|
هل ستقضي الولايات المتحدة دور الأمم المتحدة في دارفور ؟؟
|
ارتداء المسؤولين المدنيين للزي العسكري ظاهرة ليست جديدة ، فنظام صدام حسين كان يفرض علي كل المسؤولين في الدولة التدرب علي حمل السلاح ، ووضع الشارات العسكرية علي أكتافهم ، وقبل أن يرحل صدام عن السلطة بشهرين أقام احتفالاً عسكرياً شارك فيه مائة ألف استشهادي ، إن كان عمر الجيش السوداني لم يتجاوز نصف قرن فإن الجيش العراقي عمره كان أكثر من ثمانين عاماً ، وله تجربة في الحروب الإقليمية والدولية ، وله خبرة طويلة في حروب الداخل الحزينة ، من ثورة الشيعة في جنوب العراق عام 91 إلي حرب الأنفال الكئيبة في نهاية الثمانينات . لكن ، ورغماً عن كل ذلك أنهار الجيش العراقي أمام القوات الغازية في أقل من شهر ، ليس لأن الجندي العراقي كانت تنقصه الشجاعة والخبرة ، بل لأن هناك أخطاء في الداخل مزقت الروح المعنوية للجيش العراقي ، هي أخطاء ساسة وحكام قبل أن تكون خطايا شعوب وجيوش ، فحب الوطن فضيلة لا تنجبها السياسة ، والزعماء والرؤساء هم من أفشل الناس في تعليم شعوبهم قيم الوطنية ، فهناك فرق كبير بين أن يدافع الإنسان عن وطنه ، وبين أن يحمي حاكماً فساداً لا يريد غير الاحتفاظ بمنصبه ، وحتى ولو كان الثمن هو هدر الأرواح البريئة وضياع المقدرات والممتلكات . ولنعد للتجربة السودانية ، ولنقرأها بعين العقل وليس بعين العاطفة الجياشة التي تختصر الأشياء ، وكما يقول المثل :السعيد من يري الحكمة في تجارب غيره والجاهل هو من يتعظ من تجارب نفسه ، فلسنا ببعيدين عن المثال العراقي ، يحكمنا حزب واحد وبأيدلوجية واحدة ، هناك فساد كبير يحيط بأجهزة الدولة ، ومحسوبية زادت من الاحتقان ، مع إطلاق سراح يد المؤسسات الأمنية لتفعل ما تشاء من غير حسيب أو رقيب ، الفارق الوحيد بيننا وبين العراقيين أنهم دخلوا في حروب مع قوى إقليمية تُعتبر معادية للعراق مثل إيران والولايات المتحدة . أما الجيش السوداني فليس له حظ في هذه التجارب ، وما نملكه من خبرة عسكرية لم يتجاوز حرب الجنوب ودارفور ، وهذه حروب كانت داخل التراب السوداني ، وقد كلفتنا من القتلى والجرحى أكثر من العدد الذي فقده العراق في حروبه الثلاثة ، وعندما أحتل الجيش المصري مثلث حلايب رفضت القيادة السياسية الدخول في حرب مع مصر ، علي الرغم من امتلاكها للمسوغ القانوني والشرعي ، واعتبرت أن ما جري ليس إلا محاولة رخيصة خططت لها قوى دولية لجر المنطقة لحرب طويلة بين الأخوة العرب ، تنازلت حكومة الإنقاذ عن حلايب وسحبت شكواها من مجلس الأمن ، فعلت ذلك ليس حرصاً علي صون الدماء العربية أو الحفاظ علي الوشائج الطيبة مع مصر الشقيقة ، بل لأنها كانت تصب كل جهدها علي حرب الجنوب ، ولم تكن في حاجةٍ إلي من يليها عن هذا المسعى النبيل . والآن قد لاحت نذر المواجهة في دارفور بين حكومة الإنقاذ والأمم المتحدة ، ولا قدر الله ، إذا وقعت المجابهة العسكرية بين الجانبين ، يكون الجيش السوداني قد دخل أول معترك للحياة الحربية يكون الخصم فيها طرف غير سوداني ويقع في إطار الإقليمية ، لكنني لا أرجح وقوع الحرب بين الجانبين ، صحيح أن الإعلام السوداني تحوّل إلي بوق للحرب ، وهناك مسؤولين وولاة لبسوا الأكفان واستعدوا لملاقاة الموت علي يد القوات الدولية ، وإن لم تخونني الثقافة الإسلامية كنت أحسب أن الشهيد يموت في ثيابه ويُدفن بها ولا أدري من أين استقت الإنقاذ بدعة الأكفان ، علي النقيض مما نشاهده ونسمعه إلا أنني متفائلة أن الحرب لن تقع ولن تكون هناك مواجهة علي الرغم من حدة الخطاب الإعلامي للإنقاذ ، أنا لا أقرأ الغيب من خلال حركة النجوم ولا أجيد رسم ( الربل ) علي الرمال ، لكن ما يدفعني إلي ذلك الاعتقاد هو الظن الحسن للسيد/جون بولتون ، ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن ، والسيد بولتون والذي يُعتبر من المحافظين المقربين للرئيس بوش ينظر إلي المسألة بعين أخري ، وهو بالتأكيد يعلم أن الإنقاذ تبحث عن ضمانات تبقيها في السلطة ولا تبحث عن حرب ضروس ربما تقضي علي صروحها الاقتصادية في العاصمة الخرطوم ، ما يهم الإنقاذ هو السلطة والمال وليس المبادئ والقيم الوطنية . لذلك كان متفائلاً بموافقة حكومة الإنقاذ علي القرار الأممي . عندما ترغب الولايات المتحدة في شن حرب علي بلد ما تكون هناك نذر للمواجهة ، مثل سحب البعثات الدبلوماسية والطلب من الأجانب الغربيين مغادرة البلاد ، ذلك غير تحريك حاملات الطائرات ونشر الجنود في الدول المجاورة للبلد المستهدف ، بالإضافة إلي محاولات الربط بين النظام المعنى وجماعات إرهابية إسلامية ذات صلة بتنظيم القاعدة ، إذا نظرنا لنظام صدام حسين ، وهو نظام أشتهر بمعاداته للحركات الإسلامية ، إلا أن الولايات المتحدة لفقت له صلة بتنظيم القاعدة مما مهد الطريق لشن الحرب ، ونظام الخرطوم يحمل صفات وراثية من تنظيم القاعدة أكثر من نظام صدام حسين ، ففي الخرطوم عاش الظواهري وأبو حفص المصري والشيخ أسامة بن لادن ، ولكن مع ذلك بقي نظام الخرطوم خارج الاهتمام الأمريكي من ناحية علاقته بالقاعدة ، وتفسير ذلك مرده إلي التعاون الاستخباراتي الفائق بين الولايات المتحدة والسودان ، ولذلك تنظر الولايات المتحدة إلي السودان في عهد الإنقاذ كحليف مستقبلي وليس كعدو يجب إزاحته عن السلطة ، وهي بذلك تستبصر بالتجربة الليبية ، عن طريق استئناس النظام وتوظيفه لخدمة حربها علي الإرهاب ، والذي يزيد من قناعتي بهذا الخصوص ، أن وزير الخارجية الدكتور لام أكول وبصحبته رئيس المخابرات الآن في طريقهما إلي واشنطن ، وهما يحملان رسالة الرئيس البشير ، كما فعلت في العراق ، تسعي الولايات المتحدة إلي لعب دور أكبر في السودان يتعدى حدود تعاونه مع الأمم المتحدة ، فلماذا ترسل الولايات المتحدة السيدة/فريزر لحث السودان علي قبول القوات الدولية ، بينما كان في الإمكان إرسال مندوب أممي علي شاكلة لاري لارسن أو يان برونك !!!، فقد جرت المفاوضات بين فريزر والرئيس البشير في جو بغاية السرية وبعيداً عن وسائل الإعلام . إذاً ، أن الإنقاذ لم تحرق كل المراكب ، شعرة معاوية لم تنقطع بين الخصمين ، هناك خصام وتحدى في وسائل الإعلام ، أما وراء الكواليس فهناك متسع لتبادل للغزل وحديث عذبٌ في الحب والهيام . نعود للمسرح الإعلامي ، لنري كيف تدير الإنقاذ معركتها الإعلامية ، ومن هم الأبطال الجدد والقدامى ؟؟ والي النيل الأبيض الدكتور /مكرم نور الله يُعتبر بلا منازع من أكثر الناس حماسة لخوض الحرب ضد القوات الأممية ، وأصبح يتصدر تغطيات نشرة الساعة العاشرة في التلفزيون السوداني ، يمارس عمله بنفس الأسلوب ، زي عسكري وخطاب حماسي ومكبرات صوت تبث الأغاني الحماسية . غاب هذه المرة كل من السيد/عبد الباسط سبدرات وعبد الله مسار والدكتور عصام أحمد البشير يقول الأستاذ/علي عثمان طه : أن الكفر قد رماكم بقوسه ، ذلك في إطار فهمه للقرار 1706 ، بأنه معركة بين الكفر والإيمان ، نظرية النائب الثاني لهذا القرار أصبحت مطابقة لمفهوم القاعدة ، والتي تري أن الصراع في العالم هو بين المسلمين والكفار . أما رئيس الجمهورية فيري أن القرار 1706 هو مشروع استعماري يهدف إلي تمزيق وحدة السودان ، وهو بذلك يضع نظرية مغايرة لتحليلات النائب الثاني . البيان العسكري لم يصدر من القيادة العامة ، ولكنه صدر علي لسان الدكتور/مصطفي عثمان إسماعيل حيث قال : نحن طلبنا من قوات الأفريقية المغادرة ، لأن المواجهة سوف تكون بيننا وبين القوات الأممية ، لذلك لا نريد أن تقف القوات الأفريقية كحاجز بيننا وبينهم . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|