|
من الذي قتل الأستاذ /طه ؟؟ الفكر أم السياسة ؟؟- الجزء الثاني
|
من الذي قتل الأستاذ /طه ؟؟ الفكر أم السياسة ؟؟ الجزء الثاني
يُعد فكر الأخوان المسلمين دخيلاً علي البيئة السودانية والتي عُرفت بالتسامح ، هذا الفكر طارت عصافيره من مصر لأنها لم تجد العش المناسب هناك ، فهاجرت إلي السودان ، وعشعشت وفرّخت وتكاثرت حتى أنجبت الإنقاذ ، كان غريباً أن يخفق الأخوان في الوصول إلي السلطة في مصر ولكنهم ينجحون في السودان ، ربما يكون السبب هو وقوف آلة الأمن المصرية حائلاً بينهم وبين السلطة ، أو أن الشعب المصري يملك ثقافة واعية ، مكنته من تجاوز المد الأصولي المتطرف الذي يقضي علي الأخضر واليابس ، طبيعة الحياة الثقافية والفكرية في مصر تتطلب التآخي والتآلف ، تجربة الإنقاذ في السودان والتي يقف من ورائها الأخوان المسلمين ، أعطت المبرر الكافي للوقوف ضد مشروع الدولة الأصولية التي لا تعرف معني التسامح ، وفكر الأخوان عندما دخل السودان كان يحمل ثأرهم علي الدولة المصرية ، وكان يحمل حقدهم وشعورهم بالإحباط نتيجة لما وقع عليهم من جور في أيام الحقبة الناصرية . لذلك كان الأخوان قساة مع الشعب السوداني ، حوّلوا البلاد إلي سجن كبير ، وافتتحوا مقرات التعذيب وبيوت الأشباح ، وعاشوا مرفهين في القصور وتركوا الشعب تحت رحمة الفقر والمعاناة والمرض ، وآخر دعواهم كانت تقسيم السودان إلي كيانات جهوية صغيرة ، تحارب بعضها بعضاً ، مما فتح الطريق أمام التدخلات الأجنبية ، سقطت أسطورة الأخوان المسلمين في بناء دولة العدل والإحسان يلاعب فيها الذئب رأس الحملان الصغيرة من غير أن يمسه بسوء ، ففشلت في حماية رأس محمد طه من غيلة البطش وهو الرجل الذي سخّر قلمه للكتابة عن المشروع الإسلامي ، إن ما أوصلونا إليه كان عبارة عن نموذج مستنسخ من دكتاتوريات أوروبا الشرقية في عز أيام الحقبة الشيوعية ، ولم يكونوا في حاجةٍ إلي تأليف كتب فكرية تشرح لنا ما هو الفرق بين شريعة الإنسان وشريعة رب السموات . وأكبر خطر يشكله فكر الأخوان المسلمين علي المجتمع هو اعتماده علي الدين الإسلامي في تسويق أفكاره السياسية ، ومخاطبته للمثقفين من منابر ديمقراطية مثل النقابات المهنية واتحادات الطلاب ، أما العامة فهو يخاطبهم من منابر المساجد ، في حالة تقوقع الأخوان في خندق المعارضة ،يكون خطابهم للجمهور منصباً علي فكرة ترسيخ العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والفساد الحكومي ، عن طريق تطبيق شرع الله ( وربط مشروع الأرض بمشروع السماء ) ، أما بعد وصولهم للسلطة يتغير الخطاب وتختلف الحاجة ، فيطلبون من الناس أن يصبروا علي الجوع ، والإقبال علي الآخرة والزهد في الدنيا ، وطاعة ولي الأمر والسلطان . لا يجب أن نفرق بين نظام الإنقاذ وفكر الأخوان المسلمين ، وكل جريمة ارتكبتها الإنقاذ يقف من ورائها هذا الفكر الظلامي ، وبعد مرور سبعة عشر عاماً من حكم الإنقاذ يمكننا أن نجزم بأن الشعب السوداني قد ولج إلي قعر الهاوية السحيقة ، حتى في زمن الاستعمار لم يمر الشعب السوداني بهذه التجربة السيئة ، نحن الآن فقدنا الكرامة والحرية والخبز والأمان ، تفاوت واسع بين طبقات المجتمع ، فقر مدقع وثراء فاحش ، وحرب ومجاعة وأمراض ، هذا ليس ربط بين برامج أهل الأرض وأهل السماء ، بل هو ربط لثروات السودان في يد قلة من الناس ، لو توقفت الكارثة عند هذا الحد لكان هنالك أمل في إصلاح الوضع ، ولكن الكارثة ممتدة الجذور ، فعادةً ما تخرج التنظيمات التكفيرية من رحم الأخوان المسلمين ، الناجون من النار والتكفير والهجرة والجماعة السلفية والجهاد كلها كيانات خرجت من عباءة الأخوان ، خطورة هذه التنظيمات أنها