فصول من رواية تبحث عن ناشر : (ام ساجورة)لمحمد خير عبد الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 10:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-20-2003, 03:38 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فصول من رواية تبحث عن ناشر : (ام ساجورة)لمحمد خير عبد الله


    الفصل الأول

    1

    -أم ساجورة جات

    إنه الدقيل الذي تعود أهل الحنيماب على هتافه ، بصوته الذي يشبه كأكأة الدجاج ، كلما غزت قلبه حسناء.

    هاهو اليوم يهتف بأم ساجورة ، كان قادماً نحوهم يقود حماره والخرج على ظهره مليئاً بالماء يحميه بيده اليمنى من شوك أشجار الكتر واللعوت الشاحبة التي نمت في القردود أمام قرية الحنيماب التي تقع في منخفض بين قوزين من الرمال وتحيط بها أربعة قرى من الجهات الأربع يفصلها عن كل واحدة منهن ثلاثة قيزان ، أو هذا ما علموه من أهل تلك القرى الذين يزورونهم في الأعياد والمناسبات الاجتماعية ، أو عندما يأتي أحدهم لشراء حاجياته من سكر وشاي من الدكان الوحيد بالمنطقة .

    2

    أول من لمح الدقيل حاج عبد القادر الرجل البدين المزواج الذي يعرف أسرارالقرية ، كان حينها يرتدي عراقيا من الدبلان ، على صدره انطبعت بقعة زيت داكنة لتعلق الغبار بها ، وهو صاحب الدكان الذي يقع أمام القرية مسافة تتيح له عندما يفتح الشباك الخلفي أن يمسح بيوت القرية بعينيه .يساعده على ذلك وقوع الدكان بناء الجالوص الوحيد في القرية على ربوة عالية . كان دكان حاج عبدالقادر وبيوت قرية الحنيماب تماما كالأمام والمصلين خلفه . كما يشكل النقطة التي لا بد أن يمر بها كل داخل للقرية أو خارج منها وهو ملتقى الرجال والأطفال في الأمسيات والليالي المقمرة.

    ثم شيخ مصطفى الصموت، عليه عراقي من الساكوبيس وهذا يعني أن الوقت كان أصيلاً ، فقد عودهم على ارتداء العباءة البنية من الصباح حتى صلاة الظهر . لا يغير عادته هذه رغم تشبيههم له بالغراب ، وعلى رأسه الغلق طاقية حمراء اللون - صارت باهتة لطول عشرتها لرأسه الأصلع - والشارب الخفيف الأبيض - زاد من بياضه سواد بشرته - وهو عالم القرية وإمامها في الصلاة التي لم يألفوها قبله ، بخطبته الوحيدة التي يصليهم ويصلبهم بها لطولها وتقادم الزمن على ورقها الباهت فحفظوها مع أنهم - مثله- لا يفقهون كثيرا من مفرداتها . ثم الدليندوك العوير أبو شوك كما يناديه حاج عبد القادر برجليه الرقيقتين ورأسه الضخم ضخامة لفتت أنظار الأطفال فكانوا حين يرونه قادما يصيحون به :
    - راسو كبير كرعينو رقاق ... شن سموا ؟؟
    فيرد أكبرهم سناً
    - سموا العولاق
    وامحمد ضباح فحلن الذي حل بالقرية واستوطن بها وتقبله أهلها وألفوه كأي ظاهرة طبيعية تمر بهم ، مثل المطر والبرد والحر والصواعق وموت الماشية .

