|
|
 أنت فاكرني هندي؟
|
وليد الاصفر
في كثير من دول العالم، وليس في جميعها، التصقت بالهنود سمعة سيئة بأنهم أقل ذكاء من غيرهم من البشر، مما جعلهم عرضة للسخرية والاستهزاء المستمرين، وموضوعا مفضلا لكثير من النكات، لعل من أشهرها الجملة التي عنونت بها هذا العمود. لا، لا تتوقعوا أن ألقي عليكم هنا أي نكتة؟ وعلى كل حال أتوقع أن يكون معظمكم قد أدرك ماذا أعني.
وتعود سمعة الهنود السيئة إلى الفقر الشديد الذي يعاني منه كثير منهم حيث يقدر عددهم بمئات الملايين، وهو الأمر الذي أدى إلى تفشي الجهل فيما بينهم، وإلى عدم تعرفهم على مظاهر «الحضارة» الحديثة، ولهذا فعندما انتشروا بكثرة في أنحاء الأرض، لم يكن أمام معظمهم سوى العمل بالمهن التي توصف بأحسن الأحوال بأنها متواضعة، وبخاصة كخدم المنازل. وبسبب جهلهم ببعض مظاهر الحياة العصرية التي انتشرت في الدول الأكثر ثراء، بما فيها نيودلهي وممباي (بومباي سابقا)، واللتان تعتبران غريبتين كذلك للهندي الذي يعيش بعيدا عنهما، كانوا عرضة لتكبر من كانوا يظنون أنهم أفضل منهم. قد يقول البعض ان هناك منهم من هو غبي، وهذا صحيح وينطبق على كافة البشر على الإطلاق بمن فيهم اليابانيون، إلا أنه يبدو أكثر وضوحا في الهند بسبب أن عددهم يكاد يصل إلى المليار نسمة، وبالتالي فإن أعداد الأغبياء فيهم تفوق أعداد الأغبياء في دولة عدد سكانها خمسة ملايين نسمة فقط، وهكذا.
المهم أن ما لم ينتبه إليه معظم المتعجرفين أن هذا العدد الضخم يضم كذلك عددا كبيرا نسبيا من الأذكياء والعباقرة (أكثر من الموجودين في الخمسة ملايين). والأهم أن كثيرا منهم عملوا في مجال تقنيات المعلومات ونجحوا في أن يضعوا بلدهم في مصاف الدول التي يحسب لها حساب، بعد أن غزا كثير منهم وادي السيليكون الاميركي، وغيره من الأودية المماثلة في العالم المتقدم، وثبتوا أقدامهم فيها لدرجة أن أصبحت اللكنة الانجليزية بالنكهة الهندية أمرا طبيعيا لا يستهجنه أحد في أي مكان، خاصة أن منهم من وصل إلى مراكز مرموقة في العديد من شركات التقنية العالمية. ثم عندما شعر العديد من الهنود بالحنين إلى وطنهم، وبخاصة بعد أن امتلأت جيوبهم بالدولارات، عاد كثير منهم إليه وأسس فيه شركات ومراكز تقنية عالية المستوى، شغلوا فيها عشرات الآلاف من أقرانهم الذين لم يتسمح لهم ظروفهم بمغادرة الهند. والأجمل من ذلك كله أن شركات اميركية وغربية أخرى جرت وراءهم وأحضرت مشاريعها لتنفذ في الهند، بل أن شركات مثل «بريتيش تيليكوم» البريطانية نقلت دائرة كبيرة من دوائرها لتعمل من الأراضي الهندية، ليس بسبب رخص التكاليف فحسب، ولكن بسبب المستوى التقني والمعرفي العالي لشباب وبنات الهند.
لا أريد أن أناقش هنا فيما إذا صار علينا أن نراجع ما أطلق من نكات على الهنود أم لا، على أساس أن البعض قد يقول أن هناك منهم ما زال يثير السخرية، وهو أمر كما ذكرت سابقا ينطبق على بقية البشر، إلا أن الأهم من ذلك كله أن هناك هنودا أستطيع أن أجزم أن أيا من مؤلفي هذه النكات لن يستطيع أن يكون له ندا. ولمن يريد أن يتأكد لن يحتاج إلى الذهاب بعيدا عن المنطقة، بل يكفي أن يزور دبي في دولة الإمارات ليرى فيها هنودا من مستويات عالية نجحوا في احتلال مراكز مرموقة في شركات عديدة، ويدعمون بعضهم البعض بشكل يحسدهم عليه الكثيرون، بل ويتمنون لو أنهم هم أنفسهم يتعلمون منهم كيف يصبحون هنودا مثلهم.
واذكر هنا أنني حضرت مؤتمرا صحافيا قبل سنوات في دبي أقامته إحدى شركات التقنية هناك بمناسبة حصولها على وكالة نظام برمجي بريطاني جديد، وكانت المفاجأة عندما اكتشفت أن «الأجنبيين» الوحيدين في هذا المؤتمر الصحافي كانا أنا والمهندس البريطاني الذي جاء ليمثل شركته، أما بقية الحضور ابتداء من مدير عام الشركة وحتى سائق سيارته، مرورا بالموظفين والسكرتيرة وبقية الصحافيين فكانوا هنودا. واكتملت الصورة أكثر عندما اختتم المدير العام المناسبة ودعا الحضور إلى مأدبة الغداء في فندق الشيراتون. هل حزرتم ماذا ضم البوفيه المفتوح؟ كل ما تشتهيه أنفس «معظم الحضور» من اكلات وحلويات ... هندية طبعا.
|
|
 
|
|
|
|
مهاجر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست