محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 06:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-14-2003, 06:54 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني



    البيان 14/5/2003

    بيان الاربعاء - اتجاهاتhttp://www.albayan.co.ae/albayan/alarbea/2003/issue184/directions/1.htm
    =======


    المجتمع المدني العربي يواجه خطر التحول إلى شاهد زور



    محمدإبراهيم نقد




    يدور جدل مستفيض في السودان حول دور منظمات المجتمع المدني. وقبل تحديد هذا الدور تثار قضايا ساخنة حول ماهية هذه المنظمات وطريقة تكوينها وهل هي منظمات تهدف لخدمة قضايا المجتمع ام للاسترزاق. كما يثير البعض العديد من النقاط الخاصة بتجربة السودان وتكوين هذه المنظمات وظهورها للعلن منذ مؤتمر الخريجين في نهاية النصف الاول من القرن الماضي

    وفي هذا المقال يطرح محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني رأيه في هذا الموضوع كمقدمة لبحث متكامل حول قضايا المجتمع المدني

    وكتب نقد هذه الاطروحة خلال الفترة 1990م ـ 1991م، ما بين الاعتقال والاقامة الجبرية، ضمن ثلاث اوراق ارفقها باثنتين اخريين في منتصف 1994م، واعتبرت في مجموعها تدشينا لأطول مناقشة عامة من نوعها انتظمت الحزب بقرار صادر من لجنته المركزية في اغسطس 1991م، ولاتزال مستمرة حتى الآن. وتتناول المناقشة جملة قضايا مهمة بالنسبة للشيوعيين السودانيين، ابتداء من مستقبل الاشتراكية ـ في ظروف الزلزال الذي تعرضت له بانهيار حائط برلين واختفاء الاتحاد السوفييتي وما كان يعرف حتى مطالع تسعينيات القرن المنصرم بالمعسكر الاشتراكي ـ وانتهاء باسم الحزب نفسه في السودان

    وحسب مصادر «بيان الاربعاء» فقد ساهم نقد، المختفي في قيادة العمل السري للحزب منذ ثماني سنوات، في هذه المناقشة العامة مرتين: المرة الاولى بإصداره عام 1998م ورقة بعنوان «مباديء موجهة للمناقشة العامة»، اما المرة الثانية فبهذه الورقة التي عرض فيها تصوره لمفهوم «الدولة المدنية ـ المجتمع المدني ومنظماته» اضافة الى ورقة اخرى حول موقف الحزب من مفهوم العلمانية كان «بيان الاربعاء» نشرها قبل اشهر. وقد حصل «بيان الاربعاء» على نسخة من هذه المساهمة، وننشرها فيما يلي، نظرا، من جهة، للمكانة السياسية والفكرية المتفردة التي يشغلها كاتبها بين القيادات التاريخية للحركة السياسية في السودان والمحيطين العربي والافريقي، ومن الجهة الاخرى لما يشكله موضوعها نفسه من اهمية بالنسبة للمحللين والباحثين حول مستقبل هذا الحزب، بحكم موقعه من خارطة القوى السياسية الفاعلة، وكذلك حول اجندة الصراع السياسي ومساراته ومآلاته في هذا البلد خلال المرحلة المقبلة


    وفيما يلي نص الاطروحة

    لعلك قرأت ملهاة «البرجوازي النبيل» للكاتب الفرنسي الساخر، موليير «1622 ـ 1673» ويجوز تعريبها «مستجد النعمة». اغتنى المسيو جوردان، بطل الملهاة، ولامس المجتمع المخملي للنبلاء وعلية القوم والاثرياء، وريحانة مجالسهم من أدباء وشعراء، فانبهر بأحاديثهم وذرابة السنتهم وسلاسة مصطلحاتهم العصية على قاموسه العامي العاجز عن مجاراتهم. فاستأجر معلماً ـ معادل «مؤدب الامير» في تراث الارستقراطية العربية الاسلامية، او «مثقفاتياً».. وكان الدرس الاول: يصنف الادب الى نثر وشعر، وما لا ينضوي تحت لواء الشعر فهو نثر! فانفجر مستجد النعمة ضاحكاً في حبور طفولي، حتى ألجمت الدهشة لسان الاستاذ، ثم افاق من دهشته وسأل تلميذه عن دافع الضحك، فأجاب: ما كنت اعلم انني ظللت طوال حياتي اتحدث نثراً، حتى عندما طلبت من خادمي ان يحضر لي حذائي

    كاد حالنا ان يتماهى مع حال المسيو جوردان، اذ ظللنا ولما يزيد على نصف قرن نتداول مصطلحات: الجمعيات الادبية، الاندية الرياضية الثقافية الاجتماعية، اندية الخريجين، اندية العمال، الاحزاب السياسية. الحركة النقابية، حركات المزارعين والطلبة والنساء والشباب. اتحاد الصحفيين، اللجان الشعبية للدفاع عن الحريات، اللجان القومية للتضامن مع شعب مصر، كينيا، العراق، الكنغو، الروابط الادبية في عطبرة وسنار وكوستي والابيض ومدني، التجمع النقابي، التجمع الوطني الديمقراطي، مجالس الآباء والأمهات، الروابط القبلية والاقليمية، تضامن قوى الريف، اتحاد الكتاب، الجمعيات الخيرية

    لكنا تمايزنا عن مستجد النعمة، كوننا لم تحوينا دهشة ولم يشل تفكيرنا ارتباك، عندما قيل لنا: مصطلحاتكم على تكاثرها يحيطها ويؤطرها مفهوم او مصطلح المجتمع المدني، والمنظمات الطوعية ـ بين حاصرتين ـ غير الحكومية!
    طفقنا نستحث مخزون الذاكرة ونستزيد من الاطلاع، بعضنا التقى مصطلح المجتمع المدني في الوافد من مؤلفات المفكر الايطالي الماركسي، قرامشي «1891 ـ 1937» في ترجمة انجليزية او عربية خلال ستينيات القرن العشرين. ثم اتسعت الدائرة بفضل ترجمة انجزها مثقفان سودانيان، لم يشغلهما ضجيج الصراع السياسي عن قضايا الفكر والثقافة: الراحلان هنري رياض والجنيد علي عمر ـ دار الجيل بيروت.. ثم طرق المصطلح سمعنا في النصف الثاني من السبعينيات، في ثنايا ظاهرات التحولات السياسية والاجتماعية الجديدة في البلدان الاشتراكية، وحصرا نقابة التضامن في بولندا ـ ارهاصاً ونواة لنشاط جماهيري قاعدي، خارج الاطر التنظيمية القانونية الرسمية، ومن بعدها بيان الكتاب في تشيكوسلوفاكيا، وأشكال جنينية في بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي، ودول اخرى. تحسست تلك التحركات خطاها بذكاء وحكمة، مستوعبة تجارب الاخفاقات السابقة. فلزمت جانب القانون، للافلات من عصفه وعسفه، واستعصمت بأطروحة: ما لا يمنعه القانون مباح! ثم اعلنت تمسكها بالدستور وحقها في ممارسة حقوقها الدستورية، واستظلت بحماية الدستور من القوانين التي تنقصه نصاً وروحاً. لم تتصف تلك الحركة بمصطلح المجتمع المدني، انما أضفته عليها مدارس وجماعات اليسار الجديد التي تبلورت خلال ثورة الشباب العاصفة في فرنسا وغرب اوروبا في الستينيات ثم تسرب الى بعض منابر شرق اوروبا

    صرف النظر عن المصطلح او الاسم «?What is in a name»، شكسبير: روميو وجولييت ـ كانت الحركة موجات متصاعدة من قاع المحيط الاجتماعي، متدافعة نحو اصلاح سياسي اجتماعي شامل للتجربة الاشتراكية، وتحريرها من آثار الشمولية وانفراد حزب واحد بالسلطة، وهيمنة الدولة ومؤسساتها على المجتمع ـ كان المجتمع قد عقد عزمه ان يستعيد تمايزه واستقلاله عن الدولة: ما للدولة للدولة، وما للمجتمع للمجتمع! وبذات المعادلة: ما للمجتمع الاشتراكي للمجتمع الاشتراكي ـ مستقلا عن هيمنة مؤسسات الدولة الاشتراكية، وما للدولة الاشتراكية للدولة الاشتراكية. اشتراكية المستقبل لن تكون جديرة بالصفة، ودع عنك الاسم، ان لم تتقيد بهذه المعادلة

    استقبلنا عقد التسعينيات تحت القبضة الخانقة المتخلفة لانقلاب الجبهة القومية الاسلامية، وفرض الشمولية الاصولية الاسلامية ـ ومن يومها بدأ مصطلح المجتمع المدني يتمدد حتى أطبق الآفاق، ظاهرة أحسن تفسيرها حسن عبدالعاطي ـ الناشط في هذا المجال ـ في ورقة تقدم بها لورشة عمل جمعية بابكر بدري العلمية، ونقلتها صحيفة الصحافة: «ضرورة سد الفراغ الناجم عن غياب الديمقراطية، والصحافة الحرة التي تحمي الحقوق العامة، والنقابات التي تحمي حقوق المجموعات، وغياب القوانين والمؤسسات التي تحمي حقوق الحرية الفردية ولهذا ارتفع بشدة عدد وصوت وتأثير المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان والمرأة والطفل والمجتمعات المحلية «ثم تناول المنظمات الطوعية او غير الحكومية َّداخ وأشار الى انها نشأت لسد الفراغ الذي نشأ نتيجة عجز الدولة والافراد والجماعات عن تلبية احتياجات اغفلها النظام السياسي والاجتماعي في السودان..»

    ما لم يذكره حسن، ان تلك المنظمات نشأت وتكاثرت كحلقات في شبكة مراكز ومؤسسات عالمية داعمة وممولة

    دلفنا الى الألفية الثالثة وقد تحصنا بمصل المعرفة ضد دعوى دهشة المسيو جوردان ـ اذ لا يندهش الا غافل! كنا نتعامل بمصطلحات بسيطة وعفوية، ولكنها دالة، أشبه بتعاملنا مع داء «ابعديلات» وظل الداء داء، بعد ان أسماه الطبيب «التهاب الغدة النكافية»

    عدنا للأصول والمراجع، وتابعنا كلاسيكيات اوروبا منذ القرن الثامن عشر، وابهاء عصر التنوير الآسرة، المفعمة انسانية وتفاؤلا، وتابعنا ما تلاه من عصور، نقرأ ونقارن ونستزيد ولا نزال، حتى ندوة: «الديمقراطية في السودان» 4 ـ 6 يونيو 1993 ـ مركز الدراسات السودانية، ومركز الأهرام ـ القاهرة. ثم ورشة بابكر بدري العلمية ـ امدرمان ـ 2002 ـ ثم منتدى المجتمع المدني ـ مركز الدراسات السودانية، وصحيفة الصحافة ـ نوفمبر 2002 ـ الخرطوم. ثم ملف لا يزال ينفتح بقصاصات ما نشر وما ظل وما سوف ينشر في الصحف السودانية، عن هذا الكائن العجيب وهو بين ظهرانينا لأكثر من نصف قرن!ظل دفق وعطاء الدوريات ودور النشر العربية غزيرا طوال التسعينيات: ندوة مركز الوحدة العربية ـ «المجتمع المدني في الوطن العربي» بيروت ـ 1992 ـ مجلة المستقبل ـ عدد 4 ـ 1992 ـ «نشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني»

    بضعة كتب من بين المراجع التي امكن الحصول عليها، جديرة بالاشارة: الاول باللغة الانجليزية: Civil Society: Theory, History, Comparison - Polity Press والثاني: دراسة نقدية، اقرب الى رسالة الدكتوراه، وفق التقاليد الكلاسيكية الصارمة للجامعات الالمانية، منذ ان كان هيجل استاذا، وتلميذه ماركس طالباً.. المؤلف ـ عزمي بشارة ـ «المجتمع المدني: دراسة نقدية ـ مع اشارة للمجتمع العربي» ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ 1998 ـ بيروت يحتوي الكتاب مقدمة وخمسة فصول: حدود المفهوم وتاريخه ـ من الليفثان الى يد السوق الخفية ـ انفصال المجتمع المدني عن الدولة لكي يعود اليها ـ الامة والقومية والمجتمع المدني ـ واقع وفكر المجتمع المدني حوار عربي.
    احتفظ د. بشارة بنظرته الناقدة، وهو يطوف بنا من توماس هوبس، الى جون لوك، ثم ديفد هيوم ومنتسكيو وروسو وآدم سمث وجون ستيوارت ميل وتوكفيل، ثم يتوقف عند هيغل الذي لخصت فلسفته واستوعبت ما قبله، ثم عرج على ماركس وانجلز، ما كان له، وهو يعالج قضايا ومعضلات المجتمع المدني في القرن العشرين ان يتفادى قرامشي

