ليس قناة الجزيرة وحدها التي تُعاني شحاً في المراسلين ، لأنها وظفت بعض المغمورين لتغطية أحداث مهمة مثل التي يمر بها السودان الآن ، وقد ذكرت في مقال سابق ، أن السودان هو سلة العالم للأخبار السيئة ، حرب أهلية في الجنوب دامت لأكثر من عشرين عاماً ، أنتهت باتفاقية سلام يكاد أن ينهد في هذه الأيام ، وصراع ناشئ في دار فور أدخل السودان من جديد في بوابة الاهتمام الدولي ، فقد مُورس الضغط على حكومة الإنقاذ حتى قبلت بدخول القوات الأممية ، هذه هي إستراتيجية كاتبة خطابات الرئيس بوش السيدة /كوندانيزا رايس ، فهي صاحبة العبارة المشهورة التي أصبحت مثلاً : على دول العالم أن تختار بين أمريكا أوالإرهاب ، يشد من أزرها في هذا السعي رجل المخابرات القوي السيد نغروبونتي ، فقد عرفه رواد قاعة الأمم المتحدة بالمستر (No) ، ذلك لكثرة إعتراضاته على كل قرار يصدر ضد مصلحة إسرائيل ، ولوقوفه ضد كل قرار يقول : لا لغزو العراق ، فكما كان السيد نغربونتي ناجحاً في أمريكا الجنوبية ، حينما رعى أنظمة دكتاتورية من أجل محاربة المد الشيوعي ، فهو اليوم حاضر في أزمة دارفور ، وقد نجح في تركيع الإنقاذ ، فهي الآن تنتظر الفرج من القوات الأممية القادمة والتي وافقت على دخولها من غير إستحياء ، حتى من غير أن تبر القسم الثلاثي ، ذلك القسم المتين الذي لا يبرده إلا الغموس في النار ، فهو هين على رجال الإنقاذ إن سلكوا طرق النجاة لكنه عند الله عظيم ، ومن المفارقات الغربية ، أن الضغط الدولي على الرغم من شدته وتنوعه ، لم يفلح إلي الآن في تركيع حركات دارفور وجرجرتها من دون رغبتها إلي منتجع سرت . هذه الصورة الزاهية من الأخبار والتعقيدات الجمة تحتاج لمراسل فطن ، يغوص في جوهر القضية ، يحلل ويقارن ، يقرأ تداعيات المستقبل وهو يستخدم محددات الحاضر ، هذا ما لم تفعله قناة الجزيرة ، التي أكتفت بمراسل يتجول بين القصر الجمهوري ومقر المؤتمر الوطني ودار حزب الأمة في أمدرمان وهو يلقط كالحدأة التصريحات من أفواه القادة الحزبيين ، وقد وقعت محطة البي بي سي البريطانية في نفس الخطأ ، فكمال حامد هو شخصية مجتمع ولكنه ليس ضليعاً في قراءة الواقع السياسي وما يتطلبه من أخبار ، هو ناجح في تتبع أخبار كرة القدم و تقديم دراسة تحليلية عن الفرق الفائزة ، لكنه ليس بالتأكيد ناجح في عمله كمراسل اخباري يغطي شئون الساحة الملتهبة في السودان ، وهذا القصور غطته هذه المحطة الشهيرة بتعيين مراسل أجنبي من أجل تغطية الأحداث التي تقع في آخر بقعة من هامش السودان . فقد فشل كمال حامد في تغطية تداعيات الهجوم الذي تعرّضت له قاعدة قوات الإتحاد الأفريقي قرب بلدة حسكنيتة ، كما لم يغطي الهجوم المضاد الذي قام به الجيش السوداني على هذه البلدة المنكوبة ، وعندما تم تطوير الهجوم ليشمل بلدة مهاجرينا برز كمال حامد وهو ينقل تصريح الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني والذي نفى حدوث الهجوم ، لكن كمال حامد من أجل إثبات النفي قام بالإتصال على والي جنوب دارفور والذي أكد على حسب تعبيره أن القتال الدائر الآن هو بين المجموعات المتمردة الهاربة والفارة !!! ولا أعلم كيف تقدم مجموعات فارة على محاربة بعضها لكن ما نقله كمال حامد يشبه مفردات كرة القدم التي نستخدمها في الدلالة على هزيمة الفريق المنافس في اللقاء ، مما جعل عدم التوازن يفوح من رائحة الخبر ، ولا أظن من عمل المراسل ، الإتصال على مسؤول في دائرة محلية من أجل تأكيد خبر رسمي ، وبما أنه مسؤول في الدولة فروايته لن تختلف بطبيعة الحال عن رواية الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة ، فالخبر اليقين يأتي من ميدان المعركة وليس من تابع في الدولة ، فأنا أعلم أن الأخ كمال حامد الذي أعتاد على العيش في الخرطوم لن يطيق متاعب رحلة الذهاب إلي دارفور ، حتى ولو كان الثمن هو جلب الحقيقة للمستمعين ، ونحن نحترم رغبته في إيثار السلامة ، لكن في نفس الوقت ليس مطلوباً منه نقل الروايات الرسمية للناطقين الحكوميين ، فهو بهذا العمل يطعن في حياديته كمراسل كان عليه نقل وجهات نظر مختلفة ، ثم أن الحكومة السودانية تملك عدة منابر إعلامية ، لذلك هي ليست في حاجةٍ إلي بوق جديد يكرر نفس الكلام النمطي المألوف . سارة عيسي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة