حوار مع المفكر السوري طيب تيزيني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 04:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-02-2003, 01:09 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20429

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار مع المفكر السوري طيب تيزيني





    2003/08/01




    weekly_culture


    --------------------------------------------------------------------------------


    انتقل من فكر التنوير إلى التحرير، سؤاله لماذا نجح المشروع الصهيوني وأخفق العربي؟
    الطيب تيزيني: الجابري وأمثاله راهنوا على بنية محبطة
    نعيم ابراهيم





    المفكر والاكاديمي د. طيب تيزيني صاحب نظرية يشتغل عليها منذ سنين طويلة حول المشروع العربي النهضوي، يبدو اليوم متفائلاً بإمكانات التطور التي تنتظر امتنا وهي على مشارف الحداثة الى جانب المهام الكبرى التي تواجهها وهي إضفاء المزيد من العقلنة والتنظيم على كافة مرافق الحياة. ويبرز في مقدّمة هذه المهام دعم وتطوير الانتفاضة الفلسطينية الباسلة التي تشكّل ضمير الأمة ووجدانها وعنوان صمودها.
    وحول اسئلة النهوض واجوبة الانحطاط ودور العقل العربي وأهميته في عملية الوعي والنهوض القومي، ودور الفلسفة العربية، وادوات المعرفة الاخرى، كان لا بدّ من حوار سياسي فلسفي ثقافي مع د. طيب تيزيني يكرّس للقضايا الفكرية.
    › لا شك في ان المرحلة العربية تستدعي ان ينتقل شقاء الوعي الى وعي مصادر الشقاء والانخراط في المجهود العقلاني الذي يسعى الى تأسيس مشروع عربي نهضوي يتخذ من التاريخ مرشداً له ومن النقد العقلاني أداته الاساسية من اجل التنوير والابداع والوحدة. وانت كمفكر عربي صاحب نظرية تتعلق بهذا المشروع تواصل الدأب على هذا الطريق أودّ ان استهل الحوار بالسؤال عما استقرت عليه نظريتك؟
     هذا سؤال يخصني مباشرة، وأرى أني معني به على نحو خاص. كنت قبل هذه النظرية قد بدأت بالتأسيس لمجموعة من الافكار التي اردت لها ان تكون مسودّة لمشروع عربي جديد في النهوض والتنوير. وقد اشتغلت على ذلك سنين طويلة بعض الشيء واستقريت على فكرة ان هذا المشروع لا بد ان يأتي بوصفه مشروعا يواجه المشروع الذي أتى به وكأنه بديل عنه واعني بذلك المشروع الصهيوني.
    وقمت بهذا العمل كتابة ومحاضرة وحواراً، ولكن الانتفاضة الفلسطينية الباسلة في الحقيقة أتت لتجعلني أرى ان امامي مهمة جديدة كبرى هي التأسيس لحالة جديدة ما كانت موجودة بأصلها في الفكر العربي كحالة أخذت تفرض نفسها بعمق، واعني بهذه الحالة التي نقلت ما اعمل عليه من فكرة النهضة والتنوير الى فكرة اكثر حسما او اكثر تدقيقا وهي فكرة التحرير، في هذه الحال كنت استعيد دائماً التراث النهضوي الذي خلّفه المفكرون العرب النهضويون في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين والذين كانوا في مجملهم يحومون حول محور كان حاسماً وهو: لماذا اخفق العرب ونجح الاوروبيون؟!
    والسؤال أصبح ذا بعد آخر: لماذا نجح المشروع الصهيوني وأخفق المشروع العربي؟ الانتفاضة الفلسطينية أعادت بناء هذا الملف الذي كان موجودا بطبيعة الحال لكنه لم يشغل حيزا اساسيا بالمعنى الوظيفي في الفكر العربي ما قبل الانتفاضة.
