|
من قتل محمد طه محمد أحمد ؟؟ القلم أم السياسة ؟؟
|
من قتل محمد طه محمد أحمد ؟؟ القلم أم السياسة ؟؟
بعد وقوع جريمة إغتيال الأستاذ/محمد طه محمد أحمد ، كنت أتوقع من حكومة الإنقاذ شيئاً واحداً ، وهو أن تقوم بتوعية المواطنين عن طريق وسائل الإعلام عن الذي يقوم باعتقالهم والسلطات المخولة له ، وحدودها ، وما هي حقوق المواطن الذي يستيقظ مذعوراً من نومه علي صوت طرقات الباب في منتصف الليل ، مع شرح وافي وبالصور لنوعية البطاقات التي يبرزها رجال الأمن في حالات الاعتقال ، فالأمن الموازي هو الذي تسبب في مقتل الأستاذ/طه ، لأن الاعتقال الاعتباطي أصبح شائعاً ولا يقف في وجهه أحد ، فجرت العادة قبل مجيء الإنقاذ أن يتم الاعتقال عن طريق قوات الشرطة ، ومذكرة الاعتقال يجب أن تكون صادرة من مكتب وكيل النيابة ، والاحتجاز يجب أن يكون في الحراسات المعلنة وليس في مخابئ سرية كما يحدث الآن ، وشخصية كبيرة مثل محمد طه محمد ليس مطلوباً منها أن تركب في سيارة مظللة بعد منتصف الليل ، فشخص في مثل مركزه لن يفر من البلاد بسبب جنحة يستطيع أن يسقطها عن طريق القضاء ، من الممكن أن ينتظر القاضي حتى الصباح ليصدر أمر الاعتقال ، و الذي يمكن تنفيذه في وضح النهار وأثناء ساعات الدوام الرسمي ، ومن حق المتهم أن يطلع علي المذكرة ومناقشتها مع مستشار قانوني ، قبل أن يركب وهو مطأطئ الرأس في سيارة مجهولة تأخذه من مخدعه وسط عويل زوجته وأبنائه . كل هذه المحاذير لا تُراعي في بلدنا السودان ، فأمر الاعتقال أصبح شائعاً من غير أن تحده ضوابط ، ينفذه كل من هب ودب ، فنحن نحكم من خلال دولة بوليسية ، الفضيلة فيها هي أمن الحزب وليست أمن المجتمع ، والأولوية القصوى لأمن الدولة وليس لأمن المواطن المغلوب علي أمره ، معظم منتسبي حزب المؤتمر الوطني هم رجال أمن قبل أن يكونوا رجال سياسة ، ومع ذلك طارت روح محمد طه محمد أحمد من بين أيديهم . وتعدد الأذرع العسكرية والأمنية في عهد الإنقاذ وتنوعها لم يفضي بنا إلي بر الأمان ، بل قادنا إلي الفوضى البديلة ، هذا الترهل في الأجهزة الأمنية أدي إلي خلق مناخ من الخوف والإرهاب وسط المجتمع ، و قد أعتاد الناس علي أوامر الاعتقال التي يصدرها بعض االمحسوبين علي هذه الأجهزة ، والتي عادةً ما تحمل دوافع شخصية أكثر مما هي أمنية ، في كثيرٍ من الأحيان يقوم جهاز الأمن باعتقال مواطن لسبب بسيط لا يزيد عن مستوي الشبهة ، وعند التحقيق يتبين أن القضية ملفقة ولا تمت للواقع بصلة ، فعادةً ما يتم حجب اسم صاحب البلاغ الكيدي من الشكوى المقدمة .ويُطلق سراح المواطن من غير أن تُعرض قضيته علي الجهاز القضائي . محمد طه يسكن في حي راق وهو حي كوبر بالخرطوم بحري ، وهذا الحي أشبه بمجمع السكن الوزاري الخاص بكبار المسؤولين في الدولة ، ذلك من كثرة الرسميين الحكوميين الذين يسكنون فيه ، فمن بينهم وزير الدفاع السابق بكري حسن صالح ، مثل هذه الأحياء لا يرتادها الغرباء وتقل فيها حركة النشاط التجاري ومرور المركبات ، الساعة العاشرة مساءً بتوقيت السودان تعني بداية حظر التجول في العاصمة الخرطوم ، صحيح أن الدولة خففت منه بعض الشيء بفضل اتفاقية نيفاشا ولكن أهل