مافي السموات والأرض)...(من موت وفرح وشروق وسفر وجوى)، ، ومع هذا ليته يصحو...
الجسد يشيخ ...والجسد يطرب....والجسد يرقص....والجسد يسكر....والجسد يسجر.... والجسد يقبل....والجسد يطير...والجسد يموت ....والجسد يحي... والجسد يمشى على الماء (لاحد لسطوة وقدراته المحبوسة)...والجسد يتألم... ويسلتذ (بالشعر، والفكر، وبالحلوى، وبالعملية الجنسية)....
حين همى كولون ويلسون بالانتحار، أحس بأن الجسد (هو وعاء الروح).... فقد خاف من خوض التجربة، واشتعلت خلايا بالخوف، فأحس بأن الجسد حقيقة هو (الروح)، فلا يلج بلا ماء، ولا ماء بلا ثلج، ولكن (ذبذبات مختلفة فقط)...
أحيانا ... بيت من الشعر، أحس بأنه خمر، بل عرقي، بل أفيون، يظل يشدني لعالم سماوي، وأظل اردده في خواطر، وبلسان، وفي البيت وفي العراء.. وفي ...
في بداية القصة الرائعة (لشالز ديكنز)، (قصة مدينيتن)، وهل إنسكار الجرة والبراميل المليئبة الخمر، وعن تهافت الشارع، للشرب المجاني، فالجميع، جلسوا بل ركعوا كيي يشربوا خمر يسيل على الشارع، (ركعوا للخمر، لله، للتراب)...
يحلو الحديث، معكم، كعادتكم، وتحس بأن الحياة (جنة من الفكر والتأمل)...
ومع هذا أحاول (قلة الأدب المحببة)، وللحق مسكون هذه الأيام بموضوع ( الجسد حين يرقص)، وموضوع عن (القبلة).... وجرى القلم على حقل الورق، بما جرى.. فعلى الأدب أن يهتم بالجسد، وعوالمه، وقهره، وقوته، وسطوته....
(خمرنا خمر المعاني عتقت من قبل آدم).....
مع عميق حبي وتقديري..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: قرشـــو)
|
عزيزي قرشو
إنها (أمي تحت الشجرة)، وفاطمة الصغيرة( برتقالة فوق الشجرة)..... كل الاشياء تبرق، وتومض، ولكن أصابنا عمى (العادة)، وصرنا نيام، نمر على كرنفال الوجود، المحتفي بذاته وبفطرته، ولا نبالي...(اينما تولي فثمة وجه الله)...
عساك طيب، وعميق سلامي لك، ولاسرتكم، ولشوارعكم، ولاهتماماتكم....
السودان عبارة عن حكايات، فالشارع حكاية، والقباب حكاية، وسجن النساء حكاية، والوداعية حكاية، در الوثائق حكاية، وكنيسة الشرقيين حكاية، وطبقات ود الضيف حكاية، (وكأن الف ليلة وليلة)، تحاكي حكايات بلدي المحبوب..
ولكن للجمال خطورته (سوبا الخربت سوبا)، وللقبح خطورته (البعاتي، والغول والانظمة الفاسدة)، وبينهما يكمن سر الخلق، وتدفق الزمان (هناك عقل كبير، تجري على هداه مسيرة الأفلاك والنجوم)..
عميق شكري لتعاطفك معي مع أمي بتول، تلك الرمز لعشرات النساء المنسيات..
مع عميق حبي...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: معتصم الطاهر)
|
عزيزي وأخي الشاعر الاديب المعتصم الطاهر
إنها العدوى، انتقلت من كرنفال نشاطكم الجميل، إلى نصي المتعب... كم رائع (بدر)، حين أدخلني دنيا (ذاك السرب المغرد دوما)... ونلوذ بالكتابة، كعلاج من داء الهوان والغربة والتشرد في اصقاع الأرض لم يبقى سوى (النص)، كي نبكي على ارضه ونزرع ما يطيب لنا من ذرة وقمح ونخيل... شكرا لزيارتي، وزخرفة بوستي بحروفكم الخضراء..
عميق حبي وتقديري.....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
عبد الغني كرم الله ..
Quote: كانت حبات السكر ترقص بشكل حلزوني داخل الكباية، درويش مأخوذ بجذوة العشق العذرى، تلف كقطيع مخمور، تلف وتلف، وتتضآل، تلف وتتضاءل، حتى تلاشت، بل شفت، كالضوء.. أهكذا العشق، دوار ثم فناء... |
أظنني حبات سكر ترقص داخل كباية هذا النص مأخوذة بروعته أو قل سبحة في يد درويشه الفاني
حاجة بتول رائحة الشاي ظل السحابة ...
