|
الرسائل المدهشة... الرسالة الثانية من ميرفت الى سمندل
|
أنا ميرفت يا سمندل
"على الشاطئ المفضَّض ذي التأوهات المستَشَفّة قرب صنوبرات مصلوبة على السماء الغائبة ، أنتظركَ . آثار قدميك تركض على الرمل المعطّر ملعوقة من البحر الغيور ، ضائعة ، مذعورة مثلي . تركتنا نائمين على الشاطئ في الهاجرة ونحن ننتظرك هذه الليلة طوال الليل دون صبر عارفين في أعماق قلوبنا المسكونة بحضورك أن الشاطئ سوف يظل فارغاً من الآن فصاعداً "
جويس منصور ــ افتح أبواب الليل
***
عزيزي نزار ،، أو "السمندل " ..
قبلاتي المشتاقة تمشي على ساقين باتجاهك .. وأمام تهورك النبيل ، حين كتبتني على فضاء سودانايل ( وشكراً جميلاً للتكنولوجيا )، كان لازماً أن أتحلل من بعض كسلي وضجري،لأشاركك السباحة في حوضك المتوهج بضياء الكلام المُمَعْنى .. ومن ثمّ ، أنتهزها فرصةً لأورطك أكثر ، وأكتب لك ردّاً مفتوحاً على ما تراكم عندي من علامات استفهام وجَّهْتَ سهامها عليّ ذات يوم .
أول الثوابت : أنني سأكون إلى جانبكَ ، كما حمامة تعتني بغماماتها وشموسها الصغيرة .. وسأكون حانيةً إذ أراكَ تنتحب في شاطئ غريبٌ أنت فيه.. لكن صدّقني : ليس هذا وقتاً للنحيب، لأنه لا أحد سيكون مجبراً على اقتناء وردة حمراء من أجلنا .. لا أحد سيقف ليتأمل مجنونين يعيدان ترتيب العالم من جديد .. وتذكَّر ، دائماً ، ما كتبته لكَ ذات يوم : لو أنّ عينيكَ تُحسنان قَصْفي .. أسقطُ من شرفة أشواقي .. قتيلةً مسرورةً .. رتَّبتْ بيتها ، أعدَّتْ شايها .. وماتتْ
*** كوستي ما عادت رحيبة كما تتمنى . صارت أضيق من قبر الكافر ، وبطبيعة الحال لم تكن الخرطوم ، التي هاجر إليها الجميع ، بأرحب منها . صار الوطن كله كفناً يعاديه البياض .. وصارت كوستي (مدينة الاختلاط التي لطالما ذكَّرتَني بأنها مشتقة من لفظة CO-CITY الانكليزية ,, وليس مِن اسم الخواجة اليوناني كوستا كما يشاع ) خالية من بُهرج المدينة . داكنة وممددة في الغَباش . نساؤها نحيلات حدّ التلاشي .. ورجالها متزمتون .. وقلّما يبتسمون . أما الشباب فقد ماتوا في الجنوب المجاور .. أو غادروا ليتشتتوا في المنافي هرباً من واقعٍ عجزوا عن إضفاء المعقولية والبشاشة في تقاسيمه الحارقة . أغلبهم تزوج من أجنبيات وحمَل جوازات سفر لا مكان فيها لصقر الجديان. وصاروا يرسلون ، من على البعد، صور أطفالهم النضرين ، وصورهم أيضاً وهم يقفون بشموخ أمام المتاحف والكاتدرائيات ومحطات المترو أو أمام سياراتهم الرشيقة .. فتبتهج العائلات وتتضرع إلى الله أن يديم النِعَم على أبنائها اللاجئين السياسيين ( وإنْ شاء الله الكيزان ديل أصلو ما يغوروا) وقبالة ذلك ، يمشي الحسد مسافات حثيثة في مشاعر المغبونين من الشباب المحاصر بين سندان ومطارق (الإنقاذ) الرهيبة . وفوق ذلك ، فإن المهاجرين يرسلون التحويلات المالية السريعة ( التي هي الضحاكات كما يقول الطريق) لنجدة مريض ، أو زفّة عريس ، أو تكفين ميت ، أو تسديد أقساط مدرسية وجامعية .. أو للمشاركة في مستلزمات رمضان والأعياد . إننا نحيا لأن الحياة تستحق أن تُعاش . بحلوها ومرّها . لا أكثر ولا أقل . ولا بأس أن نتهجّى مع البياتي ذلك الطُموح الملتبس ، ونكون في انتظار الذي يأتي .. ولا يأتي
*** الآن ، دعني أُسجِّل وجهة نظري في ما قلته لي في خطابك الأخير ، عن الشعر والإبداع .. و كتابتي .. ( كتابة النساء) . وأتفق معكَ أن الإبداع شفافية رسبتْ فيها النساء ، رغم أن المرأة عالمٌ مسكون بالحساسية ، بالتناقضات والأضداد .. كائن متقلب غامض بعدة نشرات جوية في اليوم .. تربة تصلح للخلق والجنون والإبداع .. أما ( لماذا لا زالت النساء ــ وخاصة السودانيات ــ يقدِّمنَ لنا كتابات مسطّحة .. باردة ؟) و ( لماذا لا زلنَ يدخلنَ عالم الكتابة وكأنهن يدخلن حقلاً للألغام يمكن أن ينفجر تحت أقدامهن في أية لحظة ؟) كما في سؤالك ،، أقول : إنّ المرأة ـ وخاصة عندنا ـ تخاف الكلمات بقدر حبّها لها ، فالكلام مهنتُها في النهاية، ولكن الكتابة قضية أخرى لا علاقة لها بالنميمة والحديث عن الأخريات .. إنه حديث عن الذات .. الذات التي تنام فيها مستنقعاتُ أجيالٍ من النساء المحكومات بالصمت والكبت منذ قرون .. في أعماق كل امرأة بحيرة راكدة .. ولكن كم من امرأة تجرّأتْ ، حقاً ، على تغيير ذلك المنظر الذي يبدو من الخارج هادئاً ومسالماً ؟ .. كم من امرأة حاولت بقلمها تحريك تلك المياه الراكدة ، واعترفتْ لنا أن في أعماقها مياهاً " غير صافية " وأحلاماً عكرة لم يتوقع وجودها أحد ؟ .. اللائي فعلن ذلك وحدهن مبدعات .. فالإبداع هو أيضاً غوصنا نحو الأعماق التي قد نموت فيها غرقاً أو دهشةً فقط .. ولكن دعني ، هنا ، أعود بكَ إلى همومٍ شاعريةٍ بدهية .. وأسألك هكذا : عَمَّ يكتب الشعراء ، وأنت منهم ،وعمّاذا تكتب الشاعرات ، وأنا منهن ، في هذا الزمن المضاد للشعر والإبداع ؟ . أقول : ليس هذا زمناً للغزل .. ولا زمناً للمدح .. ولا زمناً للحماسة . إنه زمن للذهول .. الذهول فقط .. فما أصعب ، يا مولاي ، أن نكون شعراء في هذا المنعطف من القرن . كان الشعراء يموتون عشقاً .. فأصبحوا يموتون من الضجر .. كانوا فرساناً يقفون في خطوط النار يصنعون المعارك ويكتبون شعر الحماسة .. أصبحوا ، مثل الآخرين ، يتابعون الأخبار على شاشة التلفزيون .. ويعملون ، مثلك تماماً ، موظفين في جريدة .. إذاً .. من مِنَّا لم يخن الشعر ، بطريقة أو بأخرى .. فكيف لا يخوننا الشعر بدوره ؟ وكيف لا يغادرنا الشعراء واحداً واحداً .. مذ أصبح النفطُ هو حبرنا الوحيد ؟ .. ماذا يكتب الشعراء ؟ وما عساي أن أكتب ؟ .. ليس هذا زمناً للخنساء ، ولا لرابعة العدوية ، ولا لولاّدة بنت المستكفي .. مذ أصبح كل مواطن ، وكل شاعر ، مشروع شهيد وكل شهيد اسمه صخر .. ضيّعتْ الخنساء قبر أخيها وما عادتْ تتقن الرثاء .. ومذ أصبح الله يأتي متنكراً في زيّ عسكري .. مدججاً بالسلاح والشعارات وبصكوك الغفران ،، عدلت رابعة عن كتابة الغزل العذري .. وعادتْ لنزواتها الأولى .. منذ ولاّدة بنت المستكفي أغرتْ ابن زيدون وغيره بقولها :
أنا والله أصلحُ للمعالي / وأمشي مشيتي وأتيهُ تيهاً وأُمْكنُ عاشقي من صحنِ خدّي / وأُعطي قُبْلَتي من يشتهيها