    في ظهر الغلاف، لم ينشر المؤلف ـ او الناشر ـ سيرة ذاتية او صورة، انما فقرات موحية من مدخل الكتاب، ص7: «يهدف هذا الكتاب الى تحويل مقولة المجتمع المدني الساكنة، والتي تثير الرضى والاسترخاء عند بعضهم، والنقمة والسخط عند البعض الاخر الى مقولة تاريخية متحركة تظهر الطاقة الكامنة فيها من خلال بحث طريق تطورها التاريخي وهي مفيدة في المعركة العربية من اجل الديمقراطية اذا ما تم فهمها فهماً تاريخياً، اي نقدياً، يكشف حدودها التاريخية، وبالتالي الطاقة الكامنة فيها، وضارة بقضية الديمقراطية وتحرر الانسان العربي اذا ما تحولت الى أداة لتحييدها سياسياً

    فالمجتمع المدني دون سياسة، وخارج سياق المعركة من اجل الديمقراطية، هو عملية اجهاض.. ان الديمقراطية العربية المتعثرة في مرحلتها الراهنة في امس الحاجة الى مفهوم المجتمع السياسي الديمقراطي، والا تحول المجتمع المدني العربي الى شاهد زور يبرر الغياب عن ساحة المجتمع السياسي!
    والثالث: د. كريم ابو حلاوة: اشكالية مفهوم المجتمع المدني ـ النشأة، التطور، التجليات ـ دار الأهالي، 1998 دمشق.. حدد الكتاب منهج تعامله ودراسته لمفهوم المجتمع المدني في فقرة مفصحة: «اعادة صياغة المفهوم وتحديد مدلولاته النظرية والعملية، مما يستدعي رصد مكوناته المعرفية، والعودة الى الفضاء الزماني الذي شهد ولادته، ورسم الملامح العامة للتطورات والتمايزات التي طرأت عليه في سياق صعود اوروبا البرجوازية الصناعية باقتصادها وفلسفتها والحركات والثورات الاجتماعية التي ساهمت في تكريس قطعية متعددة الوجوه مع عالم العصور الوسطى.. التقاط الجوهري والدال في مسيرة تمتد ثلاثة قرون.. حيث تكون المفهوم في اطار الفلسفة الليبرالية ومفرداتها: الميثاق او العقد الاجتماعي، مقابل نظرية الحق الالهي للملوك ـ التعددية السياسية مقابل الحكم المطلق ـ الحريات العامة في الحياة والملكية والعمل والرأي والمعتقد، مقابل حرية الأقلية الارستقراطية.. حق المواطنة تجاوزاً للانتماء الضيق: ديني، مذهبي، اثني، عرقي السيادة للشعب فصل السلطات.. الخ»

    اوغل د. كريم بعيدا في تاريخ المجتمع الاوروبي وارهاصات تحولاته بدءا بالاصلاح الديني، لوثر ثم كالفن، ومن بعدهما اسهامات العلماء: نيوتن وهارفي وديكارت وباسكال وكيبلر وغاليليو، والثورة التي احدثتها اسهاماتهم في دحض التصور المتوارث عن الكون من بلطليموس والكتاب المقدس ثم اسهام ديكارت وبيكون في تأسيس الفلسفة الحديثة، واسهام ميكافلي وهوبس في بلورة العلوم السياسية الاجتماعية، وتابع اسهام مفكري عصر التنوير ثم توقف ملياً لدى هيغل وماركس، وما كان له ان يتخطى قرامشي: وظل كريم اميناً لمنهجه والتقط الجوهري والدال في مسيرة المفهوم

    الرابع: المجتمع المدني والصراع الاجتماعي ـ ترجمة لمجموعة اوراق بحث لمفكرين واكاديميين من مجلات ودوريات ـ الناشر: مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الانسان ـ القاهرة ـ ,1997. في ص14، قال مسكننر، استاذ علوم سياسية ـ جامعة يورك، كندا: اصبح مفهوم المجتمع المدني شعاراً متعدد الاغراض ليسار ما بعد الماركسية، اصبح طائفة من التبريرات للتراجع السياسي، وهناك خطورة ان يصبح ذريعة لتبرير الرأسمالية وفي ص119 اشارت اليزابيث جيلين، من حركة «الذاكرة» في الارجنتين وهي الحركة الواسعة التي تواصل الضغط على الحكومة للكشف عن المناضلين الذين اغتالتهم الدكتاتورية ودفنتهم في قبور مجهولة او ألقتهم من الطائرات في عرض المحيط، والاصرار على محاكمة الجناة

    وتتصدى الحركة لدعاة «عفا الله عما سلف» كي لا يلجأ كبار قادة الجيش لتدبير انقلاب جديد حتى لا يتعرضوا للمحاكمة. تقول جيلين: الخوف من ردود فعل الجناة في الجيش، محاولة لتضميد جراح المجتمع بالنسيان والتراضي وعدم تذكر الماضي، سفاحو الذاكرة هم مزيفو المستندات والموسوعات، امراء الصمت، ان ما تحتفظ به الذاكرة الجماعية هو ذلك الجزء من التاريخ الذي يمكنه الاندماج في نظام القيم السائد، لقد أصبحت حركة حقوق الانسان اساساً لبناء ثقافة ديمقراطية جديدة يسود فيها التسامح وقبول التعددية واقرار القيم الانسانية

    تعاملت المراجع المنتقاة اعلاه تعاملا جادا وناقداً لظاهرة المجتمع المدني كمفهوم ومصطلح نظري مجرد، وفي تجلياته المتعينة، في بيئة ومجتمع المنشأ، وواصلت تعاملها الناقد تجاه تجارب استنباته في بيئة مجتمعاتنا المتخلفة ونمائها المعاق، وفي الحالتين، تتجلى المصداقية في منطلقاتها ومواقفها الداعمة لمنظمات المجتمع المدني، شريطة ان لا تصبح استنساخاً شأنها من الاصل في مجتمعات المنشأ، او فرعاً تابعاً خاضعاً، او جهاز استقبال وارسال.
    في ذات السياق تعامل د. حيدر ابراهيم، مدير مركز الدراسات السودانية، مع سلبيات منظمات المجتمع المدني حديثة النشأة في السودان وفق ما جاء في مداخلته في منتدى اعلام المجتمع المدني ـ الصحافة 6112002: «انحرف كثير من المنظمات عن أهدافه وأصبح ميداناً لصراعات داخلية قائمة على اسس ذاتية وشخصية، وهي خصومات لا ديمقراطية في الاسباب ووسائل ادارة الصراع، تميزت هذه المنظمات بصراع المكانة والوجاهة والامتيازات المادية والمعنوية. وغالباً ما تتحول ديمقراطية هذه المنظمات الى تحكم شلة نافذة تستولي على فائض القيمة المتمثلة في المال والسفر والعلاقات العامة، انها حضرية او نخبوية، وهذا يعني ان العضوية محصورة وقليلة التأثير، اولويات الممولين قد تؤثر في تحديد الاولويات الوطنية والمحلية، بالاضافة الى ان اساليب العمل التي يتوقعها الممول حرمت المنظمات من ابتداع طرائق جديدة، الوضع الحالي لمنظمات المجتمع المدني لا يبشر بمستقبل واعد»

    لم يترك د. حيدر زيادة لمستزيد، لولا ظاهرة الغموض التي اكتنفت العديد من منظمات المجتمع المدني

    واسطع مثال ما نشرته صحيفة أخبار اليوم السودانية 7/12/ 2002 وثيقة تحمل عنوان: اعلان كمبالا لمنبر المجتمع المدني لجبال النوبة وجنوب النيل الازرق 21 ـ 24 نوفمبر 2002 فندق قراند امبيريال ـ كمبالا، اوغندا، بدعوة واستضافة كريمة من منظمة عموم افريقيا، وبتنظيم من منظمات العدالة الافريقية لحقوق الانسان، ووكالة التنمية الدولية البريطانية للتمويل، ويعبر المنبر عن اسفه لعدم مشاركة الحركة الشعبية ومنعها لمنظمات المجتمع المدني العاملة في مناطق سيطرتها من الحضور! شمل الاعلان 44 بنداً تحت العناوين التالية: المشاركة في السلطة، قسمة الثروة والتنمية، معالم ومباديء الدستور، الدين والدولة، حق تقرير المصير وخيار الوحدة، حدود منطقة جبال النوبة وجنوب النيل الازرق، دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق السلام

    سؤال واحد ظل يتبادر لذهن القاريء: من هم مندوبو المنبر وما هي المنظمات التي انتدبتهم؟ غياب الاجابة يفسد مشاعر الابتهاج ان مناطق جبال النوبة قد استعادت امنها وعاودت منظمات المدني نشاطها خلال الفترة الثانية من اتفاقية السلام الموقعة بين الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة وحكومة السودان برعاية واشراف مراقبين دوليين، وان منطقة جنوب النيل الازرق على مشارف اتفاقية مماثلة! في اقترابنا من التعرف على المنظمات الطوعية ـ غير الحكومية، اعانتنا مجلة الاكونومست، البريطانية ـ عدد الاسبوع الاول من فبراير 2002 عربته ونشرته صحيفة الايام السودانية ـ كادت المجلة المحافظة الوقورة ان تنفي عن هذه المنظمات صفة غير الحكومية، مؤكدة انها تعتمد في تمويلها على الحكومات، وساقت بعض النماذج والامثلة: منظمة الاغاثة اوكسفام، ميزانيتها لعام 1999 ـ كانت 98 مليون جنيه استرليني حصلت على 24 مليون استرليني من الحكومة البريطانية والاتحاد الاوروبي ـ اي ربع ميزانيتها، منظمة ورلد فشن ـ اكبر منظمة مسيحية غير حكومية، تسلمت من الحكومة الاميركية عونا غذائياً قيمته 55 مليون دولار، منظمة أطباء بلا حدود، حائزة جائزة نوبل، 46% من دخلها من الحكومات، من مجموع 120 منظمة غير حكومية تعتمد 111 منها كليا على الحكومات، ثم تؤكد المجلة ان الدعم الحكومي يزداد، ويتناقض او ينحسر الدعم الشعبي

    وتفسر المجلة دوافع الدعم الحكومي بصعود افكار وبرامج وسياسات الليبرالية الجديدة وتراجع الدولة عن واجباتها والتزاماتها تجاه المجتمع وسياساتها في تخفيض تكاليف الادارة، فألقت بأعبائها على المنظمات غير الحكومية. مثال ذلك، ان الحكومات اصبحت توجه معوناتها للدول الافريقية عبر تلك المنظمات، واصبح قيمة ما توزعه من اغاثة ومعونات يفوق ما ينفقه البنك الدولي في السنة، وتتولى المنظمات الاشراف على صرف النسبة الأعلى من المعونة الاميركية السنوية، وحجمها 117 مليون دولار. ووصفت المجلة تلك المنظمات بأنها المتعهد او المقاول نيابة عن الحكومات

    ووصفت المجلة بعض مناشط ومهام المنظمات غير الحكومية بما يمكن ان يوصف بالجاسوسية، مثل جمع المعلومات وكتابة التقارير التي ترفعها لحكوماتها حول اوضاع البلدان التي تعمل فيها. وبعضها يتلقى اموالا من الوزارات الاوروبية مقابل جمع المعلومات من بلدان بؤر التوتر والحروب، مثال ذلك، تابعت منظمة قلوبال وتنس، الصراع في انجولا وأعدت تقارير مفصلة بتمويل من وزارة الخارجية البريطانية. وتنشر منظمة «ادارة الازمات» تقارير مفصلة ذات طبيعة تحليلية وسياسية عن البلدان التي تعمل فيها وتستفيد منها الحكومات والدبلوماسيون والصحف. تؤدي منظمة ادارة الازمات، مع ثلاث منظمات اخرى، وظيفة المستشار لوسطاء محادثات ماشاكوس

    المباديء التي تحكم نشاط المنظمات غير الحكومية:

    ـ تزاول نشاطها في حيز محدود، وليس لها دور سياسي مباشر

    ـ لا تعني بتغيير الحكومات، انما تضغط كيما تحترم الحكومات حقوق الانسان

    ـ ممنوعة بحكم تكوينها وقانون تسجيلها من الفعل السياسي او التغيير السياسي

    ـ يلتزم العاملون فيها الحياد والابتعاد عن النشاط الحزبي او الحزبي الصارخ

    ـ يلتزم مركز المنظمة التمويل وكورسات التدريب، ومرتبات المتفرغين.

    تعريف مفهوم المجتمع المدني:

    ـ كل تعريف وان قارب الاحاطة والكمال، يبقى ناقصاً، ومن ثم منفتحاً على المتغيرات والمستجدات، والتي قد تتراكم في بطء كسول، اوتسارع نشط، حسب وتائر عطاء العلوم والممارسة. وقد استقر التقليد المنهجي على العودة للتعريف الام، الكلاسيكي، ومساءلته قبل استكماله وربطه بما استجد، او تجاوزه

    ـ تتعامل غالبية المؤلفات والمقالات حول المجتمع المدني مع تعريف هيغل: تحتل مؤسسات المجتمع المدني الفضاء بين العائلة والدولة، وهي مؤسسات تلبي حاجيات الناس الاقتصادية وتؤدي مهام ضبط مساعي الناس لقضاياهم ومسائلهم الخاصة.. الخ و«تتحفظ المؤلفات المعاصرة على انحياز هيغل للدولة باعتبارها الفكرة الالهية كما تتجسد على الارض»

    ـ يليه في التداول تعريف قرامشي: تمايز منظمات وكيانات المجتمع المدني عن الدولة الاتحادات والكيانات والتنظيمات الاجتماعية الطوعية، والمؤسسات المدنية من نقابات واحزاب والمؤسسات الثقافية والتعليمية المدنية والنوادي وغير ذلك، وينفي قرامشي صفة الحياد عن المجتمع المدني، ويعتبره ميداناً للصراع من اجل الهيمنة الفكرية والثقافية والسياسية

    ـ لم يفرد ماركس معالجة خاصة مكتملة لمفهوم المجتمع المدني عدا اشارات او تصورات ضمن معالجة قضايا اخرى، وتنتقده بعض المؤلفات بأنه لم يخرج من عباءة تعريف استاذه هيغل، او انه طابق بين المجتمع المدني والمجتمع البرجوازي، او بينه ومفهومه لقاعدة المجتمع، وما يعلوها وينبثق عنها من هياكل التركيب العلوي او الفوقي. وحتى لو صح ذلك، افتراضاً، فليس صحيحاً ولا دقيقاً الادعاء ان ماركس بقي حبيس تعريف استاذه هيغل. لكن يبدو ان منتقدي ماركس ظلوا حبيسي الفقرة التي وردت في مؤلفه الاول المشترك مع انجلز «الايديولوجيا الالمانية» عام 1844 وكلاهما يتحسس طريقه نحو منهج التفسير المادي للتاريخ، وقد أشارا فيما بعد الى اوجه القصور في بعض استنتاجاتهما، او عدم الدقة في صوغ بعض المفاهيم والمصطلحات، ولم يتيسر لهما استكمال او تصحيح مواطن القصور، لان الناشر الذي تعهد بطباعته في اميركا لم ينجز وعده بسبب افلاسه او شيئا من ذلك ما علينا ما يهمنا هنا ان الفقرة الواردة في هذا الكتاب تقول:

    المجتمع المدني مسرح كل التاريخ ومصدره ومقوم وأساسي، يستوعب التبادل والتعامل المادي والتجاري والصناعي بين الافراد، وفي اطار مرحلة تاريخية معينة من تطور القوى المنتجة، يعبر عن ذاته في شكل امة في العلاقات الدولية، وينظم نفسه في شكل دولة في الداخل، تبلور مصطلح المجتمع المدني في القرن الثامن عشر، وعندما انسلخت علاقات التملك في المجتمع المشترك القديم والوسيط، وبهذه الصفة ينمو المجتمع المدني مع البرجوازية، التنظيم الاجتماعي المنبثق مباشرة من الانتاج والتجارة، والذي يشكل في كل المراحل قاعدة الدولة وبقية التركيب الفوقي

    ـ في الفقرة الواردة اعلاه، يلحظ القاريء الذي اطلع على مؤلفات ماركس وانجلز، غموض بعض المفاهيم والمصطلحات، التي اكتمل وضوحها ومدلولها في مؤلفاتهما اللاحقة خلال نضج تفكيرهما، مثال ذلك: علاقات التملك التي تحولت لاحقا الى علاقات الانتاج. والتعامل والتبادل تحولا الى علاقات السوق، والصيغة المبهمة عن التنظيم الاجتماعي، ثم اكتمل مدلولها في مقولة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، كواحدة من المقولات الاساسية في منهج التفسير المادي للتاريخ

    ـ رغم ذلك يصعب الاتفاق مع الادعاء ان ماركس ظل حبيس تصور او تعريف استاذه هيغل، حيث بدأ التمايز اكثر وضوحاً في وقت مبكر في طروحات ماركس حول فوير باخ ـ 1845 ـ فويرباخ مثل هيغل يتبنى مفهوم المجتمع المدني التقليدي، ماركس يتبنى المجتمع الانساني، او الانسانية التي تتسم بطابع اجتماعي. اما التصور الاكثر وضوحاً فقد ورد في كتاب ماركس «انقلاب لويس بونابارت» 1852 الفصل رقم 4 الفقرة الخامسة حيث اسهب في ما آلت اليه الديمقراطية تحت ظل الانقلاب وسطوة جهاز الدولة: «تصطاد الدولة المجتمع المدني في شباكها، تكبح حركته، تضبط ايقاعه، ترشد خطاه وسلوكه وحتى واجفة الاعين، وتتحكم في حياة الفرد بمركزية متسلطة». ثم تقدم ماركس بحزمة اصلاحات برامجية لاصلاح اثار البونابارتية، او الشمولية، تطرح: «تبسيط ادارة الدولة وخفض وتقليص جيش البيروقراطية للحد الادنى، وان يترك للمجتمع المدني والرأي العام خلق منابره الخاصة به مستقلة عن سلطة الحكومة». هكذا بين عام 1844 وعام 1852 استكمل ماركس استيعابه وتصوره المجتمع المدني، وعبر عنه في الفقرة المقتطفة، وبعد ان كاد يتجاهله تماماً، وفي فقرة عابرة عام 1842 في كتابه الذي انتقد فيه فلسفة هيغل الحقوقية، وفي جملة اعتراضية: ما يسمى بالمجتمع المدني، هذا ما كان من بقاء او خروج ماركس من عباءة تعريف استاذه هيغل لمفهوم المجتمع المدني. صحيح ان ماركس، مثله مثل مفكري عصره، وسابقيه من مفكري عصر التنوير، اعتبر المجتمع المدني وليد المجتمع البرجوازي ـ اي، الرأسمالي ـ لان المجتمعات السابقة للرأسمالية لم تعرف ظاهرة المجتمع المدني ومؤسساته

    ومازال الصراع واختلاف وجهات النظر بين المنشغلين بأمر المجتمع المدني في زماننا هذا محتدماً حول مفهوم منظمات المجتمع المدني والمنظمات الاهلية والمتوارثة في مجتمعاتنا قبل سيطرة الاستعمار وغرس العلاقات الرأسمالية وأجهزة الدولة الحديثة في مجتمعاتنا، هذه معضلات لا تحل او تحسم بالقطعيات الوثوقية، انما بالدراسة المتأنية لكل مجتمع، وما كان عليه، وما آل اليه، ثم المقارنة والمضاهاة مع مجتمعات مماثلة قبل استخلاص ما هو عام ومشترك ـ مع مراعاة ان كيانات سابقة للرأسمالية تواصل تماسكها الباطني ونسيجها الخاص، وتتعامل وتتعايش وتتأقلم مع الرأسمالية في أخذ وعطاء، مثل ذلك التكوينات القبلية والطائفية والطرق الصوفية، او محافظة الخلاوي على طابعها الخاص رغم استيعابها في هياكل التعليم النظامي، او الادارة الاهلية في السلك الاداري للدولة، او بقاء التاج والعائلة المالكة في بلدان رأسمالية متطورة مثل انجلترا، هولندا، السويد.. الخ، وترعى العائلة المالكة العديد من منظمات المجتمع المدني

    ـ نظل نسعى للمعرفة والاستنارة من الفكر الانساني، الطارف والتليد، ونستزيد معرفة بما يتاح من تجارب شعوب العالم في معاناتها الذهنية لحل معضلات الدولة والمجتمع المدني. لكن منهجنا ان ننطلق من واقع المجتمع السوداني وتجليات تطوره عبر العصور، وخصائص تشكل دولته ومجتمعه المدني، ما قاله مونتسكيو او توكفيل، ابن خلدون او المقريزي، ستيورات ميل او هيغل، ماركس او قرامشي، ليس فصل الخطاب

    ولا نغفل او نزاور عن استخدام منهج التفسير المادي للتاريخ ـ نستخدمه، ولا يستخدمنا ـ ولا نعوم مفاهيمه ومقولاته في بحر من الكلمات او اغفال متعمد للمصدر، نسعى ونجتهد علنا نتوصل لاستنتاجات سليمة وننتج معرفة تليق بمضاء هذا المنهج وتسهم في تطوير ادواته وآلياته، وتلقيحها بأساليب وطرائق البحث العلمي المعاصرة والمتجددة ـ علنا نضيء مسافة ما من اظلام مسرح المجتمع السوداني! لابد من التفاتة وفاء لمن اشعلوا ثقاب المعرفة، فأناروا الطريق امام الانسانية نحو الاستنارة:

    ـ دم فيرجسون المفكر الاسكتلندي «1717 ـ 1802» اول من صك مصطلح المجتمع المدني ـ قبل 22 عاما من الثورة الفرنسية ـ في كتابه: ٌُّّميكُس ٌيًّى نُ ٌَُُّّّْيب موُّ َُ ٌّفََّّ َء حيث استشعر تمركز السلطات السياسية في قبضة الدولة، وخطورة الاستبداد السياسي، وكيف يحمي المجتمع نفسه من التسلط السياسي والاستبداد.

    ـ امانويل كانط «1724 ـ 1802»
    «كن جريئاً في استخدام عقلك، الكسل والجبن سبب بقاء البشر في حالة اللارشد طوال حياتهم».
    «يأمره الضابط: لا تفكر، بل تدرب على القتال!».
    «يأمره الممول: لا تفكر، بل ادفع!».
    «يأمره الكاهن: لا تفكر، بل قل آمين!».
    «يأمره السيد: فكر كما تشاء، لكن طع!».

    ـ الكواكبي «1854 ـ 1902»: «المستبد لا يخاف من العلوم الصناعية. ترتعد فرائض المستبد من علوم الحياة، مثل الحكمة النظرية، والفلسفية العقلية، وحقوق الأمم، وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية والتاريخ والخطابة الأدبية نحو ذلك من العلوم التي تكبر النفوس وتوسع العقول، وتعرف الانسان ما هي حقوقه، وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النوال..».

    =======

    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

                  

05-14-2003, 08:28 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني (Re: sultan)


    شكرا ياسلطان على المقال

                  

05-14-2003, 05:38 PM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني (Re: sultan)

    شكرا سلطان على المقال الناجع
    ولكنى لاتفق مع حسن عبد العاطى فى رائه ان المجتمع المدنى
    نما لفشل الدولة عن تحقيق تطلبات المجتمع والاصل فى الامر ان بذرة المجتمع المدنى كانت مرافقة لتشكل دولة البرجوازية الشكل الحديث للدولة الخارج من الامبراطوريات
    ذلك ان المجتمع فطن الى ان هذا الشكل لايحقق مصالحه والتى هى ليبرالية لاتتحمله الدولة بتكوينها الهرمى والبيروقراطى والمنجز لمصالح المجتمع عبر الكيفيات التى تفرض هيبتها اولا...اذا المجتمع المدنى مواكب لدولة البرجوازية ولايعنى ذلك تعبيرها عن مصالحها
    ام ترانى اخطات
                  

05-14-2003, 10:57 PM

beko
<abeko
تاريخ التسجيل: 03-24-2003
مجموع المشاركات: 195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني (Re: sultan)

    الصديق سلطان
    يا ريت لو كل مره تمدنا بي مقالة الاستاذ محمد ابراهيم
    نقد
    ولك ودي











    ******************************
    يامحمد احمد همتك صوتك امانه في زمتك
                  

05-15-2003, 12:00 PM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني (Re: beko)


    الأخ الشريف

    الف شكر


    الأخ زمراوى

    ملاحظتك حول ما سرد عن حسن عبد العاطى تقبل التأويل – صحيح ان المجتمع المدني أو الأشواق لمجتمع مدني صاحبت بروز الدولة البرجوازية لكن دور المجتمع المدني ظل يخضع لإيقاع الصراع الاجتماعي مما قضى بضرورة إيجاد منافذ مجتمعية غير نمطية لصنع القرار في هياكل الدولة البرجوازية الشيء الذي حفظ لها قدرتها على التطور والابتكار.

