المسترجلات من النساء فى السودان

Quote: فوانيس د. إشراقه مصطفى حامد حكاية البنت {محمد ولد} أمل وبدر جاءا الى الدنيا سواسية، أمل ستصبح إمرأة وبدر يصير رجلا لكل دوره {بيولوجيا} فى صناعة الحياة براءة الطفولة تكسى وجهيهما، يلعبان سويا كل الالعاب المتاحة بدءا من{ شليل وين راح، كرة الشراب وبيوت الطين} استمر حال المرح وبهجة الخريف الهلّ الى أن بدأ يلعبان لعبة {عروس وعريس} وبدأت بعدها {كتاحة الفرز}، للاولاد كوم وللبنات كوم آخر. بدأ ذلك قبل فك حروف المعرفة لندرس عن خصوبة النساء والعيال القادمون من { صلب الرجال}. بدأت الحكاية حين بدأ التقسيم والمحزن إن السطوة تمارس فى الغالب من الأمهات اللآتى أكتوين بها. كان أول سؤال رميته فى بركة جدتى المسكوت عنها وعمرى لم يتجاوز بعد العاشرة {ليه انتى بس البتعوس الكسرة} كنت أمنى نفسى بمعرفة السر الذى جعل دور جدى ينحصر فى {العسكرية وتمطير الصعود بعد المعاش كسبا للرزق} ودور جدتى المحصور {بين صاج العواسة وغسل الصحون وشد حلة الملاح} رغم انها كانت تعمل ايضا كسبا للرزق. كنت اتخيل الادوار معكوسة وجدتى تلبس برنيطتها وتمطر الصعوط الا انها لم تفعل، لبست برنيطتها فقط {لعيال ماما} وهى تنفض عنها تعب الروح وتحررها من الشقى حين تقرع {الطمبرة}. كثير من البنات لم يعشن طفولتهن كما ينبغى ان تعاش، الامهات والحبوبات لايملن من خلط الحناء والمحلب تفوح رائحته {لجرتق بنات الطهور} والاعداد لسيرة البحر والصالحين لكف {الكج من المطهرات} ولم يكن هنالك {كجا} اكثر من تلك اللحظة التى هدرت فيها تلك الداية ذات المشارط الغولية فى جسد البنات، من يومها تم ترويض ارواحهن قبل الجسد والبنات اللآتى انطفأت فيهن بعض من جذوة الحياة يدندن بنغمة مكسورة القلب {الليلة الفرحة وبكرة الضبحة}. والصغيرات اللأتى لم يجربن بعد قسوة الألم يلعبن كفرسات تمرن ساقيها للركض فى الفضاءات، لم يكن يعرفن ان تلك المرأة ذات الشنطة الحديدية تبرم {شنبات} سطوتها وهى تقول {تلقنها عند الغافل}. بدأت قصة الترويض وقسمة ادوار الحياة التى ربما تنازلت عنها المرأة بذاتها منذ فجر التاريخ وهى تترك الارض لآدم ليفلحها وخطواتها تتقهقر للخلف. يومها انطفأت رتينة الضحكة وسكنت تحت رماد التقاليد... الضحكة التى حولتها المقاومة التى فعلنها النساء جمرات تنفض رماد السطوة وتشتعل بمواجهة الواقع وعلا صوتهن ضد الترويض النفسى والروحى للبنات صغيرات السن. لعبن الحبوبات دورهن بجدراة مستلبات لعقلية الاستبداد والقهر ومهدن الطريق للمدرسة لتقوم بدورها فى ترسيخ تقسيم الادوار وتحديدها. أمل المسكينة انهد {حيلها} و {طشت الغسيل المردومة قدامه هدوم بدر وابو بدر} يتوعدها بمزيد من التعب ويديها الصغيرة تدعك المها ورغوة الصابون تتحول الى رماد يغطى المكان، ثمة جمرات تولع فى عينيها فترى الطريق. تعود أمل من المدرسة لتساعد أمها المنهوكة، حدد المنهج الادوار حيث كان اول درس فى المطالعة والبنات شغوفات بالمعرفة، فبدر يفتل عضلات سطوة الحروف التى تهبه الفضاء ليمرن فيه جسده الصغير ليتم اعدادة ليكون رجلا {قدر الحيطة} وصوته يعلو بالسطوة وصوت أمل تتلبسه عورة مناهجنا لذا ينبغى ان لايعلو فتفضح قلة حيلة معرفتنا بوجودنا الانسانى. أمل التى انفردت روحها وهى تتمنى ان تكون لاعبة كرة، قدم، سلة او طائرة تتحول بقدرة قادر الى {محمد ولد} رسمت المناهج دربا غير التى رغبته أمل التى رغبت فى دراسة الهندسة الكهربائية او المعمار، أمل التى تريد ان تدرس ادراة الاعمال لتصبح {بيزنس ومن} ولم تدرى ان عليها ان تدرس الأعمال المنزلية وتتقنها. كبرت أمل وتزوجها بدر، حتى بدر الذى حرر نفسه من تقسيمات الادوار {نظريا} مازال لحد كبير ينقصه الفعل عدا قلة إستطاعت ان تعيد بلور ذاتها. يعود بدر من العمل منهوك القوى ومسحوق فى الغالب بالفقر ومنهك الدماغ وهو لايدرى من اين يسد {ديون الروح المابتنتهى}. أمل تدخل المطبخ، أمل تحبل، تلد، تغسل، تخبز وتنهك لدرجة انها لاتستطيع ان تكنس شوكة واحدة من {ضريسة} عذاباتها المددة أمامها كصبى مات شهيدا فى حروبنا الضروس. بدر يعود من العمل وشيب الهموم مشتعل فى رأسه، يرقد على أول سرير يقابله {مكرفسا روحه والملاية التى كسرت أمل ظهرها وهى تكويها} والظروف تكوى خبز الفرح ورائحته المحروقة تعكر حاجتهما لفرح منزوع من فك انياب الزمن. يتناول الجريدة يقرأ اخبار السياسة و{يلعن ابوها بلد}، الهلال والمريخ وكورة الشراب تلوح فى شاشة الطفولة التى ضاعت بين فكى صانعى المناهج والاعلام. يحاول النوم وأمل {تزازى فى الصغار} لينام بدر وصوته يعلو{ ياولية ماتدقى الشفع ديل خلينا ناخد لينا غمدة} والمسكينة تشتهى ان تغمض عينيها مرة واحدة فى النهار لتسكن هواجسها، تعمل طيلة النهار وأجرها عند الله واجر بدر عند الحكومة التى كسرت ظهره بالضرائب التى بلعتها {كروش} انتفخت بين يوم وليلة. أمل تجهز وجبة الغداء الفقيرة فى غالب الأمر والتى سيحولها بترولنا وثروتنا الخيرة الى مائدة روح غنية. {باذن الله ومشئتة}. بدر يغسل يديه وليست به حيلة لغسل حزنه المرابض ، أمل تهفو لتسمع كلمات طيبة من نوع {تسلمى ياحبيبة، اقعدى ارتاحى شوية، شكلك تعبان الخ...} أمل التى كانت قبل أعوام حبيبة القلب والروح تحولت الى {ولية} {تنقنق كحلة بليلة الفقراء} لا لاشىء الا لشوقها ان تلعب ضمانة الحياة مع بدر الذى فضل بعد ان تجرع شاى العصر الى لعب {الضمنة} مع بدريون ما انفكوا يحكون عن غزوة بدر. أنها المكونات الثقافية، الاقتصادية والسياسية التى أنتجت تقسيم الأدوار وركزت السلطة فى يده وبالتالى يصعب فى كثير من الاحيان تقبلها كشريكة تتساوى معه فى حقوق المواطنة. لذا توجب على أمل ان تختار مفرداتها بعناية تنسجم مع الدور المحدد لها وان {لاتشطح} فى استخدام لغة السياسة والاقتصاد و {البزنيس} فهى مجالات للرجل أطرتها النظم والتشريعات التى حددت المساحة التى تناسبها حتى فى العمل السياسى وتحظى بوزارة الاسرة والشئون الاجتماعية بدلا عن وزراة العدل او وزارة الثقافة { والله ياهو الفضل يابرلمان النساء}. المؤسف ان أمل نفسها مسلوبة لهذه الثقافة التى تتعامل معها باعتبارها {الفأس المابشق الرأس} والحية الرقطاء والشيطان الذى أنزل آل بدر وابوهم آدم من الجنة وخصوبتها التى تحولت بقدرة قادر الى {نجاسة} ونقصان فى العقل والدين. ثقافتنا {ماشاءالله} طافحة بالأمثلة التى شكلت عظمة الاستلاب وتقوم المرأة نفسها بتأطيرها وقدرها اللذى اختارته راضية مرضية حتى فى {صينية الغداء المدنكلة يوم السماية والمناسبات السعيدة} التى تحظى بها الرجال اولا والباقى لهن وماتبقى من فتات لاطفالنا. أمل التى اتيح لها ان تدرس وتصبح قانونية مثلا عليها ان تواجه مصيرها ومصير ملاييين النساء المكبلات بقوانين الاحوال الشخصية وعليها ان تصبح {محمد ولد ابو عضلات} لترأس وزراة العدل { ويومها ستصفى حساباتها الشخصية مع اعداء المرأة كما فعل وزير العدل الحالى مع صحيفة السودانى} وهنا يجب ملاحظة الفرق وفقا للثقافة السائدة بان النساء {كيدهن عظيم}. أمل فى إعلام تغييب الوعى عليها ان تهتم بزينتها وان تكون مؤهلة لفرز {السرتية والمحلبية الجيدة وكل ادوات تفتيح البشرة} وان تصبح اسيرة للسوق المحلى وسطوة الاستهلاك، أمل الفقيرة عليها ان تحلم {بالعيش} ليسد جوع روحها وهى تفتح شهيتها لطريقة اعداد الوجبات الشهية التى يقدمها التلفزيون {شىء خروف محشى وشىء بشملى وآخر كرملى} يسيل لعاب الفقيرات و{الكمونية} التى يغلب عليها {الفشفاش} تنتزعها من حالات التقمص الوجدانى التى أعرف الآن سر إعجابى بها حين درسناها فى كلية الاعلام، علينا فقط ان نتقمص و {نغمص يدنا فى ملاح ام رقيقة المصلح بماجى}. للحظة تقمصت حالة ان تكون اعلامية مديرة للتلفزيون و الخروج من دائرة تقديم برامج المنوعات. {لكزتنى} حقيقة الواقع ان الأمر سوف يصبح بلافائدة حتى ولو صارت وزيرة للثقافة ومازلنا نهمش وجودنا كنساء وتقوم أغلبيتنا بدور المستلبة التى تخاطب ضيفاتها من النساء بصيغة المذكر مع إيمانى ان اللغة تعكس الواقع الذى نعيشه والذى تغييب فيه المرأة ، النازحين، المهمشين وذوى الاحتياجات الخاصة. لا ادرى الى متى نستخدم مفردات مثل معركة التحرير وسلاح التنوير قدرنا اننا شعوب لم تعرف غير المعارك نشيد وغير السلاح وسيلة للثروة والسلطة ومع ذلك نرزح فى {فقر الدنيا والعالميين}. ومع ذلك يجب ان نخوض معركتنا ونجيب على السؤال مالذى جعل أمل محمد ولد؟ الاجابة تكمن فى معركة التنوير والتنقيب فى آبار ارثنا، مناهجنا، تشريعاتنا، سياستنا. الاجابة تكمن فى التحدى بمواجهة واقعنا وتغييره بتأنى ودراسة وأن يشارك فيها اصحاب المصير دون تعالى او تسلط تكمن ايضا فى تفتيت ذاتنا حجرا حجرا وترميمها او اعادة بنائها إن دعى الحال. البداية تغيير مناهجنا وغربلة تاريخنا وبدلا من المعلقات التى حفظناها {لاايدنا لا كراعنا} نبدأ بعلى المك وملكة الدار، لنكتب عن تنوع ثقافاتنا وبدلا من اختصار حكاية جنوبنا فى تلك الجملة التقريرية عن طقسه لندرس عن انسانه وثقافتة. لنكسر مقصلة تغريب الذات، لنركز على حقيقة تاريخنا ونواجه أخفاقاتنا ونخطو تجاه الفعل بدلا من الاكتفاء بلعن الظلام وان نبتكر مناهج ترسخ فينا إحترام ذاتنا والآخر وقبوله. أن ندرس عن حواية وأحمدو، أشول وملوال، أهل الريف والانقسنا، شرقنا وغربنا. أن نحكى عن بترولنا، غاباتنا ونيلنا للفقراء وان يقرروا كيفية توزيعها. لامانع بعدها ان ندرس مايليق بانسانيتنا فى مداها الانسانى المنفتح على العالم. عفوا انها ليست {احلام محمد ولد أو احلام زلوط} إنها أحلام إمرأة تحفر معكم ومعكن لقلع ضرس الفقر والتغييب الذى لازمنا سنينا عددا... ربما تجود {ترعنا} بخيرة الطمى. * أمل وبدر اول دروس المطالعة الاولية