    3

    قطع صمتهم حاج عبد القادر مقهقها :
    - العوير دا مالو بكورك؟
    تخيلوا أن بصوته رنة حزن ، لم يكن يريد إجابة ، فقد سمع مثلهم صوت الدقيل .
    هب الدليندوك بحباله الصوتية المرتخية صائحاً كحمار:
    - يابوي الحاج ،- قال داير ام ساجورة
    ثم انطلق يقهقه ويتمخط فاشتركوا معه في قهقهة جماعية قطعها انشغال حاج عبد القادر بصبي حافي القدمين يقف على عتبة الدكان ويديه على (البنك)
    - يا شافع داير شنو؟
    انتهره كعادته مع الأطفال الذين يأتون في مثل هذه اللحظات. أجابه الصبي متلجلجا
    -أبوي قال ليك الليلة الأربعاء أديو بصلة
    تبسم الحاج وانشرح صدره فهاهي تعاليمه تسري بينهم وأعجبه اتباعهم لها فقد كان عندما يغيب شيخ مصطفى لسبب من الأسباب ويجد نفسه وحده مع هؤلاء البجم (وهذه صفة أطلقها عليهم شيخ مصطفى وكان حاج عبد القادر يعلن امتعاضه في وجودهم ويرددها في غيابهم) يبث ما يظنه حديث أو آية فيهم وأغلبها عن البضائع التي في دكانه ، فله أحاديث عن البصل والشاي والبن والزيت .

    4

    دخل الدكان ناول الصبي بصلة ،هنا تدخل الشيخ مصطفى الذي كان على العنقريب
    - الناس البجم ديل ،- منو القاليهم أكل البصل من السنة؟؟؟
    وصفق بيديه متحوقلاً ناظراً لحاج عبد القادر الذي لم يرد أن يقول أنه هو الذي قال بأن أكل البصل كل أربعاء وعقاب شهر من السنة تفادياً لنقاش عقيم سيدور بينهما لاعتقاده أن شيخ مصطفى زول فاضي شغل وهذا ما كان يقوله عندما ينهزم منه ، بالإضافة لوجود حواريي الشيخ حوله ، أمحمد ضباح فحلن والدليندوك والدقيل الذي أتى قبل قليل مع أنه أقرب رحماً للحاج وشقيق إحدى زوجاته ، لكنه يمقته لبلاهة ولد بها ، بالرغم من قيامه بأعباء ثقيلة وشاقة فقد كان يأتي بالماء للقرية من الآبار التي تبعد مئات الأميال يخرج صباحاً ويعود مساء مع ثغاء البهم فيبدأ ببيت الحاج ثم بيت شيخ مصطفى وبقية البيوت.

    5

    وبعدها يتفرغ لخدمة الشيخ بإخلاص كلب ريفي لا يثور أو يتهاون رغم انتفاضاته القصيرة ذات الشعار الوحيد (شيخي يشخشخ بوله) يقولها بعد أن يتلفت يمينا ويسارا فيرتجف قلب الحوار الآخر الدليندوك
    - هازول ،- أرعى بي قيدك ،- شيخ مصطفى عالم
    ينفعل الدقيل ويرد بحماس
    - أنا برضو عالم
    يضحك ضباح فحلن وتبرق عيناه بذكاء نادراً ما يرى فيه
    - إذا إنت عالم تعال نسألك
    يجد الدقيل نفسه في موقف حرج
    -أها أسأل
    يتحرك ضباح فحلن من مكانه ويتقدم صائحاً
    - فسوة في هدوء تبطل الوضوء؟؟
    وهذا هو السؤال الوحيد الذي علق بذاكرته من الأسئلة المتبادلة بين حاج عبد القادر وشيخ مصطفى وهما يلعبان (سيجة ) أو(ضالة ) . يفتح الدقيل فمه ليرد فتخونه الذاكرة فيغلقه وينفجر الجميع في ضحك فيهب محمد ضباح فحلن ويتمطى ويفتح فمه وينهق
    - ود ام كلولو ودام كلولو ود ام كلولو

    6

    يعود حاج عبد القادر بعد أن ينصرف الصبي ويوجه سؤاله للدليندوك
    - قت شنو يالمبروك؟؟
    يرى الدليندوك التمر على يد الحاج فيقف ويفتح جيب العراقي ليحضن التمر والحاج يأمره
    - أمشي لأمك آمنة جيب لينا العشا

