منذ نعومة اظفارى وانا ارى النخلات على شاطىء النيل الحبيب فتعلقت بها واصبحت جزء من مخزونى الوطنى لا تكتمل صورة الوطن الا به واجد فى مرآها حنينا دافقا .. ومن محاسن الصدف اننى حينما استلقى على سريرى اشاهد التلفاز تبرز لى من خلال الشباك نخلات – مزروعة فى فناء البناية الشرقى - تتراقص مع نسيمات الهواء فتجعلنى فى حنين دائم وحتى ابان الحرب ومن خلال الشاشة وحتى اليوم ارى النخلات فى العراق هنا وهناك مما اثار حفيظة الرقيقة الحانية لتبث لى نجواها وتشكى حال تلك النخلات لماذا تقصف بالصواريخ وتدمر ومن يحميها من قسوة الانسان الذى يعاملها بكل صلف ولا يلقى لها بالا ..
فالنخيل ورد ذكره فىالقران الكريم حيث كان مولد المسيح عليه السلام تحت النخلة وامه العذراء تهز جزع النخلة ليتساقط عليها رطبا جنيا فهل مثل هذا الارث يهان ؟؟؟
حقيقة نخلات العراق احزنتنى وهى الشىء الوحيد الذى اهمل تماما ولم يجد من يتبنى قضيته واصبحت تذروه الرياح وكأنى بالسياب يغنى تلك النخلات كما تغنى غيره بها قائلين :
أذكر الآن أن الحقول التي حدثتني
وباحت بسيرتها للمطر
قالت: الرمل سيدنا
قلت: والنخل
قالت: محدثتي:
حرةٌ
كل أوراقه
ما انحنت للفصول
***
يكتب النخل آياته فوق سعفاته
وتمطرنا كل حين بأخباره
ولا شيء يبقى سوى الجذع نحنو عليه
ونحبو اليه، نحنّ الى قبلة من يديه
ونسقط مثل الحَسَاسين في مقلتيه
نناشده، ونهز ميادينهُ
أمطري...
أمطري...
يومها تورق الأرض في عشقها
علها..
علها نحو مريم تحنو قليلا
علها نحو طفل مشت فوق جفنيه كل السنين
تؤانسه بالحكايات حبلى
وبالطلع ممتلئاً بالسمين
وتمنحه سرّها
ياله
سرها من ثمين
ولا شيء يبقى سوى النخل نمسح أعناقه
تائبين
***
(وردنا ماء دجلة خير ماء
وزرنا أشرف الشجر النخيلا)
بين يوم ويوم
بين يوم مضى مثلما تنحدر قطرة ماء
ويوم نكابده بالحروف
كانت النخلات على مائنا وحدها تمتطي ظلها،
وجهها كان أقرب منا الى ربها،
تلمس النجم، شدّت على وسطها شالها،
كل سعفاتها الذهبية كانت تتيه بلون القطوف
يومها..
كانت النخلات على مائنا بالألوف
وأنّ الحتوف
أقسمت أن تطوف
وها هي ذي الآن تمتد ذابلة في ... الرصيف!!
***
(تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل)
غريب أنا مثل هذا النخيل
غريب قتيل
مضت في دمائي السنون
وأحرقني في وقوفي الصهيل
غريب ويكفي
أن صوتي حر
قال لي النخل: يكفي
أنّ سعفي
كان أبعد من ليلهم!
قال للموت: لا
حين ألف طريق
قال: اهلاً بضيفي!!