|
السودان : هواجس الوحدة ومخاوف الإنفصال
|
هواجس الوحدة ومخاوف الإنفصال
لو خُيّر أبناء الشعب السوداني بين الذهاب إلي الجحيم أوالعودة إلي مقتبل تسعينات القرن الماضي ، لأختار الجميع وبلا إستثناء عدم العودة إلي تلك الحقبة من تاريخنا السوداني ، حيث ساد القهر والظلم في كل بقاع البلاد ، وطاحونة الحرب داست بكلكلها على ظهر الشعب السوداني ، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، ومن يقف ضد تيار الحرب فهو خائن وعميل ومرتزق ، قليلٌ من الناس كبلتهم القناعات ، وصنف نادر من أبناء السودان وقف ضد بطش النظام وظلمه ، تحدث أستاذنا الحبر يوسف نور الدايم عن التعذيب ، في ندوةٍ أقيمت بالقرب من (ظهر الثور ) شمال كلية الآداب بجامعة الخرطوم . قال إن الإسلام ينهي عن التعذيب حتى ولو كانت الضحية مجرد هرة صغيرة لها مواء ، دخلت راعيتها النار لأنها لم تطعمها ثم حبستها مما منعها من الإقتئات علي خشاش الأرض . على ما أذكر قامت ثورة في وجه بروفيسور الحبر والذي يعتبر مثالاً في الإتزان السياسي ، وهو أحد أعمدة الثقافة والفكر في السودان ، وخلافنا السياسي معه لا يمنعنا أن نعطيه حقه ، أصدر الإتجاه الإسلامي في جامعة الخرطوم فتوى أذكر منها ، أن الفرق بين القطة والإنسان هو أن القطة لا تتعاطى طعام السياسة والذي يُعتبر محرماً بالنسبة لبني البشر ، ولذلك أستوجبت العذر والعفو من العقوبة ، أما الشيوعيين وسدنة الطابور الخامس ، وهذا اسم كان النظام يطلقه على كل من عارضه في ذلك الوقت ، هؤلاء إنشاء الله لن يجدوننا في موقف أضعف الإيمان ، ثم ما الضير في التعذيب ، فسيدنا علي ، عليه رضوان الله قد أستنطق جارية اسمها (بريرة ) ...بغرض معرفة الحقيقة . وهذه الفتوى – حسب معرفتي المتواضعة بالفقه – فيها رخصة لرجال الأمن لممارسة التعذيب بغرض الإستنطاق كما اسموه ، فحماية الدولة الإسلامية تتطلب أن يقوم رجال الأمن بإلباس الرجل تنورة مملوءة بالقطط الجائعة ، فعوضاً عن عدم إطعام القطط ، مما يستوجب الولوج في جهنم أنقلبت الصورة ، صامت القطط وفطرت على لحم بشري من موقع حساس لا تدركه حتى الضواري في البرية . عُرفت هذه الفترة في تقويم الإنقاذ بفترة ( التمكين ) ، وهي فترة أحتقن فيها الوضع الداخلي فمهد لكل هذه الحروب التي نشهدها اليوم ، قد حلم الإسلاميون بدولة ونموذج يُحتذى به في الحكم ، لكنهم وللأسف الشديد قدموا للإنسانية مسخاً مشوهاً وتجربة سياسية شديدة الشبه بنظام محاكم التفتيش في أوروبا في أيام سطوة الكنيسة علي كافة مناحى الحياة ، القادة الجدد أعجزهم تشذيب الأغصان الباسقة ، ففلم يجدوا بداً من إقتلاع النخل من جذوره ، وكما قضت القومية التورانية على خلافة العثمانيين في تركيا ، فإن لجوء الإسلاميين إلي معين الجهويات يكشف بجلاء عن خوى مشروعهم الفكري من أي مشروع ينمي الإنسان ويساعد في تمديد رفاعيته . هذا هو النموذج الذي يروجون إليه ، وهذا هو البديل المتاح لأهل الشمال إن وقفوا مع مشروع الإنقاذ الداعي إلي تقسيم السودان ، سوف يكونوا محشورين في كيان صغير أشبه بقطاع غزة في فلسطين ، قطعة أرض صغيرة من غير ميزة جغرافية ،يتقاتل أهلها فيما بينهم من غير أن يكون هناك هدف للحرب . قالها اليوم الرفيق ياسر عرمان : إن إنفصال الجنوب سوف يجر إلي إنفصال بقية أقاليم السودان ، فلذا علينا أن نحافظ علي الوحدة حتى نحفظ الهرم المائل من التداعي والسقوط ، فكما قال أمرؤ القيس : يا ليتها نفس تموت سويةً ولكنها نفس تساقط أنفساً إذاً ، لن تهنأ الإنقاذ بحكم الشمال إذا مضى الجنوبيين نحو بوابة الإنفصال ، مكانة السودان بين دول العالم أكتسبها بتاريخه الذي أحتوته الوحدة الوطنية خلال كل العهود التي مضت ، هو وطن كالقارة والتنوع فيه يثري الثقافة ولا يحط من قدرها ، الدولة الذكية هي تلك الدولة التي تحكم شعباً يتكون من أعراق مختلفة ، ومذاهب مختلفة ، من غير أن يشعر أي مواطن بأنه مُهمش ، أو أن هناك أقلية قد حُرمت من حقوقها لأنها من غير طينة الرئيس أو نائبه . هذه هي أزمتنا في السودان ، وهي أزمة نخب قبل أن تكون أزمة بلد ، فهناك من يقدم الأيدلوجيا أمام ضرورة أن يبقى الوطن متحداً ومتماسكاً ، هم يظنون أن تقليص الرقعة الجغرافيه سوف يساعدهم في إدارة ما تبقى من أمصار ، مثل الأرنب التى والتي تحفر لنفسها مكاناً لتسكن فيه ولكنها تفاجأ بأنها أهالت التراب على مدخل الجحر فتعجز عن الوصول إليه .
|
|
|
|
|
|