    اما في غياب التعددية تتلمس تنظيمات المجتمع المدني الطريق لتعمل في سد النقص المؤسسي الفاضح في مجالات عديدة ذكرت بالمقال. والشق الأخر من المعادلة - يحتاج للنظر في قضايا المجتمع المدني – ففي السودان شكل غياب منظمات فاعلة في هذا المجال جزء كبير من أزمتنا السياسية والاجتماعية التي يجزم بعضنا - بتطرف شديد - ان سببها الأوحد هو ضعف أداء الأحزاب السودانية التي يتوقع منها ان تفعل كل شيء دون مشاركة مؤسسية من قبل قوى وأشكال اجتماعية أخرى في تحديد الأوليات وإدارة الصراع الاجتماعي وبلورة الحلول الناجعة وتطبيقها

    ومن المؤسف حقا أن تأخذ بعض محاولات بناء تنظيمات المجتمع المدني في السودان الشكل الذي تحدث عنه د. حيدر الذي في اعتقادي ينبع من تصور هش يسلم بضرورة ان تكون هذه التنظيمات دائرة في فلك منظومة سياسية محددة في حين ان الغاية المنشودة هي تعزيز التعددية واعتمادها كمنهج خلاق لإدارة الصراع الاجتماعي

    الصديق
    Beko

    شكرا - سافعل ذلك متى ما توفر الجديد



    ===

    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

                  

05-15-2003, 05:57 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني (Re: sultan)

    نقد كظاهرة تستحق الكثير من النقاش
    انظروا
    اربعة عشر عاما وهو مختفًي وظاهر
    لا هو قرر ان ينهي اختفاءه
    ولا انكشف سره للاخرين
    ولا سكت عن الكلام-الفعل
    انظروا معي
    وتأملوا
    ثم اختلفوا معي معه
    او اتفقوا
    انه ظاهرة تستحق النظر
                  

05-28-2003, 07:35 PM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني (Re: فتحي البحيري)

    الرأي العام 26/5/2003

    المجتمع المدني... شاهد على عصره

    تعليق على مقال الأستاذ نقد

    حسين العبيد

    نشرت جريدة «الرأي العام» في عددها بتاريخ 19 مايو 2003م مقالاً للاستاذ محمد ابراهيم نقد نقلاً عن صحيفة «البيان» الاماراتية تحت عنوان :«المجتمع المدني العربي يواجه خطر التحول الى شاهد زور» والمقال جدير بالتعليق لعدة اعتبارات:

    اولاً : ان الموضوع حيوي وضروري وجاء في وقته timely.

    ثانياً: ان الطرح جاء موضوعياً وشيقاً وبصورة تغري بالقراءة واعادة القراءة.

    ثالثاً: انه جاء من شخصية سياسية مرموقة - وفي ذلك مؤشر ايجابي يحسب لصالح السياسيين ان يهتموا بالمجتمع المدني ويتناولوا قضاياه بالتحليل والتعليق. وقليل جداً من سياسيينا من يهتم بهذا الكيان الاستراتيجي «هذا اذا استثنينا مساهمات الصادق المهدي المقدرة في هذا الصدد»

    رابعاً: رغم ان الاستعراض جاء لواقع المجتمع المدني العربي كنا نود لو ان الاستاذ افرد حيزاً في مقاله أو خصص ملحقاً لتناول واقع المجتمع المدني في السودان بالتفصيل - دون الاكتفاء بمساهمات حيدر ابراهيم وحسن عبدالعاطي فقط.

    خامساً: اشارته العابرة الى التكوينات القبلية والطائفية والطرق الصوفية، والادارة الاهلية ، والخلاوي- دون الاسهاب في ذلك!

    سادساً: اشكالية ارتباط المنظمات الطوعية بالحكومات في الغرب الرأسمالي.

    بداية نود ان نذكر ان الاستاذ نقد - مشكوراً - قد رمى حجراً في بركة ماء آسن لاشك انها ستثير كثيراً من دوائر ردود الفعل، التفكير والاسهمات - خاصة ما يلي الواقع السوداني .. كذلك كنا نود ولو بصفة عامة ان يبدي وجهة نظره الخاصة من واقع تجربته كسياسي له رسالة اجتماعية مبنية على خلفية سياسية وفكرية - ولاشك ان في ذلك اثراء واضافة.

    حصر الاستاذ نقد نفسه في الاعتماد على المرجعيات اليسارية والارث الماركسي - دون النظر للقيم والمرتكزات الفكرية التي شكلت العمل الاجتماعي في عالمنا العربي. كذلك ركز الكاتب بحثه على مؤسسات المجتمع المدني الحديث فقط، ولان المجتمع العربي لم يصبح حديثاً بعد! فبدا المجتمع المدني متخلفاً بالضرورة! وهذا خلل منهجي «STRUCTURAL» لازم الكاتب في كل الاستعراض.

    كذلك لم يتعرض المقال للعولمة وادواتها وتأثيراتها في صياغة المجتمع المدني العربي والوطني وفرص التشبيك وتوحيد اللغة والفعل المشترك - تحت واقع ثورة الاتصال والمعلومات وتآكل السيادة الوطنية «راجع موقف المجتمع المدني الدولي في الف مدينة من حرب العراق».

    على ان الكاتب خلص الى ان «الشمولية العشائرية» في وطننا العربي هي التي خنقت اطلاق المجتمع المدني في وطننا العربي - ونوافقه ان الشمولية من حيث هي - حتى ولو كانت شمولية اشتراكية - تربة غير صالحة لانطلاق وتطور المجتمع المدني كذلك اتسم الطرح بصفة عامة بالحكم السالب على المجتمع المدني العربي ! بيد ان هناك نماذج باهرة في لبنان وفلسطين، والسودان كان يمكن الاشارة اليها «يلاحظ ان القاسم المشترك لهذه الدول وجود مساحة للعمل المستقل عن الدولة». كذلك بصفة عامة تجنب الكاتب الخوض في القاء الضوء على الخلفية الدينية للعمل الطوعي والاجتماعي خاصة الاسلام الذي يشكل دين الاغلبية في الوطن العربي، وكيف ان ذلك أسهم في بلورة وصياغة الوجدان العربي من القرن السابع الميلادي نحو النشاط الاجتماعي.

    اما اشكالية تلقي المنظمات الغربية للتمويل من الدولة فالسؤال الذي يطرح نفسه ماضير هذا التلقي اذا كانت العلاقة بين المنظمات والحكومات القائمة على اسس ديمقراطية لم تتغير لعدة قرون؟ ذلك اذا اعتبرنا ان الاحزاب احدى مؤسسات المجتمع المدني! مادام يتم تداول السلطة على اساس ديمقراطي، وان ذات الحكومات قد خصصت عبر ادواتها الديمقراطية ميزانيات لدعم نشاط المجتمع المدني !! بيد ان الكاتب لم يقدم بديلاً لتجنب هذا الدعم . وربما اراد ان يحذر من مغبة تضارب المصالح الحكومية والمدنية ؟ وللحقيقة ظل هذا التضارب يحدث وباستمرار دونما الوقوع في هذه المحاذير - واليك هذه الامثلة:

    * منظمة الطفولة السويدية تتلقى دعماً منتظماً من الحكومة السويدية. هذا الدعم محدود بسقف معين بحيث لا يتيح للحكومة مقاعد داخل مجلس الادارة قد تؤثر في توجيه السياسات!

    * رفضت منظمة اكسفام البريطانية استلام دعم مالي لانشطتها في العراق من الحكومة البريطانية - وذلك لموقفها المعارض لموقف الحكومة البريطانية في الحرب على العراق.

    * رفعت كل من رعاية الطفولة السويدية والبريطانية تقريراً مشتركاً عن انتهاك حقوق الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي وتم استعراض التقرير في جنيف، وهو تقرير لم يرض كل الحكومات الديمقراطية التي تخصص ميزانيات للعمل المدني.
    بعض هذه المواقف لا ترضى الحكومات ولكن هذه مواقف مرتبطة بالشفافية والمسؤولية التي تحكم عمل هذه المنظمات وهي مواقف مبدئية وان شئت قل مواقف سياسية!

    * في عام 1998م وبعد احداث بحر الغزال الشهيرة والمآسي الانسانية التي لازمتها رفعت كل من منظمات رعاية الطفولة الغربية، اكسفام واطباء بلا حدود ومنظمة كير تقريراً مشتركاً للمانحين - فيه انتقاد شديد للسياسة المتبعة تجاه الحرب والسلام في السودان. وقد ادى التقرير الى تحول استراتيجي افضى الى تطورين مهمين:

    1/ الاهتمام بالسلام ووقف الحرب كأولوية - حيث كانت سياسة المانحين في السابق تركز على الاستجابات الانسانية.

    2/ النظرة غير المنحازة لطرفي النزاع «الحكومة والحركة» لاول مرة .
    المجتمع المدني السوداني:

    غنى عن التذكير ان الارث الاجتماعي في السودان «SOCIAL CAPITAL»

    متميز في مجال التطوع وفعل الخير ومساعدة الآخرين ويتمثل ذلك في الادوار التقليدية كالفزع ، والنفير، والتعاون، واغاثة الملهوف، واكرام الضيوف، وشتى اشكال التكافل الاجتماعي. تمثل العشيرة والقبيلة - خاصة في الريف- صمام امان اجتماعي SAFETY NET لايمكن ان يتدنى لمستويات نشهدها في اعرق الدول الديمقراطية - تظهر جلية عند الكوارث والملمات. أما أحد أركان الاسلام كالزكاة والقيم الدينية الاخرى كالوقف الاسلامي الذي شمل دعم كل اوجه العمل الاجتماعي من صحة، وتعليم، وحتى التشجير فهي تشكل محطات اساسية لايمكن القفز فوقها، فبصفة عامة يشكل الوازع الديني مرجعية فكرية ونفسية مواتية في توجيه الفعل الاجتماعي في السودان.
    المؤرخ لمسيرة نشاط المجتمع المدني بالسودان الحديث لابد ان يقف على تجربتين ناصعتين:

    * تأسيس معهد القرش الصناعي عام 1931م الذي تم على يد نفر كريم من اهل السودان لاجل ايواء وتدريب الاطفال الفقراء والمشردين على الحرف المختلفة ليشقوا طريقهم في الحياة وذلك بدفع قرش واحد! بصفة مستدامة STANDING ORDER وظلت الفكرة حية وعاملة الى يومنا هذا «رغم تغير سعر الصرف» وهو البادرة الوطنية الاولي من نوعها على مستوى العالمين العربي والافريقي.

    * اتجه اول تجمع وطني للمتعلمين السودانيين «مؤتمر الخريجين » في عام 1938م وذلك قبل عشرين عاماً من الاستقلال الى اشاعة التعليم عن طريق المساهمة الاهلية - باعتبار ان التعليم اهم استثمار اجتماعي لمستقبل السودان. فانتشر التعليم الاهلي بجهد وطني خالص في كل انحاء السودان اسهم في تعزيز الاستقلال ورفع الوعي الوطني.

    * في العام 1970م قام جهد متواضع على اكتاف خيرين لمساعدة الصم. تطور هذا الجهد عبر المؤسسية الى سياسات صياغة مناهج، وتدريب معلمين، وبناء معاهد، وتخريج مؤهلين وانتزاع حقوق - عبر كفاح امتد لاكثر من ثلاثين عاماً للجمعية السودانية لمساعدة الصم.

    * يقيني انه في ظل تحديات السلام والتنمية الراهنة الآن في الازمة السودانية قدم المجتمع المدني السوداني انموذجاً فريداً تحت ظل الحرب المستعرة فقد استطاعت هذه المؤسسات ان تتواصل مع رصيفاتها الوطنية عبر خطوط النزاع متمثلة في انشطة الاكاديميين ، ومؤتمرات المرأة، ومحاربة اختطاف النساء والاطفال ومكافحة الالغام ..الخ.

    خلاصة الامر ان المجتمع المدني هو تعبير مخلص عن واقع المجتمع بصورة اساسية والتفاعل الايجابي مع هذا الواقع في استقلالية عن السلطة - ولايعني ذلك بالضرورة معاداة السلطة أو عدم التفاعل الايجابي معها بما يخدم اهداف المجتمع المدني .. وبالطبع يكبر هذا الدور في ظل الانظمة التي تتيح مساحة له باعتباره قيمة مضافة ADDED VALUE وشريكاً اساسياً في الفعل الاجتماعي، واعتباره في النهاية بوصلة ومؤشراً لمآل الواقع بكل صدق - أو ان شئت شاهداً على اهلها وليس شاهد زور!

    في النهاية الشكر للاستاذ محمد ابراهيم نقد على مقالته القيمة، واتمنى ان يتناولها كل المختصين والمعنيين كمدخل للنظر في هذا المبحث المهم، خاصة والساحتين الوطنية والاقليمية تمران بتغييرات جذرية في ظل التحديات الكونية العنيفة الراهنة - عسى ذلك ان ينفع الناس فيمكث في

    -----
    * مركز الشؤون الانسانية

    http://www.rayaam.net/2003/05/26/araa3.html

    =====


    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

                  

05-30-2003, 11:19 PM

هدهد

تاريخ التسجيل: 02-19-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد إبراهيم نقد: حول منظمات المجتمع المدني (Re: sultan)



    العزيز سلطان
    اطربني جدا هذا الاستاذ محمد ابراهيم نقد بهذا المقال
    وكم اجد نفسي مندهشاً لهذه العقلية ذات السهل الواسع انه حقاً دهشة السياسة السودانية
    المجتمع المدني هي قضية التحول الاساسية
    وهذا المقال يبدو انه فتح لحوار طويل قد يسمتر مائة عام كما قال الاستاذ بشرى الفاضل
    ويا حبذا لو تناول الجميع هذا المقال بالاضافات والنقد والتفتيت

    دعني هنا اضيف مقال اخر حول المجتمع المدني للاستاذ /شاهر احمد نصر
    وقد نشر هذا المقال في موقع الحوار المتمدن


    مؤسسات المجتمع المدني في الدولة الديموقراطية القوية من ضرورات النهضة والتنوير


    شاهر أحمد نصر



    تؤكد الدراسات الاجتماعية أنّ السمة العامة التي تميز المجتمعات العربية في بداية القرن الحادي والعشرين هي الانحطاط الشامل ، والصدأ المريع في البنى المؤسساتية الاجتماعية ، باستثناء بعض الجزر المضيئة المقاومة لمشاريع هزيمة العرب ، وإخراجهم من التاريخ ؛ تلك المنارات المضيئة كانتفاضة الشعب العربي الفلسطيني الباسلة ، وبوادر المقاومة الوطنية، ومحاولات بعض المنابر والمفكرين الوطنيين نشر الفكر التنويري النهضوي ، والمقاومة الدفينة التي تبديها الشعوب العربية لمشاريع الهيمنة المعادية .

    هناك سؤال رئيس وتاريخي هام من الضروري الإجابة عنه بموضوعية ومسؤولية : هل استطاع مشروع النهوض العربي الذي قادته القوى والتنظيمات والأحزاب العربية ، ومن ثم الأنظمة التي نشأت بفعل استيلاء بعض تلك التنظيمات على الحكم في عدد من الدول العربية منذ أواسط القرن الماضي أن تؤدي مهامها ، وترتقي بشعوبها على طريق التنوير والحضارة ؟! وإن لم تستطع ، فلماذا ؟ وما السبيل لبلوغ ذلك الهدف ، ومجاراة الشعوب المتحضرة ؟!

    لا شك في أن نشوء ذلك المشروع وتلك القوى يعد خطوة إيجابية خلقت أجواء جديدة في المجتمع ، وولدت حراكاً اجتماعياً ، وأثارت أسئلة هامة في الوعي الاجتماعي ، ومهدت للتأسيس لوعي جديد . ومن الطبيعي أن تحصل تطورات نسبية في المجتمعات العربية نتيجة ذلك الحراك ، ونتيجة التأثر بالتطور العالمي ؛ تجلى ذلك في قيام بنى اقتصادية جديدة ، والازدياد النسبي في عدد المدارس وانتشار الكهرباء وشبكة الاتصالات ، ونمو الوعي الصحي ، ودخول المرأة المدارس ، وحصولها على بعض حقوقها بنسب متفاوتة .. كما أخذت تتكرس في الوعي الاجتماعي أهمية التنظيمات الاجتماعية ..
    لكن تلك التطورات لم تكن على مستوى الطموحات ؛ ففي الريف وعلى الرغم من القيام بخطوات هامة على طريق إعادة توزيع الأرض في عدد من البلدان العربية ، فإنّ المسألة الزراعية لم تجد لها حلاً ، ويزداد وضع الفلاحين تدهوراً ، وفي مقابل الإقطاعيين الذين كانوا يستغلون الفلاحين والذين تمت مصادرة الأراضي التي كانوا يهيمنون عليها ، ظهرت آليات استغلال جديدة تبدأ من مرحلة تأمين البذار والأدوية ، وتستمر مع تسويق المحصول .. وبدأت بالظهور فئة من الإقطاعيين الجدد . ولم يتم ردم الهوة ما بين الريف والمدينة على الرغم من ضعف تطور المدينة وترييفها . وفي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم تؤسس البنى الدينامية القابلة للتطور ، وإبداع الوعي المتطور المتجدد ؛ إذ تشكلت بنى اقتصادية واجتماعية على أسس مركزية مشوهة ، صُورت وكأنها للصالح العام ، إلاّ أنّها لم تستطع تجاوز حدود اللعبة التي رُسمت لها لخدمة الحاكم الذي حدد غايتها في خدمة استمراريته .. لعب في ذلك آلية عمل ضحلة نُسِخَت عن أنظمة خارجية قلبت الأولويات والأهداف والغايات ، لتصبح أسمى الغايات حماية المركز ، وتسخير المجتمعات لخدمة التنظيمات وقادتها .. ومع ازدياد الهوة بين القول والفعل ، واستباحة الوطن والشعب ، وتقزّم الوعي وتقوقعه في أطر المصلحة الأنانية الضيقة للتنظيمات وقادتها ، وخلق حواجز مختلفة بينها وبين أبناء المجتمع ، أخذ دورها يتضاءل ، وانكفأ الشعب عنها ، ليبحث كلٌ فرد عن أسهل طرق الخلاص ، ضمن آلية اقتصادية اجتماعية وأخلاقية مشوهة .

    وأخذ الانحطاط يعم .. ليهيمن على مجمل مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلدان العربية .
    فعلى الصعيد الاقتصادي تنمو التبعية للخارج في المجالات التقنية والصناعة والمواد الأساسية ، و يسود التخلف والركود والفساد القطاعات الإنتاجية الوطنية ، خاصة العامة منها .. ومع ضعف المحاسبة يزداد نهب الملكية العامة وملكية الدولة مع استغلال قصور القوانين والالتفاف عليها بمساعدة (القادة) النقابيين والحزبيين وأجهزة المراقبة الذين يتراقصون حول الإدارات لتغطية سلوكها بما يضمن مكاسبهم ومصالحهم الشخصية .. ويجري شراء المناصب وضمائر المتنفذين مع استشراء الرشوة والفساد والاستخدام غير النزيه للسلطة .. ويترافق ذلك مع ندرة فرص العمل وتوسع صفوف البطالة بشكليها الفعلي والمقنع ...
    أما اجتماعياً حيث يعم الركود ..وتنشأ حالة عامة من اللامسؤولية واللامبالاة نتيجة لعدم محاسبة منتهكي القواعد الاجتماعية والقانون من المتنفذين ، وتطبيقها على الشرائح الضعيفة من المجتمع .. ويصبح الانحراف الفردي في سلوك الأفراد جماهيرياً ، ويتعمق تشوه القواعد الاجتماعية . ومع البحث عن عمل أو قنوات لتحسين الوضع المادي تتكرس علاقات القرابة والعائلة والواسطة وأفضلية الانتساب العشائري ، وتؤدي الفروقات الكبيرة في مستوى حياة الناس إلى زيادة التشوهات الاجتماعية ، وعدم الرضى والغضب وانتشار المكائد والدسائس ، وتنتشر السرقات والجريمة ، وتتدنى الأخلاق . ويقود عدم تطوير القوانين إلى توقف المقياس القانوني عن القيام بوظيفته مع تغير الظروف ، فتظهر الأخلاق المزدوجة وأخلاق الظل .. ويتجلى الانحطاط في البنى والمؤسسات الاجتماعية والأحزاب المترهلة في البيروقراطية على صعيد الجهاز وعدم التجديد في بنيانها وفكرها ، فيزيد الركود من التوتر الاجتماعي نظراً لانسداد الأفق وانعدام أي مجال للأمل ، مما يولد رغبة وميل في المجتمع لاستبدالها بأخرى تأخذ أحياناً طابعاً دفيناً ، وقد تتصف باللاإيجابية .. ومع قصور التصورات الأيديولوجية والاجتماعية والثقافية المرافقة للركود الاجتماعي ، وانسداد الأفق ، ينتشر عدم الرضى حتى من المواقف التاريخية البطولية المشرّفة في المجتمع ، وتضعف هيبة واحترام الأكبر ، وتنسف أهمية ومكانة المثل والقيم الأخلاقية .. وتحصل ردة مخيفة في الوعي الاجتماعي ؛ فمن المؤسف أن تجد ظواهر من التخلف كانت قد تجاوزتها الشعوب العربية في بدايات القرن العشرين ، تعود لتهيمن في بدايات القرن الواحد والعشرين . ومن الملفت للانتباه أنّ العديد من أعضاء التنظيمات السياسية والاجتماعية التي نشأت فكرياً على خلفية النهضة والتنوير والتقدم ، وتبنت الفكر العلمي وبعضها الماركسي ، أخذوا يتبنون أفكاراً بائدة ويمارسون عادات متخلفة تعود في جذورها إلى قرون سالفة ..
    يترافق ذلك كلّه مع هيمنة بنى وآليات عمل سياسية راكدة معيقة وكابحة لكل تطور وتقدم ..

    وهنا يبرز سؤال جديد حول من يتحمل مسؤولية هذا الانحطاط الجديد الشامل !
    هل يعود هذا الانحطاط إلى أفكار وممارسات غذتها القوى والتنظيمات والأنظمة التي دعت إلى النهضة العربية الثالثة منذ خمسينات القرن العشرين ؟ هل بؤس مجتمعاتنا يعود إلى التصورات والمناهج الاقتصادية الاجتماعية التي استوردها هؤلاء المنورون ؟!

    لقد بات من الضروري أن تنظر تلك البنى إلى نفسها نظرة نقدية ، وأن تتحلى بجرأة الاعتراف بأنها تتحمل ـ نتيجة آلية عملها والأفكار المعرقلة للتطور التي تتشبث بها ـ جزءأ من مسؤولية الانحطاط الشامل الذي وصلت ومجتمعاتها إليه .
    النهضة والتنوير مجدداً :

    بعد قرون من عهود الانحطاط ، إبان الحكم العثماني ، وجد طليعة المفكرين العرب أنّ الخروج من واقع الظلام ، ورقي المجتمع العربي يتم عبر النهضة والتنوير ، والارتقاء بالنظام السياسي والاجتماعي . فهذا أديب اسحق في كتاب "الدرر" يقول إنّ ( إصلاح النظام السياسي هو الذي يحمل المجتمع إلى الآفاق جديدة ، فتخلف المصريين مثلاً ، أو ركودهم ، لا يرجع إلى أسباب دينية أو أخلاقية ، وإنما يرجع إلى أسباب سياسية تتمثل في فقدان حرية الشعب ) ..(1)
    لقد حاول مفكرو عصر النهضة العربية تلك ، عبر صحافتهم ومدارسهم ومنتدياتهم ، الخروج من حالة الانحطاط الشامل التي هيمنت على حياة العرب ، والتأسيس لحالة تنويرية في المجتمعات العربية ، متأثرين بالنهضة التي حصلت في الغرب . إلاّ أن جهودهم الجبارة تضعضعت مع هيمنة الاستعمار الأوروبي الغربي على الوطن العربي

    ومع التخلص من الاحتلال الاستعماري ظهرت موجة نهضوية جديدة في الوطن العربي في خمسينات القرن العشرين لم تعط ثمارها المرجوة – كما بينا سابقاً - و آلت أحوال المجتمعات العربية ، في أوائل القرن الحادي والعشرين ، إلى حالة الانحطاط الشامل التي نعيشها ، والتي تستدعي مشروعاً تنويرياً ونهضوياً جديداً .
    والمشروع النهضوي يستدعي وجود مفكرين يبدعون وينشرون أدوات منهجية ومعرفية فاعلة ، كما يستدعي استلهام بنيان اقتصادي اجتماعي وسياسي حاضن إيجابي له . بنيان يرقى في تربية وبناء الإنسان المتنور المتحضر ، ويخلق الثقة المفقودة ما بين أبناء المجتمع وحاكميهم .
    وإن كانت المواقف من هذا المشروع تأخذ أشكالاً وصيغاً مختلفة ؛ من السلفوية ، والجدلية التارخية والبنيوية ، والتفكيكية وغيرها ؛ مما يعني ضرورة الاستفادة من مختلف المناهج والتيارات ، والعمل على الحوار والتنسيق فيما بينها خدمة للغاية الأساسية التي وجدت من أجلها ، مع التأكيد على أنّ المنهج الجدلي ، الذي وضع هيغل (1770-1831) الصيغ العصرية لموضوعاته ، يعد أكثر المناهج شمولية وكفاءة على تحليل الواقع واستنباط سبل النهوض والتطوير .. وفي هذا المجال لا بد من التأكيد على ضرورة التعرف على تجارب الشعوب التي نهضت من ركودها ، والاستفادة من المعارف المنهجية والفكرية والفلسفية التي ساعدتها في نهضتها وأهمها العقلانية والعلمية ..

    مجتمع التنوير والإبداع
    ضمن أي بنيان مجتمعي يمكن لأدوات التنوير المعرفية والعملية أن تتفتح وتعطي ثمارها ؟
    لا بد من الإقرار أولاً بأنّ البنى والمؤسسات المجتمعية السائدة في البلدان العربية ، بما فيها تلك البنى التي استقدمتها أحزاب وتنظيمات كانت حاملاً لفكر نهضة أواسط القرن العشرين ، والتي قامت بمحاولات هامة لمعالجة المشكلات الاقتصادية في مجتمعاتها من منظور العدالة الاجتماعية ، وحققت بعض المكاسب والإنجازات الاقتصادية والاجتماعية الهامة كالنهوض بالبنية التحتية والخدمية ومحاولة التأسيس لوعي عقلاني علمي في المجتمع ، إلاّ أنّها لم تستطع خلق أسس النهضة المرجوة ، بل إن كثيراً من الأفكار وآليات العمل والمؤسسات التي أنتجتها تلك التنظيمات ـ إن لم تكن ذاتها في شكلها الحالي ـ أصبحت تلعب دوراً معرقلاً للتطور السليم للمجتمع ، وتكبّله في قوالب تعيق تطوره ، وتخدم آلية الفساد الشامل والمفسدين ، وتُفَرِّخُهُ باستمرار ، وتكرّس الانحطاط .. هذا في الظروف العادية ، فما بالك أن تسود تلك البنى والآليات في ظل القانون الاستثنائي الطارئ ، الذي أثبتت الحياة أن الاستمرار في فرضه لفترات طويلة يعيق التطور السليم للمجتمع ويخلق الظروف والتربة المناسبة لنمو الفساد ويحميه ، ويصبح مجردُ التفكير بمكافحة الفساد جدياً ـ طالما ظلّ القانون الاستثنائي سائداً ـ أمراً عقيماً ..

    تتفق الأغلبية الساحقة من المثقفين العرب على مختلف الصعد على أنّه لا مستقبل مشرق مع الاستمرار بالنهج الذي يولد الركود والانحطاط . مما دعا الغيورين على مستقبل الشعوب العربية أن ينادوا بضرورة التغيير ؛ فالواقع الحالي غير مقبول حتى بالنسبة للمستفيئين بظله من المتنورين ..
    هناك سؤال يشغل المهتمين بالتغيير من مختلف الاتجاهات حول حامل التغيير ومصدره . أ يتم التغيير من داخل البنى السائدة المسيطرة أم من خارجها ؟
    فالتغيير يحتاج إلى ثقافته ، وفلسفته ... ويحتاج إلى رؤية موضوعية بعيدة عن العاطفة ، والعصبية ، والثأرية ..
    عندما يُذكر التغيير يلّوح البعض بتجارب الآخرين .. هناك من يقول بأن التغيير من خلال البنى السائدة أمر عقيم ، لأنها خلال عملية أي تغيير ستعيد بناء نفسها من جديد .. فيدعو إلى نسف البنى المتعفنة الراكدة واستبدالها ببنى دينامية عصرية متطورة .
    وهناك من يلوح بمخاطر الانهيار الشامل الذي حصل في الاتحاد السوفياتي نتيجة نسف البنى القديمة ، ويروج للأخذ بالتجربة الصينية ، خاصة وأن تلك التجربة تؤول إلى بقاء الحزب القائد في سدة الحكم مع المحافظة على مصالح القادة ..
    إنّ القولين غير سديدين ؛ لاختلاف ظروف بلداننا كلياً عن ظروف البلدان الأخرى .. فلو أخذنا الصين لوجدناها عالماً فريداً ، تستطيع أن تبني اقتصادها وتؤمن حياة شعبها باستقلالية شبه تامة ، مهما حوصرت بظروف صعبة ، فالدول الرأسمالية بحاجة للصين كسوق استثماري ومركز للنمو الاقتصادي ..
    هل تملك بلداننا هذه الإمكانية ؟
    لنفرض جدلاً أنه في ظل حصار رأسمالي همجي لبلداننا ، في عالم وحيد القرن ، ولسبب ما حصل انخفاض حاد في أسعار النفط ونضبت العملة الصعبة من مصارفنا ، وترافق ذلك بفترة جفاف لعدة سنوات تقضي على مواسم الحبوب ( لا سمح الله ) .. هل تساعدنا آنئذ تلك التجارب في تأمين الخبز لشعوبنا ؟! مع الاحترام والتقدير الشديدين للشعبين الصيني والروسي وتجاربهما ، التي لا شك في أن الاطلاع عليها والاستفادة منها أمران ضروريان ، ولكن ليس تقليدها ، أو الأخذ بها كما هي ..
    هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية من المفيد البحث في أفق تلك التجربة .
    امتازت الأنظمة الاشتراكية التي عرفتها الشعوب في القرن العشرين بالشمولية وبوجود مؤسستين رئيسيتين تهيمنان على المجتمع هما : قيادات الحزب ( الذي يتحول إلى جهاز من الموظفين ) والأجهزة الأمنية .. فجميع المنظمات والنقابات العمالية والمهنية تبنى وفق أنظمة وأسس تجعل الأجهزة الأمنية مسيطرة على قياداتها .. ومع حلول مرحلة الإصلاحات في شروط النظام السائد يجري التركيز على بقاء آلية الحكم كما هي مع فسح المجال لبعض المشاريع والنشاطات الاقتصادية الخاصة لرفع مستوى معيشة السكان على شرط عدم المساس بالسلطة . إلاّ أن ذلك لا يحل المشكلة ، فتلك المشاريع إن أخذت شكلها السليم ، فستؤسس للمجتمع المدني ، لكن الحزب القائد وآلية قيادته لا تناسبهما مؤسسات المجتمع المدني . ففي ظل سيادة القوانين ووجود الأحزاب والمحاكم المستقلة عن الحزب والصحافة الحرة وحرية العبادة ، ستزعزع مكانة الحزب المهيمن على كل شيء . وهكذا تستمر الأجهزة الأمنية من خلال الحزب في السيطرة على الصحافة ، والتدخل في أبسط الأمور الحياتية بما فيها قضايا العبادة .. وللسبب نفسه تظهر تساؤلات حول أفق المشاريع الاقتصادية الخاصة والخلاقة التي تتطلب مناخاً تفتقده الأنظمة الشمولية .
    من السهل القيام بأنصاف إجراءات إصلاحية : انتخابات شكلية ، نشر بعض فضائح الفساد في الصحافة للحديث عن جو الشفافية أو الانفتاح .. على أن لا تمس المفاصل الأساسية في النظام بحجة أمن البلاد وهيبة الدولة . ويمكن السماح بنشر بعض المقالات والأبحاث الجيدة الجذابة حول الأزمة التي يعيشها المجتمع ، على أن لا تملك القدرة على التأثير في مواقع المتنفذين وصناعة القرار . فلا بأس من تكرار الأوامر والنصائح والتعاميم الممجوجة التي تتحدث عن المؤامرة الخارجية وذيولها الداخلية ، وأهمية قطاع الدولة في تدعيم القدرات الدفاعية .. على أن لا يصل الأمر إلى البحث في الأسباب التي أدت وتؤدي إلى الأزمة ، تلك الأسباب المتعلقة بالبنيان الاجتماعي الاقتصادي الحكومي الذي يولد الأزمة ويفرخ الفساد باستمرار . فللشفافية في مجتمعات الركود والفساد حدود إن تعدتها تودي بدعاتها .
    ومن السهل إيجاد بعض الشركات والمصارف الخاصة والمشتركة ، والاستعانة بأفضل الخبراء الأجانب ، وحتى استبدال حاكم قديم بآخر جديد ، لكن جدوى ذلك تبقى محدودة وضعيفة الفاعلية مع استمرار هيمنة الآلية القديمة على النظام السياسي والاجتماعي ، فغياب الدكتاتور لا يعني انتهاء الدكتاتورية .

    أما فيما يخص التجربة السوفيتية فلها ميزاتها وخصوصيتها أيضاً .. لقد حصل انهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي نتيجة تضافر عدة أسباب أهمها : بذور الانهيار التي حملتها منذ ولادتها باعتمادها آليات اجتماعية اقتصادية مسدودة الأفق ، والحرب المستمرة مختلفة الأشكال التي شنتها الدول الرأسمالية ضدها منذ الأيام الأولى لقيام الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917 ، مع تكاتفت عوامل وظروف عديدة أهمها هجوم الاحتكارات الرأسمالية العالمية والصهيونية ، والقوى الحاقدة على الاشتراكية ، وترافق ذلك مع تراكم تشوهات داخلية ناجمة عن اعتماد تلك الآليات الاجتماعية والاقتصادية الجامدة مسدودة الأفق .. لقد كان الخلل واضحاً جلياً ـ كما هو الحال في بلداننا ـ لأبسط الناس ، ولأكثرهم إطلاعاً وعبقرية .. ويكمن الخطأ القاتل الذي ارتكبه الحزب الشيوعي السوفيتي ـ ربما لأسباب تتعلق بالآلية التي سادت حياته الداخلية ـ في جعله التشوهات تتراكم ، حتى وصلت إلى مرحلة الانهيار ( وهذا ما يجب الاستفادة منه والتحذير من إمكانية حصوله في بلداننا ، لتفادي ذلك الانهيار ) ..
    بينت التجربة أنّه مع تطور المجتمع ومعرفة العالم المتزايدة يظهر المواطنون الذين يبحثون عن دوراً لهم في المجتمع . .. ولكن وجود حالة الشعور بالمواطنة عند المواطنين ، مع غياب الديموقراطية يخلق حالة من الاحتقان والمعارضة الدفينة المكبوتة التي يصعب التحكم بانفجارها . تضعف هذه الأجواء والممارسات من هيبة ودور المؤسسات الحاكمة والحزب القائد .. وينشأ صراع على السلطة السياسية . وإن لم يتم الإصلاح السياسي الفعّال ، يقود تفاقم الوضع الاجتماعي الاقتصادي إلى الانهيار الشامل (هذا ما حصل في الاتحاد السوفياتي ) الذي تختلف تداعياته من بلد إلى آخر ، حسب قوته وفسيفسائه الاجتماعية وقدرة تدخل أعدائه لتحطيمه وتفتيته ، وقد يدعو البعض إلى قيام الحكم العسكري المطلق لتفادي الانهيار ، وبينت التجارب أن هذا الحكم أن لم يستتبع بإصلاح سياسي فعال ، فسيقود من جديد إلى الانهيار ولو بعد حين . أما الإصلاح الفعّال الذي يقود إلى النظام السياسي المستقر فيتحقق فقط عبر الصيغة الديموقراطية الدستورية . فالأزمة التي تحل بالمجتمعات الشمولية تثبت أن لا الأجهزة الأمنية وحماتها العسكريين ولا الموظفين الحزبيين هم الأصحاب الشرعيين للسلطة ، ويبقى الشعب هو صاحب الشرعية ، ويحقق سيادته من خلال الديموقراطية الدستورية ..

    نعود إلى السؤال حول التغيير ، أ يتم من داخل البنية أم من خارجها ؟ وفي هذا المجال لا بد من النظرة الموضوعية بعيداً عن العصبية .
    بما أنّ الأغلبية من خارج البنية ومن داخلها تقر بعدم إمكانية الاستمرار بالوضع الراهن ، وبما أنّه لم تتشكل بعد قوى التغيير التي تستطيع أخذ المبادرة من خارج البنى . ولا أحد من مريدي التغيير الغيورين على بلداننا ومجتمعنا يريد الانهيار لهذه المجتمعات ـ كما حصل في غيرها بعد أن تٌركت التشوهات تتراكم ـ فهناك إقرار بضرورة التغيير من داخل البنى ومن خارجها أيضاً .. مع العلم بأن العوامل والظروف الخارجية المحيطة بالمجتمعات العربية ، والتي لا يمكن التطور بمعزل عنها ، تخلق ضرورات التغيير التي لا مفر لهذه المجتمعات من التأثر بها مهما حاولت الأنظمة تجاهل ذلك ..
    إذا كانت الرغبة في التغيير موجودة في المجتمع ونسبياً داخل البنى السائدة ، فمن الضروري والمفضل أن يحصل التغيير بالاستفادة من تلك البنى ، والأمر يحتاج إلى إرادة غيورة على مصلحة الوطن ومستقبله .. لإعلان مرحلة انتقالية للتغيير تصاغ فيها برامج وفلسفة التغيير ، وتناقش في أجواء ديموقراطية متحضرة لتخلق الوعي السليم بأنّ التغيير ضرورة وفي مصلحة جميع القوى والفئات الموجودة سواء داخل البنى المهيمنة أوخارجها . مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص الهوية المحلية عند اعتماد مبدأ التغيير فالمجتمعات المحلية التي يولد الإنسان فيها والقيم المخزنة في الذاكرة تؤسس لديه الدوافع الأخلاقية ودواعي الالتزام بالواجب .. والدعوة إلى المرحلة الانتقالية تنبثق من حقيقة أن ثقافة المدنية لا تأتي من فراغ ، بل تحتاج إلى تحضير في كنف الأنظمة المتغيرة وفق آلية ديموقراطية دستورية .. كما أنّ الانتقال إلى الديموقراطية يحتاج إلى تدبير وتخطيط من قبل هيئات مستقلة وحكومية تضم مفكرين وباحثين ذوي سمعة اجتماعية محترمة .. للانتقال المدروس إلى الحياة الديموقراطية ، دون إبطاء ، من القاعدة إلى القمة في مختلف المجالات .. مع الرفع الفوري للقيود المكبلة لحرية الصحافة وحرية تشكيل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ..

    يبدو ذلك للبعض طوباوياً . إنما هو السبيل الصحيح لمنع التشوهات تتراكم حتى يحصل الانهيار الذي تطمح وتخطط إليه القوى المعادية لشعوبنا ..

    من كل ما تقدم يتبين كم أصبح البحثُ عن شكل وإطار مجتمعي اقتصادي سياسي جديد ، يُنظر فيه لأبنائه كمواطنين وليس رعاع ، ويفسح المجال للحياة الكريمة لأبنائه ، ولفكر التنوير وأدواته المعرفية أن تنمو بشكل سليم ، ولإبداعات الناس أن تتفتح بشكل إنساني حر ، يشكل ضرورةً موضوعية مشروعة .
    وفي إطار هذا البحث لا بد من أخذ الواقع المحلي بعين الاعتبار ، من حيث خصائص الوعي الاجتماعي ، والطابع الاقتصادي السائد ، ومعدل النمو السكاني الكبير ، والتزايد المطرد للشرائح الفقيرة في المجتمع ، وما ينجم عن ذلك من قضايا ، إن لم تعالج ، تتفاقم وتكبح أي مشروع نهضوي تنويري . وأن لا تطغى علينا العصبية وتعمينا قتامة الواقع الحالي عن الحقيقة الموضوعية ، ورؤية الواقع كما هو بسلبياته وإيجابياته ، والاستفادة من التجارب السابقة ، وتصحيحها والتخلص مما شابها بها من عوائق ، والتأكيد على أنّ العدالة الاجتماعية مسألة جوهرية يتعلق مستقبل شعوبنا ونهضتها بمدى الاستجابة لمتطلباتها ، وأنّ تجاهلها يفاقم الأزمات الاجتماعية ، ويعيق أي مشروع نهضوي .. ولكن العدالة الاجتماعية لن تتحقق وفق آلية يزداد فيها معدل النمو الاقتصادي وينخفض نصيب الفرد .. كما بين د. عارف دليلة حيث يقول : " إن متوسط نصيب الفرد السوري من الدخل القومي اليوم عام 2001 هو أقل من متوسط نصيبه عام 1980 ، أما متوسط الأجور الحقيقية اليوم فلا يزيد عن ثلث متوسطه قبل عشرين عاماً ، على رغم من أن معدل النمو الاقتصادي بحسب الإحصاءات الرسمية كان على مدى عشرين عاماً أعلى بالمتوسط من معدل نمو السكان بنسبة ملموسة ، إذا استثنينا العامين الأخيرين ، حيث انخفض من دون معدل نمو السكان ، فأين ذهب النمو الاقتصادي على مدى عشرين عاماً مادام لم يصل إلى الأغلبية الساحقة من الشعب ؟ " (2)
    والرأسمالية ، ولو أضيفت لها الصفة الإنسانية ، ليست الجنة الموعودة ولا نهاية التاريخ ، كما يبين تقرير التبادل في التعامل بالأسهم وقانون الشركات ـ الياباني ـ الذي جاء فيه : " هل الرأسمالية الإنسانية لصالح البشر حقاً ؟ في عقد العمل الحديث بحق يبيع العامل عمله: إنه لا يبيع روحه ، أو التزاماته . ومؤسسة يدير شؤونها الموظفون تتطلب أن يقضي اليابانيون كل عمرهم ، من الميلاد إلى الاستيداع ، في منافسة حامية ، أولاً ليدخل المؤسسة ، ثم ليرقى في مدارجها. ولهذا فإنهم مضطرون للتنازل عن حريتهم وفرديتهم، ومشاعرهم الإنسانية وروح الابتكار داخلهم . فليس لديهم الوقت للاهتمامات الثقافية ، أو للعب دور مفيد في إطار الأسرة أو المجتمع . إنهم يتلقون الفقر الروحي مقابل الثراء المادي " “Kab ushiki no michiai to Kaishaha” نكاجيما شوزو ( التبادل في التعامل بالأسهم وقانون الشركات) المنشور في طوكيو العام 1990 .

    والبحثُ عن شكل وإطار مجتمعي اقتصادي وسياسي جديد ، يكون ضامناً لعملية النهضة والتنوير ، يحتم التعرف على تجارب الشعوب الأخرى والاستفادة منها ..
    ومن الخطأ تجاهل مؤسسات المجتمع المدني التي أبدعتها شعوب العالم المتقدم كأطر سياسية ومجتمعية ساعدت في رقي وتحضر أبنائها والسير في طريق النهضة والتنوير . فقد بينت التجربة أن وجود هذه المؤسسات يساهم في خلق مناخ اجتماعي إبداعي ودينامي متطور ، يمتاز بوجود فعاليات متعددة ومتنوعة ، قادرة على المراقبة وفضح السلبيات ، مستقلة عن الآليات الرسمية الجامدة المكلفة بحماية الأنظمة والمستفيدين منها مهما كان سلوكها .. ونظراً للدور الهام الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في تجاوز حالات التشرذم المذهبي والقبلي والعشائري المتخلف في المجتمع ، وفضح آليات الفساد والانحطاط الشامل في المجتمع ، فليس غريباً أن تتكاتف القوى المتضررة من هذا الدور وتشن حملة تهويش وتشويه ضدها ..
    فما هو المجتمع المدني ؟
    مع وصول الأنظمة الشمولية إلى طريق مسدود ازداد رواج مصطلح المجتمع المدني بالمقارنة مع الفترة التي أعقبت نشوءه في أوروبا حوالي (1750-1850)م . ومع ازدياد المنادين بهذا المصطلح تزداد التساؤلات حوله . ومن البديهي أن ننزع القدسية عن جميع المصطلحات الاجتماعية ونعرضها للشك والنقد .. مع الإقرار بأنّه في الظروف السياسية والاجتماعية المختلفة تختلف التفسيرات وآلية تطبيق المصطلح .
    هناك من يؤكد أنّ "موضوع المجتمع المدني يجب أن ينصب على ذلك المجال المعرفي أو ذاك الميدان الذي يتناول المؤسسات والممارسات التي تقع بين مجال الأسرة ومجال الدولة .. مع أن هذا التحديد تشوبه سلبيات ، ويمكن أن ينشأ خلاف لا ينتهي ..
    ... يتعلق الأمر بالتساؤل فيما إذا كان يتوجب على مفهوم المجتمع المدني ، وإلى أي مدى يتوجب عليه ذلك ، احتواء عامل السوق وبشكل أعم عامل الحياة الاقتصادية . وفي التراث المستمد من الفيلسوف هيجل ، ومن ماركس بشكل مؤكد وأكثر تحديداً ، تكمن السوق في قلب المجتمع المدني في المجتمعات الحديثة . ومن هنا جاءت مقولة ماركس المتكررة :"إن تحليل التركيب البنيوي للمجتمع المدني يُلتمس في الاقتصاد السياسي" ومن ناحية ثانية فقد كان غرامشي ـ الذي يعتمد في موقفه على بعض العناصر الواردة في تفسيرات هيجل .. الأكثر تعقيداً ـ مهتماً بالتأكيد بالجوانب غير الاقتصادية للمجتمع المدني بالنسبة له ككينونة منفصلة ليس عن الجهاز القهري للدولة فحسب وإنما أيضاً عن المؤسسات الاقتصادية للمجتمع . ومركزه .. هو المؤسسات الثقافية والاجتماعية والأنشطة المجتمعية .
    .. ويسير هابرماس على خطى غرامشي في عملية فصل الحقول الاجتماعية والثقافية عن السياسية والاقتصادية . فلكل من هذه الحقول منطقه الخاص ـ السلطة والإدارة في حالة السياسة ، والتراكم في حالة الاقتصاد ، والتضامن والتواصل الحر والمفتوح في حالة المجتمع المدني أو "عالم الحياة" . والنقطة المهمة هنا هي أنّ هذا المفهوم للمجتمع المدني يستثني السوق بحجة أنها تعمل وفق مبدأ يهدد الكنونة الذاتية المستقلة للمجتمع المدني وللحياة العامة وتماسكها ... وتكمن المشكلة في خلق التوازن بين استقلالية المجتمع المدني إزاء حاجته للموارد الثقافية والمادية التي يستمدها من الميادين الأخرى . (وفي الإجابة على السؤال التالي هل يمكن للمجتمع المدني أن يبقى ويستمر دون السوق ؟
    ... والدولة تقوم بتنظيم المجتمع المدني ، وضبط أمنه (بالمعنى القديم الذي يشمل وضع السياسات له بالإضافة إلى المعنى الأحدث الذي يشمل المحافظة على القانون والنظام) ، ومنعه من الانحلال والتحول إلى مسرح للصراع تتعارك فيه العصابات المتحاربة والمافيات السرية التي تدير نشاطات غير مشروعة . وإذا ترك لوحده ، فإن المجتمع المدني لديه الميول لأن يصبح مجتمعاً هوبزياً (نسبة لأفكار الفيلسوف الانكليزي هوبز) ..
    .. المجتمع المدني تغير الآن والمجتمعات المعاصرة تؤمن بشروط تحقيقه في صيغ جديدة .."
    (انظر : كريشان كومار ـ ت.د.عدنان جرجس ـ الثقافة العالمية – العدد 107/‏2001‏‏)

    وكالعادة في مواجهة كل ما هو إبداعي جديد ، تنسب إليه صفات تتعارض مع القيم السائدة وأحياناً المقدسة في الوعي الاجتماعي ، لخلق جو من التوجس والنفور المسبق عنه في المجتمع ؛ ومن تلك الصفات التي ينسبها أعداء مؤسسات المجتمع المدني إليها أن المجتمع المدني مفهوم غربي غريب عن المجتمعات العربية .. وفي هذا الخصوص لا بد من تبيان القضايا التالية :
    *- مؤسسات المجتمع المدني إنجاز إنساني عام ، تشكلت بهذا الشكل أو ذاك في جميع بلدان العالم مع تطورها ، بما فيها بلاد عربية عرفت دساتير تسمح بالتعددية السياسية ، وتقر بالتداول السلمي للسلطة ، وتنص على الحقوق في تأسيس الجمعيات والمنتديات والنقابات والنوادي ، وتبيح حق التظاهر وحرية الصحافة والكلام ، فتأسست الجمعيات والنوادي وغيرها من المؤسسات الاجتماعية التي أخذت أشكالاً مختلفة ، منها الثقافي والفني والرياضي والأدبي والفكري وغيرها .. وكان لبعضها دور هام في اكتشاف وتفتح إبداع العديد من عمالقة الفن والفكر والأدب ، كما سبب انحسارها في بعض البلدان العربية ، بأوامر حكومية صدرت مع سيادة تصورات جديدة في التنظيم الاجتماعي أغلبها مستورد من الخارج ، (سبب) اضمحلال وتراجع حالات إبداعية أخرى ..
    *- يُخطأٌ من يعتقد بالدعوة إلى استيراد المجتمع المدني من الغرب ، كما عُرِف هناك ، وتطبيقه في بلداننا ، كما أخطأ من استورد تصورات ونماذج اجتماعية سياسية من أوروبا الشرقية ليطبقها في بعض البلدان العربية ..
    هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فالقول بعدم ملائمة مؤسسات المجتمع المدني للواقع العربي لأنّها تنتمي إلى مفهوم غربي ، قول بعيد عن النظرة العلمية والموضوعية ، ويثير الشكوك ؛ إذ أنه لا يمكن تصور تطور أي بلد من بلدان العالم بعيداً عن التأثر بغيره من البلدان ، وكما يعترف الموضوعيون من مفكري الغرب بأن إبداعات العرب كأعمال الفيلسوف العربي ابن رشد ، وغيرها تُعد ركناً أساسياً من أركان النهضة الأوروبية ، فمن الطبيعي أن يستفيد العرب مما أنتجه الغرب من فكر وعلوم اجتماعية وتطبيقية . كما أنّ العديد من الأفكار والنماذج الاجتماعية السياسية التي يطبقها بعض من يقولون بغربية مفهوم المجتمع المدني ، ليست من إبداعهم بل مستوردة من أوروبا : كالنقابات (السنديكا ) ، ومفهوم الديموقراطية الشعبية الذي طبق لأول مرة في دول أوروبا الشرقية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ومفهوم الجبهات ( التعاون بين الأحزاب الوطنية ) أول من دعا إليه جورجي ديمتروف في الكومنترن ( الأممية الشيوعية ) منذ ثلاثينات القرن المنصرم ، والعديد من أطر التنظيمات الاجتماعية الأخرى وجدت تطبيقها لأول مرة خارج الوطن العربي ، ونقلت إليه من الخارج ..
    *- هناك من يضع تعارضاً بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني ، هذا ما يقود إلى تحديد ماهية الدولة . لخص ف. انجلز (1820-1895) نتائج تحليله التاريخي للدولة بقوله :
    " الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره ؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد تورط في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله ، وأنه قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها . ولكيلا تقوم هذه المتضادات ، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة ، بالتهام بعضها بعضاً وكذلك المجتمعات في نضال عقيم ، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع ، قوة تلطف الصطدام وتبقيه ضمن حدود "النظام" . إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها ، مع ذلك ، فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر هي الدولة ." (3)
    فالدولة لا تلغي مؤسسات المجتمع بل تنتج عنه ، ومؤسسات المجتمع المدني تساعد الدولة في القيام بمهامها ".. لكيلا تقوم هذه المتضادات ، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة ، بالتهام بعضها بعضاً وكذلك المجتمعات في نضال عقيم.."(3)
    *- وعلى صعيد الحوار ، فلكلٍ طريقه إلى الحقيقة سواء كانت طريق تعتمد الحس الروحي أم المنهج العلمي ، وليس بالضرورة أن تجتمع جميع الطرق ، وليس بالضرورة أن يكون كل ما يكتب حقيقة ويوافق جميع الآراء .. ولكن لا بد من الاتفاق على آلية حضارية للحوار تبتعد عن الخلافات والمهاترات الشخصية ، لأن مثل هذه الأساليب لا تخلق ثقافة صحيحة ، وتسيء إلى ثقافة الأمة وإلى أصحابها ، كما أنها تقدم ذريعة لأعداء الحوار ومؤسسات المجتمع المدني ، فيأخذونها مثالاً يعممونه على كل من يدعو إلى التغيير ..
    ولما كان شباب الحاضر هم من سيبني أسس مجتمع النهضة ، يبرز تساؤل هام حول ما يقدمه الحوار للأجيال الشابة ، وما تقرأه هذه الأجيال ! وما هي الطرق الممكنة لمساعدتها في امتلاك الأدوات المعرفية والمنهجية السليمة لتحليل معطيات الواقع ، ومعالجتها بطرق الحوار الديموقراطي الذي يقر بالتعددية والاعتراف بالضرورة الطبيعية والموضوعية لوجود الآخر ، واستشفاف أفق المستقبل المضيء ..
    *- للأسباب أعلاه ، وغيرها ؛ كالخوف من استعداء من يهوّل من مخاطر مؤسسات المجتمع المدني ، واعتبارها شتيمة تحق على من يلفظها ؛ تجري محاولة استبدالها بالمجتمع الأهلي ، وقد أصاب د. طيب تيزيني حين نبّه إلى الفرق الشاسع بين المفهومين حين قال : ".. تظهر أهمية المجتمع المدني حين نضع في اعتبارنا الوجه الآخر المناقض له والمناهض ، وهو "المجتمع الأهلي" ويكمن الاختلاف الابستيمولوجي بينهما في أن الأول "المدني" يجد مرجعيته في الوطن مفهوماً وواقعاً وسلوكاً ، حيث تجري عملية ابتلاع الظاهرات الطائفية والمذهبية والإثنية بوصفها آليات سياسية تنطوي على احتمال تقسيم الوطن بمقتضاها ، أي بمقتضى الطائفة والمذهب والإثنية . أما الآخر "المجتمع الأهلي" فيجد مرجعياته في كل طائفة ومذهب وإثنية ، حيث تنشأ "أوطان" تعبر عن انقسام المجتمع وتجزئته وهشاشته ."(4)
    فمؤسسات المجتمع المدني ليست بالضرورة المجتمع المدني الغربي ، بل من نتاج التطور الحضاري العالمي ، كما أنها ليست غريبة عن مجتمعاتنا .
    ومؤسسات المجتمع المدني ليست عصى سحرية بمجرد قيامها تحل جميع مشاكل المجتمع ؛ فعلى الرغم من معرفة الدول الغربية لمؤسسات المجتمع المدني منذ أكثر من قرن من الزمن ، مازال بعضها مرتعاً للفساد .. بالتالي لا بد من صيغة تقدم آلية متجددة لمراقبة هذه المؤسسات والنظام ؛ هذه الصيغة هي الديموقراطية ..
    فالإطار العام الذي يمكن لهذه المؤسسات أن تعمل ضمنه بشكل صحي مضبوط وسليم هو الديموقراطية . إن جميع قوى وفعاليات المجتمع العربي ، ومن بينهم الماركسيون تقر بذلك ؛ ويخطأ من يعتقد بأن الماركسية لم تول اهتماماً بالديموقراطية ؛ ومع وجود نظرة خاصة عند لينين (1870-1924) للدولة ، وتأكيده على أولوية ديكتاتورية البروليتاريا في المرحلة الانتقالية ، إلاّ أنّه لم يقلل من أهمية الديموقراطية ، حيث يقول: " تطوير الديموقراطية حتى النهاية والبحث عن أشكال هذا التطوير والتحقق منه فعلاً الخ.. كل هذا هو مهمة مهام النضال من أجل الثورة الاجتماعية ."(5) هذا لا يعني أن جميع نصوص الماركسية تصلح لكل زمان ومكان ، بل إن بعض المقولات التي كانت تعد ديكتاتورية البروليتاريا ، مثلاً ، هي الصيغة الضرورية ( الحتمية ) للحكم في المرحلة الانتقالية للاشتراكية ، تخطاها الزمن . ومن يعتمد المنهج الديالكتيكي الماركسي في التفكير والتحليل يبتعد عن الجمود والتطبيق الحرفي للنصوص ، وتقوده معطيات الواقع الحالي ، الذي لم تعد فيه البروليتاريا موجودة كما كان الحال إبان ماركس ، إلى الاستنتاجات التي توصل إليها الماركسيون المتنورون أمثال أنطونيو غرامشي (1891-1937) ، والتي ترى في الديموقراطية الصيغة السياسية المناسبة للحكم ...
    تبين التجربة أن الديموقراطية صيغة سياسية حمالة أوجه ؛ فالديموقراطية في الدول الرأسمالية تستخدم كسلاح لإضفاء الشرعية على حكم الأقلية من الأغنياء للغالبية العظمى من الشعب ، فهي شكل من أشكال الدولة في الداخل . وعلى الصعيد الدولي ، وبما أنّ بوصلة الاحتكارات العالمية في السياسة المحلية والدولية هي المصالح والربح ؛ لا تتوانى أقوى الدول الرأسمالية (الديموقراطية) لأسباب المصلحة البحتة عن التحالف مع أكثر الأنظمة بعداً عن الديموقراطية وأعتى الحركات الدولية عنصرية ودموية .. كما حصل في التحالف الرأسمالي مع النظم الاستبدادية المتخلفة في العالم ، ومع نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا ، والتحالف مع الصهيونية ..
    إن استغلال الاحتكارات الرأسمالية للصيغة الديموقراطية في الحكم ، وتشويهها لها في العلاقات الداخلية والدولية ، لا يبخسها محاسنها وأهميتها ، بل إنه ومع الوعي لتلك الحقائق تتفق غالبية المفكرين والمثقفين على أن الديموقراطية هي الآلية السياسية الضرورية التي يمكن لفعاليات وقوى المجتمع ومؤسساته أن تضطلع من خلالها بمهامها في دولة القانون التي يكون فيها الجميع متساوين أمام القانون ، وتتم فيها جميع عمليات الانتخابات الأنظمة السياسية ومؤسساتها في الغرف السرية لصناديق الاقتراع بعيداً عن الوصائية ، مع الإقرار قانونياً بالتداول السلمي للسلطة ، أنظمة تقر بالتعددية السياسية والحزبية والثقافية المضبوطة قانونياً وأخلاقياً .
    فللخروج من حالة رعب الأنظمة واستبدادها يتم اللجوء إلى شكل النظام الديموقراطي ذي القدرة التمدنية الجذابة التي تعزز السلم الأهلي ، وتساهم في " تحقيق التقدم الاجتماعي ، حيث أن سلطة الدولة الديموقراطية – على الرغم من أنها مقيدة دستورياً بحدود وقوانين ثابتة – يمكنها في واقع الأمر التأثير على حجم الموارد الاقتصادية وتوزيعها ( كأن يكون ذلك من خلال سياسات النمو وتحصيل الضرائب والضمان الاجتماعي ) بطرق فعالة ، فالديموقراطية سوف تعمل على خدمة مصالح الشرائح الأقل امتيازاً من السكان وبالتالي ستعمل على تعزيز الحقوق "الإيجابية " أو "الاجتماعية" ، وبصورة أعم ستؤدي إلى النمو والرفاهية والعدالة الاجتماعية .
    وتلعب الديموقراطية دوراً أساسياً في تحويل "الرعايا" subjects) ) إلى "مواطنين" citizens) ) أي فاعلين ملتزمين بتوظيف مواردهم المعرفية والأخلاقية بطرق تشاورية وذكية بغرض حل المشاكل السياسية طبقاً لمنطق التعلم الجمعي لخدمة "المصلحة العامة " .
    ( انظر : المجتمع المدني والنظام الاجتماعي ـ بقلم : كلاوس أوفه ـ ترجمة : أحمد محمود ـ الثقافة العالمية – العدد 107 / 2001 الكويت )

    هناك من يحاول إبراز الجوانب السلبية في استخدام الديموقراطية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، لخلق مبررات الهروب من استحقاقاتها .. هناك اعتراضات لها ما يبررها مع تحول الديموقراطية إلى صيغ "انتخابية" أو "تفويضية" شكلية تخلق امتيازات خاصة بفئات نخبوية خارج نطاق المحاسبة .
    إنّ وجود سلبيات ، قد تظهر أثناء الممارسة الديموقراطية نتيجة لأسباب المصلحة الأنانية الضيقة ، لا يعني أن ندير ظهرنا لها ، بل نبحث عن سبل الوقاية من تلك السلبيات عن طريق تشريع قوانين تتفق عليها الأغلبية ، تبين الحدود التي لا يمكن تخطيها في إطار الثقافة والواقع والوعي الاجتماعي المحدد .. علينا أن لا نعقد البسيط . بل نبسط المعقد بإصدار القوانين الضرورية للممارسة الديموقراطية .
    إن الإقرار بضرورة التغير المستمر كحقيقة ملازمة للواقع والظروف ، وبالطريق المسدود الذي وصلت إليه أغلب البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في بلداننا العربية ـ تلك البنى التي وجدت في ظروف اجتماعية وعالمية تختلف كلياً عن الظروف الحالية ـ يقود إلى حقيقة موضوعية مفادها أن الظروف الجديدة تحتاج مع الإصلاح المؤسسي إلى أفكار وبنى وآليات جديدة . .. والإصلاح المؤسسي يقود إلى فصل وتحديد مجالات حكم كل من السلطات السياسية ، وسلطة السوق ، ومجال عمل ونفوذ مؤسسات المجتمع المدني ، وبنفس الوقت معرفة وتفعيل الصيغة الجامعة بينها .. فالاعتماد المطلق على أيّ منها بمفرده أي الدولة ، أو السوق ، أو مؤسسات المجتمع المدني ، يفتقد إلى الدينامية والحيوية ويقود إلى عيوب وأزمات اقتصادية اجتماعية تعرقل تطور المجتمع .
    هناك من يعتقد أن السوق الدينامي ومؤسسات المجتمع المدني يضعفان الدولة . وفي هذا الخصوص من الضروري التمييز بين الدولة الكبيرة ( من ناحية المساحة والسكان ، أو عدد العاملين في الوظائف الحكومية ) والدولة القوية ، من حيث مستوى المعيشة ، والازدهار المادي والأخلاقي والمعنوي لأبنائها ، ومدى تمتعهم بحريتهم الإنسانية . كما بينت تجارب الدول الشمولية أن مركزية الدولة المفرطة تربي المواطنين على الاتكالية والكسل والبيروقراطية والروتين واللامبالاة والتهرب من المسؤولية والمحاسبة وعدم المبادرة ومعاداة التجديد ، في أجواء من قمع الحريات وهيمنة الفساد الشامل .. خاصة في ظل القوانين الاستثنائية الطارئة .
    كلّ ذلك يبين ضرورة التخلص من القوانين الاستثنائية الطارئة ، وإصدار القوانين التي تسمح بظهور البنى والتنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بشكل طبيعي غير مشوه ، قوانين تأخذ الصحيح من تجربتنا وما يناسبنا من تجارب الشعوب .. قوانين ينسج مبدأ الحرية للجميع عمودها الفقري ، وأنّ أياً لن يعرف الحرية ما لم يكسبها الآخرون ، مع اعتراف الجميع واحترامهم للحقوق والحدود الأخلاقية التي تقرها الثقافة والوعي الاجتماعي ، قوانين تسمح بحرية التعبير لتصبح القرارات الهامة والمصيرية في حياة الشعوب تقر بمشاركتها ، وليس من قبل من لا جماهير ولا أصدقاء لهم إلا المنافقين ، قوانين يستطيع من خلالها أبناء المجتمع ومفكروه من مختلف الاتجاهات أن يعبروا عن آرائهم تحت شمس الوطن ، بدلاً من اضطرارهم للتعبير عنها في المنابر الأجنبية ، والأماكن المظلمة .. وأن يساهموا في خلق ونشر ثقافة ووعي متحضر يساهم في عملية التغيير والتنوير في المجتمع وخاصة بين الشباب .. والعمل على خلق حالة نوعية من النهوض العام في المجتمع لامتلاك المناهج العقلانية والعلمية السليمة في التفكير والعمل .. للسير بمجتمعاتنا على طريق النهضة والتنوير .
    طرطوس – تموز ، تشرين أول – 2001 شاهر أحمد نصر
    [email protected]
    ــــ


    (1) عزت قرني : العدالة والحرية في فجر النهضة العربية الحديثة – عالم المعرفة – الكويت – 1980 ص163
    (2) د. عارف دليلة - صحيفة : الحياة 14 / 3 / 2001
    (3) ف . انجلز - أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة . ص177-178 من الطبعة الألمانية السادسة
    (4) د. طيب تيزيني – بيان في النهضة والتنوير العربي – عالم الفكر – ص.69 - المجلد 29 – مارس 2001 - الكويت
    (5) ف. إ. لينين – الدولة والثورة . الطبعة العربية من المختارات – ص 100





                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de