احزان نسائية...... كتابات منبرية

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 07:22 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-09-2009, 04:34 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
احزان نسائية...... كتابات منبرية

    سلامات

    منذ فترة طويلة اجمع القصص التي تكتب هنا من قبل كتاب وكاتبات

    وتشدني قصص العذابات النسائية...

    اول قصة ساقوم بنشرها كتبها الكاتب المبدع ابو جهينة هي قصة بها شجن عالي وحزن
    عظيم جدا... تمنيت لو اني لي تلك الشفافية الشجية لاكتب قصة مثلها
    وهي قصة بسيطة في سطحها ولكن ضاربة الجذور في غورها
    جذور قوية جدا في كل مجتمع وفي كل عائلة...
    اتمنى ان تجد هذه القصة حظها من النقاش...من قبل الاخوات قبل الاخوان

    بدون اطالات نقدم لكم قصة الشريط
    للكاتب البارع المشرح ابو جهينة




    بعد عدة رسائل إلى زوجها كان يكتبها لها شقيقها الصغير .. إعتقدتْ علوية إلى حد الإقتناع بأنه ربما كان شقيقها لا يستطيع التعبير كتابةً عن ما تمليه عليه ، أو من المحتمل أن يكون لا يكتب كل شيء و يقوم بإختزال تعابيرها.

    ( و قول ليه نحن كلنا مشتاقين ليك شوق شديد ما بتْوصف .. و راجين يوم رجعتك و بنعاين ليك زى هلال رمضان ).

    و تصر عليه بأن يكتب كل شاردة و واردة من كلامها ، ثم تجعله يقرأ ما كتب ، و رغم هذا فهي تعتقد بأنه ربما يكون قد أخطأ في نقل أحاسيسها بكل عمقه.
    تشرح له و هي لا تفصح عن كل مكنوناتها و كأنما تريده أن يفهمها و من ثَم يقوم بتفصيل و تشريح مقاصدها.

    أطلقتْ آهة و زفرة طويلة : العرس كان ملحوق يابوى الله يرحمك .. التعليم كان أهم.

    توشحتْ ( توب الجيران ) الوحيد و ذهبتْ لست سعيدة المعلمة و هي تنوي أمراً حسمته في لحظة حنق و ضيق.
    شكتْ إليها هواجسها من تقصيرٍ مزعوم من شقيقها حيال نقل كلماتها بصدق إلى زوجها ، و طلبتْ منها إعارتها ( المسجل و شريطاً فارغاً ) ..
    إبتسمتْ ( ست سعيدة ) و مازحتها : يللا روحي كُبي كل ال في قلبك الليلة في الشريط.
    ليلتها و بعد أن أكملتْ كل أعباءها المنزلية .. دلفتْ غرفتها و أغلقته من الداخل و إنبطحتْ على بطنها على السرير الخشبي .. ثم تنحنحتْ و تلفتتْ متوجسة و كأن هناك من يسترق السمع.
    قرَّبتْ فمها من المسجل و قالت : ألو .. ألو .. شريف .. إزيك .... إنت سامعني ؟
    ثم أعادت الشريط من أوله و إستمعتْ إلى كلماتها و هي سعيدة كما لو إكتشفتْ عالماً مجهولاً تطؤه بقدميها لأول مرة. فهي لأول مرة تسمع صوتها ينبعث من جهاز أصم.
    ثم بدأتْ حديثها ذي الشجون.
    بدأته بشوقها .. و بلياليها الطوال وحيدة تحدق في السقف .. و رسائلها التي تشك في صياغتها و في وصولها إليه أصلاً. ثم تخلل شوقها المبثوث مقاطع من أغنيات جديدة لم يسمعها شريف من قبل .. ترنّمتْ بها بكل خلجة من خلجاتها ... يمازج غناءها مشروع ضحكة على محاولاتها.

    ( ما تضحك على صوتي يا شريف .. أوعدك إنو أرسل ليك الأغاني دي في شريط ) ..

    و تواصل التسجيل و هي تفرك قدماً بقدم مستلقية على بطنها تداعب ( مسايرها ) المعطونة ( كركاراً ).

    ( فاطنة سافرت لي راجلا .. و كمان بتول .. ديل كلهن إتزوجن بعدي .. إشمعنا أنا دي القاعدة هني .. يا تعال يا رسل لى أجيك يا شريف .. ) ..

    و إختتمتْ الشريط بقائمة طويلة من الطلبات .. بدأتْها بأنواع ( التياب ) و الروائح و إنتهاءاً باللبان اللادي و بخور الند و سجاد الصلاة و مسابح من تلك التي ( تنور بالليل).
    ثم أخرجت الشريط و قبلته من الجانبين .. و لفته بقطعة من القماش و خاطته بخيط متين.
    و في الصباح الباكر إنطلقتْ به إلى الحاج (نورالدين) المسافر لأداء العمرة ليسلمه إلى زوجها.
    وقف الحاج نورالدين يلوح بيديه للمودعين و المركب الشراعي ينطلق بهوادة على صفحة النيل للضفة الشرقية ليستقل منها اللوري المتجه شمالاً في بداية رحلة تتنوع فيها سبل التنقل و السفر براً و بحراً و جواً.
    لولا حياءها لهتفتْ بالحاج نورالدين من وسط الجموع أن يضع الشريط جنباً إلى جنب مع ( الباسبورت الخاص به ) إمعاناً في أن يكون محفوظاً و مصاناً.
    و ظلتْ تترقب الرد .. إما شريطاً مماثلاً .. أو أحد القادمين يبشرها بأن أوراق سفرها في معيته و حوزته.
    كلما راحت للسلام على أحد القادمين من السفر .. تتوقع أن يأخذها منفردة و يهمس لها بالأمل الذي يرقد كجذوة نار في دواخلها.
    ( الله يسامحك يا شريف .. الناس بقتْ زى ال بتعرف أنا راجية شنو ) ..

    تحاول أن تتذكر كل كلماتها التي سجلتها بالشريط.
    تتأسف أحياناً على كلام لم تقله .. و أحياناً على لوم لم يكن ضرورياً.
    و ظلتْ تنتظر. و عجلة حياتها رتيبة رتابة أيام القرية و سكانها.
    و ذات صباح لن تنساه ...
    و من آخر القرية .. أتى خبر زلزل كيانها فرحاً ..
    فقد بشرها شقيقها بأن ( إسماعيل) أتى البارحة و قال له بأن لديها أمانة معه من زوجها.
    لم تنتظر حتى تكمل بقية أعباءها المنزلية.
    حشرتْ قدميها في أقرب ( شبشب) ثم إنطلقتْ لا تلوي على شيء.
    سلمتْ على القادم و هي تستحثه بعينيها لكى يعطيها الأمانة.
    و رغم أنها كانت تتوقع خبراً عن سفرها إليه .. إلا أن الشريط في يد إسماعيل كان كالكنز النفيس.
    إستلمتْ الشريط و لم تنتظر حى تكمل كوب العصير المقدم لها.
    إستلفتْ المسجل مرة أخرى من (ست سعيدة).
    هرعتْ إلى غرفتها و أغلقتها من الداخل بعد أن قالت لأمها : يمة .. إتغدوا أنا ما دايرة آكل حسع .. باكل بعدينك.
    إبتسمتْ أمها إبتسامة ذات مغزى و هي تشيعها بنظراتها إلى باب غرفتها.
    إحتضنتْ المسجل و حشرتْ فيه الشريط .. و جلست القرفصاء وسط غرفتها على برش مهتريء.
    و بد لها الوقت دهراً حتى إبتدأ الشريط يلفظ حديث زوجها :

    ( حبيبتي و نور عيني و شمعة ظلام غربتي .. )

    إلى هنا رقص قلبها طرباً و تفتحتْ كل مساماتها لتستقبل هذا البوح الذي يهدهد كيانها الملتاع.
    و إبتلعتْ ريقها مراراً ..
    ثم أعادت الشريط من أوله لتستمع إلى هذه الكلمات الست. فهمستْ : أنا شمعتك يا شريف و مخليني الزمن دة كلو ؟
    ثم واصل صوت زوجها :

    ( سلام كتير و شوق ما بقدر أوصفو .. شوق حراق يحرق حشاى ليل نهار .. بشوفك في الشغل و في السكة و في البيت و في السكن و أنا باكل و أنا بلعب كوشتينة مع العزابة ال معاى .. أما الأحلام بالليل .. خليها على الله .. لو قلت ليكي كل يوم بحلم بيكي يمكن ما تصدقي ) ..

    إلى هنا إستطاعت أن تسمع دقات قلبها بوضوح تام تسابق الشريط في جريانه .. فتمتمتْ في سرها : ما قلنا كدة ما صدقتونا .. يادوبك عرفت الشوق دة شن بيسوي ؟
    ثم واصل زوجها عبر الجهاز القابع في حضنها :

    ( طبعاً ما حأقدر أجي السنة دي برضو .. صاحب الشغل مبسوط مني و زاد لى المرتب و حيديني بدل الإجازة قروش و يعوضني عنها .. عشان كدة ما بقدر أجي .. سامحيني .. )

    غاص قلبها بين ضلوعها .. و لكنها واصلت الإستماع:

    ( قلت لصاحب العمل أنا ما بقدر أقعد هنا عزابي أكتر من كدة . عشان كدة لو سمحت أنا بستقدم زوجتي تعيش معاى هنا عشان شوية الغربة تبقى هينة و لينة ) ..

    كادت علوية أن تزغرد .. و لكنها واصلت الإستماع :

    ( الخبر الجميل يا حبيبتي إنو وافق .. و حسع قاعد أعمل ليكي في الإجراءات ) ..

    قبلتْ المسجل عدة مرات و إحتضنته ليلاصق وجنتيها المحمرتين فرحاً و سروراً.

    ثم واصل : ( شوفي يا ناهد .. أهم حاجة إنو التوكيل ال مع إسماعيل تسلميه لخالك سليم عشان يقوم بكل الإجراءات .. العقد و إستخراج الجنسية و جواز السفر و لما أرسل ليكي التأشيرة برضو هو يقوم بالإجراءات في الخرتوم .. )

    إتسعتْ حدقتا علوية .. بدا لها المسجل و كأنه حيوان له أنياب و أظافر يكشر عن وجه قبيح لينقض عليها ..
    أعادت المقطع من جديد و هي في ذهول : ( شوفي يا ناهد .................................. ) ..
    ناهد ؟
    إن كان قد أخطأ في إسمها .. فما حكاية التوكيل و العقد و الخال سليم ؟
    أعادت الشريط من الأول لتتأكد من أن الصوت هو صوت شريف ..
    ضربتها كلمة ( ناهد ) في قاع نافوخها بمطارق عنيفة .. فتحول كل ذلك الكلام الحلو الذي في المقدمة إلى شيء كفحيح الأفاعي .. فسحبتْ الشريط مرة أخرى إلى المقطع الذي أطلق عليها رصاصة الذعر ..
    ظلتْ تستمع إلى المقطع حتى حفظته و هي تنظر إلى لا شيء ..
    أفاقت على الطرق المتواصل على باب غرفتها و صوت أمها يقول : علوية أفتحي الباب .. إسماعيل عاوزك.
    هرعتْ إلى الباب و هي تؤمل أن يكون الشريط ليس من شريف ..
    قال لها إسماعيل و هو يبدي قلقاً واضحاً : معليش يا علوية أنا أديتك شريط ما حقك.
    قالت بلهفة يشوبها الأمل : بس دة صوت شريف.
    قال إسماعيل : معليش يا علوية أديني الشريط .. أنا موصل بس .. و ما على الرسول إلا البلاغ ..
    ظلت علوية تردد كمن أصابتها هلوسة من جراء الحمى : بس دة صوت شريف .. بس دة صوت شريف يا خواني. صوت شريف ما بغباهو.
    دخل إسماعيل و أخذ الشريط و هو يضع في حسبانه المشاكل التي تنتظره هنا من أهل ناهد الذين سيعتقدون أنه أراد أذكاء نار القتال مبكراً بين علوية و ناهد .. و التقريع الذي سيناله من شريف عند عودته فقد يظن أنه أعطى علوية زوجته الشريط عن قصد حتى يفسد عليه موضوع محبوبته ناهد ..
    علوية .. من يومئذ .. كرهتْ هذا الإختراع المسمى ( مسجل ) .. و تنفر جافلة إن رأت شريطاً حتى و إن كان مترعاً بأغانيها المحببة.
                  

05-09-2009, 05:12 AM

الفاتح يسن
<aالفاتح يسن
تاريخ التسجيل: 06-07-2003
مجموع المشاركات: 1060

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: د.نجاة محمود)

    سلام دكتورة قريبي أبوجهينة راجل مدهش ومندهش يجمع تفاصيل الواقع ويعيد صياغتها بعد ان ينفح فيها من خياله الخصب له التحيه ولكي واصلي
                  

05-10-2009, 00:46 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: الفاتح يسن)

    سلامات يا الفاتح

    كيفك وكيف الاسرة؟

    ابو جهينة من افضل الكتاب الذين يصورون الحركة الباطنية لشخصياتهم

    فتجد نفسك فرحا او حزينا على حسب الشخصية..


    شكرا للمرور والتحية لقريبك المبدع
                  

05-09-2009, 05:18 AM

ihsan fagiri

تاريخ التسجيل: 04-08-2008
مجموع المشاركات: 2345

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: د.نجاة محمود)

    يا الله يا نجاة وجعتي قلبي





    عشرات من هذه القصص نسمعها واحزان النساء تمتد الي ما لانهايه
    شكرا للسرد الجميل
                  

05-09-2009, 05:30 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: ihsan fagiri)

    الكاتب الذي ساورد قصته هنا
    كاتب وصاف دقيق استفاد كثيرا من دراسته للسمرح حيث قصصه تفتح الخيال لمسرح
    وشخصياته على كثرتها تلعب ادوراها بدقة ونظام..
    لقصصه فجاجة مستحبة جدا وبها ايضا فكاهة عاليه تنعكس يها شخصية الكاتب المشاغب
    تحتاج لسرعة في الالتقاط لتجمع الفكرة التي يريد الكاتب ان يغرسها
    في ذهن المتلقي..
    مجموعة ازقة للكاتب الانسان عبدالمنعم الجزولي تحدث في غالبيتها عن اناس في قاع المدينة
    ناس يعيشون على الهامش نجح منعم في استحضارهم الى المركز اناس لا نهتم بهم وننظر اليهم باحتقار
    ونسقط وجودهم لكن منعم الانسان لا يوجد لديه انسان سقط متاع..

    لا اطيل عليكم اقدم لكم احد الازقة حيث اخترته للشخصيات النسائية فيه
    بعد ان تنتهي من القصة لاحظ كمية التعاطف التي ستجتاح قلبك لامرأة ياطرها المجتمع
    في اطار ضيق ولا يحسبها انسان..
    هل حزنت لنعمات؟؟!! هل تعاطفت مع رقية؟؟؟
    اذن انت انسان..

    والتحية للرجل الفنان الانسان منعم الجزولي..الذي تعظم في دواخله الحيوات البشرية
    وتتساوى..


    منعم الجزولي في زقاق عبث*
    زقـاق عبث

    هذه حكاية عبث الدنيا الذى لا اول له ولا آخر.

    عندما قتلت (نعمات بنت ام عفنة) كانت امها فى السجن. ولم تسمع الخبر الا ضحى اليوم الثالث للجريمة.

    هى نعمات بنت (رقية) السمحة.
    او رقية (ام عَجَنَة) ( بفتح العين والجيم والميم ايضا) كما كانوا ينادونها فى ذلك الزمان البعيد. كثيرون كانوا يظنون ان نعمات انما جاءت الى الدنيا فى بيت (الناير). ولكن الثابت ان امها وضعتها فى (السبعة بيوت) والناير لم يسكن السبع بيوت على الاطلاق بل، وكان دائما، يرى ان سكان السبعة بيوت انما هم ليسوا سوى حثالة البشر.شأنهم شأن سكان (ابوصليب) و (زقاق الحبش).

    نعم.
    كانت رقية تقيم اول ابتدائتها فى بيت الناير فى (العمارات). عثر عليها (طه السفيه) فى محطة السكة الحديد. لم تكن تعرف الى اين تذهب، او اين تقضى ليلتها الاولى فى تلك المدينة، التى جائتها هاربة من السافل بعد افتضاح امرها مع (ميرغنى ولد زين العابدين الخضرجى)، فجاء بها الى بيت الناير. وبقيت هنالك عدة سنوات. ثم عندما اتهمتها (بنت الصول) بسرقة غوائشها، انتقلت الى بيت (جمعة الرتينة) فى السبعة بيوت.

