كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
الصعود إلى دم الحلاّج
|
الصعود إلى دم الحلاّج فوّاز حجّو
طَالِعاً مثلَ زنبقةِ الحُلْمِ
مِنْ دَمهِ
ناشِراً ظِلَّهُ في الجهاتِ البعيدةِ
فزّاعةً للطّغاةْ
أَهْوَ في مَعجمِ العِشقِ أُمْثُوْلَةٌ؟
أَمْ هُوَ القُطْبُ يمشي برجليهِ فوقَ الهواءْ؟!
رُبَّما كانتِ الأرضُ تجهلُهُ
رُبَّما صارتِ الأرضُ فيهِ تُفَاخِرُ
حتَى السّماءْ
* * *
إنَّه يَنْهضُ الآنَ مِن جانبِ "الطُّورِ"
يأْخذُ شيئاً عزيزاً عليهِ،
ويمضي على عَجَلٍ
دونَ أن يَلتفِتْ
وكانَ بِوُدِّ الحبيبةِ في "وَاسِطٍ"
أنْ يَمُرَّ بها، مثلما عَهِدَتْهُ،
ويُلقي عليها جميلَ السَّلامْ
وكيفَ يَمرُّ... وفي القلبِ "بُوْصِلَةٌ"
أصبحتْ لا تُشيرُ إلى جهةٍ يَمَّمَتْها السٌّرَاةْ؟!
* * *
إنَّه الآنَ يمشي... ويمشي
ويَكفيهِ أَنْ يَتَحَرَّكَ فيهِ جديدُ الدّماء
ويكفيهِ أَنْ يتحرّكَ، إِذْ يَتَحَرَّكُ، نَبْضُ الهواء
ويكفيهِ أَنْ يتحرّكَ، حولَ خُطاهُ، سُكونُ المكان
ويكفيهِ أَن تَتَحَرَّكَ، حينَ يَسيرُ، عَطَالةُ هذا الزّمان
ويكفيهِ في مَشْيهِ أَنْ يُشِيعَ قليلاً من الأُنْسِ
في وَحْشَةِ الدّرْبِ للعَابرين
ويكفيه أَنْ يَتَبَادَلَ نَخبَ المَسيرِ معَ السَّائرين
ويَكفيهِ أَنْ يَتَطَلَّعَ نحوَ ابتكارِ طريقٍ
يَجُوزُ بها موْمِياءَ الثَّبَات
ويكفيه أنْ يُسْمِعَ الكونَ إيقاعَ أَقدامِهِ
وَهو يُسْهِمَ في عَزْفِ لحنِ الحياةْ
* * *
إنَّه الآنَ يمضي إلى حيثُ يَسْتَوْطنُ الرَّهَبُوتُ
ويُلقي عَصَاهُ اختياراً
ومِنْ تَوِّهِ قامَ يَحْمِلُ أُتْرُجَّةَ الوَحيِ
ثُمَّ يَطُوفُ بها في البلاد
وكلُّ العُيُونِ تلاحقُهُ،
وتَشُمُّ خَطَاهُ
-إلى أينَ جِئْتَ؟! وماذا تُرِيد؟
دعِ الفقراءَ، وكُلَّ الدراويشِ في غَفلةٍ يَعْمَهُوْنْ
لا تُؤَلِّبْ علينا الرَّعَاع
فَلو شِئْتَ سُقْنا إليكَ نَخِيلَ العراقِ قَطِيعاً
وَدَعْ ما لِكِسْرى لِكسْرى
وإنْ شِئْتَ أَنْ تَتَعَبَّدَ قُلْنا لِكُلِّ شِعَاب الجبالِ:
هَلُمِّي إليهِ وكُوني له مَعْبَدَاً في الخَلاَءْ
بَعيداً عنِ السَّابِلَةْ
أَنتَ لَسْتَ وَزِيراً لِتَحْشُرَ أَنفك في كلِّ شَيء
و مَالَكَ أَنتَ وما لِلرَّعيةِ؟!
مَالكَ أَنتَ وما للخَليفةِ؟!
ما أَنتَ إِلاَّ غريبُ الدِّيار
فَفيمَ تَجُوْسُ خِلالَ البلادِ وَتَجْتَرِحُ المنكَراتْ؟!
و مَنْ أَنتَ حتى تَشُقَّ عصا الانقياد؟!
* * *
-أَنا ابنُ التُّرابِ!
ولستُ أرَى ما على الأَرضِ إلا خَسِيْسَ التُّرابْ
-خُذُوهُ، لِيَعْرِفَ كيف يُسَوَّى عليهِ التُّرابْ
-لكَ الحمدُ يا ربِّ.. أَنْتَ جَدِيرٌ بكُلِّ ثَنَاءْ
* * *
إنّه الآنَ يَصْعَدُ في مَلَكُوتِ البَهَاءِ
إلى سِدْرَةِ النُّورِ
مُستبشراً باللِّقاءْ
أَهْوَ في غَفْلةٍ عن طُقوسِ الجريمةِ
أَمْ هُوَ مُسْتغرقٌ في الصّلاة؟!
رُبَّما كانَ في غَمْرَةِ الحُلْمِ
أو أَنَّهُ مَمْعِنٌ في الدُّعاءْ
رُبَّما... رُبَّما...
والعُيونُ تُلاحِقُهُ في ذُهُولْ
إنَّهُ يَصْعَدُ الآنَ فَوقَ القُضَاةِ..
وفَوقَ الجُنَاةِ.. وفَوقَ عَرُوشِ الوُلاَةِ
ليَلقَى الحبيبْ
إنَّهُ الآنَ يَصْعَدُ... يَصْعَدُ...
ثُمَّ يَغِيبْ!!!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الصعود إلى دم الحلاّج (Re: yumna guta)
|
الاخ مهدى ......التحيات الطيبات شكرا على اهتمامك و ايرادك لرائعة الاستاذ صلاح عبد الصبور و حقيقة دارت مناقشات حادة مع و ضد الحلاج و فكره و لكنه فى النهاية يبقى رمزا للنضال من اجل حرية الفكر و التعبير و هذا من احد المقالات القيمة التى كتبت عن الحلاج اقوم بايراده هنا لتعم الفائدة
خطرات وأفكار عن "الحلاّج"
بقلم: أنا ماري شيمل
"وما فعلتُ، ستفعلُه أنت أيضاً – حذار ستحمل البعث للميتين – حذارِ!" بهذه الكلمات يجعل الشاعر والفيلسوف الهندي المسلم محمد اقبال الحلاج يتكلم في ملحمته الفارسية الخيالية "جاويدنامه"، أي "كتاب الخلود"، فيصوره بذلك كمفكر مبدع، حاول بث الحياة في معاصريه الموتى روحياً وفكرياً، أي حاول منحهم إيماناً حياً جديداً، وتحريرهم من التقليد واجترار القواعد المتوارثة الخالية من كل روح. إنها لظاهرة تبعث على الاهتمام أن يحتل الحلاج – الناقد المناوىء بين عدد ضئيل من أمثاله في تاريخ الفكر الإسلامي – مكانة مرموقة بين النخبة الفكرية في صفوف المسلمين في العقود الأخيرة. إن هذا المتصوف، الذي أُعدم بأبشع صورة في بغداد عام 922، قد أُسيء فهمه مراراً. فقد فُهمت كلمته: "أنا الحق"، أي "أنا الحقيقة المطلقة"، أي "الله"، فُهمت كتعبير عن تعالٍ متعاظمٍ للذات، بحيث أثار بذلك الشكوك في إيمانه بحلول الذات الإلهية في النفس البشرية. وقد اعتبره بعض معاصريه ساحراً خطراً، بينما استاء خصومه السياسيون من دوره في خطة مرسومة لإصلاح الضرائب، ورأى رجال الدين في فكرته حول إسقاط الفرائض تعبيراً عن كفره ودليلا على إلحاده، رغم أنه ألّف في عمله "كتاب الطواسين" أجمل أنشودة يمتدح فيها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. غير أن كبار المتصوفين في جميع العصور قد أبدوا إعجابهم الشديد بحبه المطلق لله عز وجل. ونجد في أدب العصر الوسيط خطاً يزداد وضوحاً في العصر الحديث: إذ يُعتبر الحلاج ثائراً في وجه ضيق الأفق الفكري لدى المتحجرين من رجال الدين، لأنه شهد خبرة الاتصال بالله، تلك التجربة الروحية الحية – كما فعل الإمام الغزالي فيما بعد، عندما تخلى عن وظيفته التعليمية في المدرسة النظامية ببغداد، لأنه وجد أن زملاءه كانوا منغمسين في نزاعات وخلافات لا طائل من ورائها حول مسائل فقهية سطحية، دون أن يتحلّوا بذرّة من الإيمان الحي، أو يمتلكوا بارقة من الاتصال الحي بالذات الإلهية.
