مكى ابوقرجة يكتب عن.....شمس المعرفة التى غابت

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 10:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2003, 11:49 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مكى ابوقرجة يكتب عن.....شمس المعرفة التى غابت


    عبدالله الطيب·· غروب آخر شموس المعرفة الموسوعية :

    مكي أبوقرجة:

    تجاوبت الأصداء الحزينة لوفاة الأستاذ الدكتور عبدالله الطيب في جميع أنحاء المنطقة العربية والإسلامية وتفجع عليه محبوه من الخاصة والعامة· ورأوا في غيابه خسارة فادحة للعلم والأدب والثقافة في زمان أخذت تتراجع فيه المعرفة الموسوعية ويتوارى فيه العلماء وتضمحل القدرات وتتلاشى بينما تتصاعد دخاخين الجهل العنيد· وكتب كثير من الأدباء والمثقفين في الصحف والمجلات والمواقع الاليكترونية ناعين نادبين دامعين راجين له الرحمة وحسن القبول· كتب أحدهم في صحيفة الرياض السعودية يقول: حاولت مراراً أن أجد تفسيراً لظاهرة عبدالله الطيب ·· كيف تسنى له أن يتحول هكذا إلى شاغل مستمر للناس؟ هل عجبوا لأفندي يحاكي اللندنيين في لباسهم، كيف تأتي له أن يستنزل بينهم الحارث بن حِلِّزة والنابغة الجعدي وعبد يغوث وعبيد الجرهمي ! ويحدثهم عن سجع الكهان وداحس والغبراء وقس بن ساعدة وهو يتكئ على فصول من المعارف جمة، راوياً السيرة النبوية العطرة باتقان أخاذ من ذاكرة هي احدى أعاجيب عبدالله الطيب ·· يستحضر دار الندوة والحجابة واللواء والسقاية والرفادة وانتقال سدانة البيت إلى غبشان من خزاعة ويستوقفه حلف الفضول فلقاء بني هاشم وبني المطلب وأسد بن عبدالعزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة وبيعة العقبة الأولى ونقض الصحيفة، مضفياً احاطته المتمكنة بالموضوع على حوادث السنة الأولى من الهجرة وتحويل الكعبة وأشهر السرايا والمغازي وسبي هوازن واسهامات الأوزاعي وابن جريج وحماد بن سلمة وسفيان الثوري ·· وهكذا تتداعى الصور ·
    وكتب الدكتور النور حمد مقالة بعنوان صورة المثقف الأصيل يقول فيها: أتقن البروفيسور عبدالله الطيب علوم الدين واللغة العربية والتاريخ الاسلامي ·· وبمثل ذلك القدر أتقن معرفة الحضارة الغربية وآدابها· فهو الذي يحدثك عن كيتس، وييتس، واليوت بنفس الدقة والفخامة التي يحدثك بها عن المعري، وأبي تمام، وأبي الطيب المتنبي، وأبي نواس· وبهذا المعنى فعبدالله الطيب ليس أديباً وحسب وانما هو مفكرٌ عربي مسلم من الطراز الأول· فقد عرف الحضارة الغربية معرفة عميقة، وقد أفاد منها إفادة كبيرة أيضا· غير أن معرفته بالثقافة الغربية خصبت رؤيته لتراثه وعمقت ايمانه بالجوانب الايجابية فيه· فهو واحد ممن لم تجرفهم فكرة الحداثة المتجذرة في الفكرة العلمانية الغربية، وفي نفس الوقت لم تحبسه معرفته بالتراث في قماقم الجمود والسقف العقلي المرسوم سلفاً· لقد كان وسطياً وسطية الحبر المدرك لدقائق الأمور، القادر على تشريح مكامن الالتباسات· وبهذا فقد برئ تمام البرء من وسطية التوفيقيين التعسفيين الضحلة ·
    أما الأستاذ حسن بافقيه فقد كتب في موقع الرياض الاليكتروني يقول لقد استطاع عبدالله الطيب عبر كتابه الضخم المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها أن يقدم عملاً موسوعياً توخى من خلاله قراءة النفسية العربية - أو لنقل العقل العربي - كما تتجلى في الشعر، وبرؤية نقدية رائدها البصر بحقيقة الشعر، ترفده ثقافة تاريخية ونقدية وشعرية تنثال انثيالاً في صفحات ذلك الكتاب الضخم، وتؤسس رؤية جديدة - لم تستثمر وذلك مؤسف ·· ولم تؤسس لها تلاميذ ومريدين لذائقة نقدية عربية، أدواتها المصطلحات النقدية والبلاغية والعروضية القديمة، ومشفوعة بتعمق في تاريخ الأديان والأساطير والانثروبولوجيا واللغة، في نسيج قرائي واحد، لا يتعالى على القارئ بل أحسب أنه يصادقه ·· ويقيم بين الناقد والقارئ حواراً حميماً، ويفتح كوى جديدة لقراءة نقدية عربية الوجه واليد واللسان، أحسب أنها جديرة بالتأمل والوقوف عندها ملياً بدلاً عن الهرولة وراء كل صائحٍ في الغرب ·

    الاتحاد والبروفيسور الراحل

    منذ أن أقعده ذلك الداء العضال وأصابه بالشلل وألجم لسانه الذرب الفصيح في يونيو عام 2000 ظلت الاتحاد تتابع أحواله الصحية وتنشر مقالة بين الفينة والأخرى حول حياته وابداعه· وذلك في صفحة السودان من الداخل التي تصدر يوم الثلاثاء من كل أسبوع· ونقتطف بعض ما جاء في مقالات ثلاث بقلم كاتب هذه السطور والرابعة بقلم الزميل الأستاذ عبدالجبار عبدالله·

    جامعة لندن

    پ في ذلك المساء البعيد من عام 1945 كان مسرح معهد التربية بجامعة لندن يحتشد بجمع غفير حين اعتلى الخشبة شابان أسمران نحيلان دقيقا الملامح - أحدهما مفصود الخدين - وأخذا ينشدان ويرجّعان قصيدة جميلة ذات رنين صادح، كانت القصيدة من تأليف احدهما، وهو عبدالله الطيب وترجمها الآخر- أحمد الطيب - وكانا آنذاك مبعوثين الى انجلترا - وبعد أن فرغا من ذلك الانشاد العذب تدافعت نحوهما العذارى والتففن حولهما يطلبن توقيعهما على النسخة الانجليزية التي تم طبعها بالرونيو وتوزيعها على الحضور·
    جاء في القصيدة التي خلد فيها عبدالله الطيب العاصمة البريطانية كما لم يستطع أبلغ اهليها أن يفعل:
    حياك - لندن - ريحان له أرج
    من الرياض النضيرات المآنيف
    ما ان يجف إذا جف الربيع ولا
    يمسي يصوحه مر المهاييف
    صوب العقول حياه فهو مكتهل
    ريان بالزهر ذو وشي أفاويف
    ولا أذهب بعيداً اذا زعمت أن قصيدة أخرى لعبدالله الطيب كتبها في أبريل 1946 وعنوانها الكأس التي تحطمت ما كانت تصور إلا صبوة من صبوات الصبا في لندن شاركه فيها صديقه أحمد الطيب· والعجيب في أمر هذه القصيدة الجميلة أنها تعتبر من الشعر الحر الذي ناصبه الدكتور عبدالله الطيب عداء لم يخف اواره إلا أخيرا· حتى هذه القصيدة التي سبقت في الزمان قصيدتي كوليرا لنازك الملائكة و بلوتو لاند للدكتور لويس عوض لم يحاول الشاعر من خلالها أن يزعم ريادة تلك الحداثة الباكرة حتى حينما حاول بعض النقاذ اثبات ذلك· وقال انها مجرد محاكاة لنفس شاعر انجليزي أشار اليه· غير أني أرى أن القصيدة الرائعة للشاعر محمد المكي ابراهيم هايدي فيها نفس عميق من الكأس التي تحطمت ·
    والدكتور عبدالله الطيب هو أحد أبرز العلماء والمثقفين السودانيين الذين انتفعت بهم بلادهم· وقف ستين عاما في قاعات الدرس يعلم ويحاضر ويكتب ويؤلف ويضع المناهج والمقررات ما وهن عزمه وما كلّ ساعده وما خيب أملا لأمته - لا تآمر عليها ولا شارك في وأد حريتها ولا ركض وراء الاستوزار يطلب جاهاً· وما نتج عن خصوماته في جامعة الخرطوم بشأن منصب المدير سوى الشعر العظيم· ولا عجب في ذلك فالرجل يتحدر من عترة كريمة جعلت من العلم حياة لها ·· فالمجاذيب دورهم لا يخفى على أحد علماء وشعراء وأدباء وثوارا رفعوا شعلة العلم الوقادة في الدامر وامتشقوا السيوف ذوداً عن الوطن انصارا للإمام المهدي في الشمال والشرق واحتسبوا عددا من الشهداء· ذلك غير ما قدموه في انتفاضة السودانيين ضد الأتراك في عشرينات القرن التاسع عشر·