    كان الناس يأتونها خصيصا، بل وفى ليلة الخميس كان البعض يأتى من ودمدنى والحصاحيصا وكان البعض يأتى من القضارف وآخرون من كوستى وسنار بل ان بعضهم قد جاء من الفاشر. فان كانت مع زبون بالداخل لا يأخذون غيرها كما هى العادة بل كانوا ينتظرون فى الحوش الخلفى حتى تفرغ لهم واحدا واحدا. وقد قيل ان (النذير ابوكساوى) تاجر الجمال المشهور فى سوق الابيض قد قضى ليلة الخميس كلها وبعضا من نهار الجمعة منتظرا فى الحوش الخلفى. وقد قيل ايضا ان (الحاج عبد الغفار ابوشلوخ الحتيربابى) قصدها مباشرة من المطار وهو عائد من الحجاز بعد اداء فريضة الحج. وقد ظلت عربة التاكسى تنتظر ليلة كاملة خارج بيت الناير وهى محملة بحقائب الحاج وحاجياته حتى فرغ الرجل من وطره ومن ثم سافر الى اهله فى قرية (الحتيرباب) جنوب المدينة.

    عندما قتلت نعمات كانت (صفية بنت الصول) هى اكثر النائحات تأثرا لموتها، وحزنا عليها. رغما ان نعمات هى بنت رقية (ام عفنة).

    صفية بنت الصول هى من سمتها ام عفنة بدلا عن ام عجنة غيرة وحسدا. فقد استولت رقية على كل زبائن بيت الناير والبيوت المجاورة. وقد قيل انها استولت على جيوب كافة تجار المدينة. الناير لم تكن تسعه الدنيا من الفرحة بهذا الخير العميم الذى جاءت به ام عجنة.

    كان الناس يجيئون.

    يأتون بالطيبات جملة.

    لحمة الضأن وكبد الابل. وانواع الفواكه الطازجة، والخمور من كافة الاصناف. وكانوا يحملون لها الهدايا القيمات. الاقمشة، والملابس المزركشة الفاخرة، الواردة من الهند. والعطور المستجلبة من فرنسا. والحلى من كل نوع وصنف. وفوق كل ذلك كانوا يبذلون ما فى جزالينهم راضين بالقليل الذى تجود به عليهم.

    كانت تتمنع، وتتغنج،وتتعجن عليهم فسموها ام عجنة. واثار ذلك حفيظة بنت الصول وهى ترى مجدها يزوى وزبائنها يتسللون من فوق احضانها زبونا زبونا. وبضاعاتهم تتسلل هاربة من بين مشفريها بضاعة بضاعة. حتى غدت ساحة سوقها الكبير مثل صباح العيد، خاوية مهجورة الا من بعض هوامل الناس وحيواناتهم الضالة. . فراحت صفية تنسج لها المكائد، مكيدة تلو مكيدة. ابتداء راحت تدعى عليها الاباطيل، وتتقول عليها الاقاويل، ومن ضمن ماتقولته عنها انها – اى رقية – حينما أخطأت تقدير فحولة (ولد سلمان الاطرش) واستهانت بضآلة جسده المهزول، ويده المقطوعة ورجله المعلولة، فادخلته الى غرفتها كأى زبون عادى غير عابئة بتحذيرات (ام حقين)، وفى ظلام تلك الغرفة، لم تكن لتتبين حجم آلة الرجل حتى ولجها. فجحظت عيناها وانكتمت انفاسها وكاد قلبها ان يتوقف عن الخفقان. فضرطت ضرطة كبيرة اعقبها سيل من الخراء اللزج. قالت صفية ان المرأة قد فقدت عجنتها واكتسبت مكانها عفنة ابدية. واطلقت عليها لقب ام عفنة. ورغما عن انه لم يسمع هذه الضرطة سوى صفية وحدها ولم يشاهد الخراء سوى صفية وحدها الا ان بعض الناس قد صدقوها لحاجة فى نفس يعقوب.

    ثم فيما بعد كادت لها مكيدة، دبرتها بدهاء شمعيّ المخبر، حتى اثبتت عليها فعل سرقة غوائشها. كانت فضيحة داوية اضطرت بعدها رقية الى الانتقال الى بيت جمعة الرتينة فى السبعة بيوت.

    عندما قتلت نعمات، ناح عليها الرتينة كما تنوح الحريم، وجلس امام باب المشرحة يهيل التراب على رأسه مع النسوة الهايلات، ويصرخ مع النسوة الصارخات، ويلطم مع النسوة اللاطمات، كأنه واحدة منهن بل اكثر.

    جمعة كان يلقب بالرتينة، لانه كان يشع ضياء وبهاء وحسنا، بفعل المساحيق وماجاورها من كحل وطيب. جاء الى المدينة وهو طفل لم يبلغ الحلم بعد. وعمل خادما فى بيت (المستر زولفون) مدير المديرية آنذاك. وهناك تعلم شغل الشذوذ وماتبعه من امور حادثات. وكان قد تعلم شغل الطباخة على يد الدونقلاوى، طباخ المستر زولفون، فأتقنه وابدع فيه، حتى صار من اشهر، واغلى طباخى المدينة. ولم يكن ليقبل ان يطبخ الا فى مناسبات البيوت الكبيرة. وعندما رحل الانجليز، منحه المستر زولفون بضعة بيوت متفرقات، هنا وهناك ، ومن بينها منطقة السبعة بيوت بكاملها. وتسجلت فى المجلس البلدى باسمه. وهى تبدأ من عند طاحونة (فرعون الإغريقى)، على شارع الزعيم. وتمتد فى استقامة عجيبة، حتى تنحنى الى اليسار عند طرف المدرسة، ثم تبدأ فى الإلتواء يمينا ويسارا حتى تنتهى عند المسجد.

    عندما حزت السكين عنق نعمات، كان (احمد المبروك) قد شرع للتو فى الاستفاقة من آثار خمرة الليلة الفائتة. كان ينام كعادته امام دكانة (التوم) المكوجى. وكانت اول بوادراستفاقته قد بدأت تحت تأثير ماعده جزءً من الكابوس الذى جثم على ليلته، بدءً من مشاجرته مع (آمنه حكومة) بسبب ان العرقى لم يكن جيدا، او على الاقل لم يكن ليتساوى مع المبلغ الذى دفعه فيه. فسبته وعيرته برجولته الناقصة وقضيبه الرخو وجيبه الخاوى مثل حياته البائسة. وليس انتهاءً بذلك الحلم العجيب والذى وجد نفسه فيه يجلس يتغوط تحت الجسر المتهالك فوق الخور عندما اصطدمت به هرة عمياء وسألته عن اقصر السبل الى الجحيم. ففزع من نومته تلك لتقع عيناه اول ماوقعت على سكين ضخم يجز عنقا انثويا، على بعد خطوتين فقط من مرقده ذاك، فلعن الخمر والخمارات، وخص باللعنة آمنة حكومة و(الجودلية) و(آمنة الطويلة). واعتدل فى مرقده بعد ان دس سفة من الصعوط كورها بعناية تحت شفته السفلى. ثم انقلب على جانبة الاخر والصرخات تملأ اذنيه وهو لايزال يسب الخمر وصانعها وبائعها وحاملها. ثم سكت عن لعن شاربها. وراح يحاول النوم من جديد دون جدوى.

    عندما ذبحت نعمات، كانت (ليلى عثمان) اول من سمع بالخبر داخل السجن.
    اخبرتها (ام عيسى الناير) الجاويش المسؤولة عن قسم النساء. كان ذلك عندما دخلت عليها ام عيسى بثيرموس الشاى وصحن اللقيمات صباحا، كما هى العادة. ام عيسى تهتم اهتماما خاصا بليلى عثمان. فمنذ ان شرفت السجن بمقدمها الجميل. تنافس عليها المتنافسون، رجالا ونساء. وفازت بها الجاويش ام عيسى، او (ام عيسى الضكرية) كما كانوا يلقبونها سرا. وليلى كانت محكومة بخمس سنوات فى قضية تزويراستمارات الاراضى الشهيرة. كانت هى المرأة الوحيدة بين المتهمين، والذين تراوحت عقوباتهم بين عشرسنوات فى اعلاها، وستة اشهر فى ادناها. ووفقا لمعادلات الغابة الصعبة، خاصة فى القضايا الجنائية. فانك اما آكل او مأكول.

    ليلى آثرت الصمت إبتغاء السلامة. وصمتت ام عيسى تجنبا للمسؤلية. ولم يهمس احد بكلمة، ورغم ان غالبية النزيلات كن قد علمن بالخبر قبل انتصاف نهار يوم الجريمة، الا ان رقية لم تسمع بالامر الا حين استدعاها المأمورضحى يوم السبت واجلسها على الكرسى الكبير بجانب مكتبه وراح يقطر لها الخبر فى اذنها قطرة قطرة. وكان السجن قد استحال الى كون فسيح من الصمت اللئيم المتآمر، فى انتظار الصرخة الاولى، والتى جاءت كعواء ذئب جرحته رصاصة للتو. لينطلق بعدها عويل وصراخ مفجوع، من مئات المسجونات والحارسات وحتى العاملات فى مكاتب الادارة قرب البوابة الرئيسية.

    كان الجميع يعرفون نعمات الذبيحة. كانت تأتى الى السجن يوم الاربعاء الاولى من كل شهر لتزور امها. وكانت حلوة ولطيفة وغاية فى التهذيب كأنها لم تنشأ فى السبعة بيوت. وكانت دائما تحمل السكر والشاى والبن والسجائر والادوية بل والملابس. وكانت ايضا تحمل السلام والتحية، وتنشرالضحكة الصافية الرقراقة، على كل من يقابلها. كانت تعطى الجميع، خاصة، اللاتى لم يكن يزورهن احد. وكانت تقضى حوائج شتى، ليس للمسجونات فحسب، بل وحتى للحراس والحارسات، بل وبعض الضباط ايضا.

    فى ذلك الصباح الخريفى الباكر، والذى كان لايزال لم يبلغ الحلم بعد، وقد تغطى ببعض مما تبقى من ظلام ليلة الامس، كانت نعمات قد عادت لتوها من عمل طارئ ، كثير الصراخ والاوجاع والدم فظلت مستيقظة طوال الليل، خاصة وان زبونتها الجديدة كانت صغيرة السن والحجم ولم يمض على زواجها سوى سبعة اشهر. لهذا كان وضعها لأول مولود لها أمرا فى غاية العسارة.

    عربة الاجرة انزلتها فى اول الزقاق، بعد ان تغطى بمياه الامطار، الا دربا ضيقا لم يكن يسمح بمرور العربة. وكانت شبه نائمة، تحلم بحمام دافئ، وكوب شاى ساخن، وسيجارة وسرير. ولم تنتبه لتلك اليد التى امتدت بغتة، تجذب رأسها للخلف، وسكينا كبيرا يشق الجلد، ويتخذ طريقه بقوة وسرعة ومهارة، من الاغشية البرانية مرورا باللحم والحلقوم والعضلات، ليلتحم بعظام الرقبة. وكانت قد القت نظرها المفزوع، ولآخر مرة، على وجه جزارها، قبل ان تخر الى الارض، المغطاة بمياه الامطار، والاوساخ، وروث الاغنام. والكلاب، ترفس بيديها ورجليها، والدم يشخر من حلقومها، وقد جحظت عيناها، وتدلى لسانها خارج فمها المفتوح، يتسول الهواء، والرجل يبتعد مهرولا، وحقيبتها بين يديه. وطرف جلبابه المتسخ بين اسنانه
    .

    _______
    في القصة التي ارسلها لي منعم كان هذا الزقاق اسمه زقاق حبش غيره منعم هنا الى زقاق عبث..
                  

05-09-2009, 06:41 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: د.نجاة محمود)

    كاتب مبدع يكتب صغنتو تياته الكبيرة
    قصصه تنتهي بفرقعة غير متوقعة.. ايضا كتابته لا تخلو من فكاهة عالية.. وذكاء حارق

    من الكتاب المفضلين بالنسبة لي..
    يلا مع الكاتب الحريف على الحلاوي
    في قصته
    صـغنتوتـيـات حلاوى .. أنت جميلة و حـلوة


    قال لى أنت جميلة و حلوة .. كل شباب القرية يتمنون مصـاحبتك .. كلهم يتمنون الأقتران بهاتين العينين الحلوتين .. نعم أنا جميلة وحلوة .. عيناى الساحرتان .. كانتا محل إلهام لكل شعراء قريتنا .. حتى قيل أن أشعر الكلمات و أغزلها قيلت فى عينين .. كانت فى عينىّ .. لولا كلمات الغزل التى أسمعها .. لما أدركت أن لعينىّ هذا السحر .. لم أكلف نفسى أن أزيّنهما كما تفعل جميع بنات جنسى .. فى مناسبات قليلة .. و ضعت عليهما قليل من الكحل .. فأنبهرت قريناتى بهـمـا .. قوامى رشيق .. الأناة فى حركتى .. حسدننى عليها .. رغم إدراكهن .. أن الملكة تعتبرها نوع من الكســل .. حتى أنها فى مناسبات عدة .. قد لامتني على هذا الكسل الذى يؤخر حركة التقدم فى المملكة .. تقاطيع جسمى .. كانت مثيرة للغرائز .. نحافـة خصرى .. كانت هى الأخرى .. جاذبا قويا لأنسياب كلمات الغزل .. حتى أن أحدهم قد خطّ معلقة .. فاقت أبياتها العشر .. فى خصرى المنخزل .. لم أرى غرابة فى أن أسمعه يردد على أسماعى .. أنت جميلة و حلوة .. أدركت من الوهلة الأولى مغزى حديثه الناعم .. لم أشاء أن أدعه يسترسل فى حديثه .. بالأحرى غزله .. بأدب جم .. و هو إحدى الصفات التى ورثتها عن أمى .. صـرفته .. ذكرت له بأنني مخطوبة لأبن عمى .. أبن عمى أحبه .. و هو يعبدنى .. لو خيّـرت لما أخترت غيرة فى كل المملكة .. قرأت السـأم فى عينيه الضيقتين .. لم تراودنى نفسى أن أرى الأنكسار فيهما .. تابعت دفع الحبة أمامى .. حبة قمح تكبرنى بثلاث مرات .. لم أرد أن أن توصفنى الملكة بالكسـل .. كما فعلت من قبل .. فنحن جموع النمل .. لا نعصى لملكتنا أمرا
                  

05-09-2009, 07:49 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: د.نجاة محمود)

    عندما قرات هذه القصة.. داهمنى حزن رفض ان يرحل عنى..فقررت ان اشرككم فيها نساء المنبر....دون تعليق..

    والتحية لصديقى حسن بلاسم الذى سمح لى بنقلها هنا فرحا بقراء سودانين..

    للكاتب العراقي حسن بلاسم



    اشتري فيلا وانقذ بيتك



    انا أعرف ان بناء البيوت الزجاجية هي السعادة المائية التي لا توصف. وهي الخطوة الاولى لأستنساخ احاسيس طرازية من الممكن الاحتفاظ بها عن طريق الممارسة والرضوخ. لقبول حيوان الموت الصغير، وتربيته بجدية، على انه دجاجة أليفة. ومادام الخير اكثر قسوة وكآبة من الواقع فأين هي شرعية البيوت التي نسكن

    المرحاض
    ولدت سنبلة. واستمرت ملامحها بالتشتت الى ان وقعت
    الكارثة. وافاقت في عامها الثامن عشر، وقد تحول وجهها
    الى حفلة تنفس. ويقولون ان الجني الذي تزوج منها في
    المرحاض كان قد اتى من الهند وهو ينط من فوق ملايين
    سطوح المنازل والمعابد والبنايات. وحتى ان صياد شيعي
    من مدينة مشهد المقدسة، كان على وشك ان يصطاده
    لولا ان الهندي كان قد تعلم على يد ملاك بوذي منشق
    ربطوها في اثنى عشر شباك مقدس. وتوسلوا بالهندي
    ان يخرج من ركبتيها. بعد ان استعانوا بخبير لغات
    له هيبة وعلم الباذنجانة

    اعمدة النور مكهربة. واشعال مصباح قد يكلفك حياتك في هذه البلاد المقدسة. وفي أحسن الاحوال لن تدفع سوى ضريبة تهمة عتيقة، حين سيكتشفون بالنيابة عنك، ان أمك عاهرة، وان أباك كان قواد. هل علي ان أهذي طويلا ياولدي، بذريعة ان هذه التهمة على حقيقتها منشطة ولذيذة وفي عام الفيل سنولد ياولدي. يا أعور. يا دجال

