|
تشاؤم ..عثمان ميرغنى
|
بيان.. ونواصل المسلسل..!! الذي يقرأ اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية الذي خلصت اليه مفاوضات «نيفاشا» يحتار لماذا أخذت هذه المفاوضات في هذه الجولة والجولات السابقة كل هذا الزمن.. فهل كانت الحركة الشعبية تطلب أكثر مما هو مكتوب في هذا الاتفاق؟؟ ربما يكون البند الوحيد الذي تبدو فيه ملامح المجهود الحكومى هو تمديد فترة خفض عدد القوات الحكومية في جنوب السودان «الى لواءين في القوات المشتركة» لمدة عامين ونصف العام.. لكن سوى ذلك فكل ما في الاتفاق ربما أعطى الحركة الشعبية أكثر مما حصلت عليه في وثيقة «ناكورو» الشهيرة..
ومع ذلك صدقوني لا حرج ولا ضير.. فلتُعط الحركة الشعبية كل شيء وليُترك مصير الجنوب تماماً في يد الجنوبيين ان جذبتهم الوحدة أتوها بمحض اختيارهم لا بعدد الجيش الحكومي المسيطر على الأوضاع هناك.. وإن لم يرغبوا فيها تصبح الخيارات الأخرى «مدنية» الى آخر مدى.. ليس فيها عنف ثورى أو مخاضات دماء جديدة..!!
الوضع العسكرى الذي انتهت اليه الترتيبات الأمنية والعسكرية يتيح لجون قرنق إذا أراد الإنفصال أن لا يفعل أكثر من بيان صغير يذيعه في التلفزيون في الفاصل الإعلاني في منتصف المسلسل العربى ثم يواصل بث برامجه كأن شيئاً لم يكن.. أشبه بما حدث في ليلة الرابع من رمضان «12 ديسمبر 1999م» عندما قطع التلفزيون برامجه ليذيع الرئيس البشير بيانه التاريخي الذي حل به المجلس الوطني وأعلن حالة الطواريء وأزاح د. الترابي من سلطانه.. وعادت برامج التلفزيون بعد البيان وكأن شيئاً لم يكن.. ولم يعلن حظر تجول ولم يستنفر جندى واحد ولم تقم متاريس للتفتيش كانت الحياة هادئة «جداً»..
Email: [email protected]
يستطيع جون قرنق قراءة بيان الانفصال بعد عامين ونصف العام «أو ربما قبلها بقليل اذا استبطأ تخفيض القوات الحكومية».. ولن يكون مطلوب منه بعد ذلك إلا ترتيبات سهلة وسريعة لإعادة اللواءين الحكوميين الى الخرطوم.. بل ربما يطلب بقاءهما قليلاً كقوات «أجنبية» شقيقة لمساعدته في حفظ الأمن لحين استقرار الأوضاع تحت يديه..
من الحكمة ان يدرك الجميع في الجنوب والشمال ان فترة السنوات الست الانتقالية هي السقف الأعلى الذي بعده يتقرر مصير السودان.. وطن أو وطنان.. لكن ذلك يتم وفق اتفاقية السلام وهي ورقة ممهورة بالتوقيعات وربما تحرسها ضمانات دولية لكن في المقابل فإن هناك ما يسمى بالأمر الواقع الذي تفرضه الظروف اذا أصبحت أقوى من النظرية المكتوبة.. وخلال عامين ونصف العام بعد اتفاق السلام اذا اتضح ان اتجاه الريح يهب قوياً في اتجاه الانفصال فصدقوني لن ينتظر الجنوب سقوط الثمرة بفعل الجاذبية طالما بالإمكان قطفها باليد..
وهذا الوضع لا عيب فيه على الإطلاق بل هو عين الصواب.. ان تجرد معادلة البقاء في وطن او الذهاب في وطنين من أية فرضيات بالقوة.. ويترك الأمر الى آخر مدى في كنف الصلات الطيبة بين الشمال والجنوب.. وفي كنف المؤسسات الحاكمة ان تكون حكيمة لتجعل الوحدة خياراً يصر عليه أبناء الوطن الواحد في الشمال والجنوب..
وكما «لا إكراه في الدين».. فلا اكراه في الوطن..!!
لكن فقط يحيرني أمر واحد.. لماذا استغرق الطرفان كل هذا الوقت للوصول الى هذا الاتفاق الذي لم يكن بحاجة إلى أكثر من الوقت الذي تكتبه الحركة الشعبية وتوقع عليه الحكومة..!! ©جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع صحيفة الراي العام 2003 Copyright © 2003 AL RAYAAM NEWSPAPER. All rights reserved
|
|
|
|
|
|