|
|
 تقاعد سفرجي وافول امبراطورية
|
تقاعد سفرجي وأفول إمبراطورية
عبد الرحيم عبد الحليم محمد
للتاريخ بقصصه وعبره وتجاربه تأثير حالم وآسر في وجدان السودانيين ، ونحن شعب مغرم بالماضي الجميل وفي أدبيات غنائنا وأشعارنا وذاكرتنا الثقافية نتغني بالماضي ونحتفي به ونحن اليه حنينا عارما ، ويكاد الماضي الجميل أن يصبح أحد مقاييسنا لتقويم مدي جمال الزمن الآني باعتبار أن ما نتعرض له من انجاز أو عمل كبير ( علي قلة هذه الأشياء اليوم ) ، هو انبعاث لماض رأينا فيه ما لم يره شعب آخر مجدا أو عزة أو خيرا . افتحوا أسطوانات الغناء القديم واسمعوا أناشيدنا التي غنيناها للحرية والحب والخير ، لا بل أسمعوا مدائحنا وأغانينا لوجدتم فيها الصدي الأخلاقي والإنساني الذي يري السودانيون انه صدي يميزهم عن غيرهم .
طافت بي هذه الخواطر بعد أن بعث لي الأخ الدكتور عبد العزيز مصطفي بمقال حصل عليه من الأستاذ السر سيد أحمد نشرته جريدة صنداي اكسبرس بتاريخ 2_ابريل الحالي عن تقاعد السفرجي عوض بشير من خدمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وقتها بعد إن ظل في هذه الخدمة لمدة نصف قرن . ولأن مقال الصنداي اكسبرس حمل صورا آسرة وموحية تندرج في اطار ما درجنا عليه نحن معشر السودانيين في الاحتفاء بالرموز مهما كانت مهنهم صغيرة أو بسيطة ، كوننا شعب كان يعشق التميز ويسعي اليه ويطرب لسيره ويتغني بها ويستنسخها داخل ضميره الشعبي ومستويات إحساسه العام بالحياة ، حاولت عكس صورة ملتزمة بروح ذلك المقال رغم صعوبة المهمة وأنا في حضرة أستاذين كبيرين وقارئ فطن . يقول المقال :
(أفول امبراطورية مع رحيل السفرجي عوض بشير .حتي في القواعد البريطانية في قبرص حيث يطلق اسم المعارك مثل ووترلو وأجن كورت علي أسماء المعارك ظل عوض بشير مفارقة تاريخية غريبة الوجه واليد واللسان .تراه صارما في قسماته معتدلا في قامته وهو يجول بخدمته علي المآدب الرسمية مرتديا ذلك (الشبشب)الذي التوت داخله الأصابع بجلبابه الناصع البياض . لقد عمل عوض بشير كسفرجي له من التقدير والاحترام ماله في خدمة كبار القادة العسكريين لما يزيد عن نصف قرن فعمل مع العديد من ذوي الرتب العالية من الجنرالات البريطانيين وقابل كل فرد في البلاط الملكي عدا الأميرة ديانا .
عندما يتقاعد عوض بشير هذا الشهر ، سيدون هذا الرجل مكانا يستحقه في تاريخ الامبراطورية البريطانية كآخر موظفي المستعمرات البريطانية المعينين من قبل وزارة الدفاع . وكما يقول الميجر جنرال آنجاس رامسي قائد 3700عسكري بريطاني في قبرص ، فان (عوض بشير ، عندما يعود الي أسرته بالسودان سيعكس تجربة ثرية في الحياة فقد خدمنا بكل تاكيد ، كافضل ما تكون الخدمة و كان مؤسسة بذاتها ). كان عوض بشير ، يبلغ من العمر 17 عاما عندما تم تعيينه في قطاع قنال السويس عام 1953موظل صديقا للعديد من الضباط ممن ذهبوا الي هناك ينشدون المجد والشهرة . عمل عوض بشير وقتها راعيا لأطفال الجنرال السير ميشيل ووكر الذي هو الآن بصدد تولي منصب رئيس الدائرة العمومية للموظفين .
وعندما تزوج ابن السير ووكر مؤخرا ، تم ارسال تذكرة عودة الي عوض بشير لحضور الزواج وتم إسكانه في بيت العطلات الصغير الذي يمتلكه السير ووكر في منطقة كمبرلاند . لقد عمل عوض بشير كرئيس سفرجية ل15 قائدا من قواد القواعد البريطانية في قبرص منذ عام 1955 عندما نقل الجيش البريطاني رئاسته لمنطقة الشرق الأوسط الي الجزيرة وقد شهد حملة ايوكا العنيفة ضد الحكم البريطاني ، والاستقلال عام 1960 والغزو التركي لقبرص عام 1974م ، لكن من المستحيل انتزاع رأي منه ، فهو وكعادة افضل السفرجية يظل دائما نموذجا للرزانة والرشد وعندما تحاول سبر أغواره يحدثك بلمسة ابتسامة لها ما وراءها قائلا [أنه لا يخفي شيئا ويقول أنه يكتفي بالسمع عندما يطلبونه بالاسم ، والا فانه يظل بعيدا عن أي جدال . لقد ظل عوض بشير كما يقول ، يتمتع بحياة مرفهة في عمله مع أرقي الأسر في قبرص ومعاصرا فيها صناعة التاريخ . لقد وصل عوض بشير الي قبرص قل مدة قليلة قبيل سنوات العنف في حرب العصابات التي قادها القبارصة الاغريق ضد الحكم البريطاني في الخمسينات . ومن حظه كما يقول أنه كان خارج المنزل في المرتين اللتين تعرض فيهما منزل الفيلد مارشال السير جون هاردنج حاكم قبرص الصلب للقصف بالقنابل . واستمر معه الحظ مواتيا عام 1998معندما أتي حريق مروع علي سكنه حاصدا كل تذكاراته بما في ذلك ميدالية فخمة من ميداليات الإمبراطورية البريطانية ، التي كان قد تسلمها من الملكة اليزابيث الثانية عام 1983م ، وأمرت الملكة في الحال بتعويضه بميدالية بديلة .
وفي العام الماضي فاز عوض بشير ب 15 ألف جنيه إسترليني في اللوتري القبرصي ، استخدمها في دعم صندوقه المعاشي . ولعوض بشير زوجة وبنتين ويقول أنه سيعود الي وطنه سعيدا وقانعا فقد تمكن كما يقول من دعم أسرته أكثر من أي فرد وأنه رأي من الاحداث وسمع من القصص ما يكفي لملأ بقية حياته . ) انتهي مقال الصنداي اكسبرس .
هذه صورة قلمية لعوض بشير ، أحببت من خلالها الاشارة الي إن سمعة السوداني كانت وستظل رصيده الذي يعلو علي أعاصير السياسة وتقلبات العملة ، وأن السوداني في ظل البيئة التي تحفزه للعمل والإبداع أينما كانت يظل مثلا ومثالا يشيد به الآخرين . لقد اعتاد الناس الاهتمام بسير العظماء في مناصبهم وبريقها وقلما يهتمون بمذكرات الشعبيين مثل عوض بشير والتي يبدوا انها نموذج جديد لعظماء الفئة الشعبية ، وان لفي قصته اثراء للتاريخ والحياة اذا وجدت من يهتم بها ويساعد علي إخراجها وكتابتها . ولأنه كان شاهدا علي صناعة التاريخ ، نرجو من رجل الكلمة والقلم السر سيد أحمد ورجل الموارد البشرية والتنظيم الدكتور عبد العزيز مصطفي كتابة قصة عوض بشير مقترحا لها نفس العنوان باللغتين العربية والإنجليزية مبديا استعدادي للمساعدة فيما قد يسندانه لي من مهام ومتغنيا بهوي هذه الغابة القمحية التي تملا العالم بأسرارها وأخبارها .
|
|
 
|
|
|
|
raheemsudani
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست