دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
السودان والبنوك
|
السودان والبنوك
فرحة طاغية عمت في القلوب ، وسرور لا يقطعه صوت البؤس والشقاء ، قرر القطريون دخول النادي الاقتصادي السوداني ، مليار دولار هي رأس مال البنك الجديد ، بنوك ناعمة الملمس تجاور ضفاف النيلين ، زجاج ملون وبراق يجعل عيون القطط تضئ في وضح النهار ، غير بعيد عن هذه البنوك المخملية لن تحتاج إلي عناء لقياس بؤس المواطن السوداني ، مصانع معطلة ، والزراعة تحولت إلي حرفة منبوذة ، والفقر قد دهس الناس بكلكله ، فيا ترى في أي مجال سوف تعمل هذه البنوك الوافدة ؟؟ لن يحتاج الأمر إلي عناء في البحث ، سوف تتاجر هذه البنوك في قوت الشعب السوداني ، لأنها سوف تعمل في تمويل المضاربات على شراء الدقيق والسكر والكساء والدواء ، ومن يغتني من هذه البنوك ليس شيخ أحمد أو حاج أبكر ، بل سوف يستفيد من خيرها أصحاب الجاه والسلطان ، والذين هتفوا أمام القطريين بالتهليل والتكبير ، فالبنوك في السودان ليست قومية ، فهي ترتبط بالسياسة كما يرتبط العشب بالماء ، وهي متورطة في معاناة الشعب السوداني ، وقد أفسدت من خلال عملها الكثير من الأنشطة الحيوية في السودان مثل الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية، وفي حرب الجنوب الأخيرة ساهمت البنوك في إعداد الجيش وتسليم قوائم المتطوعين ، ( فسيد شباب البنوك ) إذا صحت التسمية استخدم البندقية شعاراً له ، فانسحاب كتلة البنوك المسماة إسلامية من أرض الجنوب هو انسحاب سياسي قبل أن تتذرع إدارات هذه البنوك بحجة أن التمويل الإسلامي غير مسموح به في الجنوب !! ليس هذا هو السبب الحقيقي ، فهذه البنوك في السابق كانت تعتمد في عائداتها على النشاط الحربي لجيش الإنقاذ ، وكانت تجني أرباح طائلة بسبب غياب الشفافية ، هذا الوضع قد تغير الآن ، فحكومة الجنوب على الرغم من حداثة تجربتها إلا أنها حكومة مؤسسات ، وكلنا رأينا الموقف الحاسم للقائد سلفاكير فيما يخص الفساد ، والحمد لله أن هذه البنوك السرطانية انسحبت من أرض الجنوب ، فهي لم تبني المستشفيات ، أو كانت تقدم الخبز والدواء وتوفر المساكن للذين شرّدتهم الحرب وكواهم الترحال والهجير ، وأتمنى أن يأتي يوم وتنسحب فيه هذه البنوك من حياة المواطن الشمالي ، لتدعه يعيش حراً من شرورها ونزواتها . قبل أيام سرت فضيحة في أرض الكنانة كشفها وزير السياحة المصري ، سماسرة قطريين قاموا بشراء أراضي في سيناء لصالح رجال أعمال إسرائيليين !! إذاً هذا النوع من الرساميل ليس مطلوباً منا أن نفرح به ونعقد عليه الآمال العريضة ، هو رأسمال مبني على الغدر والخيانة ، وفي نفس الوقت أن هذا النوع من الاستثمار الوافد ينعكس خيراً وبركةً على حزب المؤتمر الوطني ، فالسودان ، هذا الوطن الشاسع ، في نظر هذا الحزب الانتهازي لا يزيد عن كونه مجرد مزرعة صغيرة ، مُكرسة بالكامل ، لتوريد الغلة للقطط السمان في حي ( كافوري ) و ( يثرب )، نعم ، السودان الآن أشبه بالوضع في أمريكا في عهد الكشوفات الجغرافية ، الكثير من هؤلاء المغامرين سوف يفدون إلي السودان تحت مسمى تدفق الاستثمار الأجنبي ، وسوف ينتعش سوق غسيل الأموال والصفقات المشبوهة . غير هذا المليار دولار والذي أتى متخفياً في عباءة القطريين ، هنالك إحصائيات واقعية في السودان لا يريد أحداً حتى فكرة التطرق إليها ، مثل اجتياح مرض السحائي لولاية الجزيرة ، أو هاجس آخر لا يقل خطورة عن ما سبق ، ازدياد حالات الإصابة بمرض نقص المناعة في ولاية كسلا ، وقبل أيام عرفت أن بعض منسوبي القوات المسلحة قد أغلقوا الحركة في كبري كوستي ، كوسيلة ضغط مبتكرة من أجل المطالبة بحقوقهم ، هذه الصور من الصراع ، بين الدولة والهامش ، وبين الهامش والأوبئة والأمراض ، هذه الصور لن تجدها في تلفزيون الفضائية السودانية الناعم .السودان الآن يقف على برميل بارود ، يريد فقط من يشعل الشرارة الأولى حتى يحطم السودان الرقم القياسي في قتلى الحروب الأهلية . ونحن صغار في السن ، عندما نرى الغراب ينعق ، كنا نقول : الغراب .. سف التراب حليمة ماتت ( سجم ) بناتك كنا نتشاءم من نعيق الغراب ونعتبره نذير شؤم ، كنا نتمنى أن يحل الخراب على الغراب بموت زوجته وبناته ، ويا خوفي على أهل السودان من هذا المال الخبيث القادم من الخارج ، مال مثل نعيق الغراب ، لن تجده ساعة الحاجة ، فهو مال ثمين وعزيز ، لا يطعم جائعاً في دارفور ، ولا يفرج كربة مواطن في قلب الخرطوم لا يملك أجرة الجرّاح ، سوف يظل هذا المال يلمع في شكل عمارات وأبراج في قلب الخرطوم ، أما علاقته بالمواطن السوداني فهي صفر ، السودان الآن ضيعة يتهافت عليها الانتهازيون من كل مكان ، يأتي كل ذلك وسط صيحات التفاؤل ، رجال المؤتمر الوطني يعيشون حياتهم بشجاعة من لا يخاف الموت ، أو يرجى بعثاً أو عقاباً . كنت من الذين كتبوا كثيراً عن أزمة دارفور ، تاريخها تداعياتها مأساة الناس هناك ، أزمة دارفور هي معاناة إنسانية قبل أن تكون قضية سياسية لها أبعاد وظلال عالمية ، وعندما كنت أرى رجال المؤتمر الوطني وهم يتعاهدون في الميادين العامة ، يتلفظون ( بالقسم ) المؤكد ، يقررون مفارقة زوجاتهم ، حتى لا تدخل القوات الأممية إلي أرض دارفور ، لكن التمنع والصدود ثم الرضوخ ليس من شيم النساء كما ينبغي ، بل هو صفة لاحقت رجال الإنقاذ منذ صدور القرار الأممي رقم 1590، يهيجون الشارع ، يدعون إلي الجهاد ، يملون شوارع الخرطوم ضجيجاً وصخباً ، وفي آخر المطاف يرضخون لسياسة الأمر الواقع ، ويفتحون الثغرات في جدار الرفض الذي بنوه . السودان ليس في حاجةٍ إلي بنوك جديدة ، فنحن بلاد على الرغم من فقرها لها عدد من البنوك يكاد يفوق بنوك الخليج كافة ، فبلد بها أكثر من أربعة ملايين مشرد ، وألفين قرية مدمرة ، وأكثر من نصف مليون قتيل ، فيا ترى من الذكي الذي يفتتح بنكاً وهو لا يرى كل هذه الكوارث ؟؟ سارة عيسي
|
|
|
|
|
|
|
|
|