|
الجَردِقـة!..
|
الجَردِقـة!.. خط الاستواء عبد الله الشيخ كلما يتحدث الناس المعنيون بالسلطة والثروة في هذا السودان عن طرائق تقاسمها أتذكر قصة الرباطابى مع الشايقي في نواحي الشريق.. كان الشايقي مسافراً أصمعياً كعادته، والرباطابي حاقب خرجو وحايم فى المحطة ينوني ساكت بأغنية لعيسى بروي تقول: (أنا من أعز ديار أنا).. رمق الشايقي ذلك الرباطابي من قمرة القطار فناداه، وسأله أولاً: البلد دي وين؟ فقال الرباطابى: دي الشريق.. قال الشايقى مطنطناً: (تشرقك الموية الحاري).. وظناً منه أن الخديعة واردة في مثل هذا النوع من المحتقبين لـ(الأجربة)!.. جاء الرباطابي بأشنابه كلها ووقف تحت شباك القطر وقال للشايقي: خبارك؟ شن داير؟ قال له الشايقي: الخرج الشايلو ده فيهو شنو؟.. لم يتردد الرباطابي، وقال للشايقس: خرجى ده مليان عقارب، لكن إنت داير شنو؟.. قال الشايقى بعد أن اعتدل في وقفته على شباك القطر: أنا داير لي جردقة.. قال الرباطابى: صحي والله نوعك ده ما بتنفع معاهو إلا الجردقة .. وهسه بجيبا ليك.. عشان إنت ما تتلوم مع ناس القطر.. خطف الرباطابي كراعو وحام في المحطة باحثاً عن الجردقة حتى وجدها، وعاد بالكيس (صُرة في خيت).. ووقف أمام شبك القمرة ونادى على الشايقي: الجردقة وجبناها ما باقي ليك إلا تدفع وتكتح في خشمك ساكت!.. ولما كان الرباطابي قد وضع سعراً عالياً للفائدة، فإن البيعة توقفت عند خانة عدم الاتفاق على السعر، هنا حاصر الرباطابي الشايقي قائلاً: إنت داير الجردقة دي بى كم.. السعر البتقولو حرَّم أنا ببيع ليك بيهو.. ولكن الشايقي الذي لا تغلبه حيلة المخارجة قال للرباطابي: سمح ، بس كدي وريني النوعية!. أمسك الشايقى الكيس وبدأ في معاينة الجردقة وهو يحسب بدقة أن القطار سيتحرك بعد قليل.. ولكن القطار لم يتعجل (لبعض شأن من شؤون الحكومة كما سنرى).. قال الشايقي، لمزيد من التطويل وشراء الوقت: إنت يا زول، جبت الجردقة دي من وين؟.. كان الرباطابي جاهزاً كالعادة، فقال: جبتها من سراييفو!..(كانت سراييفو في تلك الآونة تملأ نشرات الأخبار بكلام أكثر مما يقال في قصة الجنائية الحالية).. فقال الشايقي باحثاً عن المزيد من التطويل في انتظار صافرة القطار وهديره: وتجيبا من سراييفو ليه؟ البلد دي ما فيها جردقة؟.. وصل الحال بالرباطابي إلى حده، معينه لم ينفد من الردود الجاهزة، لكن حرصه على البيعة في تلك الثواني القليلة كان طاغياً على كل مشاعره.. فسكت.. ولكن الشايقي لم يسكت، إذ أردف قائلاً له: قلت لي مشيت سراييفو وجبتها؟ الناس تمرق بلاد بره وتجيب الفيديو، إنت ما لقيت تجيب إلا الجردقة؟.. احتقن الرباطابي، لكنه آثر الصمت حتى لا تفلت منه الأرباح وهو الذي اشترى الجردقة من إحدى نساء المحطة ليتكسب من شايقي!.. بلع الرباطابى ريقه، وتذكر أن إمام الجامع أوصى الناس في المايكروفون مذكراً لهم بـ(الكاظمين الغيظ) فسكت وبلع ردوده الجاهزة كلها وقال للشايقي: يا زول عليك أمان الله الجردقة دي ما بتلقى أحسن منها.. ولكن الشايقي لم يسكت ولم يشتر!.. ولمزيد من التطويل انتظاراً لصافرة القطار وفرفرة عجلاته قال للرباطابي: كيف ما بلقى أحسن منها؟ دي جردقة مستوردة.. إنت ما لقيت جردقة فى البلد دي؟.. البلد دي مليانه جرادق مالك ما بتخم منها وتبيع؟.. خطف الرباطابى كيس الجردقة وقد تحركت عجلات القطار.. وقال للشايقي: صحي البلد مليانة جرادق، لكن إنت مالك؟ إنت مَحنن؟ ما تنزل تخم؟. وكذلك تحرك القطار (الوطني) نحو الانتخابات السودانية، وانقضى أجل الفترة الانتقالية، ولم يزل من يعنيهم موضوع السلطة والثروة يتحدثون عن تقسيمها.. ولكن هناك من لا يترك طبعه أبداً، هو، ذلك الذي لابد أن يشتري كل الزمن، وكل البضاعة.. ترى أيشتري؟ وبكم يشتري؟.. وهل لجردقة في السودان ثمن؟..
|
|
|
|
|
|