اللغة النوبية فى الرد على عبد الله حمدنا الله بقلم امين محمد ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 02:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2009, 05:02 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8816

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اللغة النوبية فى الرد على عبد الله حمدنا الله بقلم امين محمد ابراهيم

    اللغة النوبية أصل فى لغات أهل السودان وكفى بذلك فصاحةً ... بقلم/ أمين محمّد إبراهيم- المحامى
    الاثنين, 27 أبريل 2009 17:07

    مقال فى عوار وفساد وهم الاستعلاء فى ذهنية مستعر بى السودان!!

    عجبت لمـن لـه قـد وحــد ويــنـبـو نـبـوة القضـم الكهـام



    ولم أر فى عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام.



    أبو الطيب المتنبئ.


    ليس من مقاصد هذا المقال، الدفاع عن ابن عمى (الكاتب النوعي)، الأستاذ مصطفى البطل، ما لسبب سوى أنه أزهد الناس فيمن ينافح عنه بقلمه، وأكثرهم قدرة على تولى، هذه المهمة بنفسه عن جدارة واقتدار، دفاعا وزوداً عن الرأي والنفس، بفكره وقلمه وبلغة لم ير بداً من اكتسابها، فتوفر عليها بالدراسة والإطلاع فأتقنها، وتمهر فى استخدامها للتعبير بها، ( إلى جانب غيرها)، عن مكنونات فكره من المعارف، وحصيلة كسبه النظري والعملي، فعرفه القراء فى وقت وجيز نسبيا فارسا من فرسان الكلمة، أهل نفسه باطلاع واسع وعميق، ودعّم قلمه المفصح المبين، بذهن ثاقب. فلا غرو إذن أن اتخذ البطل قلمه سيفاً (فى حده الحد بين الجد واللعب)، يهش به على بنات أفكاره و يتوكأ عليه، فى بسط وتعميم، ما يحسبه مفيدا من قول ورأى، و معرفة عميقة، وثقافة متعددة المنابع والمنابت والأصول، وله فيه إلى جانب كل ذلك، مآرب أخرى.وليس لهذا المقال فى الواقع، سوى هدف واحد ومقصد يتيم، هو التصدي، لوهم الاستعلاء فى ذهنية مستعر بى السودان، وتفنيد المرتكزات الأنثروبولجية والتاريخية والفكرية، لحامليها، وتبيان عوراها وفسادها وبطلانها وعدم صلاحيتها بالمطلق كرخصة للانتقاص من شأن العناصر غير العربية فى السودان ومنهم النوبيين، كالاستخفاف بهم بإرثهم الحضاري والثقافي، والتقليل من شأن لغاتهم بوصفها بالعجمة، والعجمة عند العرب تعنى فى أحسن معانيها "إساءة التكلم بلغة"، وليس فى النوبيين من يسئ التكلم بنوبيته، وفى أسوأ معانيها تعنى ألفاظ "عجماء وعجم وعجماوات، المشتقة منها، مؤنث أعجم، وهى البهيمة". أما لفظة رطانة "بفتح الراء أو بكسرها" فمعناها تكلم بالأعجمية، أى بلغة غريبة، أو بكلام غير مفهوم. (المنجد فى اللغة العربية المعاصرة، دار المشرق – بيروت، الطبعة الثانية 2001م ص. "950" وص. 563). فقبل أسابيع استضاف الأستاذ كمال الجزولى، فى إحدى رزناماته، الأديب إبراهيم إسحاق، فأتحفنا بسرد متنوع وجميل ما فى ذلك شك، بيد أنه وفى سياق تداعى ذكرياته عن مجتمع السودانيين فى الرياض – السعودية، أتى على ذكر بعض من التقاهـم فى مهجره وقاسموه وعثاء الغربة و مراراتها، وخففوا عليه وحشة عتامير صحراواتها الجرداء، وسماهم أفرادا وقبائل أو قل مجموعات (جهوية) على حد تعبير الإمام الصادق المهدي، فعرج مشكوراً على ذكر تفرد خصائلهم و مائز خصائصهم، من شهامة وأريحية وكرم ولطف و فكاهة وخلافها مما يشتهر به عادة السودانيون، ولدهشتي كانت حصة النوبيين التى اختارها لهم الأستاذ إبراهيم إسحاق، وخصّهم بها وأغدق بها عليهم، من فيض جوده وكرمه وسماحة نفسه بالطبع، هى "عجمة اللسان"، التى أوردنا بعاليه تعريفها المستخف بالإنسان، بما يحمل من ثقافة ولغة والمسئ غاية الإساءة لكينونته جملة وتفصيلا، فما يميّز الإنسان من الحيوان هو لسانه، و(لسان الفتى نصف ونصف فؤاده)، كما فى قول المتنبئ.