    لقد أتت الانتفاضة لتجعلنا نعود الى تلك المرحلة المتوهّجة التي توقف فيها الفكر العربي عن التقدم النهضوي بسبب من تلك المرحلة التاريخية العظمى التي مرت بها البشرية واعني مرحلة الانتقالية من القرن التاسع عشر الى القرن العشرين ذلك لان الانتقال هذا كان يعني انتقالا باتجاه النظام الرأسمالي الامبريالي. هذا النظام من اخص خصائصه انه اخذ يحاول اعادة تقسيم العالم وفق مصالحه الجديدة. وفي إطار تقسيم العالم كان المشروع الصهيوني قد أخذ يتبلور بوصفه أحد أوجه المشروع الامبريالي الاستعماري الاستيطاني وفي مثل حال تدفق هذا المشروع ما كان لمشروع نهضوي عربي أن يأخذ مداه.
    كان عليه ان يتصدّع تحت وطأة الغزاة الجدد الذين كانوا يلخصون التقدم التاريخي بأعلى صيغة تقدم تكنولوجيا صناعيا ثقافيا عسكريا... الخ كان هذا التقدم قمينا بأن يطيح كل ما يقف بوجهه من مشاريع اخرى في العالم غير الاوروبي الاميركي.
    اعادت الانتفاضة الفلسطينية الراهنة مرة اخرى الفكر العربي ومعظم المفكرين العرب والمثقفين الى تلك الفترة المتوهجة لطرح سؤال كبير عليها، لماذا حدث ما حدث وما الذي يمكن ان يحدث الآن؟
    كان في مقدمة من اجاب على اسئلة تلك المرحلة المفكر العربي السوري اللبناني (نجيب عازوري) الذي كتب كتابه الهام حتى الآن وكان بعنوان (يقظة الامة العربية) وأصدره عام 1905 واعلن فيه المقولة التي تبدو الآن بوصفها المقولة الاكثر وضوحا فيما يخص المشروع الصهيوني والمشروع العربي حيث قال: (هناك الآن حركتان اثنتان، الحركة الصهيونية والحركة العربية. وهاتان الحركتان لم تستطيعا ولا يمكن ابداً ان تستطيعا التحالف لو ان نتواشجا او ان تصلا الى نقطة ما من نقاط الاتفاق. سوف يكون مصيريا ان تتصارع هاتان الحركتين بحيث لا بد للواحدة منهما ان تصارع الاخرى). وينهي عازوري مقولته بالعبارة التالية (... وسوف تتحدد معظم مصائر العالم بمصائر الصراع بين هاتين الحركتين).
    هذه المقولة عدت إليها واكتشفت فيها نبوءة عبقرية حددت تطور قرن من الزمان هو القرن العشرون، ومن ثم وكأننا نضع الآن يدنا على بواكير المشروع الصهيوني وبواكير سقوط المشروع العربي. والفضل الاعظم للانتفاضة الفلسطينية التي اعادت التوهّج لهذه المقولة ووضعتنا أمام الفكرة الحاسمة التي ذكرتها، وهي العودة الى فكرة التحرير، ومن ثم حينما بدأت هذه العملية تبرز امامي وجدت ان كل ما اخذ يحدث من صراعات سياسية ومن مساومات سياسية لا بد ان يقرأ في ضوء فكرة التحرير ذاتها. ووصلت من ثم في مشروعي الى القول: ان العودة الى مدريد لم تعد مسوغة ابدا.
    المسوغ الآن هو صراع مفتوح بالمعنى التاريخي بين مشروع عربي مقهور ومشروع صهيوني استيطاني استعماري مدعم بالمعني البنيوي والوظيفي بالمشروع الامبريالي العولمي الجديد.
    المقاومة
    › المقاومة في لبنان وفلسطين استأنفت العمل على إحياء روح هذه النهضة العربية التحررية وكأن وعي الشعوب يسبق ادراك الانظمة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا مفاده: ألا يحتاج هذا الاستئناف الى الكثير من الوعي والدعم، وكيف تقرأ انتفاضة الشارع العربي على هذا الطريق؟
     شيء مثير للانتباه يتمثل في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الاقصى) بهذا الشكل والزخم أتت متواقتة مع خمود هائل للحالة العربية ومع تعاظم الهيمنة الامبريالية العولمية.
    وكاد فريق كبير من الناس يعتقد ان مصير الانتفاضة نهايتها وابتلاعها من قبل المشروع الصهيوني العولمي الامبريالي. لكن هناك شيئاً ما كان بعضنا يعتقد أن حدوثه ممكن، وهو العودة الى الشارع العربي. هذه العودة مثلّت وما زالت تمثل إشكالية نظرية لا بد من معالجتها وأعني بذلك ما يلي: ثمة اعتقاد بعد تفكك المنظومة الاشتراكية ان التاريخ فعلا (وفق مقولة فكوياما) انتهى الى النظام الاميركي. ومن ثم اذا كان النظام الاميركي قمة التاريخ، اذاً كل ما لا يستجيب لهذه القمة عليه ان يتصدع. وهنا نشأت حالة معروفة من قبل الجميع، حالة من الاحباط التاريخي العميق للامة العربية برمتها ولشعوب العالم.
    وقد وظف النظام السياسي العربي عبر استشارات هائلة تمّت بينه وبين النظام الامبريالي العولمي وربما المشروع الصهيوني وظف هذه العملية باتجاه يقول: إذا كان الشارع واذا كانت الامة قد انتهت واستسلمت فما علينا إلا ان نذهب الى مدريد.
    في حقيقة الامر كان هذا القول قد تضمن لعبة خبيثة بالمعنى المعرفي تمثلت في ان النظام العربي راهن على البنية المعلنة من الامة العربية وهي بنية ظهرت بوصفها بنية محبطة. وفي هذا كان النظام العربي يسعى الى اخفاء واقصاء والسكوت عن البنية الخفية التي ظلت متوهّجة ولكنها مقموعة مقهورة. هذه العملية اللفّ على البنية الخفية من موقع البنية المعلنة كانت هي العامل الذي أسس لاقناع جمهور كبير من الامة العربية بالذهاب الى مدريد، واكاد اقول قسم كبير من المثقفين والثوريين كانوا يرون هذا الرأي اعتقاداً بأن نهاية العالم الاشتراكي هي نهاية مفهوم التقدم واكتشفوا ان هذا غير صحيح.
    وهنا نفهم لماذا قدّم (محمد عابد الجابري) في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي مقولته الخطيرة التي تفهم في سياقها التاريخي حين قال: (سارعوا قبل أن تنغلق الدائرة). كان يريد كان يريد ان يقول: لم يعد امامنا سوى هذا الخيار وعلينا ان نفهم كيف نصوغ هذا الخيار. لم يدرك الجابري وامثاله من المفكرين والمثقفين العرب ان الرهان كان رهاناً على بنية عربية محبطة فعلاً وكان رهانا قد اقصى بالاساس البنية الاخرى الخفية التي ظلت متوهجة ولكنها مقهورة. الانتفاضة الفلسطينية فكّت الارتباط (وهنا مهمتها العظمى) بين هذه البنية وتلك، وهو ارتباط قام على الالتباس، واظهرت ان البنية الخفية هي البنية التي عليها ان تصوغ خطابها الآن. هنا بدأ الحدث التاريخي العربي. هذا الحدث الذي له اعتباره الآن واشتغل عليه، حدث اسهم في فتح التاريخ العربي بعد ان ساد اعتقاد انه أُغلق. وقد واجهنا كثيرا من الكتابات التي اعلن اصحابها ان العرب خرجوا من التاريخ او يكادون يكونوا قد خرجوا.
    الانتفاضة الفلسطينية أسست لحالة جديدة حينما فكت هذا الارتباط بين بنيتين ملتبستين، بنية معلنة واخرى خفية، واظهرت ان الرهان ليس على المعلنة وانما على الخفية، وهذا ما دلل على مصداقيته المعرفية عبر ما حدث ويحدث الآن.
    الفضل الاعظم للانتفاضة يكمن اذاً في انها اعادت رواء الامة. والنظام العربي السياسي والاقتصادي فوجىء بهذه العملية، فعلاً لم يدرك ان العملية قد تصل الى هذا الحد ومن ثم فهو كان قد أسس لحالة جديدة من انتاج خطاب سياسي جديد يقوم على القول (كفى دماء، كفى قتلا وهو يخاطب هنا الاسرائيليين والفلسطينيين اعيدوا الاطفال الى بيوتهم والنساء الى حجراتهن والرجال الى اعمالهم). وكانوا بهذا اعني في انتاج هذا الخطاب السياسي قد اشتركوا مع الفكر الغربي الامبريالي العولمي والفكر الصهيوني، والقصد منه إنهاءالانتفاضة التي بدأت تبدو وكأنها شيء لا علم لهم به اطلاقاً. غير ان الانتفاضة استمرت واسقطت وفككت هذا الخطاب السياسي عبر انتصارها. هذا الانتصار الذي وإن تمّ عبر الدماء وعبر ما قد يعتقد انه هزيمة ولكنه ليس هزيمة، انه انتصار سوف يؤتي أكله. ومن ثم فإننا نعيش الآن حالة جديدة، حالة من الدماء ولكنها حالة ضرورية من اجل الوصول الى ما نسعى اليه.