    7

    في هذه اللحظة يأتي بعض الأطفال الذين أرسلهم أهليهم كل واحد يحمل صحن العشا فيضعه ويسلم بصوت خافت يسأله شيخ مصطفى عن أبيه وأحيانا عن السور التي حفظها يجيب الطفل بسرعة ليلحق بأنداده الذين ركضوا للقردود تلبية للنداءات التي أطلقها من سبقهم فيوقن الشيوخ أن الزمن قد سرقهم بسماعهم لصوت طفل شقي يعيدهم لطفولتهم

    8

    - حفرنا حفرة للأباط ، الما بجينا ود الشايب العفاط


    و يجاوبه طفل آخر
    - جدعنا بنبر غشا بيت أمو ،- الما بجينا خادم أمو

    ويثلث ثالث
    - قبضنا طيرة ،- الما بجينا ود الخادم العويرة

    9

    فيهرول الأولاد نحوهم ، فمنذا يرضى أن يكون أبوه شائباً عفاضاً أو أن تكون أمه خادماً عويرة ؟؟ ويبدأون اللعب: حارة ، الرمة وحراسا ، ويتحلق بعضهم حول ضباح فحلن ليحكي بطولاته ومغامراته في سرقة الخراف فيسرق أفئدتهم بما يرويه وهو في هذا شهرزاد قرية الحنيماب حين يروي كيف يغافل الرعاة ويخطف عتودا ويضعه تحت إبطه تاركهم فارغي الأفواه وسرعته قد سمرتهم في مكانهم ثم يحكي ويحكي حتى تتجسد له حيرتهم فيمد رجليه ليخبرهم أنه ولد بلا ركبتين فيصدقونه ،فقد سمعوا من كبار القرية أنهم عندما يخرجون لصيد الأرانب والصبر يجري كل واحد خلف كلبه إلا ضباح فحلن (أبا ذرهم) يخرج وحده ويعود في المساء يحمل عدداً منها.

    10

    يصفع أحد الأطفال ضباح فحلن بهذا السؤال:
    - ما بتخاف من نكير؟؟؟
    يرد بسرعة كمن تعود على هذا السؤال واضعاً يده على صدره
    - أنا أخاف من نكير ؟؟؟؟!إنشاء الله يتفني لعويلتو ملاح.

    11

    هذا الرد يوقف اللعاب في الحلوق وتجف أفواههم وتزداد ضربات قلوبهم من هذه الجرأة ، فيفرون منه للحاق بأقرانهم ليواصلوا اللعب مطمبرين وراكضين حول فتيات يغنين و
    يصفقن فيهرب قلب كل واحد لفتاة ويتعلق قلب الدقيل بأحداهن لتصير شمس الحنيماب وقمرها ، ولا ينفض سا مرهم إلا حين يقف ضباح فحلن بطوله الفارع صائحاً
    - ود ام كلو لو ود ام كلو لو
    يرددها مثنى وثلاث ورباع ويلحقها بـــ
    - أنا أمحمد ضباح فحلن ضباح الجمل من ركبتو


    12

    وعند مرورهم على الدكان يجدون حاج عبد القادر يطعم ناقته (جقلة) فيبتسم وهو يعلم مايجول بآذانهم ، ويحس برغبة بعضهم في لمس ركبتها ، فيمد يده ويربت عليها بحنان بعد أن يجذب الرسن إليه
    - جقلة ام راي ،- رايا وراي سيدا في ايدا
    يقولها بصوت رخيم كأنما يخاطب أنثى من البشر ، بل كأنما يخاطب ام ساجورة تحديداً

    13

    ثم يذهبون إلى حاجة آمنة لتحكي لهم عن ود النمير وفاطمة قصب أحمد وتاريخ قرية الحنيماب والأولياء الذين أنجبتهم والأولياء الذين زاروها حتى يدرك بعضهم النعاس فتأتي أخته أو أمه وتحمله على كتفها وتعود به والحاجة تحكي ، وتحكي ، إلى أن ينتصف الليل أو يعوعي الديك إذا كانت الليلة مقمرة
                  