وقبل أسبوعين كتب الدكتور عبد الله حمدنا الله فى الأحداث، مقالاً بعنوان البطل ولغة والمستشرقين، وصف فيه كتابات مصطفى البطل الصحفية الراتبة، بأنها من فرط خبالها تجعله يظن فى بعض الأحيان بأن بعضها ربما كان خليطا من "الرطين النوبى"، و"الكلام العربي"، والتشديد من عندي للفت النظر إلى ما يرمى إليه الدكتور، بالرطين الذى أوردنا بعاليه تعريفه، كشئ مغاير للكلام المعرّف بحديث البشر إلى بعضهم البعض. ويستطرد الدكتور إلى أن يقول عن لغة البطل: (أريح نفسي فأقول أنها ربما كانت من "بقايا ما تساقط إليه من لغته الأم" فجرت على لسانه "فعرّبها"). ولا يكتفي باستكثار الفصاحة وصنع البيان على البطل كونه نوبي ، بل يستنكرها عليه فيدعوه لـ (يدع التطرف بين أقصى طرفي البعد، فمن عجمة اللسان إلى صنعة البيان).ولا يشق على أحد كائنا من كان، أن يلمح فى إشارات الكاتبين المحترمين، ما تستبطنه ذهنية مستعر بى السودان من خيلاء واستعلاء عنصري قائم فى أساسه، على تبنيهما ما كان سائدا عند العرب فى جزيرتهم العربية من اعتقاد بعلو شأنهم وسيادتهم على غيرهم من مساكينهم من العناصر غير العربية، وكان جلهم من مواليهم وعبيدهم وجواريهم وإمائهم، وبعضهم من الفرس والروم وغيرهم، لم ينظر العرب إليهم وقتها إلا كمشاريع أسر وسبى واسترقاق لا حق. وهكذا تشكلت لديهم البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة لنشوء الذهنية التى أنتجت عقيدة الاستعلاء القائمة على سيادتهم وعلو كعبهم على غيرهم كعنصر، وما استتبعه من اعتقادهم بسيادة وعلو كعب مجمل معرفتهم ومنها، لغتهم العربية، وسيادتها على غيرها من اللغات. و يبدو أن مستعربى السودان، ودونما أدنى اعتبار لاختلاف الزمان والمكان والأحوال، لا يرو حتى يومنا هذا بأساً فى استبطان ذات ذهنية العرب فى جزيرتهم، ليستنتجوا فى المحصلة أوهام تفوقهم على غيرهم فى السودان، ليؤسسوا من فوق ذلك لاعتقادهم السافر بدونية هذا الغير ولغاته غير العربية، ومنها اللغة النوبية، التى لا تذكر عندهم إلا بحسبانها محض رطين، خال من أى استحقاقات اعتبار أو احترام، وبالتالى جدير وحقيق به وبحامليه طرا التسفيه والاستخفاف، على نحو ما فعل أعلاه نموذجي هذه الذهنية المستعلية.ولكن الكاتبان المحترمان ينطلقان فى إشارتيهما المار ذكرهما آنفاً، من إنكار أو إغفال عمدى أو تجاهل بلا سند لحقائق تاريخية وانثروبولوجية، دخلت التاريخ المدون منذ أمد بعيد، واستقرت فى محاضره وأضابيره وسجلاته، ولم تعد من ثم محل خلاف، ولا سبيل إلى تجاهلها أو إغفالها، دع عنك إنكارها، وهى أن السودان بشعوبه وقبائله الإفريقية القديمة، التى استوطنته واتخذت منه مقراً وموئلاً وأرضاً، قد عرف منذ فجر التاريخ، وأن لهذه الشعوب والقبائل تاريخها ولغاتها وثقافاتها وميراثها من المدنية والتطور الذى رفدت به الحضارة الإنسانية، سابقا لظهور العرب على مسرح التاريخ البشرى الفاعل والمعتد به، وقبل دخول العرب السودان بآلاف السنين. فمخطئ إذن من يظن أن تاريخ اللغات السودانية بدأ بدخول العرب، وواهم بذات القدر من يظن أن مستعر بى السودان، هم شئ آخر خلاف النتاج الطبيعي لعمليات تأقلم العرب القادمين مع بيئتهم الاجتماعية الجديدة، و الاندغام فيها فى سياق حيثيات التواؤم الطبيعي والاجتماعي مع عناصرها، وما استتبع ذلك من مد وشائج هذه العلائق إلى مكونات مستضيفيهم من كل الشعوب والقبائل السودانية الأصيلة، باختلاف مواقعها الجغرافية، وأجناسها وأعراقها ولغاتها وثقافاتها، بالمصاهرة والتزاوج والتقارب. ويحدثنا التاريخ بأن جريان هذا التمازج بين الوافدين والمقيمين، قد تم بمحض مشيئة الطرفين، وبمنتهى اليسر والسلاسة، وذلك بحكم وعيهما ضرورة متطلبات التعايش فى الموطن المشترك و ومقتضيات المصالح المشتركة والمصير المشترك. وكنا ولا زلنا نعتقد صادقين أنه أصبح فى حكم المعلوم بالضرورة للسودانيين كافة أنه، وعلى هذا النحو تشكلت إلى جانب القبائل السودانية القديمة مجموعة عرقية هجين بين تلك القبائل والعرب القادمين من جزيرتهم، هم مستعربى السودان الحاليين . وكان الراحل الدكتور محمد عبد الحي قد وصف هذا الهجين فى النموذج السنارى بالذات، المنقسم الانتماء إلى نصف لسانه ووجدانه العربي ونصفه الآخر الإفريقي، فى قصيدته سنار بقوله بأنه (يغنى بلسان ويصلى بلسان)، ليعطينا صورة دقيقة ومبدعة تعبر عن الكينونة الحقيقية لهذا المزج الانسانى المتميّز الفريد بجينات عناصر تكوينه المتنوعة الثراء. وفى تقديرى المتواضع أنه ليس ثمة وصف أدق وأبلغ وأصدق مما قال به الدكتور عبد الحي قبل حوالي أربع عقود أو يزيد فى تشخيص هذه الحالة السودانية، وما يتنازعها من انقسام وجداني عنيف إزاء تنوع مكوناته العرقية والحضارية والثقافية، الآيلة بإذن الله وعونه، وبشرط وعي خصائص تميزها هذا والاعتراف بها واحترامها، والمساواة التامة بين عناصرها، دون تمييز سالب، إلى التئام وتماسك ووحدة وإخاء وطني وانسانى مستدام. وترتيبا على ما تقدم يتضح لك أيها القارئ الكريم، أنه ليس من أغراض هذا المقال أيضاً، نفى انتساب مستعربى السودان إلى عروبتهم الجزئية هذه، وليس من مقاصده من ثم، الانتقاص ولو بمقدار حبة خردلة من إسلاميتهم وعروبتهم، أو إنكار ولو بمقدار مثقال ذرة، انتمائهم إلى الحضارة العربية – الإسلامية. بيد أن كل هذا لا ينفى الراجح والغالب الذى تؤيده وتعززه الشواهد والقرائن والأدلة الكافية والوافية، وهو أن مسألة انتمائهم للعروبة، فى واقع أمرها، هى مسألة ارتباط عميق وجذري بالحضارة العربية – الإسلامية ولغتها وثقافتها، أكثر منها انتماءاً عرقيا كما قد يظن البعض حسن النية، ويتوهم غيرهم ممن استقام لهم طريق الاستعلاء العرقي المنهي عنه دينا وخلقاً، فيفضى بهم ذلك إلى أن يتوهم المتهمون منهم ويغالى المغالون، ويشتط المشتطون، ويتعسف المتعسفون، فيذهبون بغير مقتضى أو سبب إلى إرداف زيف دعوى استعلائهم الواهم بملحقاتها المنطقية، كعلو شأن اللغة العربية و فصاحتها، فى مقابل الاستهانة والاستخفاف بلغات السكان الأصليين فى السودان قبل دخول العرب، ومنها اللغة النوبية، و العتو و التمادي فى ذلك بالقول بأن العربية هى أصل لسان السودانيين، أما ما عداها من اللغات السودانية الأصيلة فمحض رطانة وعجمة، (وكلام طير لا يصدر فى ظنهم إلا ممن حلمه فى خفة أحلام الطيور)، وما يستتبع ذلك بالضرورة، من اعتقاد واهم لدى حامليها بعلو شأنهم عن شأن حاملي غيرها من اللغات، وحقهم الطبيعي المورث ترتيبا على ذلك، فى السيادة عليهم والتحكم فى مصائرهم وسائر شئون حياتهم ومعاشهم ومعتقداتهم، ليس بالتراضي والاختيار، أو ما يعبّر عنه فى عاميتنا(بأخوي وأخوك)، وإنما بحكم خضوع الأقل شأناً لسيادة الأعلى كعبا والأكرم نسباً وشأناً، فى منظور هذه الذهنية، وإن تأبوا على ذلك الخضوع فبحد السيوف وأسنة الرماح، وإعلان الجهاد والحرب المقدسة وضرب الرقاب. أوليس هذا ما أفضى بنا، إلى ما نحن فيه من مأزق، ومخاطر محدقة بالوطن ومواطنيه، وأحال السودان إلى وطن مأزوم ينشد أهله استرداد أمنه و وتماسكه واستقراره؟؟، بعد إذ كادت أن تعصف بوحدة أرضه وشعبه، ولا تزال، دعاوى العصبية والتشدد والتزمت فى الاعتقاد والتوجه، وغلواء السعي لحمل الناس على مراعفهم على اعتقادات وتوجهات غيرهم ولو غلابا واغتصابا، مما أفضى إلى الاحتقان السياسي والاجتماعي والعرقي الذى نشهده اليوم؟؟ أوليس كل أزماتنا المزمنة والمقيمة هى حصاد سيادة الرأي الآحادى الإقصائى هذا الذى ما أنتج غير الظلم والتهميش الاقتصادي والثقافي واللغوي. ولا نخالنا نفارق حقائق التاريخ قيد أنملة، إذا قلنا أن قوام أهل السودان قبل دخول العرب هم الزنوج فى غربه وجنوبه ومناطق الانقسنا، والبجا فى شرق السودان، والنوبيون فى شماله وحتى أواسطه. وقد ساد عندهم كما عند غيرهم، الاعتقاد بأن لغتهم هى الأفصح إن لم تكن الوحيدة. وأذكر كيف كان يتملكنا العجب فى مطلع شبابنا، حين يعترض طريقنا فى أحد شوارع مدينة بور تسودان، أحد الهد ندوة، ويباغتنا باستفساره عن أمر ما ولكن بلغته الهدندوية الصرفة، وعندما نحار فى الرد عليه بسبب جهلنا بلغته، كان يفاقم ارتباكنا ويرفع من وتائر حيرتنا، برفع حاجبيه دهشة واستنكاراً، وكأنه يقول لنا ويحكم!! وهل فى هذه الأرض من يتحدث لغة غير هذه ؟؟ أو كأنه يقول هل توجد أصلاً لغة غير هذه؟؟ أما النوبيون (لمن لا يعرفون مدى اعتزازهم بأصلهم ولغتهم)، فلا يتورع بعضهم إلى يومنا هذا في وصف من لا يتحدث النوبية، بأنه فى أحسن أحواله أبكم أخرس لم يصل مرحلة النطق فى تطوره!! وإن التمسنا العذر لمثل هذه النماذج المحدودة المعرفة والإدراك، فكيف نلتمسه لمن رمانا جملة بالعجمة كالأستاذ إبراهيم إسحاق، ومن تبعه فى رمينا بها فى شخص الأستاذ مصطفى البطل، كالدكتور عبد الله حمدنا الله؟؟ وهما يعنيان كامل مدلولات اللفظة التى استعاراها من العرب الأصليين، (أصل بلاده) وليس (التايوانيين أو التقليد) من أمثال مستعربى السودان، إذا علماً بأن العرب يقصدون بالعجمة، دمغ من يتحدث لغة أخرى غير عربيتهم، باللحن وسوء التكلم بلغتهم، دون أن يفطنوا فى زمانهم ذاك إلى أن الشعوب من حولهم قد طورت لغاتها، قبل ذلك بآلاف السنين، حتى غدت صالحة لتحمل نتائج إبداعات الفكر وتدقيقاته فى أرفع مستويات تجريدها المتمثل فى علوم الرياضيات والمنطق والفلسفة، وذلك قبل أن يكتشفوا هم أن الصين ليست أقصى أقاصي الأرض، وأنها لا يفصلها من جزيرة العرب، سوى برزخ مائي صغير، لا يستغرق اجتيازه فى يومهم ذاك سوى أيام معدودات بوسائل النقل البحري التى استخدمت لتدشين عصر الاكتشافات الجغرافية العظيمة بعد ذلك بقليل، تحت سمع وبصر العرب.أما اليوم فبدوران التاريخ دورة كاملة، فقد قطعت البشرية شوطاً كبيراً فى التطور والرقى والتقدم، وأنجزت ثورة العلوم والتكنولوجيا، التى أحالت العالم إلى كوخ صغير، حقيقة لا مجازاً، دون أن يكون للعرب أى دور فيما تم إنجازه، سوى استهلاك ما ينتجه الآخرون، وتكرار ترهات اعتقادات غيبوبتهم العقلية بتفوقهم وسيادتهم على الآخرين وعلو شأن لغتهم على غيرها من لغات العجم. فلا غرو إذن والحال كهذا أن دارت على العرب ولغتهم الدوائر، فأصبحوا بمعاييرهم ذاتها أو بمعايير مستعربى السودان أنفسهم، أعجم خلق الله فى الأرض، بشهادة أن اللغة العربية لا تعتبر من اللغات الحية التى يتوسل بها الناس، فى يومنا الحاضر للتواصل أو اكتساب العلم والمعرفة. ولم تجد اعتبارا عند صنّاع أرقى وأعقد نتاج ثورة العلم والتكنولوجيا من وسائط الكمبيوتر والشبكة والدولية للمعلومات والفضائيات وغيرها، إلا بعد تغطية سوق المتحدثين بغيرها أولاً وعلى سبيل الأولوية، وإلى يومنا هذا يغلب حتى عند العرب، استخدام اللغات الأوربية لتلقى المعلومات والبيانات والرسائل المتنوعة وإنشائها وحفظها وتخزينها وتبادلها فيما ينفع الناس، بلغات مبتكري وصانعي هذه الوسائط و منتجي ما تذخر بها من العلوم والمعلومات والمعارف المتنوعة. وقد يتملكك العجب وأنت تقرأ فى المفكرات التى تصدر فى معظم دول الخليج العربي، فى خانات المعلومات والبيانات المعرفة بها، أن لغة الدولة الرسمية هى العربية، أما لغة المعاملات التجارية، ومعظم المكاتبات والمراسلات، بما فى ذلك المكاتبات الرسمية فى بعض الأحيان هى اللغة الإنجليزية. ولا تدرى بعد هذا كيف تأتى مستعربى السودان هؤلاء، أو غيرهم ولو كانوا من نجد أو تهامة، أو كان جده لأبيهم أو لأمهم (لزم) هو يعرب بن يشجب بن قحطان بذات نفسه، الجرأة على الحق، فيزعموا أن العربية هى الفصحى وحدها وما عداها فمحض عجمة، بعد أن حصحصت المعرفة الحقة التى تمكث فى الأرض، وذهب زبد جهل الاستعلاء العرقي الكاذب جفاء، حتى عند العرب الأصل ولو إلى حين. أما المتعلقون بمظنة وشبهة النسب، فيكفيهم خسرانا وعورة مسلك التعلق بمحض الظنون والشبهات، والتعويل على ترهات ما يعتقد به المشتبه الظان والزاعم، فالعبرة دائما ليست بالظنون والشبهات، بل بما يراه العرب الأصل على وجه اليقين، ويقينهم الذى لا يتطرق إليه الشك هو، فيما نعلم