المهمشون قادمون

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 02:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-21-2003, 11:48 PM

BousH
<aBousH
تاريخ التسجيل: 04-19-2002
مجموع المشاركات: 1884

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المهمشون قادمون


    نقلا عن سودانايل
    --------------------
    المهمشون قادمون
    تعليق علي مقال عالم عباس محمدنور (في البحث عن الحكمة) بسودانايل الغراء

    د. طه جقدول

    بسم الله الرحمن الرحيم

    التحية لصحيفة سودانايل الغراء ورئيس تحريرها الأخ طارق الجزولي ثم من بعد التحية للأخ الشاعر والأديب الأريب عالم عباس محمد نور وهو أحد أعلام دارفور وأبناء السودان الأبرار. لقد اطلعت أخي الكريم عالم علي مقالك (في البحث عن الحكمة) بعد أن أرشدني إليه أخو عزيز عبر البريد الإلكتروني مشكورا. أعجبني المقال أيما إعجاب وأعتقد أنه قد أعجب كل من اضطلع عليه ومرد ذلك في تقديري انك قد قلت الحقيقة أو اقتربت منها في سردك الموضوعي لمشكلة السودان في دارفور وفي غيرها من أقاليم السودان المهمشة أكدت أن البلاد ينتظرها مستقبل غير مبشر إذا تركت أدواؤها من دون علاج ناجع ثم التزمت الوسطية والاعتدال في طرح ما رأيت من حلول ممكنة ونصحت لكل أطراف النزاع ثم أنذرت الجميع إن لم يلتفتوا إلي صوت العقل ببيت الشعر الذي ختمت به مقالك:

    وكنت امرأ لا أبعث الحرب ظالما ولما أبو أشعلتها كل جانب



    أوافقك الرأي فيما ذهبت إليه في هذا المقال القيم الرصين وأقترح عليك أن تفكر في تطويره إلي كتاب ولا شك عندئذ تكون قد عممت الفائدة الأجيال الحاضرة ومددتها إلي الأجيال القادمة بإذن الله

    لدي بعض التعليق أرجو أن تسمح لي بإيراده.


    متمردو دارفور أم ثوار السودان؟
    لقد أسميت ثورة الأغلبية المهمشة التي انطلقت من دارفور بمتمردي دارفور ـ بدون قصد ـ وهو اسم مدروس بعناية تطلقه المجموعة التي تسيطر علي السودان وشعبه منذ الاستقلال في عام 1956م علي كل من يقول في وجهها لا من أبناء أقاليم السودان المتعددة ما عدا أبناء الإقليم الشمالي فهم معارضون سياسيون. والتمرد عند هؤلاء يعني الخروج عن طاعتهم التي يجب علي أبناء الأقاليم ملازمتها وإلا وقع عليهم أغلظ العذاب من النوع الذي أمر به رئيس الجمهورية في مدينة الفاشر قبيل معركتها الشهيرة. كلمة التمرد لا تشير إطلاقا إلي موضوع الاختلاف وأسباب العصيان بقدر ما تؤكد عدم مشروعية المخالفة قانونا وما يتبعه من عقاب وهي كلمة إدانة مسبقة ونطق بالحكم قبل الاستماع إلي أقوال المتهم دع عنك الشهود. هناك كلمات تجريم أخري ونعوت تخويف يطلقونها كذلك علي كل من يصدع بحق أو يطلب بحظ لأهل الأقاليم البؤساء فيدمغونه بالقبلية والعنصرية والجهوية وبالمقابل يلبسون أنفسهم ثوب الوطنية والقومية وما إلي ذلك من الصفات التي تسوغ لهم الاستمرار في حكم السودان ونهب ثرواته ثم يلوكون كلمات جوفاء مثل الديمقراطية وهي عندهم لا تعني غير الإجراءات الانتخابية التي تأتي بهم إلي سدة الحكم مرة بعد مرة عبر السنين والعقود وحال المواطن السوداني يتردي عاما بعد عام.



    أما ربط (التمرد) بدارفور هو حيلة أخري تحيكها مجموعة الاستعمار الداخلي لعزل دارفور وحشد قوة الأقاليم الأخرى ضدها بغرض سحقها وتدميرها, وهي بذلك تحاول تكرار تجربتها التي بها استطاعت تصوير جنوب السودان وكأنه منطقة أقلية مسيحية مضادة للمسلمين ثم حاربته بإمكانات الأقاليم الأخرى البشرية والمادية رغم موضوعية مطالب أهلنا في الجنوب ولم تكن المشكلة دينية من أساسها. إن ما يحدث في دارفور هو ثورة حقيقية وقد وجدت تأييدا كاملا من جميع المهمشين في السودان وليس أهل دارفور فحسب بل أصبحوا يعلقون عليها اليوم آمالا كبيرة لعلها تخلصهم من جور الاستعمار الداخلي الذي طال ليله. كما أن الذين يقودون ثورة الأغلبية المهمشة من دارفور ليسوا مجهولين ولا هم نكرات, فحركة العدل والمساواة السودانية وجيش تحرير السودان يعرفهما اليوم القاصي والداني ولا داعي للبناء علي المجهول



    الاستعمار الداخلي:

    لقد صدقت أخي الكريم حين قلت (إنه ليس بخاف علي أحد أن الوطن الذي أصبحنا عليه في أول يناير 1956م يتعرض الآن لامتحان وجود عسير. يتهيأ جنوبه للانفصال إن لم تداركنا عناية الله .........) ثم ذكرت جبال النوبة (كردفان) وجنوب الإقليم الأوسط ودارفور ولم تذكر شرق السودان رغم أنه في مقدمة المظلومين ويحمل السلاح مطالبا بالعدل والحرية والمساواة منذ زمن بعيد. المهم في ذكر هذه الأقاليم هو التأكيد علي أن جميع أقاليم السودان ـ ما خلا الإقليم الشمالي ـ تحمل السلاح وتحارب حكومة المركز من أجل الحصول علي حقوقها المشروعة التي لا يمكن أن تحصل عليها إلا بالقوة. لا شك أن الحرب ليست سهلة ولا يمكن أن يلجأ إليها عاقل إلا مضطرا ولا يمكن أن تكون جميع هذه الأقاليم قد أقدمت على الحرب من غير وعي وبدون قضية عادلة ولكن السؤال المهم الذي لم تتطرق إليه أخي الكريم هو: ما هو السبب أو الأسباب الحقيقية وراء هذه الحروب؟ ومن المسئول من هذه المأساة التي يعيشها أهل السودان؟ ومن ذا الذي عرض وحدة السودان الي خطر تقسيم ماحق؟ الإجابة علي هذه الأسئلة وغيرها تهم كل مواطن سوداني وكل حادب علي وحدة السودان واستقرار أهله, وأنه لا يمكن معالجة مشكلة السودان قبل معرفة أسبابها الحقيقية.

    الاستعمار الداخلي الذي ظل السودان يرزح تحته منذ استقلاله عن الاستعمار الخارجي هو السبب الحقيقي بل يكاد يكون سببا وحيدا ـ وليس رئيسيا فقط ـ لما آل إليه حال السودان وأن المستعمرين الجدد هم المسئولون أمام الناس في الدنيا عبر الأجيال وأمام الله يوم القيامة. والقصة أن مجموعة مثقفي الإقليم الشمالي ورثوا حكم السودان عن المستعمر الإنجليزي يوم خرج عن السودان في الأول من يناير 1956م ولم تكن هنالك من مشاركة تذكر لصالح الأقاليم الأخرى. وخير شاهد علي ما نقول هو نتيجة قسمة الوظائف القيادية بين أقاليم السودان عند سودنة الوظائف عام 1955م, إذ حظي الإقليم الشمالي بعدد 788 وظيفة قيادية من جملة 800 وظيفة قيادية أما بقية أقاليم السودان مجتمعة فقد كان حظها فقط 12 ووظيفة قيادية من المرتبة الدنيا مما أدي إلي ظهور انانيا الأول في علم 1955م قبيل الاستقلال.

    ظلت في أيدي هؤلاء قدرات البلاد السياسية والاقتصادية منذ ذلك التاريخ إلي اليوم ولا بأس من ذلك إن كان حكمهم عادلا راعيا للعباد وخادما البلاد ولكن حكمهم اتصف بالأنانية والاحتكار وإقصاء أبناء الأقاليم الأخرى عن مواقع اتخاذ القرار وتصريف المال في الدولة ومواقع الاتصال بالعالم الخارجي وإهمال جميع أطراف السودان وكأنهم مصابون بداء فقدان الإحساس بالأطراف الذي يصيب بعض بمرضي السكر, في هذه الحالة قد يطأ المريض المسكين قدمه بأحد أرجل كرسيه الذي يجلس عليه فيصيب رجله ولا يشعر بها وربما اصبح له سببا لبتر كل أو جزء من قدمه وهو ما قد يحدث للسودان اليوم.

