|
الشعب السوداني بين خيارات السيدة/رايز وخيارات الإنقاذ
|
الشعب السوداني بين خيارات السيدة/رايز وخيارات الإنقاذ
السيدة رايز تختلف عن كل المسؤولين المحيطين بالرئيس الأمريكي جورج بوش ، و غير أنها تُعتبر رمزاً لنجاح السود في الولايات المتحدة في تبوء المناصب الهامة ، فهي أيضاً تحمل إرثاً من الخبرة المتراكمة ، منذ أيام القطبين قبل عقد ونيف من الزمان ، من مستشارة الأمن القومي إلي وزيرة الخارجية هذا ما نسميه قفزٌ بالزانة في الثقافة الشرق الأوسطية ، وإذا افترضنا أن السودان هو مهد السود الحقيقيين في القارة الأفريقية ، فكم تطلب منا الوقت وإلي كم احتجنا من الدماء ليصل الدكتور لام أكول إلي وزارة الخارجية السودانية ؟؟ وهو منصب محاط بعدد كبير من فائض عمالة المستشارين الرئاسيين الذين أقصتهم اتفاقية ، فبقوا في المقاعد الخلفية وهم مغلوبين علي أمرهم ، وهو لا يشبه منصب السيدة/رايز والتي تتمتع باستقلالية كبيرة في اتخاذ القرار ، بفضل خبرتها وتعليمها العالي وطموحها الكبير الذي أوصلها إلي هذا المطاف ، ولم يثني عزمها أنها امرأة سوداء في مجتمع كانت تهيمن عليه ثقافة العرق الأبيض ، وأقل حجة يُمكن أن تُرفع في وجهها أن يُقال لها : أرجعي من حيث أتيت في غابات أفريقيا ، وقد جلبناكم قي يوم ما من أجل زراعة القطن ، ولقد استغنينا عن خدماتكم الآن بسبب تطور التكنولوجيا الزراعية !!! هذا الرد العنصري يمكن أن تجده في السودان ، ولا يمكن أن تجده بهذه الصورة الفاحشة في الولايات المتحدة ، لكن إصرار السود وتعلمهم ونضالهم هو الذي حقق لهم ما يرجوه ، فالسيدة/رايز كانت تحلم بوظيفة معلمة موسيقي في الكنيسة ، لكن هناك نظام اجتماعي عادل أخذ بيدها بعيداً عن هذا الحلم المتواضع ، إلي حلمٍ كبير وهو منصب وزيرة الخارجية لأقوى دولة في العالم ، ومع ذلك لا أنظر إلي نجاح السيدة رايز علي أن السبب فيه هو عدالة الفرص في أمريكا ، ولكنني أنظر إليه كحصاد أصيل زرعه مالكوم أكس ومارتن لوثر كنج ومحمد كلاى وإبراهام لنكولن وغيرهم من محبي الإنسانية ، الرئيس بوش يعجبه نشاط السيدة /رايز وحركتها الكثيفة لنقل وجهة نظر الولايات المتحدة ، في عالم يكسوه جوه الإرهاب وتضاءلت فيه الفرص بميلاد قطب جديد ، يريح الولايات المتحدة ولو قليلاً من عنت تسيد العالم . (( علي دول العالم أن تختار بين أمريكا أو الإرهاب )) ، مقولةٌ تفوه بها الرئيس الأمريكي في خطاب عام ، وهو مملوء بغضب شديد وحنق زائد بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، هذه المقولة كتبتها السيدة/رايز ، وجاء الحصاد الأمريكي في ميعاده ، فاستطاعت الولايات المتحدة أن توّظف كل دول العالم لمحاربة الإرهاب ، ومن بين هذه الدول ، كانت هناك دولة تستحق الدراسة والتأمل ، دولة تجعل النشء الصغار في المدارس ينشدون أمريكا روسيا قد دنا عذابها دولة يتشدق رموزها في الميادين العامة فيستحثون الشباب علي الموت والاستشهاد ومحاربة الشيطان الأكبر ، ولكنها سقطت في قنة البيض الأمريكي وهو خائرة ذليلة ، ومستعدة للتعاون إلي أبعد الحدود ، حتى لو تطلب ذلك أن