    بعد تخرجه في كلية جوردون التذكارية عمل عبدالله الطيب في التدريس بالمدارس الوسطى بأم درمان الأهلية· وحكى لي زميله العم الأستاذ مبارك بابكر البشير - عليه رحمة الله - أنهما كانا يدرسان اللغة الانجليزية للصف الرابع- وكان فصلين - وحدث أن تفوق فصل الأستاذ مبارك على تلاميذ عبدالله الطيب· وفسر لي العم مبارك السبب - ضاحكا - إنه كان يلتزم بالمقرر ويجوده أما عبدالله الطيب فكان يحلق بهم في سماوات أخرى من المعرفة ويتشعب بالحديث فيتخذ مسارب شتى·
    وتجد تلك العادة مستقرة لدى الدكتور عبدالله في الحديث وفي الكتابة· فإذا استمعت اليه يشجيك بصوته المديد واحاديثه الطلية المتنوعة ويقودك إلى عوالم ساحرة في اللغة والمعرفة· واذا قرأت نثره يأخذ بلبك ويمشي بك في دروب التاريخ والسير والخرافات والناس بمختلف أنماطهم، فتتقلب بين نعيم المعرفة وطرافة الحديث·
    وما زلنا نذكر كتب المطالعة للمرحلة الوسطى التي قام بتأليفها بلغة جزلة سائغة سبت عقولنا الغضة في تلك الأيام وأسعدتنا حكايات السندباد والرخ ومسرحية عمرو بن يربوع اللتين صاغهما شعرا ومسرحية أبو الحسن وهارون الرشيد وغيرها ·· ومازال كتاب الاحاجي الذي ضم مجموعة طريفة من القصص والأساطير السودانية يعاد طبعه للأطفال عاماً بعد عام فيشحذ خيالهم وينمي عادة القراءة فيهم·
    أما كتابه من نافذة القطار فيظل من أمتع ما قرأت من النثر الحديث - ولا ألتمس له نظيرا من جنسه الأدبي· غير أنه أقرب الى الهايكو الياباني - وهو ضرب من الشعر يكفي بيت منه للتعبير عما تأتي به قصيدة كاملة ·· ففي ذلك النثر لكل كلمة صداها - سفراً ماتعاً بالقطار يطوف بك على المعارف والنوادر والحكم ويتنقل فتحتويك الدهشة والاعجاب·
    حملت الينا الأنباء أخيرا أن الدكتور عبدالله الطيب الذي وصل إلى انجلترا في اجازته السنوية كعادته في كل صيف ألم به عارض زائل - باذن الله- وألزمه سرير المستشفى فوجفت القلوب - الا أن ما تواتر من أنباء بعد ذلك أفاد بتحسن صحته واستقرارها ·· لا نملك الا أن نرفع الأكف بالضراعة للعلي القدير أن يمن على ذلك العالم الموسوعي الكبير بالصحة ويمتعه بالعافية فالدنيا في غياب أمثاله ماسخة عجوز وعاطل جيدها عن كل حلية·

