|
مقابلة مدير سجن كوبر حول الأستاذ محمود.. هذا هو التحرر من الخوف
|
عادل سيدأحمد في حوارات التاريخ
مدير سجن كوبر «السابق» يتحدث عن «اعتقال ثم إعدام محمــــود محمــــــــد طه»(2) اللواء محمد سعيد إبراهيم .. الزنزانة ونظام السجن .. والحوار مع زعيم الجمهوريين تناقشت معه .. ولكـن بدون فـائدة.. فالرجــل كان متمســكا برأيه! لا أذكر أنه طلب مني الذهاب للطبيب فقد كان منظما في كل شيء كنت أطوف على المعتقلين - يوميا وسألته : هل لديك أية احتياجـات؟؟
يواصل اللواء محمد سعيد إبراهيم، مدير سجن كوبر السابق، إفاداته التاريخة .. حيث كان الشهيد محمود محمد طه بقسم «الغربيات» الشهير، بالسجن العتيق كوبر. واللواء يتحدث من التاريخ وللتاريخ.. حول هذا الحدث الجلل الذي هزّ السودان هزاً.. وتابعته كل الدوائر المحلية والإقليمية والعالمية.
* هل اجتمعت بالشهيد محمود محمد طه؟ ـ نعم
* متى ؟ ـ ليلة الخميس.. أي الليلة قبل التنفيذ.. فقد كان تنفيذ الإعدام يوم الجمعة
* ألم تلتقي به قبل ذلك؟ ـ كيف .. كيف.. فالرجل كان بالسجن وأنا مدير لهذا السجن!!.. كنت يومياً.. أتجول لأتفقد المعتقلين والمساجين.. وطبعاً الأُستاذ محمود محمد طه كان من ضمن المعتقلين.
* الردة * إذن كنت تراه بعد أن أصدروا حُكماً بالردة في مواجهته؟ ـ نعم..نعم.. كنت أراه يومياً، منذ اعتقاله.. وحتى آخر لحظة، أي يوم إعدامه.
* هل كان بائناً في وجهه أي نوع من الجزع والخوف؟ ـ بالمرة.. نهائياً. شيء غريب جداً... أنا طيلة عملي في السجون .. كنت ألحظ أن المحكومين يخافون.. ولكني أمام هذه الحالة، رأيت عجباً .. لم يجزع الرجل، أو يخاف مطلقاً، كان داخل الزنزانة، يمارس حياته بشكل عادي، ويختلط بالمعتقلين الآخرين من الجمهوريين. وكما أسلفت، الرجل كان مرتباً في برنامجه، ما بين الإطلاع وقراءة القرآن.
* حينما تطوف .. هل كان يدور بينكما حديث؟ ـ أنا دائماً.. وأثناء طوافي.. كنت أسأل المعتقلين حول ما إذا كانت (ناقصاهم) أية حاجة حتى نقوم بإكمالها..
* هل كان يأكل أكل السجن؟ ـ كنا نسمح لأُسر المعتقلين بأن يزوروهم.. لذلك كان مسموحاً بأن يحضروا للمعتقلين أي شيء يحتاجون إليه، مع أننا في السجن كنا نحرص على راحة المعتقلين من جميع النواحي، بل ونسألهم إذا كانت لديهم شكاوي فليتقدموا لنا بها.
* بداية النقاش * هل تذكر كيف بدأ النقاش بينك وبين الشهيد محمود محمد طه؟ ـ نعم..نعم.. كنت أحاول أن أفهم بالضبط ما يرمي إليه هذا الرجل. ذات مرة تجاذبت معه أطراف الحديث.. أحسست بأنه محدد جداً ومقتصد في كلامه، خاصة في موضوع «خلافه وأختلافه» مع نميري فيما يتعلق بقوانين سبتمبر 83. قلت له ذات مرة، لا أعتقد أنك راغب في الموت.. يا أخي مشِّي الحكاية دي، ولكنه رد علىّ رافضاً وهز رأسه بالرفض.. كان كلما تحدثت معه حول نميري يرد علىّ برأسه رافضاً.. كان دائما ما يردد : « هؤلاء الناس أنا لن أتعامل معهم .. أنا أختلف معهم اختلافا كلياً»
تنازل * إذاً كان رافضا لأي شكل من أشكال التسوية ؟؟ ـ كان رافضاً بشكل متشدد .. ولم يكن ليقبل أي شكل من أشكال التنازل، الرجل كان مبدئياً لدرجة غيرعادية .. لقد حاولت أن أهز قناعاته حتى يتنازل .. وكان كل همّي وتفكيري، أن أُجنِّبه المشنقة ، ولكني لم أستطع.
