|
قمة احلام الرجال صديق مثل جسي
|
Quote:
وافق صديقي الأمريكي ( جيسي) على مساعدتي اخيرا، و بدأ في التدرب على أداء الدور الذي رسمته له بصورة يومية، بدأنا بشراء الثياب التنكرية من سوق الملابس المستعملة في ( ألن تاون رود)، بذلة سوداء لعل صاحبها كان سفيرا ، أو قسيس او استاذ جامعي، و حذاء ( بوسطونيان ) على مقاسه او اوسع قليلا، ربطة عنق و حمالات بنطال كلاسيكية، موشاة برسومات قوطية، و من دكان الرهائن، اشترينا بطاقة رسمية من الجلد الأسود، تتوسطها قطعة من النحاس المحفور على هيئة صقر و شعار فيدرالي عنيد، كانت مزيفة ، و لكنها كافية للوفاء بالغرض.
( جيسي) صديقي، رجل ابيض في منتصف العمر، مديد شديد، تقاطيعه مطمئنة، تدل على نزاهة و مكر في آن معا، يعمل في تنظيف حدائق البيوت ، و المداخن و عديد من أعمال الصيانة، تنتشر على أفق شعره الأسود اسلاك فضية رفيعة ناعمة، طيب يعشق البيرة ولعبة ( البولينغ) في الأمسيات، مطلق، يسكن لوحده، تزوره ابنته الوحيدة في عطلة الجامعة في الصيف، سعيد بحريته، ولكنه لا يخفي اشفاقه على حال اصدقائه و خاصة المتزوجين منهم، دائما ما يتدخل لفض النزاعات، يصلح الشقاق حتى وان لم يطلب منه أحد التدخل، بيد انني طلبت منه ذلك، و عرضت عليه مشكلتي و خطتي الجهنمية لعلاجها، فقبل مساعدتي بعد تردد لم يطل قائلا ( وت ذي هيل).
في الصباح الباكر، ارتدى ( جيسي) بذلته السواء، و حذاءه الجديد العتيق، وضع نظاراته الشمسية بأحكام، صفف شعره، و استأجر سيارة ( تاون كار) سوداء، و عطف في طريقه على المدرسة التي تعمل فيها زوجتي، كنت قد غذيته بما يحتاجه من معلومات، راجعنا كل التفاصيل بدقة و حذر في الليلة التي سبقت نهار المؤامرة، تحسبا للمفاجآت، فبدا كل شيء على ما يرام.
في مكتب الأستقبال، التقت به زوجتي بعد سماعها اسمها يتردد في ابهاء المبنى عبر الميكرفونات، أتت في عجل كعادتها، تدق الأرض بخطواتها دقا، لتجد السيد ( جيسي) في انتظارها متنكرا، سالته في لهفة أن كان الأمر يتعلق بأحد ابنائها، فأجاب محركا راسه بالنفي و هو يمد يده بالمصافحة، طلب منها أن تصحبه الى الخارج، و هنالك اتكأ بظهره على ( التاون كار) السوداء، فاكتسب سواد بذلته بعدا رسميا جديدا، سألته عني دون أن يبدو عليها الأنزعاج هذه المرة، و اضافت ( كنت متوقعاكم تسجنو من زمان)، و لكنه خيب ظنها هذه المرة ايضا، ثم ابتدرها قائلا ( السيدة ( اميرة) ، اعرفك بنفسي اولا، اسمي ( روبرت ماكلوفلين)، صفتي رئيس مكتب العلاقات الأسرية بوكالة المخابرات الأمريكية – سي-آى-أيه، و قد تتعجبين لمجيئي لمقابلتك في مكان عملك، و لكن لن يطول عجبك اذا أخبرتك بأن زوجك عميل لدينا بالوكالة، منذ سبعة عشر عاما، هي عمر زواجكما على ما اظن، اتسعت عينا ( اميرة) بالدهشة، و همهمت بكلام مختلط ، ذكرت الكلب و الجحيم و اشياء اخرى و امي، و هنا اعترضها ( مستر ماكلوفلين) قائلا (أنا سعيد جدا بأنه لم يطلعك على طبيعة عمله الحقيقي، و قد يساعدك أعترافي هذا على ايجاد تفسير لكثير من تصرفاته المريبة) ، تنفست ( اميرة) الصعداء وهي في موقف عدم التصديق، اختلجت مشاعرها فلم تقو على أخفاء حيرتها، بينما واصل ( جيسي) حديثه مكتسبا ثقة لا حدود لها، مواصلا في كذبه دون وازع ( زوجك يا سيدتي، مسؤلنا الأول في مناطق قرن و يلملم و جحفة و عرق، و نيسابور)، وأضاف ( و الآن نعد الى سبب زيارتي) ، قاطعته بقولها ( هل هو بخير)، ( هو بخير) أجابها ( و لعله الآن في هاواى في زيارة سريعة لقضاء مهمة عاجلة، و قد يعود في المساء و يحدثك بأنه كان مع صديقه كمال طيفور، لأداء واجبات عزاء في ريستون، نحن في الوكالة نهتم بصحة عملاءنا النفسية و الجسدية، نراقبهم و نراقب الناس اللصيقين بهم ، و أفراد اسرتهم، و نركز على سلوك زوجاتهم بالتحديد) شهقت زوجتي من الرعب ، و هاجمتها الكوابيس النهارية، و همت بالأعتراف بما لا يجوز ذكره، و الأعتذار، اغرى فزعها ( جيسي) بالخروج عن النص و فتح ثغرة لتلقي الشمار،و لكنه عاد الى النص الأصلي موصدا الباب في وجه فضوله العنيد، عاد الى حديثه عاقدا ما بين حاجبيه ( و قد صبرنا كثيرا على صنوف العذاب و النقة غير المبررة التي يتعرض اليها عميلنا الجليل على يديك، كل يوم من ايام الأسبوع، صباحا و عشية، و شهدنا في صبر و تأثر، كيف اثرت هذه النقة المتصلة على ادائه المتميز، مما اضر ضررا فادحا بمصالح البلاد العليا و سلامة المواطنين، و لم يعد الوضع يحتمل السكوت عليه، فأجبرنا تحت ضغط ( ابو كبير)، و بعد مشاهدة افلام ثلاثين كاميرا منصوبة في منزلكم، و سبعين جهازا لألتقاط الأصوات و تسجيلها، اتضح لنا انه لا مفر من التعامل معك باعتبارك عدوا للشعب من الدرجة الأولى، و قد انزعجنا في الوكالة من محاولاتك المتعددة لأغتيال هذا الرجل، مرة بصب الصبغة في شاى الصباح، و مد سلك الكهربا ( العريان) في حوض استحمامه، و قد قمنا بأفشال كل هذه المحاولات كما ترين، بأعلامه قبل أن يقع الفاس في الراس، وقد تجدين جوابا على تساؤلاتك عمن افشل هذه الخطط، و الكف عن القاء اللوم على اخته و اولياء الله الصالحين في بلاده).
شهقت اميرة مرة أخرى و هزت رأسها تعجبا و استسلاما ( كان بأمكاننا الزج بك في السجن، او ايداعك بين أسوار غوانتانامو، حتى تتعلمي معني الحياة الزوجية الحقة، و بالمناسبة فأن الحسان اللاتي يحادثهن زوجك بأستمرار، لسن سوى طاقم واكسسوار، مثلما يحدث في افلام بوند، كل ذلك حتى نموه على الأعداء بتبيانه في مظهر الرجل السفيه ، غير المسئول، لا اكثر ولا اقل) و هنا قاطعته اميرة( حتى بسينة؟؟)، فأجابابها في ثقة ( بسينة زاتا).
و في ختام لقاءه و قبل أن ينصرف، حذرها من مغبة أن يعلم اى أحد عن ذلك اللقاء ووقائعه ، لما في ذلك من عواقب وخيمة، علينا و على اطفالنا، و على امن و سلامة الوطن.
عدت كعادتي مساء ذلك اليوم، فتلقاني صبيتي عند الباب صائحين ( جبتا الحاجات..جبتا الحاجات؟؟)، أحتضنتهم في فرح مخابراتي حازم، و أومأت لزوجتي بالتحية المقتضبة، كانت ترغي على الهاتف، مع اختها حسب ظني، حيث انها قامت بقطع المكالمة دون وداع، و أظنني رأيتها و هي تمسح السقف و الأركان بعينيها بحثا عن أجهزة الترصد دون جدوى، حيتني في رقة طال عهدي بسماعها، سالتني في رفق بلاستيكي شفاف ( اتأخرت كده مالك الليلة؟؟ ضربت ليك ما رديت!!)، لم اتوان عن أجابتها بما اتفقت عليه مع ( جيسي) (مشيت مع ناس كمال طيفور لبيت بكا في ريستون)، بدت بيارق النصر في عينيها، و ابتسامة مبتسرة ، طنطنت ( بى ياتو خطوط؟؟ الفرنسية؟؟ ) ثم بالصوت العالي (مشيتو بي شنو)، تظاهرت بعدم سماعي للطنطنة، و اجبت ( بالمترو)، و لم تكن تعلم أن المترو لا يمر بريستون.