    › هل يمكن ان تؤدي الانتفاضة وما يقابلها من رافعة شعبية عربية، الى تكوين الدولة القومية الواحدة المتحررة من كافة أشكال الاستعمار والتبعية في المستقبل، وماذا عن العقلانية العربية في هذه القضية؟
     شيء رائع ولافت الآن في الفكر السياسي العربي، ان الانتفاضة بدأت تؤسس لخطاب سياسي عربي جديد عبر أمرين اثنين:
    الأول: وحدة العمل على الأرض. حيث لاحظنا ان كل البنادق وكل الحجارة الفلسطينية رغم تعدد مصادرها (مصادر المنظمات الفلسطينية) التقت في هدف أساسي.
    الثاني: بدأ يفصح عن نفسه ويكاد يكون الآن قد أصبح حالة محققة وهي وحدة الفكر السياسي الفلسطيني. كان هنالك مقدمة لوحدة هذا الفكر، هي وحدة السلاح، وحدة الصراع على الأرض. تأتي الوحدة السياسية لتمنح وحدة السلاح مغزى جديدا هو ان هذا الصراع المسلح له بعد استراتيجي يتأسس على فكرة النهوض العربي الجديد، وبالتالي أخذ يظهر واقع جديد يتمثل في ان الانتفاضة عمقها الحقيقي هو عمقها العربي، ولا يمكن أبدا ان تكون انتفاضة فلسطينية فحسب وإنما هي انتفاضة عربية. وبهذا المعنى الانتفاضة قدمت ارهاصات جديدة للتفكير في انتاج خطاب سياسي عربي جديد يقوم على استعادة مفهوم التحرير وأبعاد تلك المفاهيم التي دخلت مع مدريد تحت اسم الفكر السياسي القائم على المساومة والمماطلة والحوارات والعودة الى طاولت المفاوضات. كل هذا الآن أصبح لا اثر له.
    مقولة التحرير قد يكون لها دور في اعادة بناء الخطاب السياسي العربي. من هذا الموقع أقول ان الانتفاضة إذا ما سير بها الى الأمام خصوصاً على وقع الشارع العربي الآخذ شيئاً فشيئاً في التعاظم، فإن هذا سوف يؤسس لمشروع كان عليه ان يتأسس في القرن التاسع عشر وهو المشروع النهضوي العربي الذي من أهم أركانه تأسيس البنية السياسية العربية الواحدة.
    لم يعد القول ربما الآن مناسبا بضرورة التحدث عن دولة عربية واحدة، وإنما عن مجتمع سياسي عربي واحد قد يتجلّى بصورة دول متعددة.
    النظام السياسي العربي
    › لكن غالبية النظام العربي الرسمي يتساوق الآن مع ما يطرح حول مفهوم العولمة وبالتحديد لجهة تثبيت الوجود الصهيوني في المنطقة العربية. فهل ترى ان ذلك ناتج عن عدم فهم طبيعة المشروع الصهيوني الى الآن من قبل هذه الرسميات أم ماذا؟
     أقول نعم ولا. هناك فعلا من أطياف النظام السياسي العربي من لم يدرك حتى هذه اللحظة طبيعة هذا النظام الصهيوني، وأعني هنا تحديداً (في طبيعة هذا النظام) نقطة حاسمة وهي ان هذا المشروع الصهيوني لا يحتمل السلام ولا يمكن ان يتآخى مثلا مع السلام لأنه لا يقبل بأقل من كل الجميع، هذا هو العمل المؤسس للمشروع الصهيوني الذي قام على مجموعة كبرى من المؤسسين من هرتزل الى هذا السفاح شارون. انه مشروع من أساسه لا يحتمل السلام لأن السلام يمكن ان يخترقه فعلا، ويبدده خصوصا وان جيرانه ذوو عمق تاريخي عميق وكبير وذوو بنية سكانية ديمغرافية وثقافية وامكانات اقتصادية احتمالية يمكن ان لا تسمح لهذا النظام العنصري الصهيوني ان يبقى كما هو.