    المطبخ
    جرية بنت بنية. رفسها قبل قليل السيد الوالد(ع)
    في معدتها وهي تحاول ان تحرر يده من سكين المطبخ
    أقسم ان يذبح أبنتها الوحيدة، ان لم تكف المسودنة عن
    الصراخ والتعري في الشوارع. والهندي أبن النعال مصر
    على لحس مخ البنية. وأنت ايضا مسكينة يا جرية
    منذ ان وصلت الى الزقاق الرابع في حي الأهوار
    وأنت تعيشين ذليلة بين أعدائك الشيعة. حتى أنهم
    لقبوك بأسم السمكة المحرمة، للأهانة والسخرية.
    بنت الهايشة .. سنية .. نعلى على عمر .. وين
    رحتي جرية !! والهندي يمارس بوذيته بشبق موجع
    في رحم ابنتك الوحيدة

    بيت الله .. حوض السمكة ! نتسلل في الليل مع الفيلة، ونبنيها من جديد. من الزجاج الخالص والشفاف. وستصير الكعبة، الحجر الأبيض. الأساس لبناء مثل هذه المدن الزجاجية. وحين تعودون من العمل الى بيوتكم الزجاجية. تروني وأنا .... حبيبي، فتبتسمون. أفيق في الصباح، أشاهد جارتنا السمينة، تخري. فأبتسم. وهكذا كأرانب برية سعيدة. يا الله .. سيصير بيتي كله بمثابة نافذة. وبيت الله، وبيوتكم. وكأننا عناق مؤلم ومثير للسخرية ، كما هي الحقيقة بل أجمل. وسيكون هنالك وقت طويل للضحك. وحقل مناسب من الحرية. ولعل الأخلاق تسقط أخيرا وتفيض البلاد بالأجوبة. انا عن نفسي سأشتري الفيل

    أسفل السلم
    تعرت. جلدها المدبوغ بالأصابع والسياط، كان يحمل
    الف جرح وجرح يا عراة ! وتخلع قلائدها. واحدة
    تلوى الأخرى. ثوبها .. طلسم البركة من رقبتها
    القماشة الناعمة من بين فخذيها. حسنا تفعلين زهرتي
    أخلعيها، صرختك. هذه القلادة المرة. وطوفي بها
    بين مسامات الهواء الحر. مثلما تشتهين. ابعد من
    أيادينا. أبعد من هذه البلاد المشروخة بالشعوذة والظلام
    تحرق الزهرة نفسها أسفل السلم. بينما يلملم الهندي
    حقائبه من جسدها المشتعل. ويطير بها ، قلادة

    تسميم أحساس جيفة، ألذ وأنبل من تسميم فأرة. وكتاب منحط عن تاريخ الأحاسيس في هذه البلاد، اصبح ضرورة ملحة

    سطح البيت
    سنة تافهة وموجعة مرت. ويطيح (ع) في السوق
    مشلولا ويموت !!. وماذا تخبزين أنت يا جرية!
    وتنورك هذا شعلة محرومين. فختية تحط قرب سلة
    خبزك. وتحط أخرى ويؤذن بأسم الرب. فتركب
    احداهما الأخرى. فخاتي يا جرية!! وعلى من تنخين
    وتقرفصين هكذا قرب سخام التنور وانت تشركين
    أسم الله بالنحيب. وجسدك المهشم بالنار

    الحمام
    طاسة زهرة الفضية ، ساكنة وحارة

    غرفة
    حجر على حجر على مرض. هذه البلاد المكعبة محكومة بالغائط والنسيان

    الحديقة
    لو كنت ربك ، لأهديتك المفاتيح والعذوبة ، لتقفلين البلاد بصرخة ونستريح

    أنا عن نفسي سأشتري الفيل .. وصوب الحجر المعتم أنى كان
                  

05-09-2009, 07:53 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: د.نجاة محمود)

    للكاتبة ليلى ابو العلا



    الأيام تدور


    قصة: ليلى أبو العلا*
    ترجمة: جمال محمد إبراهيم**
    ومراجعة ليلى أبو العلا


    قلت احملني ! قال : لا !
    قلت أحلمني ! قال لا ! وهكذا رأيت أن أعض يده التي كانت تمسك بي وتقودني حتى بكيت أنا. تغير لون عينيه من العسلي إلى الأزرق ، لكنه مازال ممسكاً بي. وواصلنا التسلق .
    قلت : احملني ! قال لا !
    رأيت أن أكف عن التسلق لم أعد أتحرك ... أيادينا ممدودة بطول المسافة الممتدة بين عينيه وعيني . قلت له " هذا المستوى يكفيني . لن أقوى على التسلق إلى أعلى من ذلك ! "
    قال لي " خفضي حملك . " واتجه ببصره بعيداً .
    وتخلصت من مجوهراتي وحليتي الجميلة ... تكسرت قطعاً أسفل الصخور ، ثم واصلنا التسلق. عبرت السيارات إلى أعلي هذا الممر الجبلي ذات يوم . وكانا يقولون إن لها إطارات قوية تنهب الأرض نهباً . قبل الحرب العظمى ، كان الليل مضاءاً بغير نار وبلا قمر . كان هنالك درج إلكتروني في الأسواق والمتاجر . وكان رواد الفضاء يجولون في الفضاء ، إذ كانت الأرض ضيقة وخانقة . يمون البعض فيها من الجوع ، ولكن هناك آخرون يدفعون نقوداً للتخلص من السمنة .
    كان الناس محشورين في مناطق مقفلة . تذكر هو تلكم الأيام الغابرة . التى كثرت فيها جوازات السفر وشركات التأمين ، إذ أني ولدت في عام 2115 . بدأ هو يغني ، وتعلقت أنا بصوته :
    " إن ضربات الحب الموجعة قد استغفلت الرجال ".
    " وحطمتهم تحطيماً ... "
    "وسألت إن كان لي القبول .."
    " فرد الكبار : عليك بالتخلص مما بك ". .

