|
الأمير المتعافي في بلاد العم ( توني بلير )
|
الأمير المتعافي في بلاد العم ( بلير )
راسلني بعض القراء وسألوني عن معلومة سقطت مني في مقال سابق ، أنك زعمت أن الرئيس البشير أقسم بالله ثلاثة مرات في حياته بخصوص عمله السياسي ولكنك لم تذكري في مقالك سوي مرتين . مرةً أمام القائد العام عندما أقسم علي حماية الوطن واحترام الدولة والقانون ولكنه تسلل بليل بعد أن زوّر مستندات طبية تفيد بأنه مريض ، فعاد للخرطوم ونفذ انقلاب يونيو 89، والمرة الثانية أمام شيخه الترابي ، عندما تظاهر الأخير بدخول السجن فمضي البشير إلي القصر رئيساً . ولكنه أيضاً خرق الاتفاق ونكل بالشيخ ووضعه في السجن لمدةٍ قاربت من العامين . وفي المرتين نكث الرئيس البشير بقسمه ولم يبر به . أما المرة الثالثة عندما أقسم أنه لا يوجد فساد في حكومته ، ولأول مرة في تاريخ السياسة والدول يُستخدم ( القسم بالله ) في الرد علي الشبهات ، وإثبات طهارة الحكومة من الفساد . والفساد في عهد الإنقاذ غطي البحر والبر ، ولم يعد عيباً ينكره الساسة ، بل أصبح من الأمور الحميدة ، وهناك وزارات في عهد الإنقاذ لا يفلح فيها إلا الفاسدون ، وثقافة الفساد والرشوة والمحسوبية أزكمت أنف الدور الحكومية ، وفي كل مرفق في الدولة أصبحنا نسمع عبارة : ( حقي برا ) و ( حقي كم ؟؟ ) ، أي أن الرشوة أصبحت حقاً عاماً ، وعرفاً متبعاً في تخليص المعاملات علي الوجه الأكمل وبالسرعة المطلوبة . وقد ذُهلت قبل أيام وأنا أسير في شارع الجمهورية ، إذ بسيارة نجدة تتبع لقوات الشرطة وأمامها دراجتين ناريتين مروا من أمامي ، تتقدمان أمام موكب من السيارات المظلة ذات الدفع الرباعي ، والتي كان يركبها خليجيون بدأت عليهم علامات النعمة ويسر الحال ، انطلق الموكب بسرعة وسط صفارات الإنذار والضجيج ، وطُلب من أصحاب المركبات إخلاء الطريق وإفساحه للسادة الضيوف ، سألت أحدهم ما الذي يجري ؟؟ هل هناك قمة عربية أخري ونحن لا نعلم بها ؟؟ صُدمت عندما عرفت الإجابة ، شعرت أن هذا البلد أصبح مستباحاً ، وذكرني بالكونغو زائير في عهد الرئيس موبوتو ، حيث كان رجال الأعمال والمغامرين من مختلف دول العالم يتحكمون في مصائر ذلك الشعب الأفريقي البائس ، يحددون للشرطة عملها ، وللقضاة أوقات دوامهم ، ويفاضلون بين الوزراء والمحافظين ليختاروا أيهم يحقق مصلحتهم . فقيل لي أن هذا الموكب تكلفته فقط 400 ألف جنيه ، تدفع لمدير الشرطة بشيك مصدق ، ويُحرر وصل استلام مالي ممهور بالختم ، مما يعني أن هذا الإجراء سليم بنسبة مائة في المائة ولا تشوبه شائبة ، والتبرير المطروح هو أن هذا المبلغ يذهب لدعم الشرطة والتي تحتاجه لزيادة الموارد والإمكانات !!! . إذاً لماذا يكون هذا المقابل زهيداً طالما أننا نبيع شرف المهنة مقابل الدراهم ، وما ذنب أصحاب المركبات الذين يخلون طرقات بلادهم في وجه هؤلاء العرب المستعجلين ، والذين وسعتهم موارد بلادنا ولم تسعهم طرقاتنا ، وما ذنب المرضى الذين ينامون في آسرة المستشفيات وهم يسمعون هذا الضجيج الذي لا يسكت ، وتلاميذ المدارس الصغار والذين يضعون أصابعهم في آذانهم حذر صوت النجدة المزعج . لم يشتري الخليجيون زينا العسكري وشرف مهنتنا الذي نباهي به الأمم والشعوب ، بل اشتروا منا الكثير ، فالمال أصبح سيد الموقف ، فهناك مجموعة خليجية عربية اسمها مجموعة الجمعة اشترت تسعة عشر نشاطاُ تجارياً ناجحاُ في السودان و بأسعار رمزية ، فإذا أقبلنا علي بيع عمل الشرطة فلماذا لا نبيع مؤسساتنا الاقتصادية بسعر بخس ، حتى نقنع اخوتنا العرب بأننا معهم في التاريخ والجغرافيا والماضي والحاضر ، ولا أظن أنهم سوف يصفوننا بالكرم الحاتمي ، فعلي أقل التقدير فنحن بالنسبة إليهم ليس إلا مجرد أغبياء ، وفاسدين يمكن شراؤهم بالمال . من يقف فوق عتبة هذا الفساد هو الوالي المبتسم ، الدكتور عبد الحليم المتعافي ، والي الخرطوم الحالي والذي يجلس علي عرش زينته ملايين الدولارات ، مجمعات سكنية فاخرة ، ومزارع دجاج ممتدة علي طول البصر ، أخفق مرض أنفلونزا الطيور في النيل منها ، بعد أن لجأ المالك القوي إلي الإعلام الحكومي المجاني ، وظهر في شاشات التلفزة وهو يزدرد رجل دجاجة بغضب وكأنها نقرته في وسط رأسه . عملية الرصف بين كبري أمدرمان والفتيحاب تولاها شقيق المتعافي ، وهمس المدينة يقول أن هذه العملية كلفته مليارين من الجنيهات السودانية ، ولكن هذه المليارين ولدت كأبناء إبليس أربعة أخر ، فأصبحت ستة مليارات ، دُفعت من مال رب الأسرة السودانية الذي تداعت علي قصعته كل حوائج الحياة ، وقصمته السبل والأحوال ، فلم يعد هناك حتى مجرد أمل يلوح في الأفق ، يقول لنا أن الغد أفضل من اليوم ، وأن الأمس قد ولي بلا رجعة ، ولكن صورة الفساد في السودان سوف تظل معلقة طالما الإنقاذ في سدة الحكم . والآن أين الدكتور عبد الحليم المتعافي ؟؟ سؤال طرحه بعض أشقياء صحافة الداخل ، ونحن الآن نعاني من انقطاع التيار الكهربائي ، والبلاد تستشرف فصل الخريف ، والذي نطلق عليه فصل الذباب والملاريا ، ولكن هذا الوالي الهمام لم تسعه الأرض السودانية ، حيث الجوع والمرض والمعاناة ، فالشكوى لغير الله مذلة ، فقد سافر الوالي المتعافي هو وأسرته إلي لندن ، عاصمة الضباب التي لا تعرف وقتاً لهطول المطر الهتون ، إن له في الحياة أن لا يجوع ولا يشقي ، وأسرة المتعافي هي الآن مصطلح وليست لفظاً اجتماعياً يدل علي زوجة وطفلين . فأسرة المتعافي تعني الأخ وزوجته وأبناؤه وما علا من ذي القربى ، والأخت وبعلها وما دنا من النسب ، الخطيب والنسيب المرتقب ، ربما يكون كل هؤلاء الآن ينعمون بالطقس البارد في عاصمة الضباب ، بعد أ، تركوا أكثر من سبعة ملايين مواطن في الخرطوم يتضورون من الحر القاسي . ويكابدون للوصول إلي أماكن عملهم بعد أن سدت عليهم المياه الراكدة الطرقات. والسؤال هو ؟؟ إذا كان الرئيس البشير قد قاطع مشاهدة كرة القدم تضامناً مع أهل لبنان ، فلماذا يهرع الوالي المتعافي إلي بلاد العم بلير في هذا الوقت بالذات والذي يعاني فيه أهل لبنان ويلات الحرب والدمار ، ولماذا الترفيه وفترة النقاهة مقدمة علي قضايا الأمة العربية ؟؟ أم يا تري أن صيام البشير عن مشاهدة كرة القدم كان فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|