تصبح عيوناً وآذاناً للمخابرات الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي . الآن ، عادت ( حليمة إلي قديمة ) ، وكررت السيدة/رايز من لهجتها المتحدية ، وتذّكر نظام الخرطوم بأمر تناساه دائماً ، أن سلام نيفاشا كان إرادة أمريكية في المقام الأول ، وبفضل الضغوط ، وتوقيع قانون سلام السودان من الكونغرس جلس الشريكان فوق طاولة الحوار ، ووافقا علي تقاسم السلطة والثروة بالشكل الذي أشارت إليه اتفاقية نيفاشا ، وهذا الاتفاق كما قال الصادق المهدي فارغ من المحتوى الشعبي لأنه ثنائي عرض القسمة بين طرفين فقط من الأمة السودانية ، هما المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ، لذلك كان هذا الاتفاق هشاً وعرضة للتهدم من قبل الطرفين ، وقد قالها الدكتور إبراهيم أحمد عمر ، أن حكومته سوف تعتبر اتفاق نيفاشا لاغياً إذا أيّدت الحركة الشعبية نشر قوات دولية في دارفور ، إذاً ، ليست الولايات المتحدة وحدها هي الدولة المعنية بفرض خياراتها علي دول العالم ، حتى حزب المؤتمر الوطني يستمرئ هذه السياسة ، فهو من أجل أن يدخل حرب دارفور ضد القوات الأممية عليه أن يفتح جبهتين للقتال ، جبهة في داخل الخرطوم عن طريق تكوين فرق للموت تقوم بقتل كل الذين يؤيدون المساعي الإنسانية للأمم المتحدة في دارفور ، وهناك تصريح موثق لشخصية أمنية حكومية رفيعة المستوي بهذا الخصوص ، أما الجبهة الثانية فهي أرض الجنوب ، ويتم ذلك عبر التراجع عن اتفاق نيفاشا ، والقارئ الجيد للسيناريوهات التي ترسمها الإنقاذ للسودان يلحظ أمراً واحداً ، إن الإنقاذ تريد إغراق البلاد في حالةٍ من الفوضى والسباحة فوق شلالات الدم ، فهي الآن تخيّر الحركة الشعبية بين الانحياز لها بالكامل وبين التراجع عن اتفاق نيفاشا ، وفي نفس الوقت ، تخيّر كافة أطياف الشعب السوداني بين الفوضى العارمة وبين القبول بها كممثل وحيد في هذا المأزق ، وسط هذين الخيارين يبرز خيار ثالث ، وهو خيار السيدة رايز ، وهو خيار معززٌ بالوعد والوعيد ، ولأول مرة تستخدم السيدة/رايز عبارة النظام (regime) بدلاً من الحكومة السودانية ، مما يولد انطباعاً أن الوعد ربما يصبح حقيقة ، خاصةً وأنها تحدثت عن نتائج تمس النظام وحده ، وطلبت رايز من المجتمع الدولي إبلاغ نظام الخرطوم بهذه العواقب ، ومن بين الإشارات الغامضة التي أطلقتها رايز هو القبول الغير مشروط للقوات الأممية في دارفور وإلا سوف يُفرض حظراً دولياً علي السودان ، خرج الكلام من ( الحوش ) كما يقول المثل السوداني ، هناك خيارات متصارعة في الساحة السودانية ، ولكن ليس من بينها خيار الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب السوداني ، الذين يشاهدون الآن مسلسلاً مكسيكياً طويل الحلقات ، و قد فاجأت السيدة/رايز الجميع ببثها للحلقة الختامية في فاصل الإعلانات ، فهل يدفع الحصار الدولي الإنقاذ لإشراك كافة فصائل الشعب السوداني من أجل الوصول إلي بر الأمان ؟؟؟ أم أنها سوف تتصلب في المواقف وتصر علي المواجهة فتُحرق كافة أشجار البستان من غير أن يستفيد منها أحد ؟؟ سارة عيسي
|
|
|
|
|
|