    ووصلنا التسلق .
    كان للطائرات أزيز فوق هذا المعبر الجبلى . كانت ترش النباتات بالمبيدات الكيمائية . إن " الحرب العظمي " قد دمرت التكنولوجيا وقضت على المادية كما قضت على التكوينات الوطنية الصغيرة . إن السطوة الآن هي لسلطان الروح وحتى النضال صار نضالاً روحانياً.
    حدثتنى أمي عن ذلك اليوم من عام 2114 ، حين وضعت الحرب أوزارها وتحقق النصر . توقف عندها الضجيج والصحف والمذياع والتلفاز . حين حل السلام ولم تعد تسمع إلا أصوات خافتة .
    " ما هذا الذى تغنيت به ؟" ، سألته بعد أن توقف عن الغناء .
    " هذا نشيد من ديوان الشيخ العلوي "
    " عندي لك فزورة !" ، قلت له .
    " هيا أنا مستعد . "
    " ترى لماذا كان هؤلاء الأمريكيون متميزين بالطيبة "
    اتسعت حدقتاه ولان صوته ، ثم قال :
    " لست أدري ... ترى ما سر طيبتهم ؟"
    " نثق بالله ، هكذا كتبوا على عملتهم الورقية " .
    وأرتسمت ابتسامة على شفتيه . " احملنى " ، قالت له . هز رأسه رافضاً ، وواصلنا التسلق .
    حدثني ...
    " قلت له حدثني عن حياتك ، كيف كانت قبل الحرب . "
    قال : " كنت أختبيء تحت جلد مطاطي سميك ، كجلد الفيل . وكنت دائماً أطمع فى أكثر مما أحقق لنفسي ، إذ سرعان ما أمله ... "
    كان صوته يشجع على المضى في السير بيسر ...
    " هل كنت تمتلك سيارة ؟" كنت أطمع في التفاصيل فأنا غريرة في الرابعة عشر من عمري .
    " نعم بورش حمراء . "
    " بورش ؟"
    "هي سيارة سريعة . "
    " وكيف كان الأمر مع هذه السيارة السريعة ؟ "
    "قيادتها مثيرة وممتعة ! "
    ثم توقف عن السير فجأة فارتج جسمي عليه ، وواصل حديثه " غير أنني لم أحس بالوحشة ، فقد كان يكسوني ذلك الجلد المطاطي وحدقت إلى السماء البعيد : ملكان غارقان في حديث عميق ، يكاد النور المنبعث منهما أن يعشى البصر وواصلنا التسلق .
    " كم كان لك من الزوجات ؟"
    " واحدة ، مثلي مثل معظم الرجال . "
    "هل هي الآن معك ؟"
    " لقد ماتت قبل الحرب بداء السرطان . "
    " وما السرطان ؟"
    " داء من أدواء الماضي السحيق !"
    بدأ السماء يمطر رذاذاً خفيفاً ناعماً وبقطرات واسعة . هاهي الصخور تلهج بالشكر ، والشجر يرقص جزلاناً .
    وأبطأنا السير .. بلساني تذوقت ماء الورد . أما هو فرفع رأسه إلى الوراء وتذوق الرذاذ المنهمر.
    خلع عمامته حتى ينسرب الماء غلى شعره . تبللت لحيته كذلك . ضحكنا معاً .
    " هل أنا أصغر زوجاتك ؟"
    " نعم " ، قالها بلهجة تكاد تستنكر السؤال .
    " ولماذا لم تكمل هذا الزواج فعلياً ؟"
    " أنت لم تبلغي سن النضج بعد " . ثم توقف عن الإبتسام وأمسك بيدي ثانية وتسلقنا .
    تسلقنا أميالاً إلى أعلى الجبل . لم تعد في ساقى عضلة تتحمل ، وجفت عيناي بفعل الريح .
    قلت احلمني ، فلم يرد . قلت احملني ، لم يرد . قالت له :" أنا جائعة فلم آكل شيئاً طيلة النهار ".
    ثم سكت برهة عن الكلام المباح . ورأيت لون عينيه يتحول من البني إلى العسلي . إن القدرة على تغيير ألوان العيون ، من الميزات التي منحت لأبطال الحرب ، إضافة إلى قدرة إبراء الجرحى .
    وقال فى أسف : "لقد نسيت أنك مازالت تحتاجين أن تأكلي كل يوم . "
    جلسنا إلى جزع شجرة وريفة ، أعطاني بلحات أربع ، أخرجها من جيب سترته ، أكلت ثلاثاً وشبعت . أعطيته البلحة الرابعة ، فأبى أن يأكلها ، فهو لا يحتاج لأن يأكل إلا كل يومين أو ثلاثة .إن فتوتي هي التي تجعلني أجوع سريعاً.
    قال : "في تلكم الأيام الغابرة ، لم يكن مسموحاً بالزواج بمن كن في مثل سنك !" وأنفجر ضاحاً وتساءلت : " ما الذى يضحك فى ذلك "؟ ودفنت أصابعي فى الرمال الرطبة ، حركت بأصابعي قوقعة نائمة فاعتذرت لها . قالت لي : "كلا فأنت لم تكسري قوقعتيى فهي قرمزيةبلون أظافرك !"
    واتسع ظل الشجرة من فوقنا ، وحينما انتصبت واقفة كان ظلي بطول قامتي ، وجاء آذان الصلاة بصوته واضحاً مألوفاً نافذاً من خلال صمت القوقعة ، وسكون الشجرة . ولما لم يكن هنالك من ماء فقد آثرنا التيمم على الصخر الجبلي . مسحنا على أيدينا ووجهينا . أخرج مسواكه من سترته وطفق يمضغ.
    في الزمن الغابر وفي أماكن معينة في هذا العالم ، كانت الحيوانات والطيور والحجارة وحبيبات الماء الغابرة ، هي وحدها التي تصلي . لم يكن يسمع لصلواتها صوت . كنا جميعاً مشغولين وآذاننا صماء !
    كان صوته شجياً ومشحوناً بحزن لم أعهده فيه من قبل . عيناه حزينتان والمسواك مازل في يده.
    قلت له : " لقد ذهبت تلك الأيام وانقضت ."
    وحدق في ثم قال : "لكنها تدور . إن الأيام تدور ." وتذكرت جماعة " محبي الحرية " وشعاراتهم وتطرف بعض سلوكياتهم .
    ثم أعاد المسواك إلى جيب سترته ، وبدأنا نصلي . كانت التربة التي صلى عليها باردة رطبة . بعدها نفضت بقايا الطين الذى علق بجبهته وبجبهتي أيضاً . وضحكنا معا ثم واصلنا التسلق .
    خطوات وأميال مشيناها على سطح صخري شديد الإنحدار .
    كان للريح صرير فى أذني . تعب وإجهاد . كان دمي يفور أحياناً ولكن يتجمد أحايين أخرى ، فتأخذنى يده وتكون خطوتى كمن يمشي في كابوس . قالت له:" أحملني !" قال: "لا". قلت احلمني!"قال: "لا".
    وعضضت يده وشددت شعره وعظامه ، حتى جحظت عيناه ، وتحول لونهما من البني إلى الأزرق .
    ثم قال : "هيا تخلصي من حملك ، ستشعرين بأنك أخف وزناً ".
    وصرخت فيه: " لم يعد علي ما أتخلص منه !".
    لكنه لم يصدقني ... وواصلنا التسلق .
    هيا احملني !
    هيا أحلمني ! لا . هيا احملني ! لا
    قلت له : " لقد حسبت انك صديقي !" ثم نفضت يدي بعيدا عنه وتدحرجت إلى الأسفل على المنحدر . لقد كان الانزلاق سهلاً إلى أسفل المنحدر ، فقد كانت الجاذبية في صفي تساعدنى ، كانت الفقاعات تدور من حولي . صرت حرة . تحررت منه ، وادخرت طاقتي التى كنت أبذلها فى التسلق . وضحكت ضحكاً عالياً تردد صداه في الشجر وفي الصخور . وكان صوتاً عذباً يصدر حين أدوس بقدمي القواقع الصغيرة المدفونة في الرمل .
    وصار جسمي ينحدر بسرعة . أعماني الضحك ... أكاد ألمح خضرة الشجر والريح في انزلاقي إلى الأسفل ، وذلك المكان حيث كنا نصلي . ثم ارتطم جسمي على صخرة ووجهي احتك بصخرة بارزة . إذن هكذا صار دمي ... لزجاً أحمراً ، ثم ذلك الصوت . إنها الحشائش والأشواك والقواقع التي لم تمت ، تصب لعناتها علي كانت تعرف اسمي . شكت ظلمي لها .
    ورأيت من فوقي ملكين يفترقان على اتجاهين ، أخرجا أقلاماً وبداءا يكتبان . أعشى بصري ذلك الضوء الصادر عنهما . أغمضت عيني دونهما ، لكنني رأيته . رأيته يطير ليس كما تطير الطيور ، لكنه كأنه محمولا على درج إلكتروني خفي . حل جسمه بقربي ساكنا إلا من فحيح الريح على لباسه .
    قال حين وقف بجانبي " هيا انهضي !" حسبته غاضباً ، لكنه كان يلهث ، ربما بسبب طيرانه إلى وتحديه بإرادته المحضة هذه الجاذبية التي كانت تجرنى إلى أسفل .
    قلت : " إني غير قادرة على الوقوف !"
    ثم انحني وركع بجانبي واقترب مني حتى كدت أن أشمه ، وراقبت عن كثب تحول الألوان في عينيه . ما كنت أعرف انه ارتقى إلى درجة الطيران. هذا جديده الآن .
    قلت : " هيا اشفني !" مازال الجرح الذى على قدمي ينزف.
    قال آمرا : " عليك بالبكاء".
    نعم أكملت بكائى ، ثم وقفت ونفضت عن جسمي الغبار العالق .
    وسألني : " ما الذى يدفعنا للتسلق ؟" ما الذى يدفعنا للتسلق ؟" وكأنني ما هربت منه ، وكانه غفر لي .
    قلت : " لست أدرى . لست أرى ، فقط وددت أن أكون معك " .
    كان الحنو بادياً في عينيه وفي لمسة يديه . وطفقنا نمشي من جديد .
    وبدأ يغني ....
    " إن ضربات الحب الموجعة قد استغفلت الرجال " ...
    وحطمتهم تحطيماً ...
    وسألت إن كان لي القبول ،
    فرد الكبار عليك التخلص مما بك ،
    وقلت لهم إنني أعرف ما تقصدون ،
    ولكن عليكم أن تنظروا إلى حالي ،
    فأنا أستحق بعض عطفكم علي ،
    إن الحزن هو أول الحمل الذى يثقل كاهلي ... "
    سألته :" لماذا كان ذلك العالم القديم مليئاً بالاضطرابات ؟"
    قال : لقد أعطى الناس ظهرهم للسماء وحسبوا أن بإمكانهم المضي قدماً ".
    قلت له : " والآن ؟"
    قال :" والآن فإن الأساليب التي كانت تتبع قديماً قد عادت من جديد ".
    قلت له : " كنت أحسب أن ذلك من الشائعات التي يروج لها في السوق !"
    قال : " كلا. انها الحقيقة . إن قطعة الخبز الآن لم تعد تكفي ثمانية أفواه ، كما كان الحال ، بل خمسة فقط . تضاعفت احتياجات الناس ، فقد عادوا في بعض النواحي الشرقية من المدينة ، إلى عادة إغلاق أبواب منازلهم عند حلول الليل .
    قلت :" إن أبي ما زال يترك باب دارنا مفتوحاً ".
    قال : "نعم أعرف ذلك "
    قلت : " إنني افتقد أبي وأحن إليه ، يقتلني الحنين إلى مرجيحة كانت في باحة الدار .
    تذكرت شقيقاتي وألعابهن . كان لي من الإخوة عشرون . كان منهم من يشبهني ، وآخرون مختلفون عني تماماً . وأخذت أجر قدمي على الأرض جرا ، فقد جعلتني هذه الذكريات أثقل مما يجب .
    قال لي هامساً : "الآن عليك ان تتخلصي من بعض حملك !"
    وتخلصت من موطني . تناثر حطاماً على الصخور من تحت قدمى . وواصلنا التسلق .
    إمراة ..
    قلت : " قدمت إمراة إلى منزل أبي ., كانت تعرف إسمي وإسمك ، كما كانت تعرف أننا كنا ننوي الزواج . كانت مختلفة ، هذه المرأة ، فقد حدثتنا عن القوة و الإمتلاك . "
    توقف هو عن السير ، ورأيت خضرة في عينيه وسمعت حوافر الخيل تنهب الأرض ، ثم قال :
    " تلكم المرأة كانت من جماعة محبي الحرية ، هؤلاء الذين كانوا يريدون للعالم أن يسير سيرته الأولى . لقد خضنا غمار الحرب العظمى حتى يعود بإمكانك أن ترى الملائكة حين ترفعين رأسك إلى السماء .... وحتى يمكنك تذوق طعم الورد حين يضربه الرذاذ ، ثم لا تعرفين الجوع أبدا ولا المجاعات . أزلنا الحدود بين البلدان ، ليقيم الناس أينما أرادوا ، ولم يعد هنالك شرطة للحدود ، ولا قوانين للهجرة ، غير أن الأساليب القديمة أخذت تتسلل إلينا من جديد . "
    إن محبي الحرية، يضغطون باتجاه حرب جديدة أخرى ، ولا أستبعد إن قاموا بخرق القانون أو استعمال الآليات من جديد ...
    قالت له : " ومتى تقع هذه الحرب ؟"
    قال : " لست أدرى !"
    قلت : " أفي حياتنا هذه ؟"
    ابتسم قليلا ثم قال :" سأعلمك كيف تمتشقين السيف وتقاتلين . "
    قالت : " ترى من يكسب الحرب ، نحن أم محبى الحرية ؟"
    قال: " إن الأيام تدور . الأيام تدور ."
    قلت : " ما الذى تعنيه ؟"
    آثر الصمت وانتظر ، وحين تحدث كان حديثه بطيئاً ، وبدت عيناه داكنتان بلون البنفسج . قال :
    " لقد حذرنا منذ البداية . لقد حذرنا إن هذه الحياة الروحانية ، هذا التواصل مع السماء لن يدوم طويلاً ."
    أردته أن يواصل الغناء . وواصلنا التسلق .
    قال : " أرى أن الناس في حاجة أكثر إلى النوم الآن . "
    نعم لقد قال الحقيقة . إنني الآن أنام لخمس ساعات في الليلة الواحدة ، وقد كنت في السابق أحتاج إلى أربع ساعات فقط . قلت له : " هل يتحدث محبو الحرية عن النوم ؟"
    قال : " إنها الأساليب القديمة تعود من جديد ، تجرنا كما الجاذبية . "
    غير أن يده لم تعد تمسك بي بشدة ، كما في السابق .
    وأخذت أغني له :
    " إن ضربات الحب الموجعة قد استغفلت الرجال "
    " وحطمتهم تحطيماً ... "
    " وسألت إن كان لي القبول "
    " فرد الكبار : عليك بالتخلص مما بك ".
    "قلت لهم أنني أعرف ما تقصدون ..
    "ولكن عليكم أن تنظروا إلى حالي
    فأنا استحق بعض عطفكم على ..."
    وابتسم معلقا ، أن لي صوتا جميلا وذهنا صافيا ، يحفظ الغناء بسهولة .
    ونظر إلي كمثل نظرته إلى ذلك اليوم في السوق . كانت عليه ملابس السفر والشمس تلقي بأشعتها على الفلفل والباذنجان . وتعرفت عليه فقط من عينيه . ذهبت إليه ، وقلت له : "أريد أن أهبك نفسي ، زوجة لك " ، وانشرحت أساريره ، ولكن بشيء من الدهشة ، تحول لون عينيه من الأخضر إلى العسلي ، مثل لون عيني ، ثم سمعت صوته ولهجته للمرة الأولي : " ما أسمك ؟"
    ثم واصل التسلق .
    وحدقت إلى أعلى فكان لون السماء قرمزياً أقرب إلى اللون الأزرق الفاتح ، ثم واصلنا التسلق .
    وسمعت صوتاً ، مغنياً ، شيئاً لم تعهده أدني من قبل .
    لقد نفذ الصوت إلى عروقي .. قلت :" ما هذا ؟ انه شئ غريب . "
    قال : " إنه السحاب . "
    قلت : " وهل اقتربنا منه كثيراً ؟" لقد كان الجبل ممتداً صلبا فوقنا ، لكنه آثر الصمت ولم يجبني . أسرع الخطى وبدأ خفيفاً الآن ، وأخذ يتسلق في خفة ولم أتمكن من مجاراته . لم يكن ثمة ألم . وضغطت الصخر تحت قدمي . لقد كان بوسعي أن أرى مقصدنا ، أحسه وأسمعه . ترى لماذا حسبت أنني لن أقدر على الوصول إلى هذا المكان ، هنا حيث يوجد كل ما اشتهيته دائماً ، كل لون ، كل صوت ، أبهى جمالاً وأكثر عمقاً من كل ما تخلصت منه من أثقال : موطني ومجوهراتي . كانت عيناه مثقلتين بالدموع . لم نكن أكثر قربا مما نحن عليه الآن . ضغطت الأرض من تحتي، فانسابت وتحركت بعيداً عني . ولكن كان ذلك وهما فحسب ، إذ أن الأرض لم تتحرك ، بل نحن الذين كنا نطير ... نحن الذين كنا نطير .
    إنتهى