السودان اعتادوا علي سريانه ، لذلك ظل الحال كما هو عليه ، الخرطوم بعد الساعة التاسعة مساء من غير حركة أو ضوضاء ، وكان هناك عشرة آلاف شرطي يرابطون في وسط الخرطوم ، يحرسونها من الغاضبين علي زيادة أسعار السكر والمحروقات ، في هذه اللحظة بالتحديد أغار جنجويد الظلام علي منزل المرحوم طه ،واقتادوه وهو بملابس النوم إلي مكان مجهول ، والرسالة وصلت في اليوم الثاني ولكن ليس عن طريق صندوق البريد ، في مكان نائي عُثر علي جثة المرحوم طه وهي مفصولة الرأس ، بكينا وخطبنا وقلنا الشعر ونظمنا القوافي في بيت العزاء ، نحن لا نجيد الحديث إلا بعد وقوع الفاجعة ، محمد طه لم يمت في ذلك اليوم ، لكنه مات قبل ذلك التاريخ بوقت طويل ، فالأنظمة المستبدة عندما تصل إلي السلطة تخيّر الناس بين الخبز والحرية ، لنكتشف بعد فوات الأوان أننا بلا خبز أو حرية أو أمن .والأستاذ/محمد طه عليه رحمة الله كان من المراهنين علي نظام الإنقاذ منذ أول يوم ، وهو كان يعتقد أن الأمن الذي يوفره الحزب الواحد أكثر من الأمن الذي توفره الدولة ، فانهارت هذه النظرية بعد موت محمد طه ، الرجل القريب للإنقاذ والمؤيد لها في محافل الطلاب وأروقة الصحافة . خلافي مع المرحوم طه يعود إلي أيام الديمقراطية الثالثة ، وأنا أؤمن بمبدأ تزداد قناعتي به في كل يوم ، إن الديمقراطية ثوبٌ يمكن ترقيعه ، ولكن الدكتاتورية جسدٌ بلا ثوب ، صحافة الجبهة الإسلامية هي التي أدت إلي تقويض النظام الديمقراطي الثالث في السودان ، لكنها ، في المقابل فشلت في حماية حياة القلم الذي كتب كثيراً عن الثورة وضرورات التحول السياسي في السودان ، لم يمت محمد طه في دارفور وجنوب كردفان ، في تلك البؤر لا يعني موت الإنسان شيئاً وحياته في الأصل بلا معنى أو هدف . لم تهتز الحكومة ، ودورة الحياة لا تتوقف بموت أحد ، الكل يسعى نحو هدفه الخاص ، والمفارقة عدم مطالبة أحد بتغيير الحكومة ، علي الأقل تهيأت الفرصة لتغيير وزير الداخلية ، لكن الأصوات التي تعالت وهاجت من البكاء طلبت من الوزير أن يبقي في منصبه ، فقط عليه أن ينشر أمام مقر كل صحيفة مفرزة من الجنود ، وأمام بيت كل صحفي شرطي ، أما رجل الشارع العادي فليُترك تحت رحمة جماعات العنف والتكفير واللصوص ، نحرس الدولة ورجل الدولة والصحفي الذي يكتب باسم الدولة ، ولنترك المواطن البسيط للفوضى والذعر ، مثل فلم حديقة الديناصورات ، يُحفظ الإنسان في أقفاص حديدية ، بينما الوحوش تمرح بحرية في الغابة .رغم بشاعة هذه الحادثة ، إلا أننا لا زلنا نفكر بعقلية الأمن الذاتي ، المنُكفئ علي الحزب والرموز ، ما نحتاجه في السودان ليس تجنيد المزيد من الناس في دوائر الشرطة والبوليس والمخابرات ، فطوال سبعة عشرة عاماً كانت الإنقاذ تُنفق الصفراء والبيضاء علي شعيرة الأمن ، ولكنها أخفقت في إنقاذ حياة محمد طه محمد أحمد ، الذي لا يبعد منزله كثيراً عن منزل الرئيس ، نحن في أمس الحاجة إلي إنشاء دولة المؤسسات والقانون ، وأن نُحارب مصطلح ( كوز كبير ) الذي يتناقله الناس في مجالسهم ، هذه المفردة تعني المحسوبية والخروج وعن القانون . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|
|
|
|