    لهذا فإن ما يُطرح تحت اسم مفاوضات السلام ليس أكثر من مماطلة تاريخية صهيونية من طرف. ومن طرف آخر قصور معرفي سياسي لدى معظم أطراف النظام السياسي العربي. فإذا فعلاً من لا يدرك ذلك، ولكن هناك بالمقابل معظم هذا النظام العربي يقوم على ادراك دقيق لآلياته ولجوهره ولآفاقه. ولهذا فمعظم هذا النظام ارتبط بنيويا بالمشروع الصهيوني حين عقد تلك الاتفاقيات والصلات الاستراتيجية المفتوحة. وقد أعطي مثلا على ذلك الأردن ومصر. فالأردن الآن مستعدة ان تبيد آلاف المواطنين في سبيل ان لا يصلوا الى السفارة الصهيونية. انه نظام ارتبط بنيويا بالمشروع الصهيوني الأميركي وهذا يدل على ان القائمين هناك على النظام السياسي لم ينطلقوا من قصور سياسي وإنما انطلقوا من ان هذا المشروع الصهيوني هو الركيزة الأساسية لسلطتهم ونظامهم السياسي. ومع سقوطه يسقط أمثال هذا النظام الأردني. لهذا هناك ضرورة في الخطاب السياسي العربي الجديد للتمييز بين هذا وذاك ضمن أطراف النظام السياسي العربي.
    وعلى المفكّرين والسياسيين والمثقّفين العرب الآن أن يتعاملوا مع النظام السياسي العربي تعاملا حذرا دقيقا. لا يتمثل هذا التعامل في الهجوم الصاعق ولا في الصمت الصاعق.
    بمعنى ان تكون هناك رؤية تاريخية مفتوحة لكن تحت وقع توهج الشارع العربي. وبتعبير آخر لن تستطع ان تملي شيئا على النظام العربي الآن وضمن المعطيات القائمة إلا مع تعميق ما يحدث في الشارع العربي. وهذا ما أخذ يؤرق النظام العولمي الصهيوني. لقد بدأوا يتذكرون (مع اختلاف المقارنة) ما حدث في شوارع طهران حين أسقطت الجماهير الشاه ونظامه بكامله. وجلبت شخصاً آخر.
    ان الشارع العربي ذو تراث عظيم وعريض على هذا الصعيد فلم لا يتوهّج بهذا الاتجاه انه الوجه الثاني فما يحدث في فلسطين حيث يمكننا ان نقول ان الوجه الأول هو الانتفاضة. لهذا فإن الأمر معقد ويحتاج رؤية ماركسية مدقّقة تأخذ بعين الاعتبار جدلية الخاص والعام، وتقرأ الواقع العربي قراءة من داخله وليس كما حدث في عقود طويلة على صعيد قراءة التاريخ العربي ماركسياً.
    اننا نحتاج الآن القراءة العقلانية التاريخية الجدلية التي تضع أمامنا ما يحدث بوصفه بنية مفتوحة وذات آفاق تاريخية علينا ان نقرأها ونتعامل معها.
    مشرق ومغرب
    › تصدّيتَ في كتاب لك حمل عنوان (من الاستشراق الغربي الى الاستغراب المغربي.. بحث في القراءة الجابرية وفي آفاقها التاريخية) لمشروع المفكر محمد عابد الجابري الذي يعتدّ بمغربيته ويعتبر أن المفكر الشرقيّ مُرتزق، بينما هو (أي الجابري) لا يأتي على تأليف ونشر كتاب إلا إذا كان حقاً يعتقد أنه سيأتي بشيء يستحق أن يكون كتابا. ماذا عن تطورات هذا الحوار الساخن بين الفكرين المشرقي والمغربي؟
     إن المشرق العربي يقدم الآن أعظم نص بصيغة الانتفاضة، وبالمناسبة إن مفهوم النص ليس مفهوما حرفيا يتناول النص المكتوب فحسب، وإنما أية حالة تأخذ صيغة من صيغ التوهّج، والسوسيولوجية الثقافية قد نعتبرها نصاً.
    ان الانتفاضة بهذا المعنى تمثل مثل هذا النص الذي لم يكتب مثيله حتى الآن عربياً، ومن ثم فالمثقف العربي والسياسي العربي وغيره ليس كما يعتقد الجابري، وإنما حينما تنطلق القدرة من أجل الإنتاج الجديد فإنهما سوف يجترحان أشياء لم يفكر بها الجابري نفسه. والجابري في رأيه هذا يأخذ منحى له علاقة وثيقة بمرجعية الاستشراق الذي يقوم كذلك على مثل هذا التمييز بين المشرق والمغرب، على الصعد الفلسفية والاقتصادية والثقافية والعاطفية أيضاً.