    * كاتبة سودانية تكتب بالإنجليزية وصدرت هذه القصيرة ضمن مجموعتها القصصية التي صدرت فى ادنبرة بعنوان " أضواء ملونة " ، يونيو عام 2001م من دار نشر بوليجون : ploygon, Edinburgh university press

    ** كاتب وسفير
                  

05-09-2009, 12:29 PM

Elsiddig A. Ahmed
<aElsiddig A. Ahmed
تاريخ التسجيل: 10-28-2006
مجموع المشاركات: 309

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: د.نجاة محمود)

    الدكتورة بيان سلامات
    كده انت فعلا نجاة التى تحمل الدكتوراه فى النقد وده دورك الحقيقي يلا اكشفى عن وجهك الحقيقي وانثر للناس الشعر والنثر والقصة والابداع
    هذا ما قصدته تماما انشر الوعى وعرفى الناس اسلوب النقد وفنونه
    دوما الى الامام ومزيدا من الابداع
    مع الود والاحترام
                  

05-10-2009, 01:21 AM

نادية عثمان

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 13808

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: Elsiddig A. Ahmed)

    ياسلام عليك ياحبيبة

    تسلمي د. نجاة يانخلة سامقة من نخلات بلادي



    ويسلم كل قلم مترع بالإبداع من أبناء بلادي الحبيبة
                  

05-10-2009, 03:50 PM

مدثر محمد ادم

تاريخ التسجيل: 12-17-2005
مجموع المشاركات: 3016

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: نادية عثمان)

    الرائعة الديامية دنجاة

    متايع

    وتسلمي
                  

05-11-2009, 03:47 PM

امال حسين
<aامال حسين
تاريخ التسجيل: 05-06-2009
مجموع المشاركات: 775

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: مدثر محمد ادم)

    دكتورة سلامات اسمحي لي ان اهديك تحياتي ورجاء البحث غي فترة ما بعد الانتفاضة لانها كانت حافلةبالكتابات النسائيةالرائعة
                  

05-11-2009, 04:26 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: احزان نسائية...... كتابات منبرية (Re: امال حسين)

    النساء الاكثر حزنا. صاحبات الاعاقة الذهنية والعقلية وذوات الاحتياجات الخاصة
    عرضة للتحرشات من المرضى..محالة لخرق المسكوت عنه...

    قصة مشتركة
    منعم الجزولي و نجاة محمود


    l فاضح فاضح …….مثل رائعة النهار

    (حكاية بالاشتراك)


    عبد المنعم الجزولي
    و

    نجاة محمود

    كان ألامس يوما فريدا في حياتي. فقد ظهرت نتيجة الشهادة المتوسطة. وكنت قد أحرزت المرتبة الأولى على المديرية. سعدت إدارة مدرستنا البائسة، والتي سيكتب اسمها أخير في الصحف، على أنها المدرسة التي أتى منها الطالب الأول.
    فور استلامي لنتيجتي ركضت إلى منزلنا. وصلت وأنفاسي متقطعة لتستقبلنى الزغاريد من طرف الشارع. كان الخبر قد سبقنى بسنين ضوئية عديدة. و انفرجت كل النفاجات عن نساء انتظمن في الزغاريد مع أمي (طيبة)، وجدتى (زبيدة).
    تعالت الزغاريد إلى أن وصلت إلى سوق القرية حيث تعمل العائلة في بيع الخضروات.وعرف والدي فعاد مسرعا ومعه خروف كبير وتبعه أعمامي. وصل عمى (خضر) وعمى (اسماعيل) معا. ثم عمى ( مكى) ، جاء وحده كعادته. ثم عمى (النور) وعمى (الزين) وعمى (الطيب) - او الثيران الثلاثة كما يسمونهم- جاءوا دفعة واحدة.دائما يحلون معا ويرحلون معا. ثم اعقبهم عمى (بشير) او (خراء النفساء) كما يسمونه لضيق خلقه. ثم دخل عمى (عبد الكريم) او (البير) كما ينادونه عادة نسبة لاتساع زمته، وقد قيل انه وحتى اليوم لايستطيع احد ان يسأله ولو مجرد سؤال عن الاموال التى جمعت لبناء سور المسجد، خوفا كما يشيعون من غضبة قد تلم بعمى (بشير)، رغم ان ذلك حدث كما يقولون قبل ان يتزوج ابى من امى. دخل كل منهم ومعه خروف، وذبحت الذبائح. تولى عمى (بشير) مهمة زبحها وسلخها وتوضيبها كلها خروفا اثر خروف. حيث انه تفرد عن جميع اعمامى- عدا عمى (الفاتح) بالطبع- بالعمل فى الجزارة وليس فى بيع الخضروات وشمرت النساء عن سواعدهن، حيث أطعمت كل القرية في بيتنا. وأرسلت جدتي إلى عمي (الفاتح) في المدينة. هو الوحيد بين أعمامي العشرة الذى خرج - بفضل نبوغه الأكاديمي- من سعى العائلة بين صفا الخضرجية ومروة الجزارة.

    حضر عمي (الفاتح) ومعه زوجته الغريبة من العائلة.
    كانت جدتي (زبيدة) تتمنى أن اصير مثل عمى (الفاتح).
    - حتى لو تركتنا و استعليت علينا. تقول.
    عمى (ود على) جاء آخر النهار، متثاقلا كعادته. متأففا من كل شئ. انتهر (السارة) بنت خالتى (فطين) التى كانت تغنى مع نفر من الفتيات.
    - انتن لاتتركن شغل الحرام هذا!!
    وانتهر اولاد (الله جابو) الذين تحلقوا حول اوراق الكوتشينة يتسلون بها
    - انما الميسر رجس من اعمال الشياطين.
    وانتهر (الطاهرة) بنت عمتى (بلالة).
    - الكاسيات العاريات.
    انا لم اكن احبه على الاطلاق. بل ويصيبنى نوع من الإكتئاب العجيب حين اراه. وقد حمدت الله انه ليس عمى مباشرة، بل ابن عم ابى والذى هو بدوره لم يكن عما مباشرا لأبى. واكاد اجزم بان اولاده من صلبه لم يكونوا يحبونه. كان مقيتا، يجثم على القلب كما الهم.

    اصر ابى على ان نذهب لتأدية صلاة شكر فى المسجد بعد صلاة العشاء. وقد حاول اغلب الحاضرين ان يجدوا لانفسهم اعذارا شتى، بيد ان ابى اقسم بالطلاق ان يذهب جميع الذكور بلا استثناء. فذهبنا متثاقلين. فاليوم هو الخميس. والعادة ان يقوم عمى (ود على) بإمامة صلاة العشاء كل يوم خميس. وكان كعادته ثقيلا جدا حيث اصر على قراءة سورة البقرة كاملة فى الركعة الاولى. ثم تبعها بآل عمران والكهف معا فى الركعة الثانية. وبعد صلاة اغلبها سهو، جلس يدعو الناس الى التآسي بسيد الخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم.. والابتعاد عن مواطن الشبهات وتحري الرزق الحلال وحفظ الفروج .ودعا لكل المسلمين وأمن المصلين على الدعاء ثم توزعتهم الشوارع والأزقة بعد ان كاد الليل ان ينتصف.

    وقف ابى يتحدث مع ابن عمه الشيخ (ود علي) الذى مسح بيده على رأسى وقال:
    - بارك الله فيك يا ولدي، يجب أن تدرس علما دينيا ينفع دنيتك و آخرتك.
    ووصى والدي ان يدخلني المعهد العلمي. طيلة الفترة كنت الوذ بالصمت اذ انه من عدم التأدب معارضة الشيخ (ود علي) او رد الحديث له.

    في اليوم التالي أخذني والدي لأساعده فى بيع الخضار عوضا عن أخي المريض.
    كان اخى كثير الشكوى من امراض لا اعرفها. ومنذ ان اجبره ابى على ترك المدرسة، والزمه مساعدته فى بيع الخضروات، عملا بنصيحة عمى (ود على)، من ان المدارس لا شغل لها سوى افساد اخلاق الاولاد، وهو يقضى اغلب اوقاته على السرير مريضا.

    وفى طريقنا، ونحن نشق شوارع السوق الضيقة، خرج الكل لتهنئتي ووالدي، إلى أن وصلنا إلى الحانوت .

    وفي طرف السوق لمحت (درة المجنونة)، وهي تهرول من شارع إلى شارع. لاحظت أنها قد وضعت حملها ألان.اذكر أن آخر مرة رأيتها كانت حامل. وقد راعني ذلك حاولت أن اسأل والدي إلا انه انتهرني وزجرني وطلب مني بصورة قاطعة أن أتوقف عن طرح أسئلة في مواضيع لا تخصني من قريب أو بعيد.

    ولم اجد من اسأله فى الأمر، سوى جدتى (زبيدة) حيث ان الجميع يزجروننى عند السؤال.
    ردت جدتي بعد أن مصمصت شفتيها باستهجان
    - حملت من أحد شواطينها
    . كانت هذه الإجابة مقنعة جدا لي لأنه لا يمكن أن أفكر أن يقترن رجل عادي بمجنونة. تمنيت من باب الفضول أن أرى طفلها. فكم مرة تسنح لنا الحياة أن نرى طفلا والده شيطان؟! على الرغم من ان جسدي يقشعر لمجرد التفكير فى الامر، الا ان الفكرة نفسها كانت جاذبة وتلك كانت الاجابة الوحيدة المعقولة لتساؤلاتي.

    فجأة اقتربت (درة المجنونة) من حانوتنا، ودخلت. أخذت حفنة تمر وموزة وخرجت.

    تخشبت أنا مشدوها في مكاني. لأول مرة أكون قريبا منها هكذا. وجدتها امرأة في ريعان الشباب. ولا تخلو من جمال، لولا عيونها الشيطانية، لكان يمكن القول بإنها جميلة.

    مرت (درة المجنونة) بحانوت أبي عدة مرات. ووقفت خارج الحانوت أراقب حركاتها الغريبة وفجأة وقفت أمام حانوت عمى (ودعلى) وقامت برفع جلبابها إلى صدرها ونظرت الى عانتها ومرت يدها فيها وصرخت بأعلى صوتها:-

    - يا (ود علي). حلقتها مثلما قلت لي فتعال وأنظر..

    وفاجاني صوت ابي يقول لي بلهجة آمرة..

    أدخل يا ولد ودعك من هذه المجنونة..
    ..

    _______________________________________
    * نفاجات أبواب صغيرة تفتح البيوت على بعضها وتكون دائما في البيوت التى تسكنها عائلة واحدة.

    (عدل بواسطة د.نجاة محمود on 05-11-2009, 06:14 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de