وماذا ايضا ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: تيسير عووضة)
|
العزيزة تيسير...
غد حنون، وحاضر أحن...
كلنا ندور، مثل حبات السكر في جوف الكوب، ندور حول (الأيام السبعة)، وندور حول الفصول الأربعة، وندور حول الشمس، مثل معلقة(حاجة بتول)، هناك معلقة مطلقة، تصوت سكر هذا الوجود، الذائب في خلايا الاثير، حين سئل الطبري (المؤرخ العظيم)، عن تعلقه بالتاريخ، أجاب: (التاريخ هو إرادة الله)...
وأنا أكتب هذا النص، كنت أتابع حاجة بتول (في خيالي)، وهي تخرج من بيتها (هيكل عمارة، بلا حيطان)، وجسدها لم يشبع من النوم، بل لم تنام اصلا، كي تصحو....كنت أحاول أن أحس بتعبها، أن يسكنني إرهاقها، أن أكون هي، أن يسيل عرقها من مسامي، وأن يسكن همها قلبي... ولكن هيهات ... هيهات.....
وعميق شكري (لبوست حلتنا، واستدعاء الطفولة المباركة، ألم يقل كارل يونج (أن الطفولة هي المرحلة السحرية، وعلينا استعادتها، كالمسيح، (لن تدخلوا الجنة، حتى تعودوا أطفال)..
ليتنا نعود أطفالا، كي نفرح ونلعب ونطرب بكل شئ، حتى حبات الحصى، تشكل ثروة عظمى...
مع عميق تقديري وامتناني...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: بدر الدين الأمير)
|
عزيزي بدر..
كل يومك صباح، وكل صباح حنون كقلب المسيح..
لم هذه الأسئلة الصعبة، حاولت ان اختصر، فخانني القلم، ومع هذا فهذا هو الجزء الأول من الرد:
(1)
في البدء...للحق نحن شعب الحكايات!! وتحكى من الأم والحبوبة، والأخت، والجيران، وتحكى بأساليب ساحرة، من تغيير في الأصوات، وتعابير الوجه، والأيدي، والنظرات، فالإنسان يعبر بكليته، (بكل جسمه في الترح والفرح والجوى)، فالتراث الشعبي، والثقافة العامة، تتحدث عن حكايات السحر، والجن، وكرامات الأوليا، وعرس فلان، وطلاق فلان، وهي قصص واقعية، يزيدها المتحدث، أو ينقصها، وهي تخترق سقف الواقع، المتعارف عليه، إلى واقع أسمى، فالأولياء يطيرون، ويحيون الموتى، ويتكلمون مع الطير (الشيخ السماني كانت الغزلان تتمسح بثوبه)، ويعالجون السحر والمس، والكتابة (الشعوذة)، بل تباع تحت الاشجار (حجابات المحبة) ، و(حجابات السفر، والتوفيق، والزواج)، تباع مثل النبق والفول، والقنقليز، والوداعية، (أي وداعية تحت أشجار بلادي الوارفة)، ترسم لنا مصيرنا، من) الأرحام إلى القبر)، بخيال واسع، كوميدي، تهكمي، ويزور الاضرحة (ذات البخور الغريب، الغامض) عشرات، بل مئات، للتبرك والدعاء، ويتحدثون مع الولي في ضريحه المبارك، كمن يتحدث مع طبيب نفسي، بأدب جم، وشعور مكثف بوجود حياة أخرى، أرق وألطف من حياتنا هذه (الدنيا)، وللحق الحياة حمالة اوجه، والقبر لدى الثقافة السودانية، وهي مستمدة من حديث الرسول (القبر روض من رياض الجنة)، ألم يتكلم النبي مع موسى في قبره، وهو قائم في محرابه، بل قال للصحابة معه (وددت أن تزوروا معي أخي موسى وهو قائم يصلي في المحراب)، فالحياة الشعبية السودانية، عميقة، تتجاوز الثقافات المحيطة، الجافة، المحدودة، والتي تنعي علينا، هذا الثراء، وتكتفي بما تعطيه الحواس المحدودة، العاجزة.
ثم يأتي كتاب طبقات ودضيف الله، وهو يرصد ثقافة بلدي (المحبوب) خلال ثلاث قرون، وهي حياة تقوم على الزهد، وتفجير طاقات النفس الكبرى، من رؤى وتجلي، وكرم، وشجاعة، ففي الطبقات قصص (واقعية)، تتجاوز أخصب الخيالات الإنسانية، بل تتجاوز أسطورة العرب الكبرى (ألف ليلة وليلة)، فإسماعيل صاحب الربابة يعالج بربابته الأمراض النفسية، والعصبية، وتتوغل انغامة، كحبة البندول، في النفوس، بل يطرب حتى الحيوانات، ويهدي النفس، ويمتص غضب السلطان، والرعية، (كمزمار دواؤد)، ثم يذكر ادريس ود ارباب (راجل العيلفون الاسرع من التلفون)، ويوسف ابوشرا، وللحق الثقافة الصوفية هي تجلي للإنسان في قمة نشاطه النفسي والفكري ( فلا حدود لطاقات الإنسان)، ألم يقل الإغريق (أيها الإنسان بعقلكم العظيم ستصير إلها)، وهناك قصة موسى أبو قصة، والتي سأل فيها أمه عن أصعب موقف مرت به (فقالت لها حين كنت فتاة، قبل الزواج، مرت بظرف عصيب، حين كنت في الفزع (جلب الحطب)، فجاء شاب وسيم لانقاذي، فقال لها ابنها (هذا الفتى هو أنا)، وكانت الطيور تحت رحالها على كتوف كثير من الأوليا، لانها لم تشم في دواخلهم روح الافتراس، فهم مسالمون، آمنون، وقصة يوسف ابشرا، والذي حول القرع إلى عيش، ودعوة العبيد ود ريا، حين استدعى للخرطوم ( يا حي يا قيوم ما أصل الخرطوم)، فمات في أطراف سوبا، قبيل الخرطوم...
وتستمر الثقافة السودانية، في تجاوزها (للواقعي المحض)، إلى عوالم بكر، لم تطرق من قبل، بل يمتد التجاوز إلى الغد البعيد، فهناك استشراف للمسقبل، وكأنه نبوءة، بل يتجاوز نبوءات (نوستر داموس)، ففي دار الوثائق بالخرطوم (وهي مضنون بها على غير أهلها )، لحسابات خاطئة، قصة شهيرة، للشيخ دوليب، ابان الثورة المهدية، فقد تنبأ هذا الولي بالأحداث إلى يومنا هذا، وكأنه يقرأ في كتاب مفتوح، مسطور، أن العقول الكبيرة، الصافية ترى مورد الحياة ومصبها، فالحياة لها قانون، وتسير على هدى فكر شامل، وكل من له حظ في الصفاء، يرى عجلة التاريخ، ما كان وما سيكون، ألم يقل السيد الحسن (راجل كسلا) لتلاميذه (بأنه كان يسمع حديث الداية التي ولدته وحديث النسوة معه)، فجاء التنويم المغناطسي، مؤكدا قدرة الإنسان على تذكر احداث قديمة، بل تمتد إلى ما قبل وجوده الحسي، فالوجود ثري، وعميق وخصب، لمن يبحث عن اصله، وفصله، ويستعيد الاسئلة الطفولية (من نحن، ومن أين، وإلي أين)، وقد كانت هذه الأسئلة مطروحة في كل بقاع التصوف في السودان، كان الهاجس هو اكتشاف الروح، وهل تكتشف!!!
انه تراث عظيم عن مجاهيل ومغاليق الإنسان، واعجبتني المعالجة الجميلة، للأديب الكبير، ادونيس في كتابة الرائع (الصوفية والسريالية)، حين ربط التجربة الصوفية بالتجربة السريالية، (طبعا المقارنة تمتنع)، ولكن الفنانين السوريالين يحالون عبر تجاريب الفن السمو إلى نقطة الوعي الأولى، بعيدا عن رقابة العقل والمنطق، الاستسلام لسطلة الهذيان والحلم، (مجالي لغموض الإنسان)...
كيف تفرض الشخصية نفسها؟؟؟؟؟...
عليك أن تكون كالمتفرج مع شخصيات نصك، وإلا سيلاحظ القاري تعصبك، وهذا يفسد النص، ولكن الحياد صعب، ويحتاج للمارسة، (عقل يخلو من الرغبة، والرهبة)، (وهذه ما أصعبها) لأن الإنسان دائما يسقط آراءه، وعاطفته، تجاه شخص داخل النص، فيختل النص، فالحياد مطلوب، ومع وزنه دقيقه، لسبر الشخصيات، كل على حده، حتى لا يفسد الحياد (الأعمى) القصة، أيضا...
وحين أغرق في الشخصية، إي كانت، اتقمصها، وأحاول رؤية الكون، كما تراه هي، وليس أنا، وعشان كدة الكتابة، ممتعة، متعة جدا للكاتب، وما يصلل للمتلقي المبدع،هي بقية الكأس، عشان كدة الكتابة غاية في ذاتها.... أمارس الكتابة، كعلاج، وكأكتشاف لذاتي، وكي أبني عالمي الخاص بي، ولا أملك أي تصور حين أكتب، بل وللحق فالكاتب هو القارئ الأول للنص، احيانا أحس بالامتلاء بمشاعر معينه، بجنين في داخلي، وأكون مرغما على الكتابة، كحال من ترغمه النكتة على الضحك، أو الحدث المؤسف للبكاء، ولا حول ولا قوة للاثنين، وكل ما في الأمر هناك توق للتعبير، للكتابة (للرسم، للنحت، للبكاء، للحب)، حسب معاناة المرء...
الكتابة جزء من الإنسان، فالحروف تحمل في جوفها أحساسيس، مثل الثمرة، تحمل بذرتها، وطعمها بداخلها.
كما ان الكتابة هي العيش في اللحظة الحاضرة، فالفكر والمشاعر تتوقف في الحاضر، ويتوقف القرد الداخلي للفكر، والذي يقفز من غصن الماضي إلى غصن المستقبل، دون أن يتدبر اللحظة الحاضرة، وهي الزمن الحقيقي، فالماضي والمستقبل مجاز عقلي، ولكن قمة هرم الزمن هي اللحظة الحاضرة، هي الآن، ولكن نحن مشتتين في الماضي والحاضر، وللحق الفكر أسرع من الضوء، فهو يسافر، وفي ومض من الخاطر إلى أفاق مجهولة....
والكتابة هي تجميع للحواس، وتركيز لها، كي تسمع حتى أصوات الصمت، والسكون، هناك موسيقى تعزف في الوجود، ولكن نحن مشغولون عنها (شق ثوب الوهم عن ذاتك، ينشق غطاها، وأدخل الجنة في دنياك، وأنعم بشذاها)....
ولكن هل الحواس تكفي لمعرفة البيئة المحيطة والبيئة الداخلية، مثلا حاسة (البصر)، لا ترى إلا عالم صغير، أصغر مما نتصور، فهناك أشياء من الصغر بحيث لا ترى، وكذلك أشياء من الكبرى لا ترى، فاستعان الإنسان بالميكروسكوب، وبالتلسكوب، (ناهيك عن القلب السليم والعقل الصافي)... ومع هذا لا يزال أعمى (وأي أرض تخلو منك حتى تعالوا يطلبونك في السماء، تراهم ينظرون إليك جهرا، وهم لا يبصرون من العماء)...
أذا مر قطار طويل، أطول من قطر كريمة، بسرعة الضوء، (فلن نراه)، وهكذا لا نعول على البصر، وكذا السمع، وكذا الشم، يكفي أن (الكلب)، وهو دون الإنسان تطورا، يشم أغلب الأشياء، وللحق كل الأشياء تحمل رائحة، وصوت، وموسيقى ولكن (لا حياة لمن تنادي).... فالأولياء يشمون خواطر الإنسان، كما اشم رائحة الموز امامي، بل أعمق....
هناك مقولة لكاهن بوذي، حين جاءه تلميذ ذكي، أظنه كان بيقرأ في جامعة (هارفارد)، وهل بعدها من علم، جاء الطالب ليبحث عن الأعشاب، فدلوه الناس لذلك الكاهن، وهو في غابات البرازيل، وقد فوجئ التلميذ بثقافة الكاهن، غير العادية، بل بشكل محير، وحين انتهى الطالب قال له الكاهن أنظر لهذا الكوب، وكان به ماء فققط، ولكن الطالب صعق... (فقد رأي وشم رائحة الماء، وذرات الاكسجين والهايدروجين وهي تحضتن بعضها البعض، وبألوان زاهية، في كرنفال حي، داخل كوب ماء، والسرمدية...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
الجميل عبد الغني كرم الله .. صباحك أخضر ..
كثيرا ما أتسأل بيني وبين نفسي عن ماهية الدوران .. كيفيّته وغايته خلصت أخيرا إلى أنه امتداد أو استمرارية للأشياء بحيث لا تُعرف له نقطة بداية أو نهاية , أحيانا أحس أن ما نعيشه اليوم قد مر على غيرنا في زمان من الأزمنة وما نحن الا تكرار له أيضا بفعل الدوران ..
Quote: ....كنت أحاول أن أحس بتعبها، أن يسكنني إرهاقها، أن أكون هي، أن يسيل عرقها من مسامي، وأن يسكن همها قلبي... |
جميل وأنت تحاول أن تشعر بمن حولك .. بتعبهم وهمومهم ومنهم هذه الكادحة هؤلاء هم من يصنعون الحياة ويعطونها التوازن شكرا عبد الغني لكل هذه الروعة ودمت سالما ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: نهال كرار)
|
العزيزة / نهال
أسعدك الله، وأسعد بك...
إنها محاولة لرسم (مشهد) من و طني المحزون، عسى أن ينقل جزء من نبض تلك الذوات المعذبة، كي نبكي معها، ونئن معها، لصبح جديد، إذ اشتكى عضو تتداعت سائر الأعضاء... وإذا رقص عضو..... طربت سائر الأعضاء.... أنها غريزة الأخوة الكبرى...
اسعدني مروركم الجميل بنصا المتعب.... حقاً أنها محاولة للرسم، محاولة طفل، ذو ثلاث أشهر، كي يركض سويا، وهيهات هيهات...
عميق احترامي وتقديري...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: [B]بائعة الشاي، والجميز، والمطر !!! (Re: بت امدر)
|
العزيزة بت امدر...
والله يكفيك هذا اللقب، أنها امدر، تثير جوى عظيم، مثل رائحة الطمى... إنها مدينة السماء، تسمو بشعرائها نحو أفاق بعيدة.. أنها مدينة الأرض، يعمل أبطالها (المجهولين) على إسعاد أهلها البسطاء.. مزيج من أمشاج شتى.. سودان مصغر، بل مكبر... فتحت أبوابها ... للجميع.. فيها المفكر... وفيها الدوريش وفيها الماضي.. وفيها السارق.. والفنان ... والضاحك، وخفيف الظل... و... و.... (حكاوي امدرمان)، (الاشجار تموت واقفة)، (غدا وفتاي احطم قيد حبسى، وأخرج للملأ في ثوب عرسي).. تشدني اسماء الاحياء، مدينة كالقلب، مليئة بالشعور والفكر والدهشة... إنها بقعة من الفروس.... ودنوباوي، استاذ المريخ (والهلاك كمان، والموردة برضو)... المهدية والمنزل ... ودنفاش، وغنى ياطيور....
غنى عنها الأديب العبقري معاوية بنص ثري (ام درمان مدينة الحنين والسراب)...وإليكم معزوفته:
(....يدخلها الإنسان عن طريق القنطرة الجديدة، المقامة على النيل الأبيض، بعد أن ينهب الترام سهول الخرطوم الخضراء الواسعة، فيلقي نظرة على ملتقى النيلين في شبه حلم، ويعجب لهذا الالتقاء الهادي الطبيعي، وذلك التصافح العجيب من غير إثارة ضجة ولا صوت، فكأنما النيلان افترقا في البدء على علم منهما، وهنا يلتقيان كما يتلاقى الحبيبان ويندمجان نيلاً واحداً،، فما ندري أنهما كانا نيلين من قبل ولا ترى في موضع الالتقاء ما يشير إلى شئ من المزاحمة أو عدم الاستقرار مما يلاحظ عادة في إلتقاء ما بين جهتنين مختلفتين، وإنما هناك عناق هادئ لين، وإنبساط ساكن حزين، فإذا فرغ المشاهد من هذا المنظر الذي لابد أنه آخذ بنظره، مرغمه على التأمل، انتقل إلى الضفة الأخرى من النيل الأبيض فرأى البيوت الصغيرة مثبته على الصحراء، ورأى السراب يلمع ويتماوج بعيداً، ورأى بعض العربان وراء جمالهم المحملة حطباً تمشئ في ائتاد وفتور، ومن ورائها سراب ومن أمامها سراب، فكأنما هي تخوض في ماء شفاف، ورأى شماله بعض ثكنات الجنود السودانيين، مثبتة هي الأخرى في أماكن متقاربة، ثم سمع صوت (البوري)، يرن حزيناً، شجياً، وسط ذلك السكون الصامت وفي أجواز ذلك الفضاء اللامع وتلك الشمس المحرقة، فيحس بشئ من الحنين البعيد والحزن الفاتر المنبسط ويعجب لذلك المكان ما شأنه وشأن الترام الكهربائي والقنطرة والاتومبيل الذي يخطف كبالبرق بين كل آونة وأخرى في ذلك الفضاء السحيق (.....) [هذا نص من (أم درمان مدينة الحنين والسراب) لاستاذ معاوية محمد نور...
عميق شكري بت ام در.. الرائعة... وعميق تقديري وامتناني..
| |
|
|
|
|
|
|
|