|
شوتال و ضفيرتان .. قصة واقعية
|
هذه القصة رغم واقعيتها ، فهي تعكس سباحة البعض في بحور الخيال دون التطرق إلى الواقع و لو من طرف خفي. و أغلب أهلنا ، و لسبب أو آخر ، لا يتطرقون إلى تفاصيل مواضيع مهمة ، بل يتركونها لظروفها أو إلى أن تقع الفاس في الرأس. يعني لا نحب ( تنجيض ) المواضيع تماما ، بل نتركها دائما ( نص إستوا ) بحيث لا نستطيع أكلها و لا يهون علينا أن نرميها أو كما يحلو للبعض أن يسميها ( يموت الدش في الإيد). فايزة ، فتاة جميلة و يتمناها الكثيرون كزوجة، و رغما عن هذا ، تم طلاق فايزة بعد خمسة و خمسين يوما من زواجها. و الأسباب مجهولة ، و لكن السبب المتداول أنها كسولة و ( مش ست بيت ). شقيقتها منيرة ، حظها من الجمال قليل ، بل قليل جدا ، و لكنها ست بيت من درجة ( الأفق )، يعني تعمل من ( باقي كمونية بايتة ) عصير تانك لذة للشاربين. شايلة البيت على راسها ، و طوال اليوم إما في المطبخ أو محتضنة طشت الغسيل أو تكوي الملابس أو تقوم بتنفيض البيت من الأتربة و الغبار، دون كلل أو ملل . الأب كان قد تنفس الصعداء عندما تزوجت فايزة ، و لكن هاهي تعود ( لمراحها ) ، فصار همه مرة أخرى مضاعفا. طرق الباب ذات يوم أحد أقرباء الأب المغتربين ، كانت أخباره قد إنقطعت عنهم لفترة طويلة بعد أن إرتحل إلى مدينة أخرى ، ثم إغترب ، و سمعوا أن زوجته قد توفيت في أول ولادة لها و لم يتزوج بعدها. برزت علامة إستفهام كبيرة و حائرة لدى الأسرة : يا تري ، ما الذي حدفه علينا بعد كل هذه المدة ؟ أيرغب في إحدى البنتين ؟ فايزة قالت في نفسها و هي تنظر في المرآة : أكيد سمع بي طلاقي و جايي يعرسني. بس اليخش في إيدي و الباقي هين. دة مابطير مني تاني. و إبتسمت لنفسها و أصلحت من هندامها و هي تتأبط شيئا في نفسها الأمارة بالزواج مرة أخرى. منيرة ، تعرف أنها لا تملك شيئا تتباهى به غير ( فنها المطبخي ) لذا فهي تعتمد على مباهاة أمها بها أمام الجارات و الأقارب. و دخل المغترب و تجاذب أطراف الحديث مع صاحب البيت لبرهة ثم خرج مشيعا بنفس علامة الإستفهام و التي كبرت و تضخمت. الأب حك رأسه و غرق في تحليل و تخمين و هو ينظر للفتاتين. و الأم حائرة ، لمن ترشحه إذا تقدم. قفز مبكر على معطيات الأمور، و لكنه حدس الأم الذي يقوده خوفها على مستقبل البنت و حرصها على أن تدخل بيت الزوجية. و منيرة تنظر للأب و كأن لسان حالها يقول : أنا يابوى ، الدور علي أنا. فايزة ، معتمدة على جمالها ، تقبع في غرفتها و هي تتظاهر بعدم المبالاة ، رغم الأسئلة الكثيرة التي تزحم رأسها و الآمال العراض التي صارت تتراقص أمام عينيها. بعد عدة زيارات غير معلنة الأهداف ، تأكد للجميع ، أن زولنا يقوم بزيارات إستكشافية. فزادت وتيرة المبارة في البيت. فايزة تتألق بثياب و بقايا دهب زواجها الأول التي تسميها صديقتها ( بقايا الحزن القديم ) و منيرة أخرجت كل ما في جعبتها من أصول الطهى و تلميع الكبابي و تبخيرها بالمستكة و الشاى المنعنع و أبو هبهان و زنجبيل و قرفة. الأم تقف محايدة ، و الأب يقف بحذر في صف المطلقة لأسباب مقتنع بها في دخيلة نفسه. صراع خفي يحتدم بين الفتاتين ، و الأم في جهة و الأب في جهة أخرى ، و لكنه صراع مكبوت ، تفضحه أحيانا التصرفات أو التعليقات. لم يحدث قط أن وصلت الأمور بين الشقيقتين إلى هذا الحد من المناكفة و الغيرة. يأتي زولنا ، فتهرع فايزة بكامل أناقتها و أسلحتها الهجومية و تفتح الباب . و ما أن يستقر على الكرسي حتى تكون منيرة قد أتت بالعصير و إرتطام مكعبات الثلج بجوانب الجك الزجاجي يموسق خطواتها الخجولة. فايزة ، بحكم أنها الكبيرة تقول لها بعد أن شرب الزول الجك كله و قال إنه عصير لم يشرب مثله من قبل ، تقول فايزة لمنيرة : بعد دة أنا بودي العصير. تقول منيرة و هي متحفزة : خلاص ، سويهو إنت و وديهو. فتسكت فايزة على مضض ، فهي تكره دخول المطبخ. و عندما سبقت منيرة يوما فايزة في فتح الباب للزول ، قالت فايزة : الخفة العليكي شنو ؟ فترد منيرة : يعني هو لما خبط الباب ، قال يا فايزة تعالي أفتح الباب ؟ أحيانا عندما يأتي ، تختلق فايزة مشوارا لمنيرة للدكان ليخلو لها الجو ، و تبدأ المشاحنة و المناقرة. يوما ، أخفت منيرة كل الذهب التي تتزين به فايزة. و حدثت أول مشكلة بينهما يتدخل الوالدان لفضها و هما في حيرة من أمرهما للحال الذي وصلت إليه الشقيقتانو إنقلب رأسا على عقب. و زولنا يأتي و ينقل بصره حيث شاء بين الفتاتين ، و حرب خفية تدور بين الأختين ، و هو لا يدري أنه هو الذي قد أشعل أوارها. و إنطلقت أولى الشرارات عندما أتى زولنا بهدية و قال للأب : دي هدية متواضعة لأختنا منيرة. و لولا الحياء لأطلقت منيرة زغرودة تجيدها تماما. و لكنها أخذت الهدية التي توسدتها بدلا من المخدة ليلتها ، و سهرت تدعو الله أن يلج الزول في قفصها و التي نذرت إن فعل و ولج القفص لتغلقه عليهما القفص و تبلع المفتاح ( لا دخول لا مروق تاني ). ليلتها ، مرت الساعات على فايزة و كأنها أيام طويلة ، تنظر إلى فايزة تحتضن هديتها و هي تكاد تنفجر من الغيظ. و منيرة لا تفتأ تغني لكى تزيد من غيظها : أول غرام ، يا أجمل هدية. زولنا أتى متأنقا في اليوم التالي ، فبادرته منيرة بفتح الباب له منحنية خجلا و مدارية لجمالها الشحيح ، و كأنها تشكره على الهدية ، و تظهر له إستعدادها لتكملة بقية المشوار ، و لكن زولنا فاجأ الجميع بأن أحضر هدية ( طبق الأصل ) لفايزة و هو يعتذر بأنه لم ينس هديتها و لكنه لم يجد مفتاح الشنطة الأخرى في ذلك اليوم. ألجمت المفاجأة الجميع ، و خاصة منيرة. عقلها المحدود لم يستطع أن يحلل مغزى المساواة هذه. فايزة رغم أنها كسبت معركة و لم تكسب حربا ، أيضا لم تجد تفسيرا للذي حدث. ماذا يريد هذا الرجل ؟ ربما هو في صراع نفسي للإختيار و المفاضلة. و هنا قرر الأب أن يرتاح من هذا الجو المكهرب و الحيرة اليومية فسارع بسؤال الرجل سؤالا مباشرا : إنت يا ولدي إتزوجت بعد موت مرتك ؟ لا يا عمي طيب مستني شنو ؟ عشان كدة جيتك يا عمي ، و كل يوم أقول أفتح الموضوع ، ما بلقى الشجاعة و أقول أخليهو لتاني يوم. أهو البركة السألتني. الليلة. و هنا إنفرجت أسارير الأب بإبتسامة عريضة و قال بثقة و هو يمدد رجليه : أها ، ياتا فيهن ؟ فقال الرجل : و الله يا عمي هي قالت لو ما إنت وافقت هي مابتوافق لأنك عمها الوحيد و إنت في مقام أبوها.. قال و هو يهب واقفا كالملسوع : منو دي ؟ بت أخوك الشغالة معلمة في السعودية. و يبدو أن فايزة و منيرة كانتا تتسمعان كلام الرجلين ، و ما أن سمعتا كلام الزول ، حتى نظرت كل واحدة إلى الأخرى بزاوية حادة من الدهشة المشوبة بخيبة الأمل و الغيظ و الإحباط ، ثم بلا وعى إحتضنت كل واحدة الأخرى و راحتا في ضحك هستيري ، و هن يتمايلن و كأنهن يبكين عزيز لديهن.
|
|
|
|
|
|