|
شارع زلط .. وشاحنة .. والناس البركبو فيـهـا
|
انه ابن أختى .. محمود أحمد البشير ..والذى تجاوز الرابعة من العمر بشهور قليلات، ظل هذا الصغير يدهشنى كلما أجريت اتصالا هاتفيا بالسودان لمعرفة أخبار الأهل .. دوما ما يصر على أخذ نصيبه من المكلمة حتى ولو لم يقل شيئا، كنت قد أعتدت أن أرسل له بعض مستلزمات الأطفال مع الأخوة العائدين لأرض الوطن .. لذا تعودت فى كل مرة أتحدث فيها معه أن أتلقى منه طلب ما .. ودائما ما تكون طلباته بسيطة بساطة عقله الصغير .. يا آلو ـ يقصد خالوـ رسل لى بالونة تبيرة ـ يقصد كبيرةـ ..ثم بدأت طلباته تتغير وتزداد مع نمو عقله الصغير .. يا خالو رسل لى بالونة تبيرة وكورة ولبسة حلوة؛ قبل اسبوعين تقريبا قمت بالاتصال بالسودان .. تحديدا بأختى انتصار ـ أم محمود ـ وفى ختام المكالمة انتقلت الفرصة لمحمود والذى بدأ فى سرد لستة الطلبات كالمعتاد .. يا خال جيب لى شنطة عاملة زى الدب زى حقت مهند .. فقلت له حاضر يا سيدى، أها وتانى شنو؟ .. رسل لى حادات ـ يقصد حاجات ـ كتيييييييرة ..فقلت له حاجات كتيرة زى شنو؟ .. رد قائلا .. جيب لى شارع زلط وشاحنة والناس البركبو فيها؛ لحظتها لم أتمالك نفسى من الضحك ولفترة طويلة تكاد تماثل الفترة التى استغرقتها المكالمة مع جميع من تحدثت اليهم فى ذلك اليوم .. ثم قلت له طلبك الأول يا محمود مقدور عليه، لكن طلبك التانى دا الا ترفعوا للحكومة وما بعيد يعتقلوك .. بالطبع لم يفهم عبارتى الأخيرة وقام باعطاء سماعة التلفون لأمه، بادرتها قائلا .. انتو السودان دا ما فضل فيهو الناس البملو شاحنة ولا شنو؟ .. فأجابتنى قائلة .. امكن الفضلو ديل ما عاجبنو .. الى هنا وانتهت المكالمة. ما أن وضعت رأسى على الوسادة حتى بدأت كلماته تتقافز الى ذهنىمحرضة اياي على تأملها .. لقد بدا لى الأمر منذ الوهلة الأولى ليس سوى مجرد طرفة، فنحن دائما ما نتعامل مع لغة الأطفال على أنها غريبة وغير مفهومة، وأنهم ـ أى الأطفال ـليس لديهم المقدرة على ترتيب الأشياء ترتيبا منطقيا، و أن قاموسهم اللغوى ضعيف لذلك يستخدمون كلمات فى غير مواضعها مما يجعل من كل عبارة يتفوهون بها مدعاة للضحك.لكن تأملو معى هذه العبارة .. شارع زلط وشاحنة والناس البركبو فيـها .. هل يمكن أن نعتبرها دعوةغير مباشرة من أطفالنا لأن تغطى شوارع الأسفلت ـ الزلط ـ جميع المدن كى تستر عريها؟ ثم أليست الطرق الجيدة وسهولة المواصلات ـ الشاحنة ـ تعد من أهم البنى التحتية للأقتصاد؟ .. اذن فالأمر يتطلب حكومة مسؤولة ـ ليست كهذه الحكومة ـ لتؤدى واجباتها على أكمل وجه .. السؤال الذى يفرض نفسه .. من سيأتى بها وكل الناس الفضلو ـ نوعا وليس كما ـ ما بملوا شاحنة؟. يبدو أن أطفالنا .. أطفال السودان ..قد بدأوا يسبقوننا وعيا .. لم لا؟ فهم يتمتعون بقدر عال من الذكاء، وبذهنية تساؤلية مدهشة، انهم ليسوا مثلنا وطفولتهم ليست كطفولتنا .. ولا نريد لهل أن تكون كذلك .. ان أشد ما يؤرقنى أن لا أحد يكتب لهم ـ أقصد أدب الأطفال ـ كى ننمى ذكائهم، وكى ونزيد حصيلتهم من المعرفة ومن ثم نجعل من كل فردا منهم انسانا فاعلا خلاقا فى المجتمع .. والأدهى والأمر من ذلك أنهم يكتسبون المعرفة من مناهج مدرسية عقيمة وغير مدروسة، وهى على علاتها تتغير بتغير الأنظمة الحاكمة. اضافة لذلك أن نسبة كبيرة أطفالنا فى جميع أنحاء السودان لم يستطع ذويهم ادخالهم المدارس ليتلقواتعليمهم الأولي فيما يعرف بمحو أمية القرتابةـ القراية والكتابة ـ، وبالتالى نكون قد أضفناهم لرصيدنا ـ الذاخر ـ من الفاقد التربوى .. لس هذا فحسب .. بل ما يزال الكثير منهم تعوزهم جرعة التطعيم وكوب الحليب وكراسة الدرس وما يزال ساستنا الأقزام يتخبطون ويلهثون بحثا عن الأضواء، فمنذ الأستقلا وحتى يومنا هذا لم تتوفر قيادة سياسية وضعت الوطن نصب عينيها وحملت هموم مواطنيها .. وظللنا نعانى الأمرين من سؤ الأدارة وتخبط مؤسساتنا السياسية غير المؤسسة، وظلت أحلا منا توأد مع بزوغ كل فجر جديد .. فلكالما حلمنا بوطن أجمل .. يسع الجميع بلا استثناء .. وطن تتحق فيه العدالة الأجتماعية والسياسية ، وطن يسوده الأمن والرخاء، ويتحقق فيه ذلك التمازج الرائع بين ميرى ودينق ومحمد أحمد وأوهاج ، ولطالما حلمت لأطفالنا بمجتمع معافى .. يتسع سمائه لطائراتهم الورقية .. ثم وهم يملأون الدنيا من حولنا ضجيجا محببا .. وهم يغازلون تكنولوجيا العصر بذهن متقد ومتفتح بدلا من رؤيتها على شاشات التلفاز .. فهل لنا من سبيل لتحقيقه؟.
|
|
|
|
|
|