|
عدد القتلى في دارفور وفقاً لتصور الإنقاذ
|
عدد القتلى في حرب دارفور
المتابع للإعلام الحكومي في الآونة الأخيرة لا يخفي عليه حرص الدولة علي تسويق لغة الأرقام للمواطن السوداني ، وهي لغة محببة وناعمة لدي البعض ، لأنها تعكس التطلعات والطموحات لأهل الإنقاذ ، فهم يريدون أن يثبتوا أنهم أفضل من غيرهم ، ومن منحي آخر يريدون إثبات حسناتهم علي الشعب السوداني ، سابقاً ، كانت مقارنة الأرقام تتم بين حقبتين ، حقبة ما قبل الإنقاذ ، وحقبة ما بعدها والتي راجت فيها المقولة الشهيرة للعميد صلاح كرار : لولا الإنقاذ لوصل سعر الدولار إلي عشرين جنيهاً ، هذه المقولة تحوّلت لنكته بعد أن أصبحت قيمة جنيهنا في مهب الريح ، كل يوم في تراجع وتقهقر حتى أنجبت لنا المخيلة الإنقاذية ابتكاراً يسد أفق السماء ، فإن تعثر الجنيه في مشيته فلنجرّب حظنا مع ( الدينار ) ، فربما تسير الأحوال نحن الأفضل ، خاصة إذا علمنا إن كل أمة تتنكر لماضيها يغيب نجمها في سماء الحضارة ، لكن الدينار المتبوع بسياسة العودة إلي الجذور لم يكن أسعد حظاً من الجنيه ، تقهقر هو أيضاً إلي الوراء . تنوعت الإحصائيات في عهد الإنقاذ وشملت كل مناحي الحياة ، فهناك إحصائية خاصة للذين دخلوا الجنة من بوابة حرب الجنوب ، إذاً لم يقتصر الأمر علي مقاييس دنيوية تتغير كل يوم ، فطرقنا حتى أبواب الغيب وخضنا في متاهات طويلة ، من أجل ماذا ؟؟ من أجل أن نثبت أن الإنقاذ أفضل من غيرها !! وهناك من قال أن السودان لم يحقق استقلاله عن العرش البريطاني في عام 56 ، ذلك الحدث اسماه البعض نوعاً من الاستقلال السياسي وليس السيادي ، أما الاستقلال الحقيقي لأهل السودان قد بدأ في عام 1989م ، بعد تفجّر ثورة الإنقاذ وغارة ضباط الإنقاذ علي مؤسسات الحكم المدني وإزاحتهم للديمقراطية ، هذا هو الاستقلال الحقيقي لأنه ربط برامج الأرض مع برامج السماء ، فهو استقلال العزة والكرامة الذي ملّك القرار لأهل السودان ونسف نظرية الارتهان للأجنبي ، هذه هي نظريات الإنقاذ والتي سقطت الواحدة تلو الأخرى ، وما فعلته الإنقاذ في أهل السودان أخفقت فيه دول كبري حكت السودان كنا نحسبها عدوة ومستعمرة ، فالمستعمر الإنجليزي عندما رحل لم يكلفنا 300 ألف قتيل كما فعلت الإنقاذ في دارفور ، ولم يشرِّد 3.50 مليون من ديارهم ، والسودان أصبح مائدةً للمدعوين في مجلس الأمن ، والشغل الشاغل للمندوبين الدوليين والذين يروحون ويجيئون إلي السودان ويناقشون مع رجال الإنقاذ أزماتنا الداخلية المعلقة ويساعدوننا في الوصول إلي الحل ، هذا هو السودان بعد يونيو 89 ، فساد مستشر يأكل في أوصال الدولة ، وظلمُ كبير وقع علي البعيد والقريب ، وحادثة الموردة الأخيرة وعملية تبادل الأسري بين حركة تحرير السودان وحكومة الإنقاذ كشفت أن السودان ينتظر فصلاً كبيراً من الفوضى ، لن يكون قاصراً هذه المرة علي أهل البقاع النائية ، فالعاصمة الخرطوم طوال السنين الماضية عاشت آمنة من كل سوء ، ويكفينا من سوء أحوال الخرطوم أن الصحفي محمد طه محمد أحمد أُخذ من بين عياله واُقتيد إلي مكان مجهول وقُتل ببشاعة ولا زال قاتله طليق السراح وسط تردد النظام في كشف وجه الجناة ، فالنظام الذي عجز عن حماية عنق محمد طه وهو الرجل الذي وقف مع الإنقاذ منذ أول نشأتها فكيف يمكنه حماية الأسر المرعوبة في دار السلام والحاج يوسف وأمبدة ؟؟؟ بالفعل ، يحرص الإعلام السوداني علي تدبيج نشرات الأخبار بالحقائق والأرقام ، عن حجم الاستثمارات الأجنبية وعن مستوي تدفق النفط السوداني علي موانئ التصدير ، صورة وردية وجميلة ونحن نشاهد السيد/رئيس الجمهورية وهو يفتح صنبور النفط المتدفق ، لكن هذه الصورة الوردية تهتز وتخرج من إطارها عندما نسمعه يتناول في تصريحاته عدد الضحايا الذين سقطوا في دارفور من جراء حملة الأنفال الثانية بقيادة الجنجويد ، الإحصائيات الرسمية تحدد صيغة الأموال وحجمها وسرعة تداولها في أيادي الناس وقيمة سهم سوداتيل في البورصة ، أما حياة الناس ودمائهم فهي أمور متروكة للقضاء والقدر ، المنظمات الإنسانية قدّرت عدد القتلى في دارفور ما بين 200 ألف إلي 300 ألف قتيل ، ووفقاً لنظرية الإنقاذ أن عدد القتلى يراوح ما بين 10% إلي 20% من قيمة الأرقام التي تتداولها المنظمات الإنسانية ، رغم أن هذه النظرية ارتجالية وغير مبنية علي أساس علمي إلا أنها ترسم لنا تصوّر الجاني لمشهد الجريمة ، عدد القتلى وفقاً لتقديرات الإنقاذ هو ما بين 30 ألف إلي 45 ألف قتيل وهو عدد قليل كما تتصوّر الإنقاذ ولا يحتاج لكل هذه الضجة ، أنه تبخيس لحياة الناس واستهانة بدمائهم ، فموت إنسان واحد من المفترض أن يثير فزع الجميع ، وعلي الرغم من كثرة المراكز البحثية في الخرطوم وتعدد أشكالها من محلية ودولية وقارية وإيمانية إلا أن عدد ضحايانا في دارفور ظل مجهولاً ومستصعباً ، لا أحد يريد دراسة هذه الكارثة بوجه مستقل وعندما تعرض المنظمات الإنسانية إحصائياتها التي تصل إليها عن طريق معايشتها لحال الناس هناك يكثر خبراء التكذيب والتفنيد ، من المكاتب الفاخرة المملوءة ( بفريون ) أجهزة التكييف ينكرون وقوع جرائم وقعت علي بعد آلاف الأميال من مكاتبهم ، ينكرون ذلك ليس لأنهم خائفين من المساءلة القانونية ، بل هم يرون إن إنسان دارفور لا يستحق الحياة التي منحها له الله رب العالمين ، فإن كانوا يستكثرون عليه حياته ، وهي حياة مملوءة بشظف العيش والبؤس ، فليس غريباً أن يحركهم الغضب وهم يرون المجتمع الدولي وهو يهب لمساعدتهم وحمايتهم من بطش المليشيات ، فمتي يشعر بالبعض بقيمة حياة الآخرين وأن الإنسان الذي خلقه الله وُلد حراً قبل أن يستعبده الآخرون ؟؟
|
|
|
|
|
|