|
يختبئ الجزار في الشاعر...يختبئ الشاعر في الجزار
|
يختبئ الجزار في الشاعر...يختبئ الشاعر في الجزار
عن محمد محمد خير أكتب .. ومن غيره يجمع الأضداد؟......ومن قال أن الشعر والجزارة لا يلتقيان ؟ هاهو محمد محمد خير يجمع المجد بين أطرافه ويجمع بين الشعر والأدب والجزارة. يمكنك أن تستمع لـ"محمدين" وهو يعارض سوداوية كافكا .. ويتغزل في رقة شعر لورد بايرون ونبله، ويدافع عن اتجاهات وممارسات خاصة لأوسكار وايلد باعتبار حرية المبدع، ويمدح الجنون العبقري لخليل حاوي الذي قاده فرحا لمقابلة الموت كالفرسان،ثم يخرج من جيب الجاكيت ديوان "قمصان يوسف" لشوقي بزيع ليسمعك أبياتا أسرت لبه، أو يردد مقاطع من شعر صديقه محمد أبودومة. وفي لحظات يمكن أن ينقلب إلى شخص يجلس إلى جواره ليحدثه عن كيفية معرفة الخروف الجيد والسمين .. كيف تعرف "الدعول" من غيره، وكيف تفتح فمه لتعرف إن كان "تني" أم لا، ثم يسمعك قصائد شعر في أفضال خرفان البطانة، وفي كيفية طهي "العكو" وعن مزايا "البتلو" المصري الذي أنهى خرافة أن اللحم العجالي لا يصلح للشية!!!! لم تكن الجزارة دخيلة عليه، فهو من عائلة عريقة في الجزارة،.. ويدعي أنه فطم بقطعة "سنكيت" وتعلم المشي سريعا ليلحق بالمرارة. لكن في "ميعة صباه" أدركته حرفة الأدب، فعمل بالإذاعة والتليفزيون والصحافة، حتى أطل فجر الثلاثين من يونيو الذي عمل على التأصيل، بمعنى إعادة كل شئ لأصله، ففصله للصالح العام وأعاده لمهنة الأسرة..الجزارة. وافتتح محلا للجزارة وحمدنا الله على ذلك فقد ضمنا على الأقل أننا سنأكل لحما مجانا، لكن الزيارات المتعددة التي أجبر عليها للمنازل "إياها" قادت المحل للخسارة فاضطر لإغلاقه، ثم حمل حقائبه إلى أرض الكنانة - تجاوزا طبعا لأنه سافر بطريقة لا يمكن معها حمل أي حقائب- ثم ما لبثنا أن لحقنا به هناك. وقد رافقت محمد خير في كل مكان أوصانا السلف الصالح على أن لا نحكم على المرء إن لم نعايشه فيها. زاملته في العمل ...وصاحبته إلى السجن ..حيث تجاورت مراقدنا زمنا ليس بالهين تبادلنا خلالها الشجون واللحون ، عملت صبيا معه في مطبخ السجن وشاركته "ثنائي" في الغناء في ليالي السمر، ثم قذفت بنا الإنقاذ خارج السودان فتصادقنا في الغربة وزرعنا شوارع القاهرة جيئة وذهابا ورغم رفقتي الطويلة للأخ محمد ، ومساكنتي في القاهرة لمزمل المقبول، وهما من "ألإكيلة العظام" إلا أن استفادتي من ثقافتهما الغذائية ومعرفتهما الطعامية الهائلة لم تتجاوز الجانب النظري. وأعترف بأني من بيئة ضعيفة الثقافة الغذائية، ومن أسرة يتعازم أفرادها على صينية الغداء ثم قد تعود الصينية لمستقرها دون أن يلمسها أحد. ومازلت لا أعرف الفرق بين اللحم الضأني والعجالي، أنتفخ وأنا أقف أمام الجزار متمثلا شخصية محمد خير وأطلب منه "حتة ضأني كويسة" وقد أقول له "لأ ياخي دي ما كويسة . أديني حتة تانية"، ولو درى الرجل لأعطاني كيلو من لحم الجمال أحمله للبيت حامدا شاكرا. وما زال في إمكان بائع السمك أن يبيع لي سمكة قرش آخذها للبيت مطمئنا على أنها بلطي. وكان محمد خير يقول عني إني محتمل في كل شئ .. إلا في الأكل، وإنه مستعد لمصاحبتي في كل وقت إلا وقت الطعام، ففي مثل هذا الوقت يفضل مصاحبة من تروق لهم كبدة الإبل ، ومن يتغزلون في الكوارع. وكان يحكي عن صديق عزيز له يذكره دائما بالخير ... ومن أفضاله ومزاياه التي يشيد بها محمد خير أنه كان ما أن يشاهد الشية والكبدة النية مع الشطة والليمون والبصل حتى تجري دموعه فرحا ... وقد يصل به الوجد مرحلة "يجعر" فيها بالبكاء ثم يتوكل بعد ذلك على الحي القيوم ويسمي الله فلا تبقي قطعة لحم أو نقطة شطة على المائدة. .... كان محمد خير سيئ الظن في ثقافتي الغذائية، حتى حدثت بعض المواقف خلال شهر يوليو الماضي جعلته يحسن الظن بي ثم كاد أن يضمني لجملة "الإكيلة العظام". كان الوقت عصرا في الخرطوم حين اتصل بي محمد خير من كندا ..... سألني أين أنت؟ فقلت له أننا نمتطي سيارة الزميل محمد لطيف ومعنا مرتضى الغالي وأصدقاء آخرين ونتجه للغداء في نمرة إتنين." أها حاتتغدوا شنو؟" هكذا جاء صوته مليئا باللهفة . رددت بأننا سنأكل شية تكرم بعزومتنا عليها صديقنا محمد لطيف، ثم شرحت له المكان الذي سنأكل فيه، وكيف أننا سنختار اللحمة بأنفسنا، وسمعت صوت آهاته في التليفون، فقد أتيته في مقتل، وبدأ يعطيني نصائح في كيفية اختيار "اللحم التمام، وبين كل جملة والثانية يردد: "والله لو كنت معاكم". طالت المحادثة ومحمد يتحدث من كندا ...حتى أشفقت على ميزانيته، قلت له كفى، لكنه بدا متولها ومتوجعا وأنا أقدم له الوصف التفصيلي لمرورنا في شوارع الخرطوم. لم تمضي أيام على هذا الغداء حتى كان محمد خير يذيعه على الهواء من خلال مفكرته التي كتبها في "الخرطوم" تحت عنوان "في ديالكتيك الشية"...والتي سرد فيها كل مواجعه واستعرض بعضا من ثقافته الغذائية. ومر أسبوع على ذلك، دخلت منزلنا في وقت متأخر ليلا ومعي زوجتي بعد أن قضينا اليوم في واجبات اجتماعية. لم يكن هناك وقت أو طاقة لإعداد العشاء، فتناولت عشاء جاهزا من جارتنا الفاضلة المكافحة التي تكسب رزقها الحلال من صنع الطعام. وما أن تناولت اللقمة الأولى حتى كان التليفون يرن ... ويأتيني صوت محمد خير من كندا " إزيك ....أها مالو صوتك ؟ ... والله إنت بتأكل؟ ...أها بتاكل في شنو..؟" هكذا جاءت كلماته متسارعة دون أن تعطيني فرصة للرد، أجبته والطعام مازال في فمي:" والله بآكل فسيخ ...ومعاه فحل بصل بالشطة والليمون". وانطلق صوته هادرا :" ياخي مالك عايز تجنني ....إنت ياخي بقيت إكيل جدا ...وما بتختار إلا الأكل العارفو بيأذيني ... من الشية ...للفسيخ "....وأصر على أن أواصل الأكل ....ويواصل هو الحديث معي في نفس الوقت، ويردد أكثر من مرة " والله إنت بقيت خطير جدا"، وأنا حقو اكتب في الموضوع دة". كان هذا بمثابة تهديد خطير جعلني أعيد حساباتي، وأتأكد في كل مرة أتذوق فيها طيب الطعام أنني أفعل ذلك سرا. وفي شهر أغسطس الماضي كنت ألازم والدي المريض في إحدى المستشفيات الخاصة بأمدرمان، ولأني من الذين لا يحبون الأكل في المستشفيات فقد تعودت على الخروج للأماكن القريبة بحثا عن الطعام. وفي مساء يوم قادتني قدماي لسوق الموردة للعشاء في أحد مطاعم الأسماك المنتشرة هناك، وأثناء جلوسي في انتظار الطلب وجدت أمامي الصديق السر السيد، وهو صديق مشترك، كما أنه أحد الشخوص المتكررة في حكاوي محمد محمد خير. تحدثت مع السر السيد قليلا وأنا أتوقع أن يظهر لي شبح محمد خير في أي لحظة....وأين سيجدني ؟ في سوق الموردة...وعلى مقربة من السبكي، انتبهت فجأة للموبايل الذي أحمله معي ...هو المدخل الذي سيحاصرني محمد خير منه، امتدت يدي له ...وأغلقته، ثم جلست استطعم السمك الشهي. الآن انقلبت الأدوار، ها أنا خارج السودان ....ألاحق أخبار الأصدقاء بالتليفون، بينما محمد خير يمرح في شوارع الخرطوم ، وبرفقة من؟ كمال حسن بخيت..!! وجود هذا الثنائي معا يهدد كل الثروة الحيوانية والسمكية في السودان....ترى ماذا يأكلان الآن؟؟!!
فيصل محمد صالح - أبوظبي جريدة الخرطوم- الخميس 12 يونيو
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: يختبئ الجزار في الشاعر...يختبئ الشاعر في الجزار (Re: khider)
|
عزيزى العزيز فيصل وجدت نفسى اتجول مابين محمد محمد خير ومابين مزمل المقبول والاخير اعلم تماما مدى المامه بعوالم الطهى بما فيه المشوى شوى والمقلى قلى حتى الحلويات له فيها باع كبير والرجل حيرنى شديد فى اعداد المكولات بجميع الوانها واشكالها وطيلة فترة مكوثى معه فى المنيل كان يطلب منى اعداد شرايح البصل فقط لقد كانت ايام ممتعه بحق وحقيقه وبالمناسبة مزمل المقبول بقول ليك التمليحه بتاعتو ما وصلت لسع
| |
|
|
|
|
|
|
|