كان الوسط الإجتماعي يتندر على وزير دخل حكومة الوطنية الأخيرة ، في يوم الإحتفال دخل هذا الوزير وهو يحتذي ( شبشب ) ، ويلبس قميصاً خفيفاً من كثرة الغسل والكوي ، لا يغطي هذا القميص الكثير من العيوب ، فيمكن رؤية شريطي ( الفنيلة ) الداخلية ، وهما يمتدان في ظهره كالحيات حتى يختفيان في طية البنطلون العتيق . سأل بعض الشهود هذا الوزير الجديد : أنه يوم احتفال بالمنصب فلماذا لا ترتدي حلة تناسب المقام ؟؟ فرد عليهم : أعطوني شهر فقط .. وسوف لن تعرفوني بالفعل وافق( شن ) طبقه ، كان للوزير ما أراد ، يدهن نفسه كل يوم ( بالساونة ) ، كثرت الثياب عنده فأمتلأ الدولاب إلي الآخر ، فقد طلّق ذلك الشبشب اليتيم ، لم تعد شرائط ( الفنيلة الداخلية ) تتعرجان على ظهره كما يفعل النيلين الأبيض والأزرق عند ملتقى الخرطوم ، أما ذلك البنطلون اليتيم ، في بداية الأمر أصبح ممسحة ، ثم تلاشى وقتها بعد أن حلت الثياب الباريسية في مكانه ، بالفعل لم يعد الناس يعرفونه فقد تغيرت هيئة الرجل تماماً ، أو كما قال الشيخ فرح : كل يا كمي قبال فمي .وعلى الرغم أن السودان بلد فقير ، وتطحنه الكوارث والحروب ، إلا أن مظهر الوزراء في الحكومة يجعلك تحس بأنك في امريكا إبان موسم الإنتخابات ، ربطات عنق حمراء ، أحذية باريسية ، حُلة الوزير الواحد ثمنها ينقذ بيت من الغرق ، ويكسو عشرة مشردين ، لا أقول أنه سوف يُطعم الجياع فراخاً ، فقد سمعت وعداً من أحد الإنقاذيين يقول فيه : أن كل فقراء السودان في عام 2010 سوف يأكلون الدجاج !! ، لا أقول : موت يا حمار بعد أن تنمو النجيلة كما يقول إخوتنا المصريين ، لكن سؤالي هو : يا ترى ماذا يتناول الفقراء الآن في وجبات طعامهم ؟؟ سؤالي لهذا الوزير المفطور على حب الدجاج ، فبعد ثلاثة سنوات كما قال الشيخ فرح : أما هلك البعير أو مات الفقير أو قُبض الأمير قصة هذا الوزير الذي تحسنت أحواله ذكرتني بقصة أخرى لا تقل طرافة ، وزير متوالي كان يعيش في لندن ، رأيته مرة أو مرتين هناك وهو يشتم النظام هناك بأبشع الألفاظ ، ويتحسر على الديمقراطية المؤودة ، علمت أنه تقدم لوظيفة في إحدى المؤسسات الدولية ، فطلبت منه هذه المؤسسة شهادة خبرة وهي أن يكون قد شغل منصباً كبيراً له علاقة بالجمهور ، قفزت لرأس هذا المناضل فكرة جهنمية ، فمعروفٌ عن السودان أنه بلد يعج بالوزراء ، فإن زاحمك الناس في الإستوزار فالطريق سالكٌ إلي المستشارية ، لا يهم المنصب ، بل ما يهم هو الراتب الحسن والبدلات والمركز الإجتماعي ، كما أن التعيينات تأتي من القصر مباشرةً ، إذاً لا مشقة في خوض الإنتخابات العسيرة ، كما أن شغل المنصب غير مربوطٍ بسقف زمني اللهم إلا إذا أدركك الموت ، كما أنك غير محاسب في حالة التقصير ، لا قدر الله ووقع ذلك ، فمصيرك إلا وزارة أخرى ، كالاسكندر الأكبر ، من نصر إلي نصر حتى لقي ربه ، هذا المناضل اللندني ولج إلي الوزارة وهو يمتطي حصان ( التوالي ) الذي صنعه الدكتور الترابي ، فجمع بعض الشعارات مثل أن الوطن في حاجةٍ إلي بنيه لأنه يتعرض للإستهداف ، فلذلك جاء داخلاً وهو يدفعه الحس الوطني وتقتله الرغبة العارمة في خدمة السودان ، لكنه قبل أن يغادر عاصمة الضباب أرسل برقية إلي المؤسسة الدولية التي كان ينوي العمل بها ، الرسالة كانت مختصرة : شهادة الخبرة سوف تصلكم بعد ستة أشهر ، إذاً صاحبنا لم يضيع ( البكار على طحال ) كما يقول المثل العربي ، وفي دنيا المال علمونا كيف نوزع المخاطر بشكل دقيق حتى نفوز بأفضل الفرص . عاد صاحبنا إلي الخرطوم من بوابة كبار الزوار ، حفل الإستقبال كان جيداً ، الحضور كانوا في أحسن أُبهتهم ، أنصتوا له وهو يتكلم عن حجم المؤامرة التي رآها تُحاك ضد الوطن في الخارج ، فجاء إلي السودان بعد أن قرأ نداء القائد في الصحف : الوطن في حاجةٍ لكم ،فلبى النداء لأنه كره حياة الفرقة والشتات ، كما نوه بأنه فعل ذلك ليس بناءً على مصلحة شخصية ، فهو رجل عاش على المبادئ منذ نعومة أظفاره ، صفق له الحضور تصفيقاً حاداً ، فصاحبنا له صوت مميز ، يجعلك تحس بأنه صادق حتى ولو كان يكذب ويتحرى الكذب ، ملأت صوره أعمدة الصحف ، فدار همس في الكواليس مثل كيف يُمكن أن نستفيد منه ؟؟ أجتمع علية القوم في ركن قصى ، بعيداً عن الأعين تم إتخاذ قرار بتنصيبه وزيراً ، فالأمر لم يكن يحتاج إلي أكثر من قلم وورقة ، وبيان تقرأه المذيعة في نشرة الساعة العاشرة ، كان لصاحبنا ما أراده ، أصبح وزيراً بحق وحقيقة ، لم تسعه الدنيا من شدة الفرح ، جاب الأقطار في أيام ، يتنقل كالعصفور من غصن إلي غصن ، حاول ان يعطي نفسه ( كاريزما) وهو يتحدث في المؤتمرات الصحفية ، صوت خافض رقيق ، ويحشر بين الكلمات المنهمرة لفظة إنجليزية ، تجعلك مشدوهاً بحضور ذهنية المتكلم ، نسى صاحبنا كل العالم الذي تركه خلفه لكن هناك من لم ينساه ، في الغرب يتعلم الناس معنى المواعيد في الإنضباط والسلوك في العمل ، موظفة بريد في مؤسسة دولية عثرت على البرقية التي بعثها صاحبنا قبل أن يلج إلي الوزارة ، فقد وعد هذه المؤسسة- كما أسلفنا - بأنه سوف يعطيها شهادة خبرة في مدة أقصاها ستة أشهر ، قامت السكرتيرة ، المهمومة بالعمل ، بالإتصال على الرقم المكتوب في البرقية ، لم يجاوبها أحد على الخط ، قامت بإرسال رسالة بريدية مسجلة ، فعادت إليها الرسالة المسجلة لعدم معرفة عنوان المُرسل إليه ، فأحتارت ..يا ترى أين أختفى هذا الرجل ؟؟ ، فالرجل قد نسي الموعد ، بالأحرى لم يكن في حاجةٍ إليه ، أنه مشغول في العالم الجديد ، فقد خابت توقعاته ، الستة أشهر لم تكن كافية لقياس خبرته ، ولا زال صاحبنا يتعلم كل يوم درساً جديداً من دروس الحياة وهو يعمل بقول الشاعر : قد يدرك المتأني بعض حاجته .. ... .. وقد يكون مع المستعجل الذلل
Quote: يدهن نفسه كل يوم ( بالساونة ) ، كثرت الثياب عنده فأمتلأ الدولاب إلي الآخر ، فقد طلّق ذلك الشبشب اليتيم ، لم تعد شرائط ( الفنيلة الداخلية ) تتعرجان على ظهره
و الله يجازى الوزارة و السفارة و الامارة ! و ال كان السبب !
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة