|
أدونيس : "تحية إلى العراق"
|
أدونيس يهدي قصيدة لبغداد (اف ب) - أهدى الشاعر السوري-اللبناني أدونيس قصيدة إلى العراق بعنوان "تحية إلى بغداد" نشرت اليوم على الصفحة الأولى لصحيفة "القدس العربي" الصادرة بلندن. .... ضع قهوتك جانبا واشرب شيئا آخر, مصغيا إلى ما يقوله الغزاة: بتوفيق من السماء, ندير حربا وقائية, حاملين ماء الحياة, من ضفاف الهدسون والتايمز, لكي تتدفق في دجلة والفرات. حرب على الماء والشجر, على الطيور ووجوه الأطفال. من بين أيديهم, تخرج نار في مسامير دببت رؤوسها, وعلى أكتافهم تربت الآلة. الهواء يَنْتحب محمولاً علي قَصَبةٍ اسمها الأرض, والتراب يحمر يسود, في دَبّاباتٍ وقاذفاتِ قنابل, في صواريخ َ ـ حيتانٍ طائرة, في زمنٍ ترتجله الشظايا، في براكينَ فضائية تقذف حِممَها السّائلة. تمايلي, بغداد, على خاصرتك المثقوبة, وُلِدَ الغُزاة في حضن ريحٍ تَسير علي أربع أرجلٍ, بلطف من سمائهم الخاصة التي تهيئ العالم لكي يبتلعه حوت لغتهم المقدسة حقا, كما يقول الغزاة, كأنّ هذه الأمَّ ـ السَّماءُ لا تتغذى إلاّ بأَبنائِها. هل علينا كلنا أن نصدق أيها الغزاة, أن ثمة صواريخ نبوية تحمل الغزو, أن الحضارة لا تولد إلا من نفايات الذرة؟ رماد قديم جديد تحت أقدامنا: هل تعرفين إلى أية هاوية وصلت أيتها الأقدام الضالة؟ موتُنا الآن يقيمُ في عقاربِ السّاعة. وتهم أحزاننا أن تنشب أظفارها في أجسادِ النجّوم. يا لهذه البلاد التي نَنْتمي إليها: اسمُها الصمَّت وليس فيها غيرُ الآلام. وهاهي مليئة ٌ بالقبور ـ جامدةً ومتحرّكة. يا لهذه البلاد التي ننتمي إليها: أرضٌ تَسبح في الحرائق والبشر كمثل حَطبٍ أَخضر. ما أَبْهاكَ أيّها الحَجرُ السّومريّ, لا يزال قلبكَ ينبض بجلجامش, وها هو يستعدّ لكي يترَجَّلَ من جديدٍ, بَحثاً عن الحياة, غير أنّ دليله, هذه المرّةَ, غبارٌ ذَرّيّ. أغْلقنا النّوافذ َ بعد أن مسحنا زُجاجَها بجرائدَ تؤرّخ للِغزو, وألقينا علي القبور آخرَ ورودنا. إلي أين نمضي؟ الطّريقُ نفسه لم يعد يصدّق خطواتِنا. وطن يوشك أن ينسى اسمه. ولماذا, علمتني وردة جورية كيف أنام بين أحضان الشام, آكل القاتل خبز الأغنية, لا تسل, يا أيها الشاعر, لن يوقظ هذي الأرض غير المعصية. 31 آذار 2003
|
|
|
|
|
|