|
رد علي د.عبد الوهاب الافندي في مقاله عن فترة النميري ... بقلم: بابكر عباس الامين
|
رد علي د.عبد الوهاب الافندي في مقاله عن فترة النميري ... بقلم: بابكر عباس الامين الخميس, 18 يونيو 2009 22:44
[email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
أود الرد علي مقال دكتور عبدالوهاب الافندي مقال في سودانايل 18يونيو الحالي والذي تحدث فيه عن عهد جعفر نميري وسماه عهود نميري لانه تقلب من اليمين الي اليسار وذكر أنه أساء الي المناهج التي تبناها وشوه تطبيقها وناصب أنصارها العداء . ولكن أستاذنا المؤقر تحاشي تماما ـ لارتباطه الايدلوجي ـ مسؤولية الاخوان المسلمين جناح حسن الترابي في التجربة السيئة لتطبيق الشريعة في سبتمبر 1983 . فكما هو معروف فأن جعفر نميري لم يكن إسلاميا بل أنه لم يكن متدينا فأوعز له حسن الترابي بفكرة تنصيبه إماما للمسلمين ومبايعته علي أن يوفر سند شعبي له بالتنظيم مقابل أن يسمح للحركة أن تعمل في العلن . ولقد قامت قيادات جناح الترابي بالمبايعة فعلا صحبتها مسيرة مليونية نظموها تأييدا لامام المسلمين رضي الله عنه . ولقد شاهدتهم يرفعون لافتة في تلك المسيرة وقد كتبت عليها اية الذين يبايعونك تحت الشجرة إنما يبايعون الله وهي اّية المقصود بها الرسول (ص) وليس طاغية كالنميري لا يفقه في الدين إلا ما تعلمه من المناهج التعليمية . ولا أعتقد أنه يمكن باي حال من الاحوال أن تكون يد الله فوق أيدي الذين بايعوا نميري إماما.
ولابد هنا من الاشادة بالراي الثاقب والبصيرة وبعد النظر والحرص علي الاسلام الحقيقي لدي الاستاذ صادق عبدالله عبدالماجد ودكتور الحبر يوسف نور الدائم ومن شايعهما لانهم نأوا بأنفسهم عن مهزلة ما سٌمي زورا شريعة ومبايعة النميري , ولم تغرهم المناصب ويبعوا دينهم من أجل دنيا فانية فنالوا إحترام السودانين حتي العلمانيين منهم . وهذه القوانين التي صاغها قانوني الجبهة الاسلامية ( بدرية والنيل ابوقرون وعوض الجيد) كانت تشويه وإساءة للاسلام , ومن ضمن ضحايا تلك القوانين رجل نفذ فيه حد السرقة لانه سرق مسجل ( جهاز تسجيل ) لا يتعدي سعره المأتي جنيه . وحتي يضمنوا حكم السودانيين علي منهجهم وقهرهم قاموا بتفصيل قوانين أمن الدولة للبطش بالذين يبدون رأيا معارضا للسلطة كان ضحيتها الاستاذ محمود محمد طه لانه أصدر كتيبا رفض فيه تسمية الذي يدور بأنه إسلاما , فحكم عليه بحد الردة وبعد شنقه مُنع أهله من إستلام جثمانه وأُلقي به في الصحراء كحيوان به مرض معدي .
وبما أن القوي السياسية الاخري كانت محظورة في تلك الفترة , فقد قامت حركة الترابي في إستغلال ذلك الوضع بانتهازية فبسطت سيطرتها علي المصارف والوظائف وبنت خلاياها في الجيش التي أفرزت إنقلابيي يونيو 1989. وسمي حسن الترابي فترة سبتمبر 1983 الي ابريل 1985 بفترة التمكين في أحد مؤلفاته . وصحيح أن الحركة قد تمكنت في تلك الفترة ماديا مما ادي الي تمكنها من إحراز دوائر جغرافية أكبر من حجمها الشعبي في إنتخابات 1986 وإحتكار دوائر الخريجين . الا انها فقدت من سمعتها إذ أن الشعب شاهد لاول تجربة له علنية مع الاسلاميين بطشهم وتنكيلهم بالخصوم بالاضافة الي ممارسات غير حميدة من بعضهم .