    لقد وقع شعوب الأقاليم الأخرى في أسر قلة من مثقفي الإقليم الشمالي وهم لا يشعرون فأصبحوا أرقاء بالجملة واصبح السودان سجنا كبيرا لهم يموتون فيه بالملايين. أصبح الصراع حول السلطة والثروة في السودان محصورا بينهم أما أبناء الأقاليم الأخرى فصاروا وقودا لمعاركهم التي لا تنتهي. أخي قد يقول قائل أني أتحامل علي مثقفي الإقليم الشمالي واحمل الكلمات فوق ما تستطيع ولكني لم اقل إلا ما أراه صحيحا, والصحيح هو أن ما فعله مثقفو الإقليم الشمالي بالسودان سابقا وما يفعلونه به اليوم لهو سوءة لا يحب فاعلوها كشفها لأن (الشينة منكورة) وفي ذات الوقت تصيب أدمغة المظلومين بالاحتقان وتحثهم علي ثورة فورية مع ذلك لا بد من ذكر هذه الحقائق وإن كانت مرة بغرض الإصلاح.

    لقد فشل المستعمرون الجدد في حكم السودان وضيعوا عليه فرصا إستراتيجية عظيمة. فشلوا في إدارة موارده الطبيعية الضخمة وثروته البشرية فلم يهتدوا إلي أهمية استخراج كنوزه (البترول مثلا) في الوقت المناسب فخسر بذلك مواطن السودان فرصة العمر التي لا تتكرر وهو يري ما أحدثه البترول من رقي في حياة مواطني دول مجاورة وأخري صديقة كالمملكة العربية السعودية وغيرها. فشلوا في إدارة ثروته الزراعية رغم ما أكدوه من رغبة في استثمار هذه الثروة السهلة التي تمنعت عليهم, إذ رفعوا شعار (السودان سلة غذاء العالم) في عهد الرئيس السابق جعفر النميري ولكن في عهده بحث عدد غير قليل من مواطني دارفور عن حبوب الدخن من بيوت النمل مرتين وذلك في عامي 1973م و1984م ومات الآلاف من مواطني كرفان وجنوب السودان وأقاليم أخري وهم في طريقهم إلي حيث (الرئيس بنوم والطيارة تقوم) فكانت مأساة المويلح, كما مات عشرات الآلاف من المواطنين جوعا في عهد ثورة الإنقاذ الحالية وما يزال موت الجوع مستمرا في مواقع كثيرة منها كارثة بحر الغزال الإنسانية التي تورطت فيها الحكومة السودانية ومجاعة دارفور عام 1993م.

    لقد فشل مثقفو الإقليم الشمالي في إدارة اقتصاد السودان حتى صار السودان واحدا من أفقر 46 دولة في العالم وبلغت نسبة الفقراء بين مواطنيه 92% وصارت نسبة العاطلين عن العمل فيه لا تقل عن نسبة الذين يقعون تحت حد الفقر في السودان. وفشلوا في تحويل تنوع الشعب السوداني إلي وحدة وقوة ولم يستغلوا الإجماع الوطني الرائع الذي أحدثته ثورة الجماهير السودانية ونضالها ضد الاستعمار البريطاني لبناء وحدة حقيقية ولم يلتمسوا سببا لمنعة الشعب وترقية حياته ولكنهم فرقوا المواطنين أيدي سبأ بالحروب الأهلية التي عمت كل أقاليم السودان ما عدا الإقليم الشمالي وبسياسة فرق بين القبائل تسد التي أصبحت نهجا رسميا في الدولة وبسياسة جوع كلبك يتبعك التي جعلت احد كل ثمانية لاجئين في العالم سوداني, بل ضيعوا علي الشعب السوداني قيمة الاستقلال وشككوه في جدوي الانتماء إلي سودان اليوم وأجبروه علي طلب الانفصال وتقرير المصير بعد أن أيئسوه من إمكانية تحقق الحرية والعدالة والمساواة بين مواطني السودان. لقد ثبت حق جنوب السودان في تقرير مصيره وما هي إلا فترة قصيرة حتى ينفصل جنوب السودان ولا شك في ذلك إذا ظل هؤلاء يتفردون بحكم السودان إلي يوم تقرير المصير. وذلك لأنه إذا خير أي مواطن مهمش في أي إقليم من أقاليم السودان المهمشة بين أن تكون له دولة مستقلة تكفل له كامل حقوق المواطنة وبين أن يظل مواطنا من الدرجة الرابعة أو الخامسة فإنه قطعا سيختار الانفصال ولا مكان هنا لقول الشاعر:

