|
هدايا الأم فريزر للإنقاذ
|
احترمت الرئيس البشير عندما رفض مقابلة المسؤولة الأمريكية جينداي فريزر ، فهو كما وصفته الأقلام الحكومية في الخرطوم ، أول رئيس في العالم يقول لا في وجه الخارجية الأمريكية ، في عالم تعوّد الناس فيه أن يقولوا لها : نعم ، ويعطونها التحية والتعظيم ، هذا الموقف الصلب انهار بعد 48 ساعة ، رضخ الرئيس البشير لمشيئة الله ، وقابل السيدة/فريزر ، ولقد قرأنا رسالة الرئيس البشير التي أرسلها إلي نظيره الأمريكي ، والتي تضمنت نقطة تعتبر هي منعطف التحوّل في هذا الطريق الملتوي بين صخور الرفض والقبول ، وهي أن السودان ليس ضد قوات الأمم المتحدة من حيث المبدأ ، ولكنه ضد صلاحياتها وطبيعة مهامها . أما الأمر المهم فهو رسالة الرئيس بوش والتي خاطب فيها نظيره السوداني ، يا تُري ماذا كُتب فيها ؟؟ وهل صحيح أنها تحتوي علي مغريات كبيرة ، تصل إلي حد إعفاء الرموز الحكومية في السودان من عقوبات جرائم الحرب التي ارتكبوها في دارفور ، ومن المغريات أيضاً ، رفع الحظر المفروض علي السودان نتائج علاقاته السابقة بالمجموعات الإرهابية ، وقمة مرتقبة بين الرئيسين في البيت الأبيض وصفتها صحيفة الواشنطن بوست بالرفيعة المستوي (a high profile summit) ، إذا ً تغيرت قواعد اللعبة ، كما يحدث في لعبة الشطرنج ، لا حاجة لصغار الجنود ، واللعب أصبح حكراً علي الكبار ، هذه الحوافز والتي أثارت غضب مجموعات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة ، والتي تساءلت عن إيمان الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس بوش بأخلاقية قضية دارفور وعدالتها ، وأمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي وصفت ما يجري في دارفور بأنه إبادة عرقية ، هذه الحوافز جعلت نظام حزب المؤتمر الوطني يغير خطته ، عدم الممانعة بدلاً من المواجهة ، والاستماع والبحث عن الضمانات عوضاً عن التصعيد الإعلامي ، نحن قرأنا رسالة الرئيس البشير ولكن في المقابل لم نقرأ كل حرف كتبه الرئيس بوش في رسالته ، وربما لا تعلم حاملة الرسالة نفسها السيدة/جينداي فريزر بمضمونها ، ولكن بكل الأحوال ، أن هذه الرسالة تحمل وعوداً لا ترغب الإدارة الأمريكية في الكشف عنها ، علي الأقل في الوقت الحالي . غيرت حكومة الإنقاذ خطتها ، وقابل الرئيس البشير السيدة/فريزر بعد ممانعة استمرت ليومين ، ثم أضاءت الإشارات الخضراء ، هناك مثل إنجليزي يقول : لا تثق في اليونان حتى لو و جاءوك بالهدايا . هذا المثل ينطبق علي الولايات المتحدة ، فهي تعطي لتأخذ ، وتعِد لتخلف ، فكان حرياً بالرئيس البشير أن يظل عند موقفه ويبر قسمه ، لكنه لم يفعل ، فالتهمة التي وُجهت لمراسل الناشوينال غرافيك في محكمة بمدينة الفاشر ، وهي تهمة التجسس والتخابر ، تم النظر فيها من قبل الرئيس البشير ، ولأسبابٍ قالت الإنقاذ أنها إنسانية تم تخفيف التهمة إلي دخول البلاد بصورةٍ غير شرعية ، ومخالفة قوانين الهجرة والإقامة ، فلقد وجدت السيدة/فريزر ما ترجع به إلي وطنها ، ولكن ليس بول سالبونيك هو الوحيد الذي تأبطته وهي خارجة من السودان ، من حديثها المقتضب مع الصحفيين ، ذكرت السيدة/فريزر نقطة هامة ، أن مباحثاتها مع الرئيس البشير تناولت ملف مكافحة الإرهاب ، وهذه هي النقطة الحساسة بالنسبة للولايات المتحدة ، والتي تريد أن تضغط علي نظام الإنقاذ ليس لسواد عيون أهل دارفور كما قال بعض الاخوة ، ولكن من أجل أن تحقق عن طريق الإنقاذ أجندة داخلية تهم الولايات المتحدة والتي يأتي من بينها مكافحة الإرهاب . فقد قبلت الإنقاذ الدعوة ، وهناك مندوب خاص للرئيس البشير (personal emissary) ، سوف يتوجه من الخرطوم إلي واشنطن وهو حاملاً معه رسالة من الرئيس البشير . والرئيس الأمريكي روّج شيئاً جديداً في عالم الدبلوماسية ، قبلها كان يلجأ لأسلوب المكالمات الهاتفية ، من أجل تنفيذ تصورات الولايات المتحدة حول مختلف بؤر النزاع في العالم ، و يضغط علي الرؤساء والحركات المسلحة ، فإن أثمرت هذه السياسة في السودان وحققت للسودانيين مشروع السلام في الجنوب ، فهل تنجح دبلوماسية الرسائل في تعطيل انفجار القنبلة الموقوتة في دارفور ؟؟ فمعارضة الرئيس البشير للمسعى الأمريكي كانت واضحة ، وقبل أن يلتقي السيدة فريزر خطب لمدة ساعة في تجمع نقابات العمال ، وقال أنه لا مجال لتغيير قبعات قوات الاتحاد الأفريقي ، إذاً لماذا يرسل الرئيس البشير مندوباً إلي الرئيس بوش بغرض التفاوض ؟؟ ، في العاصمة الخرطوم تدور الخطب وأغاني الحماسة ، يكثر الضجيج والانفعال ، وفي واشنطن يكثر الهمز واللمز ، والدخان المتصاعد ينذر بقرب عقد الصفقة ودفن صفحة العداء .أما أهل دارفور فلا بواكى لهم ، فقد أصبحوا سلعةً تُباع وتُشتري في سوق النخاسة الدولية . مثل شائع في أمريكا ، إذا أردت قبضت الفأر من ذيله ..ضع له المزيد من الجبن في الشرك . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|