وفي تطور يثير الاهتمام يظهر الحلاج في شعر إيران وشبه القارة الهندية لفترة ما بعد العصر الوسيط كإنسان رفض السكولاستية المتحجرة بسبب تجربة اتصاله المباشر بالله عز وجل وحبه الخالص له، مما أدى الى قتله. ولكن أليس من الصحيح أنه عندما يرى الإنسان الحقيقة ويجدها، يكون مستعدا للموت في سبيلها؟ وقد قال الشاعر الهندي ميرزا أسد الله غالب (1797-1869) في بيت شعري فارسي مشهور ما معناه:
"السر الكامن في القلب – لن يكون موعظة جوفاء! قد تُفصح عنه على المشنقة؛ أما على المنبر، فلا!" وهذا يعني أن الشاهد الحقيقي لجلالة الله يجب أن يصبح شهيداً، وأن يدفع حياته ثمناً لأعلى تجربة وهي الاتصال بالحقيقة. وفي الأدب الأُردي والتركي الحديث يُصوّر الحلاج أحياناً كثائر ضد المجتمع القائم، كما أنه يظهر كذلك في الشعر العربي المعاصر كممثل للأبعاد العميقة للإسلام، كمكافح من أجل العدالة والفهم. وقد سعى صلاح عبد الصبور في "مأساة الحلاج" الى إظهار الطابع الاجتماعي لرسالة الحلاج، وأعطى تفسيراً دقيقاً لضرورة موته: إذ كان موته أمراً محتوماً – لكي يعود أتباعه فيجدوا كلماته في أثلام الحقول، حيث تكمن خفية عن العيون، لكي تحمل على الرياح، التي تهب فوق الأمواج – فما الذي كان سيحدث لرسالته المنادية بحرية الفكر، لو لم يمت مشنوقاً؟ وقد أكد أدونيس في أعماله الأولى على حداثة لغة الحلاج، وقد كرّس هو وعبد الوهاب البياتي لهذا المتصوف الشهيد شعراً رثائياً زاخرا بالأحاسيس العميقة، وإن كان يتسم بالصعوبة في فك طلاسمه.
ومع ذلك فإنه يبدو لي أن إقبال أكثر إصابة للحقيقة من أغلب المحاولات الأخرى في فهمه لنواة حياة هذا المتصوف الوسيطي العاشق لله ومدى تأثيره. فقد اعترف بالحلاج – الذي يُحتفى به منذ عدة قرون في الشعر الشعبي الهندي الإسلامي كعاشق كبير لله – كمصلح إسلامي. وقد كانت قناعة إقبال ثابتة في أن "عالم القرآن" ينفتح لكل إنسان وفي كل عصر بصورة جديدة، وأن الإسلام ليس دينا متحجراً بعيدا عن الواقع، بل إن المفكرين والصوفيين الكبار قد تغلغلوا الى طبقات بعيدة الأعماق من الفهم، بحيث يصبحون بذلك أمثلة عليا يقتدي بها الإنسان العصري أيضاً. و في نظره كان الحلاج، الذي فهم أعماق الوحي الإلهي بصورة أفضل مما فعل كبار الفقهاء ورجال الدين الذين يعجزون عن التحليق الى الذرى الفكرية، كما يقول هذا المفكر الإسلامي الهندي بسخرية، لأن كلاً منهم يجثم "كقارون على المعاجم العربية"، أي أنه لا يستطيع التحليق بسبب عبء معارفه اللغوية الفقهية، بل يُضغط ميتاً تحت الغبار، كما غرق قارون تحت عبء كنوزه. لقد كان الحلاج في نظر إقبال مناضلا طليعياً في سبيل الإيمان الحي، وكان بهذه الصفة مثلا أعلى للإنسان المعاصر.
وقد يكون هذا التفسير مفاجئاً؛ ولكن إذا قام إقبال "بصورته النيتشوية" للحلاج – كما قال لويس ماسينيون مرة – بحثّ بقية البشر على التفكير، فإن في ذلك إنجازاً مهماً كبيراً: فقد اتضحت له ضرورة الحب الخلاّق لتقديم تفسير مثمر للعصر الحديث في مثال هذا الشهيد الصوفي من العصر الوسيط.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصعود إلى دم الحلاّج (Re: yumna guta)
|
المقال رائع و فعلا صور عبد الصبور وجود الحلاج في قلوب محبيه..لا لاولئك الذين عاشوا في زمانه بل يمتد الي حاضرنا...فكما نطق لسان الحلاج
" يا ولدي...
الحب الصادق موت العاشق حتي يحيا في المعشوق
لا حب اذا لم تخلع أوصافك حتي تتصف بأوصافه"
يستعير عبد الصبور هذا العشق المتفاني فيقول بلسان الحلاج:
و أنا أنوي أن يكمل حبي لله أن أخلع أوصافي في أوصافه أنا انسان يضنيني الفكر و يعروني الخوف ثبت قلبي يا محبوبي أنا انسان يظمأ للعدل و يقعدني ضيق الخطو فأعرني خطوك يا محبوبي
سأخوض في طرق الله ربانيا حتي أفني فيه فيمد يديه، يأخذني من نفسي هل تسألني ماذا أنوي؟
أنوي أن أنزل للناس و أحدثهم عن رغبة ربي
مقال متحف بالروائع شكرا مرة اخري
فذا حبنا لله أليس الله نور الكون؟ فكن نورا كمثل الله ليستجلي علي مراتنا حسنه
| |
|
|
|
|
|
|
|