08-20-2003, 04:55 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول من رواية تبحث عن ناشر : (ام ساجورة)لمحمد خير عبد الله (Re: فتحي البحيري)

    الفصل الثاني


    1

    قالت أم الحسن لسكينة من وراء خصلات الأخيرة التي تمشطها لها :
    - تذكري الفزاني يا سكينة ؟؟!!
    ردت سكينة بعدما هدأت قليلا الرجفة التي أصابتها عند سماعها الاسم ، وأحست بنزيف الأنفلونزا يملأ منخريها (ربما يعني هذا أن الوقت كان شتاءا) لذا رفعت طرف ثوب الزراق ومسحتهما
    -ككيف ما بذكرو!؟؟
    واستمرت
    - دا بتنسي !!؟
    والتفتت نحو أم الحسن قائلة
    - لكن الذكرك ليو شنو هسا؟؟

    2

    فعلاً كان ذلك يوم يستعصي على النسيان ، كان الجميع أمام الدكان : حاج عبدالقادر وشيخ مصطفى والدليندوك والدقيل وامحمد ضباح فحلن وبعض الأغنام التي احتمت بالراكوبة فرارا من المطر الغزير الذي فاجأ القرية تلك الظهيرة ، والصمت يشمل المكان عدا صوت المذياع المتسرب من داخل الدكان يتحدث عن الأمطار التي عمت القطر وهدمها منازل بامدرمان وقتلها حيوانات أليفة متوحشة . أحزنهم أن منازل امدرمان قد هدمت بالرغم من أن لا أحد منهم رأها أو رأى من رأها . امدرمان عندهم شيء مبهم لكنه جميل ، ربما لهذا قوبل تعليق حاج عبد القادر
    - مطرة كسرت امدرمان دي ما مطرة نصاح
    بترحاب ، كأنه يتحدث باسمهم




    3

    قال الذي قاله ودخل دكانه متفقدا بضائعه . أول ما أولاه قلقا واهتماما جوال السكر الرابض على الشعبة منتصف الدكان وأدخل يده فيه . ثم جال بعينيه على الرفوف والسقف فاطمأن على سلامة كل شيء . وجد نفسه قريبا من جوال التمر فملأ يديه وخرج للقوم
    - كرامة وسلامة





    4

    امتدت الأيادي وامتلأت الأفواه التي كانت تثرثر عن الخريف وعيناته وبروقه . وفي تلك اللحظة بالذات رأوا خيال شخص قادم من بعيد . حسبوه بادئ الأمر مشترٍ من إحدى القرى المجاورة . عادوا إلى ثرثرتهم وهو يقترب منهم حتى إذا لم تبق بينه وبينهم سوى أمتار قليلة تبينوا وجهه وشكله: إنه إنسان كشأنهم له ما لهم ، قدمان ويدان ووجه به فم واحد وعينان اثنتان ولكنه أدهشهم بزيه الغريب فلا هو عراقي ولا هو جلابية وراعهم لونه الأبيض فتسربلهم الخوف ، إنها المرة الأولى التي يرون شخصاً بلونٍ كهذا

    5

    كانوا ، قبلها ، لو أقسمت لهم بعلم الشيخ مصطفى أن ثمة أناس بيض لما صدقوك ، كانوا يعتقدن اعتقادا جازما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن سوادهم وهيئتهم هي الصورة المثلى والوحيدة للإنسان ، ففي كل القرى التي زارتهم أو زاروها لم يروا شخصا أبيض .
    تجمعوا حوله بوجل خلاف الأغنام التي شاركتهم الراكوبة في تلك الساعة ، فقد كانت تجتر بلا مبالاة ونسوا أن يردوا التحية ، وإن أفسحوا له ، جلس على العنقريب الذي أخلاه له شيخ مصطفى وحاج عبد القادر ذاهلين عن إمكانية اتساع العنقريب للثلاثة

    6

    قال أحد الرجال في سره
    - زول مبروط
    وحدثت آخر نفسه بمد يده لملامسته في اللحظة التي نفض فيها الغريب شعر رأسه كما تفعل الماعز المبتلة فتهدل شعره بين كتفيه فهالتهم غزارته وطوله وزاد رعبهم فابتعد من كان قريبا منهم وزجر نفسه الذي حدثته بالدنو منه .