ويعلمون، أن كل ما ليس من البيضان هو من السودان" ومصدر التسمية من سواد الأدمة"، وبالتالى فكل من هو من السودان، فـ (صابون) فى نظرهم من حيث عدم عروبته الخالصة وأعجمي من حيث اللغة، بذات معايير مستعربى السودان، ولو كان بفصاحة الأحنف بن قيس فى رأيهم، أو كان بعلم سيبويه وشاعرية وفلسفة (جد عموم العجم) أبى تمام بمعيار الدكتور حمدنا الله. وصفوة القول أنه لا فرق فى نظر العرب الأصل، بين نوبيي ونوباويى ودينكاويى وفوراويى السودان وغيرهم من مستعر بيه، ونحمد الله، حمداً كثيراً، أن قد وحدت بيننا نظرة العرب الأصل بقرينة سودانيتنا وعدم تمايزنا من حيث الأصل على الأقل !! فمتى يفهم هجائن السودان ومهاجينه من مستعر بيه (التايوانيين) الكلام؟؟ ومتى يستبين هؤلاء الغالية أنهم نتاج التمازج والتزاوج بين العرب الوافدين والقبائل الإفريقية الأصيلة فى السودان، ومتى يدركون أن ليس فيهم فى الغالب من عروبة النسب شئ يؤبه له، ومن فيه شئ من حتى تلك يغلب عليه العرق والدم الإفريقي، بقرينة سماتهم وتقاطيعهم وألوان بشرتهم ولغاتهم التى تقرع بإفريقيتها كل من الآذان والأبصار، ومتى يدركون أن ليس فى سودانيتنا وإفريقيتنا ما يعيب أو يشين الأسوياء، وأننا حقيقون بالفخر بها أشد الفخر، والاعتزاز بها أعظم الاعتزاز، وما من شئ، سوى عقدة النقص يجعل غيرنا يكاد ينكر ذلك إنكارا تاما ويعمد تحايلاً إلى لواذ بائس يائس، من كل هذه القرائن والفرار منها فرار السليم من الأجرب، وكأنها سبة أو فيها ما ينقص، ليدّعوا بالمقابل لأنفسهم واشجة نسب واهمة بقبائل الجزيرة العربية، ولعمري أنه إدعاء هو العوار والفساد والبطلان المطلق بذاته وصفاته، هذا الذى جعل العالم من حولنا يضرب كفا بكف فى دهشة واستغراب عندما استبان له أن الذين يقاتلون الأفارقة من سكان دارفور، والمتهمين بشن حرب إبادة وتصفية عرقية لا يختلفون فى أعراقهم مثقال خردلة عن ضحاياهم، ومصدر الاستغراب هو إدعاء المتهمين بعروبتهم، وزعمهم المفضوح بأنهم شئ، وقبائل دارفور الإفريقية شئ آخر، فينظر العالم إلى بعض المتهمين المطلوبين للعدالة الدولية، ولا يكاد يصدق ما ترى عيناه، من فرط غرابة ومفارقة ولا معقولية ما يتبدى له من مشهد!!ولما لم يجد مستعربو السودان هؤلاء، فى عرقهم، ما يصلح برهانا لحملهم العروبى الكاذب هذا، انبثوا زرافات ووحدانا فى تبنى دعاوى الأصل العربي الخالص للثقافة السودانية المعبر عنها باللغة العربية الأفصح من كل بد، أما فى ميدان الصراع الاجتماعي، فقد اتخذوا من التطرف فى دعاوى القومية العربية الاسلاموية السياسية، حصان طروادة الذى يحملهم إلى سدة الحكم، واشتطوا فى دعاويهم البهتان تلك أيما شطط، وأسرفوا فى التطرف بها ، وأوغلوا فى عسف عصبيتهم الزائفة. حتى أوردوا البلاد والعباد موارد التهلكة وفى اعتقادي أنه لا يفعل أحد ما فعله الغالية هؤلاء ببلدهم وأهلهم إلا أن يكونوا قوما مصابون بنوع من انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا)، ومن أعراض هذا المرض أن يرى المصاب نفسه بغير حقيقتها، ولكن العبرة دائما ليست بما تراه أنت، بل بما يراه الناس من حولك! لا سيما إذا كنت بهذه الدرجة من الخبال العقلي، والتوهم الوسواسى، عديم التطابق والواقع المعاش. ورحم الله المتنبئ القائل: و من جهلت نفسه قدره يرى غيره منه ما لا يرىيقول الأستاذ كمال الجزولى فى مقال مأزق الهجنة والاستعراب، "16 ديسمبر 2004م"،: ( وفى هذا الاتجاه يكشف الكثير من الباحثين عن الوضعية المقلوبة التى تنزع لتوهم "نقاء" العرق العربي وكذا اللغة والثقافة، والتي استقبل بها مستعربو البلاد، "الجلابة" منهم بالأخص، صورة الوطن ومعنى الوطنية والمواطنة، بالمفارقة لحقائق الهجنة التى ترتبت على خمس قرون – بين التاسع والرابع عشر – من اختلاط الدماء العربية الوافدة بالدماء المحلية النوبية والبجاوية والزنجية، وإن بشكل متفاوت. وتشهد سلاسل الأنساب وأشجارها، وجلها مختلق، على ما أهدر الجلابة من جهد ووقت وعاطفة، فى تنقية أصولهم من العنصر المحلى، وإرجاعها، ليس فقط لأعرق الأنساب العربية فى قريش، بل وإلى بيت النبوة نفسه!