|
في رثاء الشهيد صديق محجوب صديق...
|
الحاج وراق
عاش حراً واستشهد حراً * أفرد (مسارب الضي) اليوم لرثاء الشهيد صديق محجوب صديق، بقلم الأستاذ/ أزهري الحاج دفع الله: صديق محجوب صديق... شهيداً... عاش حراً ومات حراً. كم من شهيدٍ سقط على طريق لا يقود إلى الطريق! وها هو صديق محجوب صديق، يفتتح نهار الأربعاء الأغر طريق الشهادة الحقة الذي يقود الى طريق الخلاص. انه موتٌ بطعم الانعتاق والنجاة. موتٌ ليس كمثله موت، فحين يختار شيخٌ في الستين أن يمتشق صوته ويعبر بهتافه عن موقفه الرافض لزيادة الاسعار وسياسة الافقار، وتمتد يدٌ أثيمة لتطلق سموم قنابلها المسيلة للدموع والمهدرة للأرواح فتصرعه اختناقاً، يصبح للموت معنًى آخر، ولا تدري الأيدي الأثيمة - أو ربما تدري - بأنها أودت بحياة رجل عزيز نبيل، ليس في مثل عزته ونبله مثلٌ كثير. كان صديق محجوب عاملاً في السكة الحديد وفنياً «للصنافور» يوم كانت السكة الحديد رمزاً وأداةً للوصال الجميل، وكان عمالها طليعة للنضال فقطعت جحافل الغدر الظليم أوصال السكة الحديد قصداً، وشردت عمالها قسراً، وأحالت صديق محجوب ورفاقه إلى معاشٍ اضطراري. استعصم الرجل بجذوة الصبر الكظيم، وتحمل كشهيد ما تنوء بحمله الجبال، واحتضن بناته الأربع وولده الوحيد، وانتبذ بهم طرفاً قصياً في جنوب المدينة، وكدَّ في مكابدة وجلد حتى أحسن تربيتهم وحماهم من سوءات الدهر ونوائب الانفكاك المحيط. فتفوقوا جميعاً علماً وأدباً، خلقاً وخُلقاً. واحتفلت الدولة بابنته الأخيرة، ندى صديق محجوب، التي أحرزت المركز العاشر على مستوى السودان في الشهادة الثانوية لهذا العام. ولكن سلطة نفس الدولة مدت يدها الغادرة فقبضت روح والد ندى ووأدت الفرحة في قلبها البريء. أفٍ لها من دولة! وتباً لها من سلطة! تشرد الكفاءات الشريفة عن مجالات عملها وتقطع ارزاقهم وبديلاً عن الرخاء الذي يعقب عادةً انتهاء الحروب وحلول السلام، ترفع أسعار السلع الأساسية لتضيق عليهم الخناق وتتمادى فتصم الشعب بالخنوع وتتحداه في استفزاز زنيم أن يخرج للتعبير عن رفضه ان كان قادراً! وحين يخرج آلاف الشرفاء ومن بينهم صديق محجوب، الذي لا يرضى بعجز القادرين على التمام، تستخدم السلطة في مواجهتهم الغازات المسمومة، فيسقط صديق شهيداً! ويلاً لها من عصبة ولغت في الفساد وأمعنت في الاستبداد وآن أوان زوالها...! إن وأد حياة الشهيد صديق محجوب جرمٌ.. جرم (جرم جره سفهاء قوم وحل بغير جارمه العذاب) وتقع مسؤوليته على السلطة التي اتخذت قرار زيادة الاسعار وعلى من استفز الشعب للخروج والتظاهر، وعلى من خرق الدستور وأمر بمنع المسيرة المشروعة، وعلى من أصدر الأوامر بإطلاق القنابل الغازية المسمومة، وعلى من اطلقها. إن روح صديق محجوب سترفرف عالياً، شاهدة على انتهاك أبسط حقوق الانسان في السودان: حقه في الحياة والتعبير السلمي عن رأيه. وسيبقى موته الباسل وصمةً في جبين العهد الانقاذي الزؤول. وعلى القوى الوطنية صاحبة الدعوة للمسيرة السلمية أن تحسن تأبينه و ترعي أسرته. أحسن الله عزاءنا فيه، والتعاضد ودعاوى الصبر النبيل لحرمه المكلومة، فاطمة، ولابنه الوحيد حسن، وللدكتورة أمل صديق، وأخواتها، في شهيد هو فقيد الوطن كله لأنه بموته الجسور وضعنا جميعاً على طريق الاستشهاد الذي يقود إلى طريق الخلاص. طوبي لك يا صديق، يوم ولدت حراً ويوم عشت شريفاً ويوم مت واقفاً كما يموت الشرفاء، وانه لموتٌ بطعم الحياة.
|
|
|
|
|
|