|
هجوم حسكنيتة بين الفاعل والمفعول
|
هجوم حسكنيتة بين الفاعل والمفعول
لا احد يلومني إذا زعمت أن السودان أصبح سلة العالم للأخبار السيئة ، فهو دائماً يسبق تغطيات أحداث العالم الأخرى ، فقد أنتهت ثورة الرهبان في بورما ، ومرور الأيام جعل الناس ينسون ولو قليلاً ما يحدث في العراق من قتل وتدمير ، أما التجاذب الفلسطيني بين فتح وحماس فقد هدأ تحت ظل التسويات الخفية ، وقد حرّك الشيخ بن لادن موجة الأخبار من جديد ، لكن تسجيله الجديد لم يجد الترحيب والتهليل الذي كان يتوقعه ، فالناس كانوا يتوقعون أن يروا اسامة بن لادن وهو يمتطي الحصان أو يداعب زناد بندقية الكلاشنكوف ، لكن الصورة التي رأيناه بها كانت لرجل عجوز قد طعن في السن ، وهو من مخبئه الخفي يطلب من الغربيين دخول الإسلام ، وربما يكون الشيخ الطريد قد نسي أن الرسول ( ص) في غزوة حنين خرج للقتال وقال : (أنا النبي لا أكذب، أنا ابن عبد المطلب، اللهم أنزل نصرك).فمن يريد نشر الإسلام لا يعكتف في كهف حريز ، بل يخرج للناس إما قاتلٌ أو مقتول . نعود من جديد لتشعب القضية السودانية من وادي إلي وادى ، من ضيق إلي أضيق ، ومن كربة إلي كربة اشد وأعم ، فما زال الموفدون والحكماء الدوليون يتوافدون إلي العاصمة الخرطوم ، فأزمة دارفور فتحت صدر العالم للإنقاذ ، وعلمتهم الحديث في المنابر الدولية ، ورحلة هؤلاء الزوار العالميين أتخذت مساراً واحداً وهو الخرطوم الفاشر جوبا ، هذا مثلث جديد يرسم خطوط كنتور الوطن الجديد ، خرج الموفد الأمريكي ، فدخل علينا حكماء أفريقية وأمريكا ، ذكروني بالقصة القديمة التي لا تحدها نهاية : دخلت نملة وأخذت حبة وخرجت ..هذه هي المتوالية الهندسية في عالم السياسة السودانية ، فلا الزمن يغير الناس ولا الجغرافية تقرب المسافات ، وفي كل يوم سفينة الوطن تبحر بعيداً عن شاطئ الوحدة والوئام ، فعدوى المطالبة بالإنفصال أنتقلت إلي دارفور ، وكما قال امروء القيس : فيا ليتها نفوس تموت سويةً ... ولكنها نفس تساقط أنفسا من بين الأحداث المؤسفة التي جذبت الإنتباه للملف السوداني ، الإعتداء المؤسف الذي تعرضت له قوات الاتحاد الأفريقي في ( رمادي ) دارفور قرية حسكنيتة ، هذه القرية الصغيرة التي تشكو التهميش وضعت نفسها مع مدن العالم الملتهبة كديالي والفلوجة والأنبار وهلمند ، فهي عادةً ما تتعرض للقصف الجوي والمدفعي من قبل الجيش الحكومي ، لكن هذه المرة فأننا أمام معادلة جديدة ، فمن يفترض به أن يحمي السلام طعنته حربة هذه الحرب لأنه كان يغطي في نوم عميق ، نومٍ كنوم أهل الكهف فلا يحس أهله بنمو الشعور أو الأظافر ولم يبادر كلبهم إلي النبيح ، وبينما هم في ثياب النوم طاف عليهم طائف ، سيطر المهاجمون على المعسكر ونهبوه ، وأحرقوا المصفحات التي صدئت من القدم وعدم الإستعمال ، ونقل المهاجمون للعالم رسالة مهمة وهي : أن قوات الاتحاد الأفريقي غير قادرة حتى على حماية معسكرها ..فكيف يُطلب منها حماية إقليم في مساحة غرب أوروبا ؟؟ وبدأ قادة هذه القوات في غاية الغضب ، لكنهم في خاتمة المطاف أعترفوا بالتقصير ونقص الإمكانيات ، هذا هو السودان في عهد الإنقاذ ، يتحدث جنرال نيجيري عن كيفية الهجوم الذي حدث وعن عدد المهاجمين ، في بلدٍ تُصرف فيه الأموال الغالية على الجيش والشرطة والأمن ، وغداً سوف يكون في السودان ناطق رسمي بإسم قوات التحالف مثل ريكاردو سانشيز ومارك كيمت وباتريوس ، ولا أظن أن باطن الأرض بالنسبة لقادة الإنقاذ سوف يكون أطيب من ظهرها كما يقولون ، فهم أسرع الناس تأقلماً مع تغير الأوضاع ، وقتها لا ندري ماذا سنفعل بالجيش السوداني ، لكن من الأفضل لقادته أن يعملوا في رصف شواطئ النيل ليحموا الناس من خطر الفيضان ، وليعطوا زيهم لتلاميذ المدارس الفقراء ، وليعطوا شاراتهم الذهبية التي تزين أكتافهم ،و التي نالوها من جدارة في الحرب ، لمحلات زينة العرائس . ومن المؤسف أن رجال الإنقاذ ينظرون لهذا الحدث من ناحية واحدة ، فهم يريدون من مجلس الأمن أن يفرض العقوبات على المهاجمين الذين لا زالوا خيالاً في نظر الذين تابعوا هذا الحدث ، ويقود هذا التيار كل من الدكتور لام أكول وعبد المحمود عبد الحليم والسماني الوسيلة ، فهم يرون بأن الإنقاذ قد ظُلمت في ردة فعلها العنيفة في التعامل مع المتمردين ، فهم يريدون من المجتمع الدولي أن يعطيهم شيكاً على بياض ، عن طريقه يُمكن تكرار تجربة القتل والقصف التي لا تميز بين البرئ والسقيم ، وتأخذ المقيم بالظاعن كما قال طاغية العرب الحجاج بن يوسف ، لكن الرياح أتت بغير ما يشتهون ، فالحديث الآن يدور في أروقة الكونغرس الأمريكي عن فرض المزيد من القيود على السودان ، ولا أحد سوف يسمح للإنقاذ بتكرار التجربة حتى ولو هُلكت كل قوات الاتحاد الأفريقي في بيت واحد ، فهؤلاء جنود ومن المفترض أن يراعوا المهمة التي جاءوا لأجلها ، وما يلقاه الجندي في أرض الوغى يأخذ أجراً عليه ، فلنتحسر على يموت من أبناء الوطن قبل أن نذرف دموع التماسيح على من نظن أنه جاء من أجل حفظ السلام . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|