منذ ذلك ، لم تكتب الشاعرات شيئاً مثيراً للدهشة .. إنهن يراوغن فقط ، ويختفين خلف الكلمات التي لم تعد تعني شيئاً .. ولعبة الإغراء التي لم تعد تغري أحدا .. *** صدِّقني يا سمندلي الرقيق .. أنا لا أهتم لهذا الأمر كثيراً ولا يشغلني .. فطموحي ليس للمدى البعيد الذي تتمناه أنتَ لي . أنا لا أحلم بأن تطبق شهرتي الآفاق.. إن قلبي يمضي ـ وهذا يكفي ـ إلى شعراء بحجم محجوب شريف والقدَّال وحمّيد والكتيابي وصادق الرضي وأبو ذر الغفاري وقاسم أبو زيد وعاطف خيري .. هؤلاء الذين يكتبون في تشردهم وحصارهم قصائد الصمت المكابر.. والبوح العنيد .. إنهم ،، الموعودون بموت في حادثة حب .. أو حادثة شعر ،، فهم آخر سلالات الأنبياء أمل دنقل وخليل حاوي ومعين بسيسو وجمّاع والتيجاني بشير والشّابي .. أما أنتَ .. فدعني ، أولاً ، أشكركَ للمرة الألف على تلك الهدايا والأشياء الصغيرة والدقيقة التي تشدّني إلى عالمك .. وتشدّك إلى قلبي وعقلي .. ومِنْ ذلك ديوان جويس منصور ( افتح أبواب الليل ) الذي أوصله لي عاطف .. ممهوراً بإهداء منكَ إليّ.. ودعني أتنبأ لكَ بموتكَ .. لأنكَ ستموت ككل المبدعين .. بالذبحات القلبية .. بالرصاص .. وبأمراض العصر .. ودعني أشكركَ مسبقاً .. على موتك .. ودعني أحسدكَ مسبقاً .. عليه .. فالشعراء فراشات لا تعمِّر طويلاً .. إنما البقاء للتماسيح والفيلة .. تعلَّمْ ، إذاً ، يا عزيزي ، كيف تباهي مسبقاً بموتك.. كيف تفتخر مسبقاً بنهايتك .. افتخار الآخرين بتفاهتهم .. افتخار الحكّام بجرائمهم .. افتخار اللصوص بغنائمهم .. افتخار الوصوليين بوظائفهم .. تعلَّم الموتَ واقفاً .. كالأشجار .. مُتْ شاعراً يا سمندل .. ولا تعشْ تمساحاً ..
ميرفت نصر الدين ـ اكتوبر كوستي
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الرسائل المدهشة... الرسالة الثانية من ميرفت الى سمندل (Re: هدهد)
|
هدهد لك السلام وايضا بطاقة دعوة لقراءة ميرفت ودعني اضيف لهذ البوست ما كتبته لها لحظتها ولم اكن اعرفها الا عبر الحرف
العزيزة ميرفت
مدخل
آه من جرحي وزينب تشتري قلبي وتضحك ملء عينيها وترحل
مثلما جاءت كوشي الهمس تسأل سوف ترحل
إنه الإبداع حتي في الرحيل
يوماً ما ساكتب لك عن احمد والنصف االآخر من الحلم-زينب
الغاضبة حتي النزف لك السلام
كنت اتاهب للخروج من توتر الدهشة الاولي علي إيقاع -أبتكر أحلاماً-ففاجأني حضورك الغاضب -علي مساحات سودانايل فقرأتك رغم الإرهاق الصعب حرفاً نبيل الغضب عميق الحزن.ورحلت دون أن أختار إلي أقصي أعماق الجرح فاحسستك تلونين بلون غضبك جزءاً من مساحات الهزيمة داخلي وداخل كل الهاربين من جراحات الهزيمة الي الم النسيان وبينهما تستبدل بطاقات الهوية والإنتماء بفتات أحلامٍ لا تكفي حتي لكتابة حرفٍ صادق الغضب .أحسست وأن ألهث خلف الاحرف بمدي عمق الحزن الكامن في أرحام نساء البلد الطيب.ـتذكرت أحمد حاملاً قلبه علي كفيه أمام الله ليشكو
سرقوا بإسمك كل شئ كل شئ
كل شئ
سرقو من الارض الخصوبة لم تعد تهب الكفاف
سرقوا من الأطفال محلول الجفاف
سرقوا من العشاق اغنية الزفاف
سرقوا من النيل الضفاف
سرقوا باسمك كل شئ
لوثوا بالحزن ارحام النساء
لوثوا المدن الشوارع
ضحكة الفقراء
ضوء الشمس
أحلام الصبايا
كل شئ كل شئ
لوثوا بالحزن حتي الحزن
ورغم الحرف الغاضب والساخر ايضاً تبقين أنتن القابضات علي جمر الصبر والترقب الزاد المتبقي للصعود من الهزيمة ومعالجة الحزن المزمن في عيون الطيبين.لك الشكر وانت تنتزعين أحلامك من فك الزمن الارعن وتتجملين
رغم أنف الحزن للفارس اللذي-له الله-لك وللسمندل الود
عبدالله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الرسائل المدهشة... الرسالة الثانية من ميرفت الى سمندل (Re: هدهد)
|
هدهد سلام هذين الرسالتين سبق نشرهما .. قرأناهما بعيون مفتوحة لاقصى اتساعها وقلب دامع .. كيف فواتنا على انفسنا هذه الوليمة ؟ كيف غافلنا هؤلاء الجمليين/ ات وكبروا ( ميرفت .. سمندل .. ليلى بت الدامر .. اشراقة مصطفى .. نجلاء عثمان .. وآخرين /ات ) لم نسمع بهم الا قبل اشهر في هذا الفضاء الجميل .. نحن الغاوون الذين تراكضنا ولهثنا خلف الجمال من حوش الفرع الى ميدانين جامعة الخرطوم المنجلة وأشجار دار النشر الى استديوهات كلية الفنون الى بروفات وعروض طلاب / ات قسم الدراما (حيث ما استقر بهم المقام) الى اقتناص رسومات ( الشماسة ) على صناديق القمامة بطول الخرطوم عرضها .. لماذا تأخروا علينا؟ او لماذا استعجلنا الرحيل ؟ وكيف نعوض خسارتنا ؟ ربما نستطيع تعويض بعضها اذا واصلتم نشر نتاجهم ( نثراً وشعرا ) ، فرجاءً افعلوا .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الرسائل المدهشة... الرسالة الثانية من ميرفت الى سمندل (Re: هدهد)
|
أنزع أنفاس الدهشة وأزرعها في الطريق اليكم لعلها تصطدم بي.. ولها أدخل رقصتي وأستدرج الضوء أستدرج أسراباً من القلوب تحاصر وحدتي.. وكلما أدخل أجد لغتي تبكي لغة عذراء تبحث عن نفسها مثلي..! تحياتي لكل البورداب تحياتي الخاصة جدا للرائعين هدهد وعبد الله جعفر .. وتحياتي كذلك للجندرية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الرسائل المدهشة... الرسالة الثانية من ميرفت الى سمندل (Re: ميرفت)
|
ميرفت هنا؟؟؟
ما اجملنا بك يا ميرفت
رسائلك المدهشة والتى كما ذكرت جندرية ، ، نشرت من قبل هنا فى المنبر وانحبست لها الانفاس
وظللنا نصرخ ندعوك للانضمام لنا حتى نراك من قرب ونتبرك بمهجتك
ونغتسل من بركة نبوغك
وها انت تنسربين
من مدخل مدهش آخر.... يا سيدة الحضور
اهلا بمقدمك
وشكرا لمن تسبب فى وجودك معنا
هاهى ارض البورد مسطحة وممتدة ازرعى فيها كلامك البستان ، حتى لو كان بثمار من لهب
يامعنى.... للنفاذ من ثقب الكلمة فى ضباب الصمت
وحبى كوستى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الرسائل المدهشة... الرسالة الثانية من ميرفت الى سمندل (Re: Tumadir)
|
سمندل وميرفت ما هذا الجنون الجميل انها رسائل تلخص كل وجعنا وتماهينا فى جغرافيا /تاريخ /ابداع هذا الوطن الجميل/المشلول باختصار _ كما كتب نزار قباني _ عن رواية مستغانمي ذاكرة الجسد : انها رواية تكتبني وتختصر تواريخي عزيزتي ميرفت عزيزي نزار "سمندل" انه المخاض الذى يسبق ميلاد أمة من جديد علينا فعلا ان نشخص بأبصارنا نحو هؤلاء الانبياء /الشعراءالاب محجوب ، عاطف ، صادق ، نجلاء ، والمواطن الاول "حميد"
| |
|
|
|
|
|
|
|