    ولعلي أضيف أن الجابري ينظر الى المغرب العربي على أنه أكثر قرباً من العقلانية والديموقراطية والحداثة لأنه أقرب الى أوروبا بالمعنى الجغرافي، وهو حينما يتحدث عن مشروع نهضوي عربي جديد فإنه يتحدث عن الفلاسفة المغاربة الذين أسسوا أفكارا فلسفية في التاريخ العربي الوسيط ومنهم بشكل خاص (ابن رشد) وهو حين يؤكد على ابن رشد لا يؤكد عليه بوصفه عربيا وإنما بوصفه فيلسوفا قارب الفكر الغربي الذي أسس الفكر الرشدي أو على الأقل أثر فيه بحيث أنه أبعده عن الفكر العربي المشرقي، وهذا التقسيم قائم على أكثر من تعسّف معرفي. أقول إن الانتفاضة تأتي الآن لتعيد النظر في كل المقولات التي قدّمها (الجابري) أساسا عمقا وسطحا... أتمنّى أن يعود الى مقولاته التي قدّمها ليعيد النظر فيها أساساً، أي بالمعنى الابيستيمولوجي، أي بالمعنى التأسيسي الذي كان يرى فيه أن الشرق العربي غير قابل للتقدم، ومن ثم فهو شرق للمستشرقين.
    بهذا المعنى نستطيع أن نقول إن الانتفاضة الفلسطينية أخذت تدخل في عمق حياتنا الفكرية، ولم تبق في حدود العمل السياسي العسكري، بل أخذت تثير الفكر العربي ليبحث عن طرائق ومناهج ورؤى جديدة يستطيع من خلالها أن يعيد النظر في كل ما أنتجه على الأقل منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن.
    › يقول (الجابري) أيضاً: أن كل القراءات المعاصرة للتراث العربي هي قراءات سلفية، وان قراءته هي وحدها البديل، فيما أنت ترى ان التراث لدى (الجابري) يدخل في حقل المسلمات الناجزة وتعتبر نقده للسلفية في التراث قراءة تلفيقية. ماذا عن حقيقة ذلك؟
    نرجسية الجابري
     الأستاذ (الجابري) للأسف مصاب بنزعة نرجسية ربما أتت كونه مغربياً وهو يعتدّ بكونه استاذاً مثل الأساتذة المغاربة الآخرين الذين إذا ما فكروا بإنجاز كتاب ما فإنهم يفكرون ملياً. في حين ان الأستاذ المشرقي لا يفكر الا بارتزاقه. هذا النوع الذي تجسّد عنده بصورة مضخّمة، صيغة النرجسية قادته الى النظر في كل ما أُنتج في الفكر العربي المشرقي على انه نموذج واحد. وفي الحقيقة هو في هذا الموقف مماثل لموقفه الذي أخذه من الفكر العربي في التاريخ العربي عموماً حين قال: إن الفكر العربي من بدء تدوينه في القرن الثالث الهجري ظل هو نفسه. أي انه فكر يلف على نفسه ويكرّر نفسه، ومن ثم لم ينتج المعرفية التامة والكلية حين أكد على أننا اذا ما اردنا ان ننجز مشروعاً نهضوياً جديداً علينا ان نحدث قطعاً كلياً مع التراث...
    الأستاذ (الجابري) وصل الى مقولة: إن الفكر العربي المشرقي الحديث والمعاصر انما هو فكر سلفي انطلاقاً من هذا الخطاب الذي توهمه انحطاطاً حينما نظر الى الفكر العربي كله على انه ذو لون واحد. وقد ناقشته في كتابي المذكور وساءلته فيما اذا كان الأمر مشروعاً حتى على صعيد فهم التخلّف. هل التخلّف ذو بنية واحدة، ام ان التخلف نفسه يمكن ان يفصح عن ألوان أخرى؟
    الأستاذ (الجابري) أبعد كل النونسات، هذه التغيرات، هذه الخلافات بين البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية، ونظر اليها على أنها لون واحد هو اللون الأسود، هو اللون السلفي، وفي الحقيقة وهمه هذا قاده الى ذلك. واريد ان اضيف معلومة هنا قد لا ينتبه اليها القارئ في كتابي أو فيما كتبه الأستاذ الجابري، وهي ان الجابري يقوم على فكر تلفيقي قد يكون فيه عنصر من الانتهازية. فهو حين يتكلم في موضع تحكمه السلفية يكون سلفياً وحين الأمر يكون غير ذلك يكون الوضع مختلفاً. كيف؟
    لقد صرّح (الجابري) في حوار معه لإحدى المجلات بأن أصوله مغربية وكذلك أصول السلفية ويقول بالحرف: (أنا أشعري وانتمي الى بلد أشعري)... وبهذا المعنى نستطيع ان نشكك بمصداقية النص النظري الذي قدّمه، أو على الأقل نقول: انه نص صدر للباحثين والمثقفين في حين ان ما يقوله في ردهات أخرى يصدر لعامة الناس، ولهذا أنا أشكك في مصداقية ما يقول لأن ما يتحدث عنه في حياة الناس هو غير ما يكتبه وينتجه للمفكرين والمثقفين.
    (دمشق)

