|
تعالوا نفتِّش عن أشرف الشوش
|
وأشرف مجذوب إبراهيم الشوش ، يا جماعة ، من مواليد عطبرة وإنْ عاش زمناً في العاصمة. تعرفتُ عليه في المغرب حيث درسنا سويةً العلوم السياسية هناك . شاب شفيف ومليان بحب المعرفة والتعلُّم . وكاتب قصة من الطراز النادر . مرح ومقبل على الحياة .. وعاشق من النوع البفداها بروحه،، لكنها خذلته ــ وكانت زميلتنا برضو ـ واتشعبطتْ ليها في عريس جاهز شبعان لم أتعرّف على أشرف فحسب ، بل الأرجح أننا تشرّبنا أرواح بعض . ولهذا لم نختلف في يوم أو نتناكف بسبب موجبات السكنى مع بعض .. وكان الشوش ( وللمناسبة فهو إبن أخ الدكتور محمد ابراهيم الشوش ) صاحب مبادرات معرفية كبيرة لكل الذين عايشوه وقتها في وجدة والرباط وكازا بلانكا ، فهو يبدو للكل كمكتبة متنقلة تمدّهم بالجديد الدائم ، سواء أكان هذا الجديد سودانيا او مغايراً .. ذلك أن أشرف كان لا يتردد في بيع قميصه في ( الجوطية ) لأجل أن يشتري مجلة الناقد مثلا ، ويطوف بالناقد على بيوت كل السودانيين ليقرأوها ثم يجلس ، هاشّاً باشّاً ويستدعي النقاش
بعد تخرجه من الجامعة أواسط التسعينات غادر إلى السودان بعد وفاة والده . وبعد فترة تمت الصدمة (الشعبطة المشار إليها أعلاه ) فغادر إلى القاهرة . من هناك هاتفني ، وكنتُ ما أزال في الرباط ، وقال إنه سيدخل أمريكا بالغريين كارد .. وهو الذي كان يحلم ـ مثلي تماماً ــ بخريطة مهترئة لأمريكا
وللشوش علاقة متينة بالقاص الكبير د. صلاح الزين ، بدأت أيام كان صلاح في المغرب . وفي مرةٍ كتبَ لي صلاح من أمريكا تعقيباً لطيفاً على رسائلي مع ميرفت ـ وكانت سيرة الشوش قد دخلت بقوة في المتن ــ وقال لي إن أشرف يسكن قريباً منه في ( ... ) أين يسكن صلاح الزين؟؟
أشرف لديه مجموعات كبيرة من القصص التي لم تر النور ،، والأرجح أنها ضاعت بين الرفاق هنا وهناك ،، ثم جاءت الصدمة إياها ـ ربما ـ وجعلته لا يعوّل على إبداعه الكبير ومفاجآته التي بشّرنا بها قبل زمن . ولدى أشرف رواية أزعم أنها مكتملة ( اسمها : في وهم العمل السرّي ) لا ادري ما حلّ بها أنا لم أظفر من إنتاج الشوش إلا قصة قصيرة واحدة ، لكنها ، في تقديري ، تختزل مرحلة مهمة من تاريخ النزوح الذي بات ديدناً للسودانيين في زمن الإنقاذ . أدعوكم لقراءة القصة ، ثم عدوني أنكم ستبحثون معي عن صديقي ، صديقكم ، أشرف الشوش .. ذلك المبدع الذي يفتح كوة الروح إلى أقصاها .. ناثراً رؤاه المسوّرة بالمعاني والموسيقا على وجوه الشعراء والمارة
يا صلاح الزين و تماضر، يا بشرى الفاضل وإشراقة ، يا يحيى فضل الله وهدهد ومنعمشوف ورقية وراق ، يا جندرية ، يا مشّاء ، ويا شيري ( مع إنك ممكن تضللينا بهترشتك البنعرفها ) ، يا خالد عويس وود رملية يااااااااااااااااا كلكم
ـــــــــــــــــــ السمندل ــــــــــــــــــ ******
الهجرة على حقيبة سمسونايت
قصة قصيرة
حلمهما ، السهم ، اخترق قلبيهما وصارع تلك الشجرة العتيقة . الزمان والرائحة الممتدة عبر آلاف السنين . اللون الأخضر . الممرات الضيقة التي لا تسمح إلا بتحالفات ثنائية . قفزت إلى الذهن لفظة الجموع ، فلم يجد هندامهما بـُّـدّاً من معاركة نسق الحديقة . طقوسٌ أخرى اختبأت ، بعناء ، عن عيني المكلّف بالحراسة . إحساسٌ بالزمن خالَفَ اللائحة والمواعيد . فجأة .. اكتشفا انفرادهما ببعض .. فاختلسا قبلة
سألا : فقط ؟ أجابا : نعم . نحن صَدٌّ لـ بنية الوعي التناسلي تبادلا النظرات . تشابكا بأياديهما . اتجها نحو السور . قفزا ، على موعدٍ آخر لا يطاوله قيدٌ زمني *** *** ***
أحبّا فقرهما ، حلمهما وتلذذهما بمدّ لسانه لبحلقات المارة والزائرين . خلافاتهما الصغيرة وتلصصهما وقت الاشتهاء من أعين الأشياء .. فقد كان الإنجاز المحبّب إليهما يتمثّل في الإفلات من قبضة الملاحظة والفضول
حان الموعد . تلاقيا . واقترحا بعض الحلول ، بعد أن تناوبا على حكاية كلٍّ منهما مع الإحباط وحتميته ، دون أن يفوتهما التذكير بأهمية اختراق الغلاف النووي الذي يعيشان فيه ، وتحديد موعدٍ آخر لمتابعة السعي
سرّاً ، حاولا كل الوساطات ، المنافذ جميعها والرشاوى . إجابة واحدة فرضت نفسها أمام هذا الكّم الهائل من الإتصالات الهاتفية والوصايا . تغاضت عن كل صنوف المجاملة ، وقالت : طابور خامس
.كان لقاءً فاتراً . لم تحمل فيه أعينهما تلك الشهوة . خَلَتْ من نبرة الشوق ولم تتذوق طعماً لذاك القادم ، تلك القادمة ، بعد ما لم يجد الفرح فيهما مَلْمَحاً يكتسيه . وتسيّد الأمر محاولات التفريغ التي تبدر من كليهما تجاه الآخر أنتَ السبب ــ أنتِ السبب ــ
افترقا ، على اتحاد رغبتيهما في سماع خبرٍ جديد . جيّد أو سيّئ .. لا يهم ! من الحارس : الحديقة : الشجرة : اللائحة : المواعيد . أي شيئ أو حتى ض
لم يسمعا لم يسمعا هسيساً ، أو ضجيجاً . فقط استسلما لذلك المُقْتَرَح ، حتى أخذ في التكرُّم عليهما بوترٍ يرنِّم المناحات .. أملٍ يناقض الحتميات .. ريحٍ ، ولو هشّة ، ينفضان بها ما تراكم من انتظارٍ وغبارٍ وحيرة .. تزيح العازل وتعيد إنتاج التناسل
إنها لحظة تطمس الهلع . تقايض الفرح بالحزن ، بتناسي طوابير السعي . قال قالت : إنه مقترح ، يذكّرني بألف ليلة وليلة . أعجوبة . اسطورة أو معجزة من هذا القبيل . فتارة أتوهّم صرير الباب في ليلة السرّ الكبرى ، وتارة أسمع ألم الولادة .. إنه تهليل الأطفال لقدومنا وقت القيلولة قال : لا ، لا . لن نفعلها مباشرةً هكذا ، فلابد أن نحكم الأربطة / الأحزمة . علينا ـ معشوقتي ومتقاسمة حلمي ـ تأسيس حياتنا ، أولاً ، على أسس متينة ، حتى تقوى أمام المباغِت من قدر الدنيا واضطرابات الجو ، التي قد تؤدّي إلى هبوط اضطراري . ومن بعد ، صدّقيني ، لن نحتاج حتى لزغرودة البدء ، ولا حتى التلويح بمنديلٍ ملطّخ بخاتمة المطاف . سنحقق للانتشاء استمراريته ، ولأعينهم أن تموت واقفةً على ثقب الباب
*** *** ***
لوّح لها بيده مبتعداً عنها . توقّف . على ماذا اتفقنا ؟ سألها ردّتْ : على معاركة الـ هايد بارك ضحك من سخريتها ، كثيراً ، ثم صمت ، على أن تضيف شيئا . فهمتْ ثم أردفت : سنجعل من حلمنا امتداداً ، خطَّاً يطوِّف العالم طولاً وعرضا ، ويفرض نفسه زمناً كونياً . إنه زمن الصدام مع غرينتش ، لتأسيس جغرافية أخرى ، يتوقّع الأطفال على ضوئها شيئاً آخر غير الوقوع الأزلي للإغاثات الجوية قال : أرى أن الانحياز الفاضح للأطفال قد تملّككِ ، وأنا أؤمن بأنه لا يوجد نصّاً بريئاً ، لذا لا تنسي أن تأتي بدراسة أحمد الشيخ : " موسم الهجرة إلى الشمال من خلال التحليل الفاعلي "
فهمت المغزى ، قائلة : على الشهوة تآمرنا ، ولا مشكل . لا تقلق لقد اتفقنا . فقط عليك بضبط النّفس وترويض حيوانيتها ... يتأجّل النسل
*** *** ***
فضاءٌ تعمه رائحة العطور وتفتُّح المسالك . لافتات بلغةٍ أجنبية . صوت نسائي يعلن عن وصولٍ ما . تتأهب الكابينات للاستقبال . تتجمّع عربات نقل الأمتعة في المكان المخصص لها . أشكال متنوعة ذات ملمحٍ واحد تتدافع نحو إجراءات الدخول . أيضاً طابور يفرض نفسه ، ولكن بنكهة رقيقة . حقيبة تُفتح بعد أخرى . حان دور الحقيبة / المقترح . حضَّر ، بقليل من الارتباك ، أرقامها السرّية و ... فَتَح
هرج ومرج عمَّ صالة القدوم بمطار هيثرو . وقف الكُّل مشدوهاً لما يجري . بدا ، من ضوء الكاميرات ، ككرنفال أو استقبال رئاسي حتى هؤلاء السيّاح أعماهم المنظر فلم يفلحوا في تصويره : أطفال حديثو الولادة يتقافزون ، الواحد تلو الآخر ، من الحقيبة . كئيبو المنظر ، مشرّدو النظرات ، يمسكون بجوازات سفرٍ بيضاء ملطّخة بالدماء ، يلوّحون بها متجهين نحو كابينة قبعتْ في ركنٍ قصيّ ، كُتِبَ على واجهتها RIGHT OF POLITICAL ASYLUM ثم خرجَ شيخٌ .. وامرأةٌ مسنّة
أشرف الشوش
(عدل بواسطة السمندل on 05-27-2003, 01:51 PM) (عدل بواسطة السمندل on 05-27-2003, 01:53 PM) (عدل بواسطة السمندل on 05-27-2003, 01:55 PM)
|
|
|
|
|
|
|
|
|