    7

    بعد لحظات قليلة أو ساعات طويلة ، لا أحد يدري ، عاد لبعض الرجال بعض رباطة جأشهم للدرجة التي استطاعت عقولهم وأيديهم أن تتواطأ على الإمساك بالعصي تحفزاً وتأهباً .
    فيما بدا أن ذلك لم يحرك ساكنا أو يسكن متحركا في الرجل إذرفع عينيه ببطء محدقاً في الحاج عبد القادر

    - أتيت للزواج من أم ساجورة

    8

    - الليلة
    واصل الغريب حديثه بعدما لم يجبه أحد بلغته الفصحى التي لم يألفها أهل الحنيماب . وأشار بأصبعه السبابة إلى الأرض علامة إصرار

    9

    هرب حاج عبد القادر بعينيه منه فالتقتا بعيني شيخ مصطفى ، حاول أن يقرأ ما فيهما فوجد الحياد طابعهما ، ثم هرب بهما نحو الرجل متمعناً فيه وقال لنفسه
    - إنه إنسان من لحم ودم ،- وياليته طلب يد آمنة بنتي ،- أكبر فتاة في الحنيماب ،- ولم يتقدم لها أحد ،- وأخشى أن تجلب لينا الفضيحة ،- وملت علينا البيت ريالة



    10

    آمنة، بنت الحاج الكبرى ، في العقد الثالث من عمرها ، أخذت من أمها الطول ومن خالها الدقيل الهبالة فكان شيخ مصطفى عندما يراها أو تأتي أمها بها ليعزم لها يتمتم
    - لا يخلو طويل من هبل



    11

    ومضى حاج عبد القادر في حديثه لنفسه
    - لكن العوير قال داير ام ساجورة !
    والتفت لشيخ مصطفى كأنه يخاطبه
    - إلا ام سا جورة ،- لاهو لا غيرو ،- بس خليني أحصد الزرع
    ما درى أن شيخ مصطفى قد مضى في إستحضار الآيات والأحاديث التي تبين شروط النكاح متمتماً
    - لو انطبقت عليه زوجناه

    12

    وكأن شيخ مصطفى قد نسي أو تناسى في تلك اللحظة معرفته بهيام حاج عبد القادر بام ساجورة ، فقد وجده ذات يوم بعد صلاة العشاء على التبروقة والمسبحة بين يديه فجلس بهدوء خلفه ، فسمعه يقول والسبحة تطقطق
    - أم ساجورة الخدورة
    - أم ساجورة البلاد البورة
    - أم ساجورة عواسة الفطيرة
    - أم ساجورة الأمورة
    فأنصت بهدوء ودهشة وبنفس الدهشة ونفس الهدوء انسحب

    13

    قطع الرجل الغريب ، بنفس لهجته الغريبة ، استرساله
    - ماذا قلتم يارجال؟؟
    رد حاج عبد القادر:
    - في شنو؟؟
    ركز الرجل عينيه عليه وقال بقسوة حاول تلطيفها برسم ابتسامة على شفتيه
    - طلبت منكم يد أم ساجورة
    أحس الحاج بوهن في جملة الرجل الأخيرة ، على الأقل لم تكن استفزازية كسابقاتها
    - كدي النشاور أهلا
    قال الرجل الغريب بيقين :
    - لا أهل لها غيرك يا حاج

    14

    ارتجف الحاج واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ، كيف عرف الغريب أن لا أهل لام ساجورة غيره وهذا سر لا يعرفه سوى قلة من أهل الحنيماب . فهي تمت بصلة قرابة بعيدة للحاج عبد القادر وقد توفى والدها وتركها هي وأمها أمانة عنده ، وكذلك فعلت أمها عندما أحست بدنو الأجل ، فترعرعت في بيته وبين أولاده ، فكان يحنو عليها ويهتم بها كأنها واحدة من أبنائه وحين بلغت مبلغ النساء صار يبحث لها عن زوج ليؤدي الأمانة على أكمل وجه ، حتى جاء ذلك المساء عندما قالت له زوجته الكبرى
    - ياحاج ،- ماتعرس البت دي؟؟؟

    15

    اهتز جسده وارتجفتيده وكاد يدلق كوب الشاي على رجليه وأحس بضوء يدخل قلبه ويصوص بين أضلعه
    - أم ساجورة بت السرور يا حاج
    هكذا تمادت عندما أحست بارتياحه الصامت للفكرة

    16

    اختفت الصورة من مخيلة الحاج عبد القادر عندما هب شيخ مصطفى وأخذ بيده ليرضيا الرجل ويخرجا ذمتهما ، فالشرع يأمرهما بمشاورتها .
    قابلتهما حاجة آمنة ، الزوجة الكبرى للحاج عبد القادر ، وعاجلتهما بخوف
    - الأولاد قالوا جاكم زول مبروط!؟
    ثم جلست وضربات قلبها في ازدياد وبخاطرها يجول كلام أمها على فراش الموت من زمن بعيد
    - إن القرية ستعدم طفاي النار عندما يأتي الأبيض
    وتذكرت أنها سألتها عنه فلم تزدها لأنها فارقت الحياة

    17

    لذا عندما أخبرها الأطفال أن ثمة رجل أبيض بالدكان أحست برجفة في رمشها ووجدت نفسها تقول
    - الله يكضب الشينة !
    بعد أن وضعت قشة على حاجبها ، وهذه إحدى تعاليم حاج عبدالقادر


    18

    في هذه اللحظة خرجت أم ساجورة وقالت بخفر
    - أنا جنيت أعرس حمريطي؟؟؟

    19

    أثلج هذا الرد صدر حاج عبد القادر واطمأن لزواجه منها، فعادا مسرعين وصورة نهدها النافر لا تفارقه ، مصمماً على الدخول عليها هذا العام ، ورنا ببصره لأعلى مسرورا ، فرأى طائر السنبر يملأ سماء القرية فازداد اطمئنانه فالسنبر هو رسول الخريف الجيد وبوصلة الأمطار وينشد الأطفال عندما يرونه
    - السنبرية ام قدوم بلاد أبوي بتين تقوم
    ويتخيلون السنبر يرد عليهم
    - باكر مع العساكر باكر مع العساكر

    20

    وجدا الرجل الغريب على البرش رافعاً يديه يدعو . انتظراه حتى أتم دعاءه وأخبراه أن البنت قد رفضت . لم يفتح فمه بكلمة وهب واقفاً ، ومضى

    21

    حدقا فيه ، لم يلتفت ، حتى غاب عن ناظريهما ، عندها تبسم حاج عبد القادر بارتياح
    - ربما كان كافراً أغلفاُ
    رد شيخ مصطفى
    - يا حاج استغفر ،- والله أنا بقول كان نعرسا ليه





    22

    لم يرد حاج عبد القادر ، وأسرها في نفسه ،وانكفأ على ذاكرته لتنجده بآية أو حديث أو قول مأثور ، لم تخذله وأسعفته بالحمرة التي يأباها المهدي ، فارتاح لما فعل ، وهوم في صورة معشوقته ام ساجورة يناجي تفاحة القلب ورمانة الفؤاد

    23

    وقفتا معاً على باب القطية وام الحسن تكتم ضحكتها من اضطراب سكينة وتذكرت تعليقها عندما رفض حاج عبد القادر زواج الفزاني من ام ساجورة
    - كانوا يسألوه كان داير واحدة غير ام ساجورة!
    ردت ام الحسن في تلك اللحظة
    - إنتي كان درتي الفزاني لي روحك ما تقولي عديل
    وضجت النسوة حينها بالضحك وتسربل سكينة الحياء

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de