وفى سعيهم لتفسير الظاهرة من منطلقات معرفية مختلفة، أحالها بعض هؤلاء الباحثين إلى مجرّد جهل، "يوسف فضل، 1875م"، بينما نسبها البعض الآخر إلى ما أسماه "بأيديولوجية الأصالة"، مجترحا مقاربتها من بوابة علم النفس الإكلينيكي، بإحالتها إلى مجرّد "عقدة نقص" مزمنة تجاه الوضعية التراتبية لأصول المصادر فى الثقافي العربية الإسلامية، "أبكر آدم اسماعيل، 1999م). فى مسقط عاصمة سلطنة عمان بعد طول افتراق، التقيت صديقي العزيز وزميل الدراسة والمهنة ابن الجنوب الحبيب الأستاذ المحامى باولينو، وفى سياق اجترار ذكريات الجامعة، جاء ذكر أحد أصدقائي من أبناء الشمال، فلم يتذكره الصديق باولينو، فبدأت فى وصفه له لإنعاش ذاكرته علّه يتذكره، وعندما قلت له فيما قلت أنه أخضر اللون، حدجنى بنظرة ماكرة، وقال: (يا أمين ما فى زول لونه أخضر، يعنى عشان ما تقول أسود؟؟)، ولباولينو هذا تعليق طريف على دعاوى العروبة فى السودان، فهو يقول إدعاء العروبة فى السودان لا يعدو كونه مسألة خيار مطلق للمدعى! (To be an Arab in the Sudan is a matter of a mere option)، وفى هذا المعنى أو نحوه كان راديو الحركة الشعبية لتحرير السودان، يصف بعض الجنوبيين المنتمين إلى الجبهة الإسلامية، بأنهم يتوهمون بأن محض الانتماء إلى الجبهة الإسلامية سيجعل منهم عرباً.ولا تفوتني فى هذه المناسبة المزحة التى أطلقها الراحل القائد العظيم جون قرنق، عندما فوجئ بأفارقة الجبهة الإسلامية، يتصدرون أحد وفود المفاوضات الأولى، إليهم فى جولة من جولاتها، فسماهم بالاسم ثم داعبهم قائلا أنتم مثلنا بالتمام والكمال، والفرق بيننا وبينكم يكمن فقط فى أنكم لا تعون قضيتكم كما ينبغي، فأين من يدعون العروبة من الشماليين؟؟ وكم كان سخي النفس كريم العطاء وهو يخلع من صفاته ورهطه، على من ظنوا أن الإفريقية شانئة وسبة تستدعى التنكر والإنكار، فأغدق عليهم ما تقاصرت هممهم من نيله من تشبيه، وتقازمت قاماتهم من استحقاقه من تماثل.النوبيون الذين يتطاول عليهم رموز مستعر بى السودان، ويستقل لغتهم ويبخسها ظلماً، من أسرفنا فى حسن الظن بهم، كالدكتور حمدنا الله والأستاذ ابراهيم إسحاق، هم (ولمن لا يعرف تاريخهم)، أهل مجد باذخ، بل بناة حضارة تمتد فى التاريخ آلاف السنين قبل ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام، وحضاراتهم هذه من أقدم حضارات الجنس البشرى التى عرفها التاريخ، وسبقت الأديان السماوية والتي كان آخرها وخاتمتها الرسالة المحمدية التى وحدت العرب،على هدى الوحي السماوي، وتعاليم الرسول الخاتم، فدخل العرب تاريخ البشر فى القرن السادس الميلادي، بفضل الإسلام، أما قبل ذلك فكانوا محض قبائل بدائية عرفت بوأد فتياتها خوف الإملاق والرزيلة، وكفى بذلك تخلفا وعارا استحقوا عليه التوبيخ القرآني. كما عرفت هذه القبائل فى جاهليتها الجهلاء، باحتراف القتل والسبي والعيش على الفيء والغنيمة، فكانت تتقاتل حتى تكاد تفنى بعضها البعض، لأجل امرأة أو ناقة أو ما شابه، ولم يكن اسم العرب وقتها شيئا مذكورا. أما النوبيون فقد ذاع ذكرهم فى تاريخ البشرية، وأقاموا ممالك كوش ونبتة وكرمة، أقدم حضارات وادي النيل، بمئات القرون، قبل بزوغ فجر التوحيد والرسالات السماوية، فى جزيرة العرب، واستمرت مملكة النوبة المسيحية، وهى آخر ممالكهم فى السودان، حتى القرن السابع الميلادي، حيث اضمحلت سلما وتراضيا، بعد دخول العرب السودان بموجب اتفاقية البقط. وقد شغل النوبيون العالم بتاريخهم هذا منذ قديم الزمان شغلاً مستمرا إلى يوم الناس هذا، ولا تزال إنجازاتهم العظيمة وآثارهم التليدة، ومن ضمنها لغتهم المكتوبة، طلاسم و ألغاز تنتظر من يفك طلاسمها. ويقال أن اليونانيين القدماء هم من أطلقوا اسم كوش على المملكة النوبية القديمة، وتعنى بلاد السود، وتتكون فى اليونانية من مقطعين أولهما "كآ" وتعنى بلاد، وثانيهما "أووش" وتعنى السود، وربما كانت هذه الكلمة مصدر لفظة "أوشّى" النوبية، وتعنى الأسود وليس العبد كما يسود الاعتقاد، وكذلك مصدر كلمة "اييقوش" النوبية ومعناها الظلام. فاللغات المختلفة والمتعددة نوعاً تتحد وتلتقي وتتقاطع فى فروع وأصول مشتركة، وتتبادل التأثير والتأثر فى سياق تطورها الجدلي، فتتخصّب وتغتني ، وترفد بعضها بعضا بمفردات، وصيغ وتعابير ومعانى. ويرجح علماء التاريخ والآثار اليوم نظرية، قيد التحقيق والتثبت، مفادها أن أصل حضارة وادي النيل، هى حضارة النوبيين، فإلى جانب أمارات ودلائل أخرى يعتمد هذا الرأي على وجود النماذج الصغيرة للأهرامات والتماثيل المشابهة والمقاربة لشكل أبى الهول فى جنوب الوادي، بينما توجد الكبيرة منها فى شماله، مما يستشف منه أن النماذج الصغيرة فى جنوب الوادي، كانت عبارة عن بروفة لبناء الأهرامات وأبى الهول، فى شمال الوادي، وعلى كل فالحرب على هذا الرأي يشتد أوارها، كما تتعرض نتائج دراسات القائلين به لتعتيم اعلامى شديد. ولئن كان من مآثر الفرعون مينا توحيده لمصر، فإن بعانخى وترهاقا هما من وحدا كل وادي النيل وقتها فى مملكة امتدت حدودها حتى فلسطين. لذا فلا غرو إذن أن ينكب أصحاب الحضارات الجديدة والمعاصرة، فى أوربا وأمريكا وغيرها، اليوم علي آثار النوبيين وحضاراتهم التليدة، بوعي سديد وبصيرة نافذة، ويتوفرون عليها بالدراسة والبحث والتدقيق فى آثارها، لاكتشاف كنوز منجزاتها المادية والمعنوية، التى رفدت بها تاريخ الحضارة الإنسانية، ومن ضمنها لغتها النوبية، التى يوصمها مستعربو السودان بالعجمة، بينما تخضعها أعرق جامعات العالم للبحث والدراسة والتقصي والتدقيق، وبلغاتها الحية من انجليزية وفرنسية وألمانية وإيطالية ...الخ. وفى تقديرنا أن من يصف لغة مثل هؤلاء القوم، بناة أقدم حضارات الإنسان بالعجمة، لا يستحق إلا الرثاء لحاله والدعوة الخالصة له بالشفاء برد غربته الذهنية. وعلى ذكر (سلبطة) النوبيين على وجوه الإحسان طراً واحتكاره لبنى جلدتهم، دون غيرهم ظلما وعدواناً، على حد زعم الدكتور عبد الله حمدنا الله، فيأخى البطل لا تحزن، إن نكص الدكتور على أعقابه، وحجب عنك باليمين ما تكرم به عليك باليسار، فقد والله رأيته وسمعته مشاركاً فى لقاء تلفزيوني في أو حوالي بداية هذه الألفية، وكان مدار الحديث فيه ، عن محلية الأغنية السودانية، وما يجب فعله لإكسابها صفة العالمية، وفى ذاك اللقاء نصّب الدكتور حمدنا الله، الأستاذ الوردي فناناَ أولاَ ليس لعموم السودان فحسب، بل لعموم أفريقيا، ولم يرسل شهادته هذه، على سبيل القول المرسل بغير دليل ، بل عززها بالأدلة والبراهين والبينات القاطعة، وقد أطنب فى عرضها وكان مقال الدكتور عبد الله رصينا ومنصفاّ لفن الغناء السوداني ولرائد من رواده المجددين، وأذكر أنه قال محقا، فى سياق التدليل لرأيه، أنه يستحيل عليك أن تقطع بضعة كيلومترات فى أى جزء من إفريقيا دون أن تأتى على قوم يتحلقون حول جهاز تسجيل أو نحوه ويستمعون إلى الأستاذ وردى.ولكن الدكتور حمدنا الله ما لبث أن عاد القهقرى، ونكص على عقبيه، وتصدر حملة شرسة علي الأستاذ وردى، فى ملابسات تكريمه الأخير على يد لجنة ترأسها الاعلامى الراحل حسن ساتى، ولكن أمر الدكتور فى حملته هذه كان عجبا فقد كان كمن يظهر الإعجاب بإبداع وردى، بينما يضمر تصفية حسابات فكرية وسياسية معه ومع من ينتمي إليه، ومن ثم مع تاريخه جملة واحدة. فبدا كأنه يريد مقايضة ما أظهر من إعجاب، بما أضمرهـ من حرب، دون أدنى انتباهـ إلى كساد بضاعته وبوارها، فإعجابه بإبداع الأستاذ الوردي لا يصلح كمقابل فى المقايضة، التى انتواها الدكتور، حتى إذا تجاوزنا عن خطلها وبؤس فكرتها، وذلك لسبب بسيط هو أن فضل الدكتور فى الإعجاب بإبداع وردى لا يزيد، بمقدار خردله عن فضل من جردهـ المتنبي من فضل فعله بقوله:


    ومن ينفق الساعات فى جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر



    وعلى ذلك يمكن التصرف فى بيت المتنبئ فنقول:



    من ينفق الساعات فى مدح ورده مخافة لوم فالذي فعل الورد


    فالذي أبدع هو الوردي، كما يحلو للأستاذ محمد المكي إبراهيم تسميته، فماذا فعل الدكتور حمدنا الله؟وأكثر ما امضّنى فى حملته على وردى، ترداده لنغمة مستهلكة ظل يلوكها ويكرر تردادها خصومه الذين يناصبونه العداء على أسس فكرية وسياسية محضة، ويروجونها دون ملل أو كلل، فى سعيهم العاطل لتجريده مما أحرزه باستحقاق من حب الناس له والتفافهم حوله، وانتهى به الأمر إلى القول بأنه غنى لكل حكم شمولي!! ولكن الجميع بما فيهم الدكتور حمدنا الله يعرف أن وردى الذى ظن خيرا كغيره، بجماعة 17 نوفمبر، وبما طرحه انقلابيو 25 مايو من شعارات عاد وخاض نضالا شرسا ضدهما ودفع ثمن مواقفه تلك باستقامة وعن طيب خاطر، وربما كان ذلك هو سبب حنق خصومه عليه. للدكتور حمدنا الله والأستاذ إبراهيم إسحاق إسهاماتهما المقدرة كل فى مجال تخصصه، وأقرأ لهما بشغف و تقدير بالغ، كل ما يقع عليه بصري من تلك الإسهامات، غير أن هذا لا يمنع أن أذكر الدكتور حمدنا الله، بأن للمجتمع على مثقفيه دين وحقوق واجبة الأداء مستحقة الدفع (على دائر المليم) لا تنقص خردله أو فلسا، وفى مقدمتها الصدح بقول الحق فى وجه سلطان جائر وحاكم مستبد ظالم، وهى حقوق تؤدى على سبيل الأولوية مقدمة على ما عداها، ولا يجوز جحدها أو حتى مطلها، ويعتبر المثقف الذى يماطل فى أداء هذا الدين المستحق لمجتمعه فى أحسن الفروض متواطئا بالصمت إن لم يكن بالعمل مع السلطان الجائر والحاكم المستبد. وطالما أراد الكاتب المعنى الذى أراده المتنبي بزق الرياح، فى وصف كافور، فان كثيراَ من الناس قد ضلوا بمحض رياح دون زق، ممن يصدق عليهم كل ما قاله الإمام على:"كرم الله وجهه" فى حق رموز سلطة تجّار بني أمية، معاوية وعمرو بن العاص. أما وقد لفت البطل نظرنا إلى ما كان غائبا عن وعينا، وكشف لنا عن وشائجه الواشجة بإخوته الحاكمين، فماذا كان حظ الدكتور حمدنا الله، فلنقل من محض إخوته فى الله مجرد النصح، دعك من المقاومة أو المجاهرة بقول الحق، وهو واجب ديني ليس من شروط تأديته أن تكون سياسيا صرفاً. وأختم بالقول بأنه واهم من يظن فى هذا العصر أن مهمة المثقفين تنحصر فقط فى إصدار الإدانات لطغاة العصور الماضية، فموتى التاريخ، فراعنة كانوا أم خلافهم، هم وطواحين الهواء سواء بسواء، ولا طائل من وراء مبارزتهم وقتالهم، اللهم إلا إذا كان الغرض من افتعال مثل هذه المعارك الدونكيشوتية، هو صرف النظر وغض الطرف أو خفضه حياء عن مواجهة الطغاة المعاصرين، والماثلين أمامنا "كعورة عمرو بن العاص تقبح وجه التاريخ"، فى وصف سائغ وسديد للشاعر مظفر النواب. لأن منطق الاستقامة على طريق الحق، والصدق مع النفس والآخرين، يفرض علي من يريد إدانة طغاة التاريخ القديم، أن يصدح أولا وقبل كل شئ، بقولة الحق فى وجوهـ معاصريه من الطغاة والجبابرة والمستبدين.


    العجمي المفتقر إلى فصاحة بني يعرب.



    أمين محمّد إبراهيم


    المحامى.








    نقلا عن سودانايل










                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de