موقع د.حيدر إبراهيم علي ( مدير مركز الدراسات السودانية)، على الشبكة العنكبوتية

Quote: السودان ومرجعيـة الخـارج صحيفة الصحافة نُشر في: 11-08-2007 يعتبر النظام السوداني الحالي نفسه أكثر النظم السودانية التي مرت على البلاد أصالة وتعبيرا عن القيم الاسلامية والسودانية. ووصل به الامر لدرجة انشاء مستشارية للتأصيل لتأكيد هذا التوجه ومتابعته بطريقة منظمة ومؤسسية، ولكن المتأمل لواقع البلاد يجد ـ للمفارقة ـ أن مصائرها كلها أصبحت في يد الخارج الغريب والغربي. وهذه احدى أخطر منزلقات النظام فقد أعاد الاجنبي بطريقة شرعية دولية. ويظل النظام يمارس المكابرة والتمويه وتحريف الحقيقة إذ لا يدري المرء ما هو الانتصار الذي حققه في مجلس الامن فيما يتعلق بموضوع دخول القوات الاجنبية (وأكرر اجنبية لأنها ببساطة ليست سودانية حتى ولو كانت من الدول التي تسمى صديقة). وهذه القوات ستقوم بأعمال هي من صميم مهام الدولة الوطنية أي ممارسة سيادته على كامل ترابها الوطني. يلاحظ المتابع لرد الفعل الرسمي قدراً كبيراً من خداع الذات والاستخفاف بعقول المواطنين والذين لا تحترمهم دولتهم ولا تضع لهم أي قيمة. فالحكومة السودانية تعتبر النتيجة انتصاراً للدبلوماسية السودانية، فقد جاء في الأخبار: «مجلس الوزراء يشيد بدور الدبلوماسية في تعديل قرار الهجين». وتقول تفاصيل الخبر: «وجه مجلس الوزراء وزارة الخارجية بتمليك كافة وسائل الاعلام ملابسات صدور قرار مجلس الامن والنجاح الذي حققته الدبلوماسية السودانية في تعديل الكثير من جوانبه ليصدر بصورة بديلة لمشروع القرار المعد مسبقاً. وأشاد مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري امس برئاسة نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه بالانتصار الذي حققته الدبلوماسية السودانية في صدور قرار مجلس الامن 1769 الخاص بالعملية الهجين والذي أشاد ولأول مرة في قرار أممي» بموقف حكومة الوحدة الوطنية وأحقيتها في بسط سلطتها وهيبة الدولة والسيادة الكاملة للسودان». (صحيفة السوداني 6 أغسطس 2007م).. اختصر إمام جامع حكيم في خطبة له الجمعة الماضية هذا الموقف، حين شبه الحكومة بتلميذ فاشل قرر الناظر ان يعاقبه بعشر جلدات، وبعد توسل وجرسة أنقص الناظر الجلدات الى ثمان. فهذا التلميذ فرح ومبسوط للعقوبة الجديدة!! وأتمنى من وزارة الخارجية حين تقوم بعملية تمليك الحقيقة وملابسات صدور القرار ان تفسر لنا الفقرات من 15 الى 24 (راجع أمين مكي مدني، صحيفة الايام 8 أغسطس 2007م). فالقرار يقول بصراحة: «صلاحية القوات المختلطة في ان تتخذ جميع الاجراءات اللازمة في مناطق انتشارها حسبما تراه في حدود قدراتها» وهذه القوات تقوم بمهام خصما على سيادة ودور الدولة الوطنية.. مثل:- (1) حماية افرادها ومرافقها ومنشآتها ومعداتها وكفالة أمن وحرية تنقل افرادها والعاملين في المجال الانساني التابعين لها. (2) دعم تنفيذ اتفاق سلام دارفور في وقت مبكر وعلى نحو فعال ومنع تعطيل تنفيذه ومنع شن الهجمات المسلحة وحماية المدنيين دون مساس بمسؤولية حكومة السودان! هل تريد حكومة السودان مساسا بمسؤوليتها اكثر من هذا؟ فكل الذي اوردته هذه الفقرة هو من صميم مسؤولية الحكومة، فهي التي يفترض فيها ان تكون منوطة بتنفيذ وحماية اتفاق سلام قامت بتوقيعه مع دارفوريين او مع فصيل اساسي. فالحكومة في هذه الحالة فوضت القوات الاجنبية بقرار من مجلس الامن ان تقوم نيابة عنها بواجباتها تجاه مواطنيها في منطقة كارثة. ومن الطبيعي ان يشيد القرار 1769 بهذا الكرم الحاتمي الذي تميزت به حكومة الخرطوم. ليس من مقاصدي، مكايدة ـ حسب اللغة الاخوانية والترابية بالذات ـ النظام وتذكيره بمواقفه السابقة وتصريحاته النارية وقسمه المغلظ، ولكنني اطرح سؤالا هاما، ألا يشعر النظام انه قد فرط وان موقفه الاول كان هو الصحيح وطنياً؟ ولكن النظام توقف عند المقاومة اللفظية وخشي من القرار الصعب وهو مصالحة مواطنيه وتقوية الجبهة الداخلية. وفضل ان يصرخ لوحده ولم يضع احتمال ان يتنازل لوحده، وقد اتخذ قراراً خطيراً يرجع بدارفور الى ما قبل 1916م، فدارفور تتجه نحو ان تكون سلطنة مستقلة بحماية الامم المتحدة، وسيرينا التاريخ دهاءه ومكره بعد حين. هنالك مجال أصبح راتبا في البحث عن المرجعية والشرعية في الخارج، وهو بحث اوضاع حقوق الانسان بالسودان، جنيف، لا ادري ألا يخجل الوفد السوداني الرسمي حين يترافع عن سجله في حقوق الانسان امام أجانب ويسعى لكسب رضائهم ولا يقوم بذلك امام شعبه وضميره؟! يتحدث الاسلامويون عن سبق الاسلام للغرب في احترام حقوق الانسان، فلماذا يلجأون الى الغرب لتبرئة ذمتهم ولا يرجعون الى دينهم وربهم؟ ويضج المواطنون واحزابهم احتجاجاً على انتهاكات حقوق الانسان من اعتقال تعسفي وملاحقة الصحف ومنع النشاطات السلمية، ولا يحرك النظام ساكناً ويمارس صهينته المعهودة. ولكن ما ان تطل سيما سمر المقررة الخاصة لحقوق الإنسان الى السودان، حتى يضطرب التلميذ الفاشل ويرتب الكراسات في انتظار الاختبار والشهادة القادمة من الغرب بأن حقوق الإنسان في السودان على ما يرام. لماذا لا يحتكم النظام الاصيل الى شعبه ويناقش معه بشفافية ملف حقوق الإنسان ليؤكد لنا استقلاليتها وان مرجعيته الفكرية وطنية وإسلامية ولا تقع في ما وراء البحار. http://www.hayderibrahim.info/Ar/Pages/ViewPage.aspx?ContentID=42