    ذكرياته عن الكلية

    لما استعد عبدالله الطيب لأداء الامتحانات لدخول الكلية في ديسمبر عام 1935 كانت هناك بضع عشر من المدارس الوسطى· لم تكن كلية جوردون مدرسة ثانوية حقا، كانت مدرسة اعدادية للتوظيف·· كانت التجهيزي · ثم صارت ثانوية فيما بعد حين أدخل في نظام التعليم امتحان شهادة كيمبردج وقامت المدارس العليا التي انتقل إليها اسم كلية جوردون ومهدت لقيام جامعة الخرطوم· وعندما التحق عبدالله الطيب بالتجهيزي كان يستطيع أن يحدد الدراسة التي يرغب فيها· وكان القضاء الشرعي طموح الجميع ووقفا على التلاميذ الأذكياء - وكان هو في مقدمتهم - إلا ان اختيار هؤلاء كان يتم كل خمس سنوات· ما كان صاحبنا يميل كثيرا للقضاء، بل كان الى التدريس أقرب· يستعجل السنوات ليتوظف بسرعة بسبب ظروفه العائلية· لم يستجب لدعوات معلميه في الالتحاق بالقضاء لذا كانت خيبة أمل مستر سكوت كبيرة ·· ولهذا الخواجه فضل كبير على التعليم في السودان ·· فعندما لاقاه بعد سنوات هو يدرس في معهد بخت الرضا قال له متحسرا، انك كنت أذكى تلميذ مر على الكلية وقيل ان مستر سكوت زار السودان بعد ذلك في عام ,·1967 كدأبه من وقت لآخر في فصل الشتاء· وكان قد أسن وجعل ينتابه بعض النسيان ·· جمعتهم مائدة افطار عامرة في شهر رمضان أقامها الزعيم اسماعيل الأزهري للضيف الزائر· وكان الأزهري قد درَّس عبدالله الطيب الرياضيات في الكلية عام 1939 وظل يدرس الى ما بعد منتصف عام 1945 ليتقاعد متفرغا للعمل الوطني·

    بعد وفاته الفاجعة

    مثّل عبدالله الطيب النموذج الأسمى للمثقف السوداني الذي جمع ببراعة نادرة ما بين موروثه الثقافي الضارب في القدم، وبين ما اكتسبه من وعي وإدراك من تيارات الحداثة الغربية·حسبه ولد ونشأ في المنطقة نفسها التي يقال أنها كانت مهد الإنسان في طفولته الأولى، ومسرح ابداعه الحضاري الذي أهداه للبشرية الغافية في تلك العصور السحيقة·
    تدرج في مراحل التعليم الزمني متفوقاً في كل عام، وأبدى ضروباً من النجابة والحزم، حتى ولج كلية غردون التذكارية، وكانت أملاً عزيز المنال· وهناك تجلت قرائحه وازدادت معارفه حتى تخرج معلماً في المدارس الوسطى· بات أديباً مرموقاً ولا يزال طالباً بالكلية، توجه إليه الدعوات ليحاضر في المنتديات العامة، حول الأدب والثقافة والتاريخ، وهو دون العشرين·
    كتب شعراً كثيراً -وله عدة دواوين- إلاّ أن بعضاً من الناس رآه متحفياً لا يعبر عن الإنسان المعاصر وانصرفوا عنه· لكن ذلك لا يعني خلوه من الصور الجمالية والابداعية اللغوية والعاطفة الفياضة· وقد أعجبتني كثير من قصائده، أعود اليها من وقت لآخر متذوقاً مستعذباً، وخاصة مراثيه المترعة باللوعة الإنسانية والحزن النبيل·
    أما في كتابة النثر فلا ينبري لمصاولته كاتب فقد امتلك ناصية اللغة فانقادت إليه سلسة مطواعة · ما ادعى كتابة الرواية ولم يحاول -إلاّ تلك الأحاجي التي حررها للأطفال- ولكن من نافذة القطار و حقيبة الذكريات من بين أعماله النثرية الكثيرة تمثلان عندي ذروة القص والتداعي في الحكي مع عمق التجربة وتنوعها·· كلما قرأتهما إزدادتا نضارة واشراقاً واسهمتا في انفعالك الروحي وثراء وجدانك·· أو غل بهما أبعد مما يعرف الآن بالواقعية السحرية· لغة رصينة جادة ومفردات شاردات عابثات ضاحكات، ومواقف عادية مشحونة بالدلالات والرؤى يتعالى ضجيجها الإنساني ليشكل جنساً روائياً غير مسبوق·
    كان حين يتحدث يستدعي الزمان والمكان والشعراء والأدباء والمحدثين والعلماء والملوك والسلاطين فتراهم أمامك شاخصين·يتكلم فيتمثل بالشعر والحديث والمأثور فتطفر بعض غوامض اللغة فيعود للشرح والتفسير شأن المعلم الحاذق والمربي الرءوف·

    المترجم الخلاق

    وهذه المقالة جاءت بقلم الأستاذ عبدالجبار عبدالله عن تجربته الشخصية مع عبدالله الطيب المترجم·
    كان يأتي منهكاً ومثقلاً بالهموم والأعباء ما بين مجمع اللغة العربية ويحدث طلاب الماجستير والدكتوراه ومحاضرات أقسام الآداب التي تتقاذفه هنا وهناك· وكانت هموم الكتابة والمشاركة في السمنارات والمنتديات والنشاط الأدبي والثقافي العام·· كان يأتينا برأس مثقل بالمعرفة تسنده وتؤازره حقيبة ضخمة تغصّ بالكتب والمراجع، لازلت أذكر لونها وشكلها وتصميمها وأراها أمامي وأراه· كان ينتقي لنا منها أمهات الكتب، وعُصارة نصوص الأدب الرصين وخلاصتها· عرف معظمنا الأستاذ من أبلغ وأفصح من تحدث العربية وصرفها ونحوها وتاريخها وآدابها، المحدث منها والقديم· ولكن قلة هم من عرفوا عنه فصاحة وطلاقة لسانه في عدة لغات أخرى غير الإنجليزية التي يدهش بها مستمعيه، إدهاشهم بدرر وعقود عربيته اللألاءة النضيدة· كان لغوياً (Linguist) بالمعنى الاصطلاحي الدقيق للكلمة، أي العارف بنظام اللغة وأصولها وتاريخ تطورها ودراستها المقارنة مع اللغات الأخرى·
    كل هذا رأيته فيه رؤية العين وعرفته عن كثب، وهو يجلس أمامنا ويدرسنا نصّاً واحداً أو نصّين في محاضرة كان زمنها ثلاث ساعات فحسب، لنفترض أن النصّ كان عن شخصية كليوباترا مثلاً -وقد كان أحدها بالفعل- ولكنني أعلم انك لن تترجم ذاك النصّ وتكتفي به وتخرج من قاعة الدرس بما ترجمت، بل كانت مادة الترجمة الواحدة عنده فضاءاً رحباً وواسعاً من المعرفة وعودة باللغة والنصوص إلى ينابيعها وجذورها وتوفراً على أدبيات النص (Text Literature) وخلفيته الثقافية والتاريخية· كان خير من يكسو عظم النصّ العاري بلحم المعرفة وخلاياها الحية· كانت ترجمة نصّ عن شخصية كليوباترا تعني عنده سياحة في تاريخ مصر القديمة والامبراطورية الرومانية، عن صعودها وأفول مجدها، عن تاريخ الدسائس والنزاعات، وعن دور الحب والنساء والجمال في كل ذلك· كان أستاذنا راسخ المعرفة والقدمين في فن الترجمة وعلومها النظرية والتطبيقية، شأنه في ذلك شأن كبار اللغويين من أمثال رومان جاكبسون وكاتفورد وتشوكوفسكي وبيتر نيومارك وغيرهم·· كان يعلم حق العلم أن نقل أصلٍ ما من لغة إلى لغة أخرى هو ليس عملية ميكانيكية سطحية جوفاء، وأن الترجمة في الأساس هي عمل ابداعي خلاق بالغة التعقيد والخصوصية والعمق، خاصة حيث يكون الأدب موضوعاً لها· تعلمنا منه قيمة الابداع والثقافة والموهبة، وهي قيمة سابقة عنده لشرط امتلاك المترجم لناصية لغتي الترجمة والأصل· كان مبدعاً عميقاً، وكان يعرف كيف يمسك رياح النصوص الجامحة العصيّة على الترجمة من قرونها العشرة ويخضعها لسلطانه·


    جريدة الاتحاد : العدد 10261 بتاريخ 8/8/2003
    www.atittihad.ae

    مؤسسة الإمارات للإعلام
    www.emi.co.ae

                  

08-14-2003, 09:15 PM

Teeta
<aTeeta
تاريخ التسجيل: 02-23-2003
مجموع المشاركات: 669

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مكى ابوقرجة يكتب عن.....شمس المعرفة التى غابت (Re: الكيك)

    الكيك

    ليك تحياتى

    وشكرا على هذا العرض الجميل كما ارجو نقل تحياتى للخال العزيز مكى ابو قرجه او ارسال عنوانه لى فى الماسنجر بتاع البورد

    وفى الانتظار

    ام الاء
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de