وقد اثارت قوانيين سبتمبر 1983 الذعر لدي السودانيين الذين انتهجوا إسلاما متسامحا ذو منابع صوفية , وقد بث المكاشفي طه الكباشي - أحد قضاتهم - الذعر والرعب في الخرطوم بحيث أصبحت شبيهة ببغداد الحجاج لانه لم يتوان عن إصدار أحكام غاية في القسوة في أبسط المخالفات .
وذكر الافندي أن نميري قد بذر البذور لكل الشرور التي ألمت بالسودان فيما بعد إلا أن الواقع يشير الي أن تلك البذور قد بذرت بين سبتمبر 1983 وابريل 1985 اي بعد سيطرة الجبهة الاسلامية علي مقاليد الامور في البلاد . وأسوأ شجرة نبتت من تلك الجذور هي حركة التمرد الجنوبي كرد فعل منطقي علي فرض الشريعة التي أثارت لدي الجنوبيين مخاوف تكرار سياسة الحكم العسكري الاول بفرض الاسلمة والتعريب بالقوة . وقد ذكر أستاذنا الجليل أن إسلام نميري كان : " إسلام القطع والجلد والتستر علي الطغيان والفساد" والواقع أن هذه صفات إسلام الجبهة الاسلامية التي صاغت له القوانين والخطب فالرجل لم يكن له كثير إلمام بالاسلام ولم يطمح يوما أن يكون إماما للمسلمين لو لا أن أقنعه حسن الترابي بدهاؤه وخبثه السياسي بذلك وصاغ له اهل القانون من كوادره قوانين 1983 .
وبما أن التاريخ هو نتيجة ما حدث ولا يمكن تغييره إلا أنني أعتقد أنه لو قدر لنميري وصول البلاد من رحلته الاخيرة وإعدام الترابي وصحبه وإلغاء قوانين سبتمبر 1983 – كما كان ينوي - لوقي الله السودان شر مخاطر كثيرة مازال يعاني منها وحولته الي كسيحا . وأسوأ تلك المخاطر الانقلاب الذي دبرته الجبهة الاسلامية في يونيو 1989 لانها إستغلت النظام الديمقراطي وإستمرت في بناء خلاياها داخل الجيش لتنقض علي ذلك النظام . بالاضافة الي أن الفترة الديمقراطية الاخيرة ابريل 1986 – يوليو 1989 لم تكن مستقرة نسبة للغط الكثير الذي أثارته تلك القوانين وتردد الصادق المهدي في إلغائها رغم أن إلغائها كان سيؤدي الي التوصل الي السلام في الجنوب ومن ثم الاستقرار والتنمية . أما ما أسماه الاستاذ الافندي الهوس الايدلوجي والاستهتار بقيمة الانسان لدي نميري فهو أمر قد أدخلته الجبهة الاسلامية كما هو واضح من ذبح الاستاذ محمود محمد طه , فقد كان النميري رجلا بسيطا في مفاهيمه السياسية ولا أيدلوجيا له . وقد طور نظام الانقاذ ذلك الاستهتار بقيمة الانسان نوعيا بعد الإنقلاب حيث ادخلت بيوت الاشباح ومورست فيها الفاحشة في بعض المعارضين لاول مرة في تاريخ السودان , وحدثت قمة الهوس الايدلوجي عندما نفذ الانقاذيون مذبحة رمضان 1990 التي اعدم فيها ثمانية وعشرون ضابطا من القوات المسلحة لمجرد شبهات بان لهم نوايا إنقلابية وكان أحدهم قد تم جره من فراش الزوجية ليلا الي ساحة الاعدام . وبالمقارنة فقد كان نميري أفضل لانه عقد محاكمات ولو صورية لمدبري إنقلاب يوليو 1971 أما هؤلاء فقد أعدموا دون محاكمة لان حسن الترابي وافق علي ذلك . رحمهم الله فقد نحرهم الانقاذيون دون مراعاة لحرمة رمضان , ورحم نميري فقد كان لا يخلو من براءة وقليل الخبث والدهاء السياسي و الله من وراء القصد .
|
|
|
|
|
|