|
الشعلة ..السينما الهندية أيام زمان
|
في ذلك الزمن ، كان عندما تفتح أوراق الصحيفة اليومية ، تجد إعلاناً تحت اسم أين تسهر اليوم ؟؟ سينما الوطنية أمدرمان ، الوطنية بحري ، كلوزيوم ، العرضة ، بانت ، الحلفايا ، وسينما النخبة النيل الأزرق والتي أرتبط إسمها بطلاب جامعة الخرطوم ، كانت دور السينما تروّج لأفلامها بصورة جاذبة ، فالفلم الهندي يُوصف بالتحفة الهندية الرائعة ..غناء ..رقص ..ضرب من البداية حتى النهاية ، أما أفلام (Action) فيُطلق عليها إسم أفلام الجاسوسية ، ومن أفلام (wild West) عرفنا جاك بلانس وجون أوين وكيرك دوغلاس ، ومن أفلام المطاردة عرفنا شارلز برونسون وروجر مور ، كانت السينمات تنشر مادتها في الورقة الأخيرة من الصحف اليومية ، هذا قبل أن يطل علينا شبح المشروع الحضاري الذي جعل السودانيون يغلقون أبوابهم من السابعة مساءً ، ولم تعد التحفة الهندية الرائعة إلي مكانها الصحيح ، فبدلاً منها أصبحنا نجد في الصحف صور الساسة الذين يبشروننا بثقافة الموت والدمار ، وقد أمتلأت الوريقات العجاف بكلمات الرثاء والنعي والحزن لمن فقدناهم في هذه الحروب اللعينة ، والصفحة الأخيرة قد أمتلأت بإعلانات بنك السودان وهو يعلن آخر موعد لتقديم عطاء شراء الورق أو الأثاث المنزلي . كانت السينما تشعرنا بوجود نقلة نوعية في حياتنا عند آخر الأسبوع والذي ننتظره بفارغ الصبر ، فليس صحيحاً أن الشعب السوداني متطرف دينياً ويكره أن يعيش الحياة كما هي عليه وليس كما هو مطلوب منه كما يقول صُناع الإنسان الجديد ، كنا نتفاعل مع الأفلام الهندية ، فيها كنا نجد قصص الحب والوفاء والشجاعة ، يتعاطف الناس مع البطل بالتصفيق ، ويمقتون " الخائن " Villain ويهتفون في وجهه بالصفير الداوي ، ويكره الجمهور الخاتمة التي تنتهي بموت البطل ، فالسينما الهندية كانت تدعو إلي القيم الجميلة ، الحب والتفاني وإحترام الأسرة والقانون ونبذ الأشرار والفاسدين ، شاهدت أكثر من مرة فلم " الشعلة " الذي أنتجته بوليود عام 1975 والذي أستغرق إنتاجه أكثر من عامين ، حياة النجوم الذين لعبوا الأدوار في هذا الفلم أصبحت أسطورة يتناولها ناس من زمن إلي زمن ، تزوج دهرامندر من هيمامليني ، وتزوج أميتاب باتشان من جيا بهادوري ، أما المكان الذي دارت فيه أحداث الفلم (SET) بالقرب من بلدة بنقلور فقد تحول إلي مزار سياحي يؤمه الناس ، لازالت الشعلة حية في أذهان الذين شاهدوها ، قبل عدة سنوات رشحت قناة البي بي سي فلم الشعلة إلي جائزة الألفية الثالثة ، فقد عُرض هذا الفلم لمدة 286 أسبوعاً متوالية في دور العرض الهندية . الشعلة يتحدث عن قصة (Rampage) في المجتمعات الريفية النائية ، فقدم قام الشقي جبار سنج بفرض الأتاوة على الفقراء ، كما أنه نكّل بالمفتش ثاكور بقطع ذراعيه وقتل كافة أفراد أسرته ، عقد المفتش ثاكور صفقة مع شقيين من الصنف الذي نطلق عليه "Soft criminal" ، بموجبها يقومان بمواجهة الشقي جبار سنج ، يعيش الشقيين في البلدة الصغيرة ، حياة بسيطة ، برئية ، لم يألفاها من قبل ، يدخلان في صدام مع الشقي جبار ، وقد نجح الراحل أمجد خان في تمثيل هذا الدور ، كنت أغالب البكاء عندما أراه يأمر هيماليني بأن ترقص كي لا يقتل حبيبها ، ترقص وهي تغالب الإجهاد ، فيطلب جبار القاسي من مساعده "أروساما " بأن يلقي قناني الخمر تحت أقدامها ليعجزها عن الرقص ، فترقص بعد كل ذلك والدم يسيل من قدميها . قمة الوفاء تتجلى عندما يقترع الصديقان على الموت ..أيهما يذهب لطلب النجدة أو البقاء في خندق المقاومة لمواجهة جبار وعصابته ، يستخدم (Jiadev ) وهو إسم أميتاب باتشان في الفلم ، يستخدم قطعة نقود مغشوشة حتى يفدي صديقه (Veeru) دهرامندر . و الذي عندما يعود يجده في النزع الأخير . ما أريد أن أكتب عنه ليس فصول فلم الشعلة كاملةً ، بل أخص بالتعليق النهايتين لهذا الفلم ، ففي النهاية الأولى ظهر المفتش ثاكور وهو يقوم بالإنتقام من جبار سنج عن طريق الدوس على ذراعيه عن طريق حذاء مملوء بالمسامير خصصه لمثل هذا اليوم ، هذا المشهد أحدث ضجة في الأوساط الحكومية ، لأنه أظهر رجل الشرطة هو يأخذ القانون بيديه ، وهذا شيء مرفوض حتى ولو من باب الخيال ، فعمدت بوليود إلي تغيير الخاتمة ، فظهر المفتش ثاكور وهو يقوم بالقبض على المجرم جبار ويسلمه للدولة . هكذا يحافظ الهنود على هيبة الدولة والقانون ، ليس كما يحدث في السودان ، فنحن هنا لا نجنح إلي خيال بوليوود الواسع في رصد الوقائع ،لأننا نعيش الواقع كما في الأفلام ، في أيام الإنقاذ الأولى شاهدت مسرحية عن الدبابين ، ظهر فيها الدباب المجاهد وهو يقتل بشراسة أعدائه من " الطرف الآخر " ، وعندما فرغت ذخيرته أستل سيفه وبدأ يصيح الله أكبر في وجه خصومه من " الطرف الآخر " ، وقد عمل فيهم قتلاً وذبحاً وسط تهليل الحاضرين ، لذلك قلت لكم بأننا نعيش واقعاً أغرب من الخيال ، فقد قضت ثقافة الموت على ثقافة الحياة . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|