    (بلادي وإن جارت علي عزيزة وقومي وإن ضنوا علي كرام)

    لأن ضريبة الانتماء إلي سودان اليوم أصبحت لا تطاق لأنها لا تعني إلا الصبر علي ظلم قاهر وفقر مدقع وذلة في مكان عزة

    لقد أساء مثقفو الإقليم الشمالي إدارة السودان وإمكاناته وعليهم أن يعترفوا بذلك إذ الاعتراف بالحق فضيلة وإن لم يفعلوا فإن شهادة أهل السودان علي فشلهم تكفي وشهادة حال السودان أعدل وأبلغ من أقوال الناس. ثم عليهم أن يترجلوا ويتركوا المقاعد الأمامية لحكم السودان إلي غيرهم من أبناء السودان ولم تكن حواء السودان عاقرا يوما ما. اصبح مثقفو الإقليم الشمالي المهدد الأول لاستمرار وحدة السودان بعد أن يئس السواد الأعظم من الشعب السوداني من جدوي حكمهم وفقد الثقة في أقوالهم وأعمالهم وتشكك في طويتهم وبدأ الجميع يعيد النظر في الشعارات العظيمة التي فشل المستعمرون الجدد في تحويلها إلي واقع يعايش (القومية, الوطنية...الخ)



    بعض الشواهد علي حقيقة الاستعمار الداخلي في السودان:



    1ـ كل ما جاءت من إحصاءات في كتاب اختلال ميزان السلطة والثروة في السودان (الكتاب الأسود) صحيحة ولم تقم ضدها حجة صحيحة واحدة أو دليل حتى هذه اللحظة, وقد أكد الكتاب بما لا يدع مجالا للشك أن مثقفي الإقليم الشمالي بمختلف أحزابهم ومن مختلف مواقعهم العسكرية ظلوا يحتكرون حكم السودان بشكل منظم منذ استقلال السودان إلي اليوم ولم يكن ذلك عفوا أو خطأ متكررا. وقد دمغوا كل محاولة قام بها أبناء الأقاليم الأخرى لتغيير نظام حكمهم بانقلاب عنصري أو حركة عنصرية. وكان كل الرؤساء الذين تعاقبوا علي حكم السودان من الإقليم الشمالي (12) ولم يكن من بينهم رئيس واحد من جنوب السودان أو شرقه أو غربه أو وسطه وقد جاءت تشكيلاتهم الوزارية علي شاكلة واحدة كمثل تمثيل كل شرق السودان بوزارة هامشية واحدة لمدة عشر سنوات وبشخص واحد وهو المهندس أيلا علما بأن عدد سكان الإقليم الشرقي يساوي مرتين ونصف مرة عدد سكان الإقليم الشمالي الذي يحتفظ بعدد (25) خمسة وعشرين حقيبة وزارية إضافة إلي رئاسة الجمهورية ونيابتها. إذا قال قائل إن هذه قسمة ضيري قالوا بل تحسدوننا فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا

    2ـ لأبناء السودان المستعمرة الرغبة الأكيدة في التخلص من هذا الاستعمار الداخلي البغيض لذلك جاءت تسمية حركة المعارضة المسلحة في الجنوب وجبال النوبة وجنوب الإقليم الأوسط بالحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وهم يقصدون كلمة التحرير هذه لان الثورات لا تسمي نفسها اعتباطا وقد قصدوا تحرير السودان من هذا الاستعمار الداخلي للان ظلم ذوي القربى أشد إيلاما علي النفس من وقع السيوف. أما في دارفور فقد ظهرت قوات حركة العدل والمساواة وقوات تحرير دارفور أولا ثم قوات تحرير السودان ثانيا والمحصلة النهائية واحدة إذا تحقق العدل والمساواة بين الناس أو تم تحريرهم من الاستعمار الداخلي, كما نشأ حزب العدالة في العاصمة القومية واتخذ من الميزان شعارا وكأنه نقابة للمحامين أو جمعية للقضاة وفي ذلك ابلغ الدلالة لسعي أبناء الأقاليم الحثيث من اجل التخلص مما نسميه بالاستعمار الداخلي.

    3ـ نتيجة لطول فترة الصراع حول السلطة والثروة في السودان وقسوة طبيعة هذا الصراع التي زكتها مرارة الظلم وشدة الحرص علي الاحتفاظ بما يعتقدونه مكتسبات تاريخية, فقد السودان ما يزيد علي مليونين ونصف مليون من أبنائه في هذه الحروب الأهلية التي ما تزال تستعر نيرانها في كل إقليم ليس لأي سبب آخر ولكن بسبب هذا الاستعمار الداخلي الذي يرفضه أهل أقاليم وتصر عليه القلة المستعمرة من أبناء الإقليم الشمالي. انتهت الثقة بين أبناء الوطن الواحد خاصة بين هذه الفئة المستعمرة وسكان الأقاليم المستعمرة من غير استثناء وعم الاستياء واليأس جميع أقاليم السودان حتى اضطر بعضهم إلي طلب الانفصال عن السودان وهو التسمية الصحيحة لعملية تقرير المصير وبدأ أبناء الأقاليم يدققون الحساب ويغلظون القول مع الطبقة المستعمرة وهو أقل ما تستحقه منهم.

    ثورة الإنقاذ (أظلم من ظلم)

    أما بشأن حكومة الإنقاذ فقد أنصفت حين ذكرت انه (من الظلم البين والتحامل الصريح إلقاء كافة ما حدث ويحدث في دارفور علي حكومة الإنقاذ ....) أنا موافق علي هذا كلام لأنه موضوعي ويمكن تعميمه علي ما يجري في بقية أقاليم السودان.ولكني أبدأ فأقول أن كل الحكومات التي حكمت السودان ظلمت المواطن السوداني في الأقاليم من حيث تدري أو لا تدري وشاركت بشكل مباشر أو غير مباشر فيما آلت إليه حال السودان اليوم ولكن ثورة الإنقاذ الوطني كانت أظلم من ظلم المواطن السوداني بشكل منظم وليس عفوا وأسوأ ما في ثورة الإنقاذ أنها جريئة جرأة غير عادية علي ظلم المواطن وخير تعبير عن ذلك ما قاله احد مواطني مدينة الفاشر وهو يعمل حارسا لمدرسة, قال: (ناس الحكومة ديل بجرو فوق ضهرنا شوك) وكان يبكي من الغلب والإحساس بمرارة الظلم لانه عاجز عن تعليم أبنائه ويقول: (الناس ديل ما جعلوا لينا حاضر وضيعوا لنا المستقبل) فقال له أحدهم ماذا تريدنا أن نفعل؟ فقال: (خسارة تعليمكم, ما علمناكم عشان تجو تسائلونا, العرب ما قالوا الما خاف ركوبك لا تخاف تنكيسه).

    لقد ذكرت أن حكومة الإنقاذ هي أكثر الحكومات في تاريخ السودان أتاحت مناصب قيادية لأبناء دارفور والصحيح مثل ذلك لبقية الأقاليم ثم سألت إن كان خروج هذه القيادات عن الإنقاذ وشق عصا الطاعة ضدها (جحود بعينه)؟ ثم قدمت أجوبة تبرر عصيانهم وخروجهم منها (..وعليه, فلم تكن لتلك المناصب, وإن تعددت, أي مردود للمواطن, إنها عناوين فارغة المحتوي) وأنا أتفق معك فيما أوردت من منطق سليم ينم عن اتقاد بصيرة صاحبه وأضيف هنا حقيقة أخري لا يعرفها كثير من الناس ولم ينتبه لها عدد غير قليل ممن عملوا في مواقع متقدمة داخل منظومة الإنقاذ, هي أن ثورة الإنقاذ الوطني قد اتجهت إلى المواطن لفك الحصار الاقتصادي والسياسي الذي فرضه عليه المجتمع الغربي ودول الجوار في السنوات الأولي من عمر الثورة فلجأت إلي نظرية ( المجتمع القائد المستغني عن السلطان في قضاء حوائجه والسابق له في المبادرات) وروجتها علي المستوي الإقليمي والمحلي ثم أتبعتها بالحكم الفدرالي الذي يعتبر من أنجح الاستثمارات الاقتصادية لثورة الإنقاذ الوطني إلي اليوم.

    اتخذت ثورة الإنقاذ من نظرية المجتمع القائد وتسليم الحكم للجماهير سندا فكريا ومن تطبيق الحكم الفدرالي مبررا ومسوغا لتخلي الحكومة المركزية عن جميع مسئولياتها تجاه المواطنين بما في ذلك امن المواطن. فقد وكلت حكومة المركز حكومات الولايات علي الإشراف علي خدمات المواطنين الصحية والتعليمية والأمنية وخدمات الماء والكهرباء وغيرها بدون أن تقدم لها أي ميزانيات مقابل هذه التكاليف بل احتكرت لنفسها كل مصادر المال الرئيسية في الدولة ولم تترك للولايات إلا العشور وضرائب القطعان فاضطرت حكومات الولايات الوليدة الفقيرة إلي تنزيل هذه المسئوليات الجسام إلي المحليات التي هي أحدث منها عمرا وأشد فقرا فاضطرت هي الأخرى إلي تشريع قوانين جائرة لجباية الضرائب من المواطنين, والنتيجة أن محصلة هذه الضرائب لم تتجاوز رواتب العاملين عليها وحوافز أعضاء مجالس المحليات (50 عضوا لكل محلية) لتدور عجلة الجباية بدون فائدة تذكر وانهارت كل الخدمات بلا استثناء والمجال لا يسمح بسردها

    بهذه الطريقة استطاعت حكومة الإنقاذ أن تنجو بنفسها من مسئولة خدمات المواطنين وتكاليفها منذ أوائل أيام حكمها بل استطاعت كذلك أن تدفع عن نفسها لوم المواطنين وتلقيه علي حكومات الولايات الصورية والمحليات البائسة والمواطن المسكين. إن فشل نظرية المجتمع القائد في السودان يعود إلي لأن 92% من مواطني السودان يعيش تحت حد فقر يساوي دولار واحد للفرد في اليوم. مع ذلك قبل مواطنو الأقاليم هذه التجربة لسببين أولهما أن الحكم الفدرالي كان مطلبا أساسيا لجميع أقاليم السودان أرادوه أن يتحقق ولو علي أنفسهم, وكانت ميزة في صالح حكومة المركز والسبب الآخر هو أن أهل الأقاليم يومها يفتقرون إلي ثقافة الحكم إجمالا ولم يكونوا واعين بحجم التكليف وتبعاته وكان من يرعاهم لا يخافهم ولا يرحمهم. لقد تميزت ثورة الإنقاذ الوطني ـ دون سواها ـ بقسوتها علي المواطنين وجرأتها علي ظلمهم وقدرتها علي تبرير ظلمها وكان حري بها أن تقتدي بالرسول صلي الله عليه وسلم ما دامت ترفع شعار الإسلام (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) صدق الله العظيم.

    الإحصاء السكاني لعام 1993م والكتاب الأسود

    ذكر الأخ عالم عباس في مقاله عن حيثيات صدور كتاب اختلال ميزان السلطة والثروة في السودان (الكتاب الأسود): (اختلف أهل الإنقاذ في تهافتهم علي السلطان فانشقوا إلي مؤتمرين, وطني وشعبي, فاز الأول بالسلطة فتخاصموا بينهم وفجروا في الخصومة فجورا منكرا, وهكذا خرج علي الناس فجأة الكتاب الأسود فأصاب أهل السلطان في مقتل). ربما كان هذا الصف ربطا ظاهريا بين حدثين هما وقوع الانشقاق داخل المؤتمر الوطني الحاكم آنذاك وصدور الكتاب الأسود ولكنه لا يشير إلي الدوافع الموضوعية لصدور مثل هذا الكتاب القيم خاصة أنه ما يزال مجهول الكاتب أو الكاتبين. ولكني اعتقد كذلك أن لهذا الكتاب جذور ضاربة في أحداث أخري سبقت حادثة انشقاق المؤتمر بسنوات وأهمها إحصاء السكان القومي لعام 1993م. سنواصل إن شاء الله.



                  

06-22-2003, 09:24 AM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المهمشون قادمون (Re: BousH)

    فوق
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de