تبدأ معركتها من العش ، فتقضي علي رفاق الأمس وصحابة الدرب . ثم تمضي في بطشها لتطال رموز المجتمع والمثقفين والفنانين . لكن ، لا يعني ذلك أن الجرائم التي ترتكبها هذه الجماعات ، يكون المحرك الأساسي فيها هو الدين ، فهي في بعض الأحيان تخدم توجهات إقليمية ودولية ، لأن جرائمها تضرب في وتر حساس فتهدد السلام وأمن المجتمع ، تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء هو الذي أدي إلي اشتعال الفتنة الطائفية في العراق ، فشاعت جرائم القتل علي الهوية والتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس ، ولكن من الذي استفاد من هذه الأزمة ؟؟ ، بالتأكيد المستفيد هو الولايات المتحدة والتي وجدت في النزيف العراقي ما يبقيها بعيداً عن أعين الخطر . في السودان أيضاً كان هناك من يراهن علي نزع فتيل الفتنة الطائفية ، ولكن حتى كتابة هذه السطور بقي المجتمع السوداني محصناً من هذا الداء ، قالها الحكيم سلفاكير : (( بعد مقتل قرنق ، روّج بعض الناس أن الحكومة السودانية كانت تقف وراء تحطم طائرة قرنق ، مما جعل الجنوبيين يستشيطون غضباً ويقومون بأعمال عنف في الشوارع ، وفي نفس الوقت يذهب هؤلاء الشياطين إلي الشماليين ويقولوا لهم أن الجنوبيين قادمون لقتلكم انتقاماً لموت قرنق )) ، فشل الرهان علي الفتنة العنصرية في ذلك الوقت ، ولكن تعبئة الشارع بالشعارات الدينية جعل الباب مفتوحاً لتكرار هذه التجربة ، هناك من يقول بأنه سوف يقطع رأس ( زيد ) من الناس ويذهب إلي الله وهو مطمئن بأنه لن يصيبه شيء من عاقبة هذا العمل ، وهناك نائب والي في الشمالية قام بإهدار دم الصادق المهدي لأنه أيّد القرار الأممي رقم 1593 ، تجمع هلامي لأناس يسمون أنفسهم هيئة علماء السودان يكفّرون كل من ينضم للحركة الشعبية ، ثم جاءت أزمة الوفاق وملف المقريزي ، فخرجت هذه الجماعات من الجحور وبدأت تنفس سمومها في الشارع ، مقتل الأستاذ/محمد طه يحمل لنا أكثر من قراءة ، وهي تزايد نفوذ هذه الجماعات في الحياة العامة في السودان ، وعمل رموزها في مؤسسات تعليمية مرموقة وسيطرتها علي بعض المساجد في الخرطوم ، من خلال هذه المنابر استطاعوا تمرير السكين حول عنق الأستاذ/طه ، عن طريق التكفير والاتهام بالردة ، انهم ينكرون الجريمة الآن ويقولون إن تطبيق الحدود بيد الحاكم المسلم ولكن من الذي كان يتظاهر في الشارع ويرفع شعارات مثل : الحد الحد لمن يرتد !!! فهل الذي كفّر الأستاذ/طه هو مجموعة من الناس أم هيئة قضائية ذات صلة بالمحاكم الشرعية ؟؟؟ . يجب أن لا نتوقف عند جريمة اغتيال الأستاذ/طه علي أساس أنها جريمة عابرة لأنها فتّكت برمز من رموز الإنقاذ الأوفياء ، إنها جريمة نحو العامة بلا فرز ، وجريمة موجهة نحو الحياة الثقافية بشكل خاص ، وسط التكتم الحكومي علي وقائع الجريمة وفرض الرقابة علي الصحف انتشر سلاح الإشاعة بشكل مكثف ، لا أنصح الناس بقراءة بيان أبو حفص السوداني ، لأنه هاوي علي الانترنت استطاع أن يشغل فراغ الإجابة لمن يسأل : من هو قاتل الأستاذ طه ؟؟ ، هو نوع من التلاعب الإعلامي القصد منه تحريك الساكن وخلق روح البلبلة والذعر بين الناس ، ولكن أنصح الناس بقراءة قائمة الأهداف المحتملة ، فتجد من بينها هذه المرة أسماء لفنانات مشهورات ، أي أن الساسة والنخب الليبرالية المتحررة ليس هم الوحيدين أمام منظار القناص ، هذا يعيدنا لتصريح أدلي به مسؤول أمني رفيع المستوي في نظام الإنقاذ عندما قال أن معركة المواجهة سوف تبدأ من الخرطوم بقتل المؤيدين للقرارات الدولية وسدنة الطابور الخامس ، لكن هذا لا يعني أن الفنانات بأمان من حد السيف . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|