|
لقاء مع صائد تماسيح
|
هذا اللقاء مع أحد صيادي التماسيح، المرحوم محمد سعيد ود كرنقيل، أجراه الدكتور توفيق الطيب البشير في جريدة (حلمنتيش) التي كانت تصدر في ثمانينات القرن الماضي. أورده هنا لظرافته ولما فيه من معلومات:
يقول الدكتور توفيق:
اقدم لكم موضوعاً كنت نشرته في العام 1988 في جريدة حلمنتيش وهو لقاء أجريته مع عمنا المرحوم محمد سعيد كرنقيل صائد التماسيح المشهور والمولود في 1918 والمتوفي 2003 عن 85 عاماً وقد قضى جل عمره في البحر يصيد السمك وينقل المؤن إلى كريمة ودنقلا في مركب شراعية كبيرة حينما كانت المراكب الشراعية إحدى أهم وسائل النقل في السودان الشمالي ولكن الغريب في الأمر أنه اشتهر بصيد التماسيح وبأسلوب متفرد يعتمد على شجاعته ومهارته الفردية حتى بلغ ما قتل 150 تمساحاً بيك كبير ومتوسط وصغير وقد جلست إليه في صباح باكر في تاتيقة بيت عمنا جبرالله رحمه الله فجرى بيني وبينه حوار كانت خلاصته التحقيق التالي : التمساح هو ذلك الحيوان العجيب الذي يهدد الناس ويأخذ فريسته المتهالكة أمامه من بني البشر وغيرهم . هذا المخلوق الشرس الذي تطارده الشرطة أينما ظهر مصوبة تجاهه أسلحتها النارية وكأنه غاز على مشارف الحدود تعد له ما استطاعت من قوة وعتاد. هذا المخلوق البرمائي الخطير يفقد قواه وسيطرته الكاملة أمام بعض الفرسان. فرسان من بني البشر يدركون أسراره وخفاياه فيكون أمامهم فريسة لا جدال فيها. هؤلاء الأبطال الذين اشتهروا بصيد التماسيح قلة يمكن أن تعدهم وتحصيهم على أطراف الأصابع . ومن أشهرهم الشيخ ابنعوف الحواتي وهو من قرية الخندق وكان يستعمل البندقية وأحمد سكران من جلاس والشيخ الفارس محمد سعيد كرنقيل من قرية الأراك الذي تم هذا اللقاء معه. هذا الفارس الذي كان يقبض التمساح ويركب على ظهره في ويتجه به صوب الساحل وكأنه على ظهر قارب نيلي صغير لا يخشى غدره ولا يخاف بأسه وقد ألقى القبض على مائة وخمسين تمساحا . قلت لهذا الشيخ الفارس رحمه الله " وكان قد بلغ السبعين من عمره وهو بحمد الله قوي الذاكرة" وقد أكسبته تجاربه الشجاعة هذه قلبا طيبا ولسانا صادقا مرحا... قلت له في أول سؤال لي: التمساح كلمة فصيحة وقد جاء في اللسان أنه خلق على شكل سلحفاة إلا أنه ضخم قوي طويل يوجد في الأنهار غالبا وهو كسول تتغذى صغاره من الحشرات والضفادع وتأكل كباره الأغنام و الناس والأسماك الكبيرة وهو قوي كاسر يألف الأقطار الحارة.. وجاء في المستطرف أنه حيوان على صورة الضب له فم واسع وفيه ستون نابا وقيل ثمانون وله لسان طويل .. ولكننا لازلنا نحتاج لمعلومات أكثر عن التمساح فهلا عرفتنا به؟ قال الفارس: يسمى التمساح الذكر بالفحل وهو أسود اللون وتسمى الأنثى (بالصفيرة) وهي صفراء اللون لا تزيد عن 6 أذرع ونصف. والصفيرة هذه ترمي البيض بعد أن يصير طولها 3 أذرع ونصف تقريبا وعدد البيض في هذه المرحلة هو (30 بيضة) وبعد ذلك كلما زاد طولها ذراعا آخر ترمي عشرة بيضات إضافية والغريب أن بيضها ينجح جميعا. صمت الفارس كرنقيل ثم قال تحفر الأنثى حفرة في الرمال في شكل زير الماء بالضبط وتدفن بيضها فيه .. وتخفي ملامح الحفر ثم بعد هذا تقوم بحراستها حراسة مشددة وعندما يفقس هذا البيض يحدث أصواتا تسمعها الأنثى فتأتي لتزيل منهم التراب فيتبعونها للبحر .. وعند ذلك تخرج الأنثى لإحضار فريسة احتفالا بظهورهم ولذا فهي لا ترجع إلا ومعها هذه الفريسة وبيضة التمساح طويلة وهي أكبر قليلا من بيضة ( الوزينة). قلت .. يا عم محمد .. حدثنا بالله عن أنواع التماسيح وهل في الأنهار الأخرى تماسيح أم فقط في نهر النيل حسب علمك .. قال كرنقيل .. سمعت والله اعلم أن هناك اثني عشر نوعا من التماسيح تعيش في المياه العذبة أشهرها تمساح نهر النيل وهو ذو أحجام مختلفة أما رباعي و إما خماسي أو سداسي وقد يصل إلى عشرة أذرع. وهناك نوع من الأسماك اسمه الكور النخار هو الآفة التي تقضي على صغار التماسيح ولولا هذا الكور النخار لملأت التماسيح الأرض فقاطعنه قائلا ... صدقت ياكرنقيل فقد وجدت في كتاب المستطرف أن الله تعالى سلط عليه اضعف الحيوانات وهو كلب الماء يقال أنه يتبلط بالطين ويغافل التمساح ويقذف بنفسه فيه فيبتلعه لنعومته فإذا وصل جوفه ذاب ما عليه من سخونة بطنه فيعمد إلى أمعائه فيقطعها فيموت التمساح. ابتسم كرنقيل وقال لي لابد أن يكون صاحب هذا الكتاب كرنقيليا قديما. فضحكت وقلت له .. كيف كنت تقبض على التمساح؟ قال الشيخ محمد سعيد .. هناك طرق كثيرة تستعمل لقتل التمساح أكثرها جبنا وأشهرها الضرب بالبندقية .. وهناك طريقة أخرى نسميها ( البديقة ) وهي حربة فيها أطراف تساعد على الدخول ويصعب خروجها وتستخدم هذه الطريقة عندما يكون التمساح نائما .. يوقظونه وفي نفس اللحظة يضربونه بها تحت إبطه. وفي الترع الصغيرة تستخدم الشباك وعند قبض التمساح بالشبكة تتخذ إجراءات في غاية الصعوبة .. منها أن يركب الصياد على ظهر التمساح ويضغط رأسه إلى الأرض .. فإن تحرك به ركب الصياد الآخر ورفع له رجله الخلفية .. فيتوقف تماما عن الحركة وقد حدثت لوالدي ( سعيد كرنقيل ) قصة مشهورة مع تمساح ركبه في البحر فجرى به في اتجاه البر بسرعة عالية فنزل منه بأعجوبة.. وهناك طريقة أخرى متبعة الآن وهي طريقة الشرك والشرك عبارة عن خيط الحيادة مكون من 35 أو 40 خيطا طوله ذراع تكون فيه ( صنارة) من الحجم الكبير يلحق بهذا الخيط حبل مثلث قوي للغاية طوله اثنا عشر مترا يشد إلى وتد طوله ذراع أيضا يدفن بإحكام في طرف البحر ( الحجرة ) وغالبا ما يكون الطعم سمكة كبيرة والتمساح بعد أن يبتلع السمكة لن يرتاح أبدا . وبعد أن يجر بالحبل في اتجاه الحجرة يقف الصياد له بالمرصاد إذ أنه ساعة ظهوره في الحجرة يكون فاتحا فمه وعينيه ويمشي في خط مستقيم وهنا تظهر فراسة صيادي الشرك .. يواجه الصياد التمساح فيضربه ثلاث مرات الأولى خلف العيون والثانية في محاذاتها على حنكه والثالثة على دوماته فيخرج الدم بمناخيره كل ذلك يكون بالعصا الغليظة ثم بعد ذلك يعمل الصياد على ( الفرّار ) فيفصل الرقبة عن الرأس. كنت أستمع إليه وأنا في غاية الدهشة فما كاد أن ينتهي حديثه حتى سألته : كم تمساحا قتلت بهذه الطريقة ؟؟ قال : قتلت حوالي ( 70 ) تمساحا من بينها التمساح المشهور الذي أزعج الناس بجزيرة ( طمبنارتي ) حيث وجدت على جسده أثر 60 طلقة نارية ووجدت في بطنه حجلا وعظام خلق كثيرين وصوف وجمال وغنم وأشياء أخرى. أما عن طريق الشبكة التي حدثتك عنها فقتلت أكثر من 80 تمساحا. - من هم أشهر الصيادين الذين تعرفهم ؟ من الصيادين المشاهير ابنعوف الحواتي وكان قويا جدا وكانت قصة موته غريبة فقد كان هو وزوجته في مركب صغير اشتدت عليهم الرياح منذ الشلال الرابع فغرقت المركب فعام ابنعوف وأخرج زوجته ثم رجع للمركب وحملها على ظهره فانكسرت فقرة في ظهره ومات بذلك ثم اشتهر بعده من أولاده عبد المجيد ومحمد وعبد الرحيم وهم من منطقة دنقلا . - احك لنا أغرب قصة مرت بك مع تمساح. قال كرنقيل مستخدما أسلوب الحكيم أنا أحكي لك قصة عن أغرب تمساح مر بي كان هذا التمساح عشاريا جاء إلى الشرك ثم نزل إلى الطين وجعل العود في إبطه وارتفع به قليلا حتى رفعه عن الماء ثم تأمله ( ويبدو انه عرف أنه شرك) وأنزله شيئا فشيئا ثم استدار واتجه نحو الشرق كأنه البرق وكنت أتابعه بمنظار مكبر حتى اختفى من عيني. هذا هو الفارس الشيخ محمد سعيد كرنقيل الذي قضى أربعين عاما في صيد التماسيح وقتل هذا الكم الهائل دون أن يلحق به تمساح ضرا أو أذى .. وكان يساعده في ذلك بعض الفرسان أمثال المرحوم ( طه حوتي ) وصالح عثمان وابنه إدريس والمرحوم حسن عبد الرحيم..
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: لقاء مع صائد تماسيح (Re: maman)
|
Quote: يعتمد على شجاعته ومهارته الفردية حتى بلغ ما قتل 150 تمساحاً |
مفتخريين بي قرض 150 تمساح!!!
Quote: وعدد البيض في هذه المرحلة هو (30 بيضة) وبعد ذلك كلما زاد طولها ذراعا آخر ترمي عشرة بيضات إضافية والغريب أن بيضها ينجح جميعا |
بينجح عشان الزيهم البقتلوا فيهم لو فلت وعاش واحد ما بنقرض النوع (نظريه البقاء)
Quote: وقتل هذا الكم الهائل |
رحمهم الله وبس
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لقاء مع صائد تماسيح (Re: Mushal Allam)
|
الأخ مشعل لك الشكر على مرورك وتعليقك حتما الأمر ليس (إبادة جماعية) للتماسيح. فالرجل صاد 150 تمساحا خلال 50 عاما من حياته العملية ، أي بمتوسط 3 تماسيح سنويا. وكل الذين يسكنون على ضفتي النيل يعرفون خطورة التماسيح و لاتوجد قرية إلا وفيها ضحية لتمساح شرس. أنا شخصيا لي أحد أقربائي اختطفه تمساح وقضى عليه بينما كان يحاول السباحة من ضفة الى أخرى للحاق بمكان عمله كمدرس بإحدى القرى في الاقليم الشمالي. وكان ذلك في أوائل ستينات القرن الماضي. ورأيت آخر مقطوع الذراع وعلمت أن تمساحا حاول اختطافه ولكنه قاوم ولكن التمساح مزق ذراعه واضطر الأطباء لقطعها.
الأخ أحمد الشايقي
لك التحية وشكرا على المرور
| |
|
|
|
|
|
|
|