|
مجزرة المهندسين (الثانية ) والغياب المُريب للقضاء السوداني
|
مجزرة المهندسين (الثانية ) والغياب المُريب للقضاء السوداني
مائة عربة مصفحة ، سبعة دبابات ، لا نعلم العدد الحقيقي لقوام الجنود ، لكنه بالتأكيد رقم مهول ومنقطع النظير ، هذا من غير أن نشير إلي عدد رجال المخابرات الذين شاركوا في العملية ، بالإضافة إلي قوة الإسناد التي كانت تتمركز في كبري الفتيحاب وهي تنتظر شارة البدء ، سيارات الإسعاف والإخلاء الطبي تقلب الأرض وهي مسرعة ، تطلب من أصحاب المركبات إفساح الطريق ، القلق يساور مراسلي الصحف ، بعضهم ارتدى سترات واقية من الرصاص كُتب عليها بالخط العريض (Media) ، إجابات القادة العسكريين كانت مقتضبة لكنها توضح لنا بجلاء بأنهم على وشك خوض معركة كبيرة ، ظن بعض المواطنين ، بسبب العديد العسكري الهائل ، أن ثمة انقلاباً ضد النظام ، لكن هذا الشك ذهب بلا رجعة لأن هذه القوات كانت ترتدي زي الشرطة الموحدة ، يقول بعض العارفين ببواطن الأمور أن الدولة بصدد اعتقال شخصية سودانية رفضت الانصياع لأوامر الشرطة !!! هل كل هذا الجيش العرمرم من أجل اعتقال شخص واحد ؟؟؟ فكيف بهم إذا أرادوا اعتقال مجموعة من الناس ؟؟ظني بأنهم سوف ينشطون اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر ، أو على أسوأ الفروض يطلبون المساعدة من تنظيم القاعدة . بعض المفكرين والمحليين الاجتماعيين توصلوا إلي نظرية هامة ، فسّرت هذا الكم الهائل من القوات ، أن الدولة تسلمت بلاغات من بعض المواطنين في الحي ، الذين تضايقوا من الوجود المسلح لحركة تحرير السودان في حي المهندسين في أمدرمان ، هذا الوجود الذي لا يزيد عن حارسين فقط يقابله وجود يصل إلي عشرات الآلاف من الجنود المدججين بمختلف أنواع السلاح ، هذه الفرية تتراجع أمام المنطق عندما ننظر إلي السلاح الذي بحوزة الدولة على أساس أنه سلاح شرعي ومقنن ، من هنا يكمن الخطأ في القياس ، ومن المسلم به أن يكون سلاح الدولي شرعي ومقنن لكن ماذا نعني بمصلح الدولة ؟؟ فهل هي الدولة الحزبية التي حسمت توجهها نحو الإسلام والعروبة بقرار عسكري ؟؟ أم هي الدولة القومية التي يتساوى فيها الناس كأسنان المشط ؟؟ ،غير ذلك أن حكومة الإنقاذ هي أول من اعترف بالسلاح المحارب الذي يقف في وجه الدولة ، وقد أكدت ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة بالقول القاطع : نحن لا نفاوض إلا من يحمل في وجهنا السلاح !! أو بالقول أحياناً : نحن وصلنا للسلطة بقوة السلاح ومن أراد انتزاعنا منها ..عليه اللجوء للسلاح !! هذا التحريض والتصريحات الغير مسؤولة هي التي قادت السودان إلي هذا المنعطف الخطير ، نيفاشا وأبوجا والمحكمة الدولية هي إفرازات لهذا الواقع الكئيب الذي رسخوه بأيديهم ، وضربة حي المهندسين تثبت بالدليل القاطع بأننا لا زلنا في المربع الأول ، ولا زلنا على النهج القديم ، ونحن نعلم كيف تتعامل الدولة مع شكاوي المواطنين ، فقد رأينا صورتها الحضارية في مجزرتي بورتسودان وسوبا ، رأيناها كيف تقوم المعوج في أحداث خزان الحماداب ، قبل عامين أقدم بعض رعاع حزب المؤتمر الوطني على حرق مكتبة الجامعة الأهلية ، الخسارة قدّرها بعض الغيورين على ثروات الوطن بثلاثة مليارات جنيه ، لكن شرطتنا وقوات أمننا الرقيبة على ممتلكاتنا أين كانت ؟؟ ببساطة شديدة كانت قابعة بهدوء وتتفرج من خلال مكان بعيد كيف يحرق هؤلاء المجرمون ما يُعتبر في نظر القانون ثروة قومية هي ملك للجميع ، ثروة قيمتها تزيد كثيراً عن شرف ابن الموسيقار الرئاسي الذي روّعه – كما يقول إعلام الحكومة – منظر حارسين يحملان الأسلحة الخفيفة إذا صدقت الرواية الرسمية ، ثم إذا افترضنا أن السلاح الذي الآن في حوزة الإنقاذ هو سلاح شرعي ومبرر .. فما الذي يضمن لنا أن هذا السلاح يتم استخدامه وفقاً للقانون وعند الحاجة الضرورية ؟؟ تضرر الشعب السوداني كثيراً من السلاح الذي وقع في أيدي رجال الإنقاذ ، بهذا السلاح قُتل الطلاب في حرم الجامعات ، بهذا السلاح هُدمت قري بأكملها وأُحرقت على بكرة أبيها ، لن يحمي السلاح أحداً في السودان ، وهو خطر على الجميع سواء أكان في حوزة الحركات المسلحة أو في حوزة أجهزة الدولة السودانية ، القانون الذي يعامل الناس بمعيار واحد هو الذي يحمي الجميع من الظلم والبغي ، هذا القانون يجب علينا كلنا أن نشارك في صياغته وإعداده ، من خلال المؤسسات النيابية الحرة ، وعن طريق منظمات المجتمع المدني من كافة أرجاء السودان ، دستور السودان الحالي يزعم الدكتور الترابي أنه كتبه منفرداً من غير أن يستشير أحداً ، كل ما فعله أنه اختلى بنفسه لفترة تقل عن الشهر ، إذاً كما يقول الدكتور منصور خالد : أنه دستور رجل واحد ينم عن أسلوبه ، أما القوانين المطبقة فهي أشبه بجلباب الدراويش من كثرة التعديل والتغيير الذي يتم حسب المزاج ووفقاً للهوى ، رقعٌ كثيرة متناثرة على الجلباب الفضفاض تكشف عن حجم الفجوة الهائلة بين الأجهزة الأمنية ، وبين ما يُسمى بالقضاء السوداني ، وهو غائب دائماً في أحلك الظروف ، في مجزرة المهندسين الثانية قامت قوات الإنقاذ بتنفيذ أوامر الاعتقال والدهم والإعدام بالهدم في آن واحد من غير أن يكون هناك دور للقضاء السوداني ، حتى بعد تنفيذ اتفاقية نيفاشا ، وتوقيع اتفاقية أبوجا ، لازال مزاج الإنقاذ هو الذي يتحكم في قانون البلاد والعباد . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|