    ... الى منتدى الحوار



    الصفحة الأولى| أخبار لبنان| عربي ودولي| اقتصاد| ثقافة
    رياضة| قضايا وآراء| الصفحة الأخيرة| صوت وصورة

    ©2003 جريدة السفير
                  

08-02-2003, 06:49 PM

nahar osman nahar
<anahar osman nahar
تاريخ التسجيل: 07-31-2003
مجموع المشاركات: 900

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع المفكر السوري طيب تيزيني (Re: osama elkhawad)

    الاخ اسامة
    تحياتي
    ولك الشكر علي نشر هزه المقابلة مع المفكر طيب تيزيني,وهو من المفكرين الزين بدات الاطلاع علي انتاجه الفكري موخرا جدا,العام الفائت,لكني مع زلك استفدت من قراءاته وتحليله للفكر الاسلامي.وانصح الاخوة بالاطلاع علي مشروعه"مشروع رؤية جديدة للفكر العربي من بواكيره حتي المرحلة الحاضرة"وهوفي اثني عشر جزءا.وقد شدني الجزء الخامس:النص القرآني _امام اشكالية البنية والقراة-وفيه يتناول القران كنص مرتبط بواقعه الاني"القرن السابع" وكزلك القراءات الاسلامية اللاحقةللنص القراني الحديثي.وهو يتناول كل زلك بمنهج يتميز بالوضوح والتجرد العلمي.وفي اعتقادي انه اقرب الي مدرسة محمد اركون في تناوله للاسلام مستعينا بادوات البحث الحديثة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de