عادت ايام العسل، و سنوات التشيز كيك، تغيرت لغة زوجتي الى لغة العشق الأولى، و اتخذت موقعها في طابية ( انا راجلي ما برضى فيهو و لا كلمة)، و توافقا مع فكرة عملي فقد اصبح كل سائقي التاكسي من الشرق الأوسط مجرد ارهابيين، و تحول زعيق الصباح حول فراشي الى همس رقيق ( امشو برة يا اولاد ابوكم نائم تعبان يا حليلو، انتو ما عارفين حاجة ساكت)، ثم قبلة على خدي، و في نصف اغماضتي ، رأيتها و هي تتأملني في وله و أعجاب، فكأنما وجهي لم يعد مثل (البونية) كما كانت تطلق عليه في الأسابيع الماضية ( انا ما اخترتك ساكت ، من زمان عارفاك ما هين...هسة لكن يقشرو بيك كيف؟؟).
توالت الأيام، و قضت زوجتي كثيرا من مشاويرها دون أن تدفع اجرا لسائقي التاكسي من فقراء البنغال و الأفغان، و صارت كلما تحدثت الى صديقاتها، تختم حديثها بجملة (عندنا ناس ما تخافي، مش القرين ده بنحرك ليك الكيس، يجيبو ليك في خشم بابك)، و لكنها رغما عن تحذيرات ( جيسي) بتحري السرية، فأنها لم تكف لحظة عن تعليق الطعم في وجهي ( و الله مرات كده، انت بتكون غامض خلاص، ده العاجبني فيك بالمناسبة)، أو (البلد دي الزول ما يضمن يكونوا مركبين ليهومكرفون في الحمام، الخوف كاميرا في اوضة النوم، ياب شرا).
و في شهور قليلات، اتسعت دائرة الأحترام، فشملت كثيرا من الأسر و أفراد الجالية، ما حللت بتجمع أو منشط عام، الا و انحسر( فوليوم) اللغط حتى قارب الصفر، الا و رافقتني نظرات الحسان حتى مقعدي، سعدت بتحلق القوم حولي بنظراتهم الواجفة، و تذكير بعضهم لى ( يا حليل الدويم و ايام الدويم)، بالرغم من انني لست من الدويم.
و اتى صباح ايقظتني فيه زوجتي من النوم في عجلة، و قالت و رنة الفخر تعلو صوتها، بأن جماعة من ناشطي المناطق المنكوبة ببلادنا يودون مقابلتي، قمت على ( مهلي و اقل من مهلي)، قابلتهم في صالون البيت، فبادر زعيمهم بالأعتذار (و الله نحنا البيت كان ما بيتنا ما بنجيك توش كدة)، طمأنته بهزة من راسي ، فمضى يقول ( جايينك نوضح ليك حاجة، نحنا و الله والله والله ، القروش حقت الأغاثة دي بنرسلا اول بأول، شوف، الشفافية دي نحنا لو كانت ملاح ما بناكل غيرها، ما تشوف البيوت الأشتريناها دي ، و الله كلها من قروش الديليفري)، و في ختام الأجتماع قال رئيسهم ( و الله نحنا ما سمعنا من الزول الأسمو حسين ده، لكن عارفين بوضعك ده من زمان، فياخي شوف لينا جماعتك ديل يسهلو لينا ورق الكونتينرات ديل).
و في مساء ذلك اليوم، اتصل بى السيد ( هاشم الحسن) قائلا (يا خي القاش ده جنن اهلنا، شوف جماعتك ديل يمسحوهو ولا ينقلو نا س غرب القاش ديل لجبيت) ، أما عبد المنعم الجزولي اللدود، فقد توقف عن مغالطتي المزمنة، و بلغني عنه انه قال( هو قطع شك في المخابرات، مافي ا تنين تلاتة، صاحبي و بعرفو، جندوه قدامي في الحلفاية من زمان، لكن ما تسمعو كلام انو عب كبير و بتاع، مشغلنو صبي طباخ، و في احتمال ينقلوهو يلملم).
تماديت في العسل و غوايته، حتى صدقت نفسي، ازدادت ثقتي بنفسي و أنا اشهد زوجتي تتحدث بالصوت العالي و كأنها قد اهتدت الى مواقع الكاميرات الوهمية، فتصيح بافادتها ( اها قصرنا معاهو في شي؟؟ )، يعقب ذلك سقوطها جثة هامدة على السرير و سرعان ما يملأ صوت غطيطها المكان.
و أتى اليوم الذي لم تقدر فيه مفاصل صبرها على الصمود، فصارحتني بقولها ( عارف..انت وكت اصلك بتصل لغاية يلملم..ما تغشى بالمرة عمي عوض الكريم في ابها و تجيب لى دهب من هناك)
فأسقط في يدي. |
كوابيس نهارية
|
|
|
|
|
|