نظام السجن * قبل أن نسترسل في موضوع محمود محمد طه .. هلا أعطيتنا فكرة عامة عن نظام السجن؟؟ ـ نعم للسجن نظام محكم، وفق العسكرية .. ففي الساعة الخامسة والنصف صباحا ، كنا نعمل تمام العساكر، أمّا في الساعة السابعة صباحا ، فيبدأ توزيع الطلبات.. العاشرة صباحا، الفطور، في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف نهارا .. انصراف.. عصرا، أي الساعة «4» تبدأ المناشط .. أبرزها المناشط الرياضية ، والثقافية والمكتبة. ثم يكون هناك «التمام مرة أخرى» ، الساعة الخامسة عصرا. ولعلمك فإن هناك «طباخين» يقومون بإعداد الأكل للمساجين والمعتقلين. كان لدينا ..«متعهد» للخضار واللحمة.. الأمور عندنا كالساعة منظمة جدا.
المستشفى ** بالطبع فإن لوائح السجن تسمح بأن يبقى المعتقل بالمستشفى إذا كان مريضا؟؟ ـ نعم وقد كان هناك معتقلون بالسلاح الطبي بأمدرمان .. إذ أن لوائح السجن تسمح للمريض بمقابلة الطبيب بالمستشفى العسكري .. ونحن كنا ننفذ تعليمات الطبيب حول المعتقل.
* هل كان الشهيد محمود محمد طه .. من الذين يشكون أو يعانون؟ هل سبق أن أصبح طريحا بالمستشفى العسكري؟ ـ لا أتذكر، ولكن لا أظن أنه أصبح طريحا بالمستشفى.. إحساسي كان دائما أن الرجل كان منظما في كل شيء .. وبالطبع فإن الإنسان المنظّم ، أمراضه تكون بسيطة وقليلة.
هذا رابط الحوار
http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=5509&bk=1
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مقابلة مدير سجن كوبر حول الأستاذ محمود.. هذا هو التحرر من الخوف (Re: د.أحمد الحسين)
|
عادل سيدأحمد في حوارات التاريخ
مدير سجن كوبر يروي تفاصيل مثيرة حول لحظات الشنق.. ونميري يرفض إطلاق سراح الأربعة..(3) في حلقات إعدام محمود محمد طه: مدير سجن كوبر: هـذا ما حـدث في لحظات «شنق» محمود محمد طه... ونميري رفض إطلاق سراح الأربعة..!
* المحكمة كانت مهزلة .. وهي حلقة من - ربما كانت «الأخيرة» - من حلقات الديكتاتورية والاستبداد والدم. * قوانينهم الجائرة .. ما كانت قوانين السماء الرؤوفة الرحيمة.. نسي الظالمون في لحظات «الفرعنة» وطبّقوا شعار فرعون الظالم العنيد « ما أُريكم إلا ما أرى»... * إن قضاة الطوارئ حكموا على شيخ تجاوز الـ«70» من عمره... وما انشغلوا ، أو اشتغلوا بمبادئ رسول الرحمة، صلى الله عليه وسلم، القائل : « يسِّروا ولاتعسِّروا .. بشِّروا ولاتنفِّروا». وقد عطّلوا المبدأ النبوي العظيم : «أدرؤوا الحدود بالشبهات» .. فضلا عن أن حدّ الردة ، ليس حدّا متفقا عليه في الإسلام .. وقد كان بإمكان «قضاة الطوارئ» أن يحكموا بإعمال « اختلاف العلماء رحمة» * ولكن متى كانت الديكتاتورية ترحم؟ .. وهي نفسها مخالفة لسنة الله في عباده «متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتههم أحرارا..! * الذي مات هو الذي ظلم .. لأن الظالمين يموتون في اليوم «مئات المرات»...
نعم .. مات محمود محمد طه شهيدا للفكرة والكلمة الشجاعة في وجه السلطان الجائر .. ولكن .. ما أصعب أن تموت وأنت حيّا.. والظالمــــون يموتون في كل لحظة وهم أحياء .! * كانت الليلة الأخيرة .. وهي ليلة الخميس، أي قبل الإعدام بيوم .. كيف سارت تلك الليلة ؟؟ * وهل حاول مدير سجن كوبر إنقاذ الموقف .. حتى يوقف حكم الإعدام ؟؟ وماذا كان رأي الأستاذ الشهيد محمود محمد طه * كانت أياماً عصيبة . عاشها السودانيون، متابعين ومشفقين، حيث ارتفعت وتيرة، وحرارة الساحة السياسية السودانية .. * هــــل يئست من إقناع محمود محمد طه ؟؟ - أبداً لم أيأس ، حتى آخر لحظة، لقد حاولت، وحاولت وحاولت .. ولقد كان هناك اجتماع بيني وبينه.
ليلة الخميس اجتمعت بالأستاذ محمود محمد طه، مساء الخميس، وقلت له : طبعا بكرة تنفيذ قرار المحكمة يا أستاذ، لماذا لا تنقذ نفسك .. نميري ، ليس من السهل أن يتراجع .. يا أستاذ مشِّي الموضوع من أجل إنقاذ نفسك من المشنقة .. ماذا ستخسر، لو أنك وافقت على موضوع الاستتابة، من أجل إنقاذ نفسك من الموت»؟! * ماذا كان رده؟؟ - لم يهتز أبداً .. ورفض رفضاً باتاً .. وظل يردد لي : « أنا مختلف مع الناس ديل اختلاف أساسي». * وبعدين؟؟ - تناقشت معه كثيراً، وجلسنا في تلك الليلة لفترة طويلة، حتى وقت متأخر من الليل..رددت له : « يا مولانا ، نميري ما بتنازل» * ماذا كان تعليقه ؟؟ - هؤلاء، لن أتعامل معهم .. بيني وبينهم اختلاف كلي.
النقاش مستمر * ماذا حدث بعد ذلك؟؟ - الوقت مشي .. والدنيا ليَّلَت .. والنقاش طال .. والأستاذ محمود مصر على رأيه .. لذلك انتهى النقاش ، بيني وبينه على الآتي : « في أي وقت .. وفي أية لحظة، إذا قررت الاستتابة، فبإمكانك إخطار العسكري ، حتى يتم إحضارك إليّ ، وسأحضر من بيتي في أي وقت ليلا ، حتى أقوم بالإجراءات اللازمة، وعلى ذلك افترقنا، ولم أره إلا صباح اليوم التالي أمام المشنقة.
المشنقة * ماذا حدث يوم الجمعة، وأنتم أمام المشنقة؟؟ - كنت صباح الجمعة - وقبل إحضار الأستاذ محمود محمد طه - أحاول إثنائه، وحتى آخر لحظات كنت على استعداد لوقف التنفيذ .. لقد أحضروه .. وقد رأيته وهو في طريقه للمشنقة * هل كان ثابتا؟؟ - بشكل غير عادي .. لم يرتجف.. ثابتا ، كأنه ذاهب إلى نزهة !!.. * ماذا كان دورك؟؟ - الحضور كان مكثفا .. رئيس القضاء، والقضاة، وآخرين .. بجانب الجمهور، والحراسة الأمنية المشددة. أنا كان دوري أن أتلو القرار .. وقد فعلت ذلك.. * ماذا كان القرار؟؟ - كان القرار يتحدث عن أن الأستاذ محمود محمد طه، إذا قبل الاستتابة فلا يعدم ... وإلا سينفذ فيه حكم الإعدام * ورفض الاستتابة؟؟ - نعم .. رفضها .. رفضا باتا، رغم أنه أمام المشنقة.. وهذا ما حيرني..! لم أحسّ بأنه خائف ولا حتى متردد.. لقد صعد للمشنقة بثبات عبر المصطبة المعدة لذلك ..! لقد كان ثابتا 100%... * ثم ماذا ؟؟ - تمّ تنفيذ حكم الإعدام ، صباح الجمعة ، حوالي الساعة «10» صباحا.
الأربعة الآخرون * ماذا بشأن معتقلي الجمهوريين الآخرين؟؟ - أيضا كان الكلام معهم، أنهم وبحسب قرار المحكمة، إذا وافقوا على الاستتابة، فسينقذون أنفسهم من المشنقة. * ماذا حدث إذن ؟؟ - مجموعة عبداللطيف أصلا كانوا حضورا وقت تنفيذ إعدام محمود محمد طه، وقد أمر بذلك رئيس القضاء، وبعد التنفيذ طلبوا أن يلتقوا بمدير السجن، فطلبت من العساكر إحضارهم بسرعة، فوافقوا على كتابة الاسترحام، فاتصلت بمدير عام السجون، الفريق أحمد وادي ، وأخطرته بما حدث، فاتصل هو بدوره بالقصر الجمهوري وأظن أنه تكلّم مع «عوض الجيد»
نميري علمنا بعد ذلك أن «عوض الجيد» اتصل بـ«نميري» * وماذا كان رد نميري؟؟ - نميري وافق، ولكنه اشترط أن يتم ذلك يوم السبت، أمام علماء.. وبالفعل ، جاء العالم المرحوم، عبدالجبار المبارك . تمّت الاستتابة والموافقة .. أدوا الصلاة بمسجد السجن، وبعدها قام قاضي الاستئناف المكاشفي، بتحويلهم إلى قاضي محكمة الموضوع المهلاوي بأمدرمان .. وبعـــدها ، تم إطلاق سراحهم في اليوم نفسه.
http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=5543 _________________
| |
|
|
|
|
|
|
|