|
مجزرة المهندسين الثانية في أمدرمان
|
مجزرة المهندسين الثانية في أمدرمان
لا شيء يعدل الثقة ، سواء في العلاقات العامة أو في السياسة ، قلنا عن اتفاق أبوجا الأخير بين حركة تحرير السودان وحكومة الإنقاذ بأنه مراوغة في الزمن الضائع ، إلي وقتٍ قريب كان الدكتور مجذوب الخليفة يؤكد أن معظم الفصائل وقعت على هذا الاتفاق ما عدا فئة قليلة سوف تنضم قريباً إلي الركب ، اتفاق أبوجا هو اتفاق بين المتحاربين ، لكن ، ليس بالضرورة أن يكون هو الحل ، وقد أثبت مرور الأيام ما كنا نحذر منه في السابق ، فأزمة دارفور لن تُحل عن طريق الاستيعاب في أجهزة الدولة السودانية المترهلة ، كما أن الحل لا يكمن في أزقة العاصمة الخرطوم ، وربما يكون اتفاق أبوجا قد ساهم في تعقيد قضية دارفور أكثر من إيجاد سبل لحلها ، لأنه تم بناءً على ضغط شديد فرضته الولايات المتحدة في عهد مساعد وزيرة الخارجية السابق ، السيد/روبرت زوليك ، بالإضافة إلي كل ذلك ، أن هذا الاتفاق أهمل الجانب الإنساني وحصر القضية في كعكة المناصب ، فالوضع في دارفور أصبح أسوأ من السابق ، فقد قامت الحكومة السودانية بطرد 52 منظمة طوعية ، وبلغت بها الجراءة أن تمنع أسمى مسؤول إنساني أممي من الدخول إلي معسكرات النازحين ، في كل ذلك لا نجد أثراً للأخ /مناوي ، فعليه الآن تحمل مسؤولية كبيرة تزيد في كل يوم ولا تنقص ، وأرجو أن يكون قد وعى الدرس الآن ، وعرف كيف غُرر بحركته عن طريق جرّها إلي اتفاق هش لا يحمي حتى قياداتها داخل الخرطوم ، ناهيك أن يحمي حياة سبعة ملايين في دارفور ، فهو رسمياً يشغل منصب مساعد الرئيس ، أما في الواقع فهو ليس إلا مجرد مساعد مزيف مصنوع من الشمع لا يقدّم ولا يؤخر ، فعليه عندئذٍ أن يتابع مثلنا عبر الفضائيات كيف يُذبح رجال حركته داخل الخرطوم لمجرد مشاجرة بسيطة في غالب ظني أنها مدبرة بفعل فاعل . هذه القضية ليست وليدة اللحظة كما نعتقد ، فقد أسهبت صحافة الخرطوم في الداخل في تحليل تعاظم ظاهرة الحزام الأفريقي الذي يطبق الخناق حول العاصمة الخرطوم ، كانت مخاوف ثم تحوّلت إلي هواجس من أن يشكل هذا الحزام تحدياً يطيح بالخارطة الديمغرافية للعاصمة الخرطوم ، بعد توقيع اتفاقيتي نيفاشا وأبوجا عادت هذه القضية إلي الظهور مجدداً لكن تحت مسمى جديد ، هذه المرة الخوف من خطر المليشيات المسلحة القادمة في قطار السلام ، هذه المخاوف لم تُراعي نقطة هامة ، أن هؤلاء النفر العائدين هم سودانيين في المقام الأول ، تحق لهم الإقامة في مكان يريدونه ، فنحن لا نعيش تحت سماء بيروت في أيام الحرب الأهلية ، عندما قسمها اللبنانيون إلي شطرين مسلم ومسيحي ، فربما يكون إهمال الطرفين المتحاربين لأمر نزع السلاح هو الذي سبب هذه المشكلة ، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي يفسّر ظاهرة التسلح في المدن ، فنقض المواثيق والتراجع عن العقود من قبل كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان في الخرطوم هي التي جعلت هذه الفصائل لا تتخلى عن سلاحها حتى وهي داخل ظل السلام ، عملية تجييش المجتمع وتغذيته بالسلاح بدأت مع حكومة الإنقاذ ، الكل قد حمل السلاح في يومٍ ما ، بما في ذلك الأطباء ، موظفي البنوك ، القضاة ،أئمة المساجد ، وغيرهم من رجال الخدمة المدنية ، إذاً ، الفصائل الموقعة على اتفاقيات السلام لا تتحمل وزر حمل السلاح لوحدها ، علينا أن نحاسب الكل في هذا الأمر ،فلنبدأ على سبيل المثال بمحاسبة منظمة الشهيد ، الدفاع الشعبي ، ونداء الجهاد والدبابين والاتحاد العام للطلاب السودانيين . فظاهرة تنامي السلاح الموازي لسلاح الدولة ظاهرة رعتها الإنقاذ عندما كانت تتشكك في ولاء الأجهزة القومية مثل الجيش والشرطة والأمن ، وقد قلّت هذه الظاهرة قليلاً بعد حملات الطرد والتطهير التي قام بها النظام في طوال سنوات حكمه ، لكن هذا لا يعني أن ظاهرة تغذية المجتمع بالسلاح قد انتهت ، بل ما يزيد في خطورة الوضع هو تسرّب السلاح النوعي الحكومي إلي مجموعات حزبية موالية وعشائر قبلية كما حدث في دارفور . في مدينة المهندسين بأمدرمان بدأ الأمر بمشاجرة بسيطة كتبت عنها الصحف الحكومية بلغة التحريض ، قليلاً سمعنا عن تحرش حركة تحرير السودان بالمواطنين المقيمين بالحي ، التحرك الثاني والذي تم بصورة مستفزة هو أمر الاعتقال ، بعدها لم نسمع شيئاً سوي صرير المجنزرات وهدير المصفحات وصوت قذائف (ألاربجي ) وهو يصم الآذان ، قامت قوات المغاوير الخاصة باستلهام النموذج الروسي في الشيشان عندما فجّرت المنزل فوق رؤوس ساكنيه ، حتى الجيش الإسرائيلي الذي يُضرب به المثل في البشاعة كان يقدم على إخلاء منازل الناشطين الذي يقاومونه قبل أن يشرع في هدمها ، لكن الحرب في السودان من المستحيل أن تضع لها حدوداً أو لوائح حمراء ، مات بعض المرضى ، من بينهم كانت هناك سيدة تشرف على تطبيب ابنها ، عملية صيد الرجال (Men Hunt) قد بدأت بالفعل ، جعلتني هذه العملية أتذكر النفير الذي قامت به المباحث الفدرالية الأمريكية في عام 2001 لتعقب مدبري هجمات الحادي عشر من سبتمبر .الرقم المتداول أن عدد المعتقلين وصل إلي مائة فرد ، هذه هي البداية (لصوملة ) الأزمة السودانية ، وشهود أبوجا لم ينبسوا ببنت شفة ، رد فعل النظام جاء قاسياً ومنظماً وكأنه ( يبل ورق اتفاقية أبوجا في الماء ليشربه ) ، ولم يعد أمام الأخ مناوي غير خيار واحد هو يعلمه ، وكلما تأخر في اتخاذ هذا القرار ضاقت الحلقة حول عنقه ، فهو غير مرحب به في الخرطوم طال الزمان أم قصر . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|