|
تعويم عربي للبشير بعد الغارة عليه!!!غسان الإمام
|
Quote: تعويم عربي للبشير بعد الغارة عليه غسان الإمام الثلاثـاء 05 ربيـع الثانـى 1430 هـ 31 مارس 2009 العدد 11081 جريدة الشرق الاوسط الصفحة: الــــــرأي
كأني بلسان حال عمر البشير يقول: انتظرنا الأميركان من الغرب (دار فور)، ففاجأتنا إسرائيل من الشرق. لكن لماذا سكت الرئيس السوداني عن الإغارة عليه مدة شهرين؟ لماذا أبقى الضربة سرا، وترك لأميركا «شرف» الإعلان عنها، مع نفيها الحازم للمشاركة فيها؟ كان باستطاعته ضم ملف الغارة الجوية عليه، إلى ملف الغارة القضائية المطالبة بجلبه أمام محكمة الجنايات الدولية، كضحية مستهدفة عمدا. كان بإمكانه تقديم نفسه إلى قومه العرب، كمجاهد «لوجستي» يمرر إلى الفلسطينيين ما يحتاجون من سلع صاروخية إيرانية.
ربما ظن البشير أن الغارة عليه، في عصر الأقمار الصناعية والإعلام الإلكتروني، ستبقى سرا. يكفيه دارفور هما معلنا. أو أنه لم يكن يريد أن يظهر، كآخر من يعلم ما يجري في براري وأجواء بلده. غير أنه لا شك أثار الموضوع خلال زياراته لجيرانه، متسائلا عن الطريق الذي سلكه الإسرائيليون في الإغارة عليه، وعما إذا شاركت طائرات أوباما في الغارة، أم اكتفت بدور حادي «الإبل» المنطلقة إلى الهدف.
أميل إلى ترجيح اكتفاء أميركا بدور الشرطي الجوي المرشد والهادي. لكن سواء انطلق الطيران الإسرائيلي من قواعد أميركية أو غير أميركية في أفريقيا، أو حتما من إسرائيل، فقد قطع جيئة وذهابا أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر، في مجال جوي فوق خليج العقبة والبحر الأحمر، دونما حاجة لانتهاك أجواء عربية، كما توحي بذلك جهات عربية مغرضة. هذه المسافة أطول من المسافة بين إسرائيل وإيران. معني ذلك أن إيران يجب أن تقلق من قدرة إسرائيل على شن الغارة على مخابئها النووية، إذا سمح أوباما لها بالتحليق فوق العراق. بل لابد أن يلف القلق العرب من طول الذراع الإسرائيلية المزودة بأقمار التجسس، وبأحدث تقنيات الطيران الأميركية.
كسبت صواريخ إيران «بياض الوجه» لدى عرب الشارع، على حساب مأزق المضروب المسكين البشير. لكن عدم قدرة ما وصل من هذه الصواريخ إلى غزة على إصابة الهدف، وإنزال خسائر تذكر بإسرائيل على مدى عشر سنوات، يجب أن يثير قلقا أكبر حقيقةً لدى الفلسطينيين والعرب.
إذا ردت إيران بصواريخ باليستية أكبر، على ضربة إسرائيلية مفترضة، فالاحتمال كبير إذن، أن تخطئ الصواريخ الإيرانية الضخمة الهدف، فتنفجر في الضفة أو غزة، أو في مناطق عربية آهلة بالسكان في القدس والجليل، بل ربما تنفجر في أراض سورية أو أردنية أو لبنانية، لتوقع خسائر أفدح. حزب الله شاهد على رداءة صواريخه الإيرانية. فقد قتلت في حرب 2006 من عرب الجليل وحيفا وعكا وضواحي الناصرة، أكثر مما قتلت من الإسرائيليين. السبب عدم قدرة الحزب على توجيهها بدقة نحو هدف محدد.
السؤال الآخر للبشير عن السبب في عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سرية قوافل السلاح، في منطقة سبق أن كانت مسرحا لتمرد قبائل البجا عليه، قبل أن يتدارك الأمر ويصالحها؟ لماذا ترك تفريغ الصواريخ والأسلحة الإيرانية في بور سودان شبه علني، والميناء يغلي بعيون أكثر من جهاز مخابرات أجنبي؟ واضح أن تواكلية النظام ولامبالاته، وتسيُّب أجهزة مخابراته هي سواء، في جبهة الشرق، أو في جبهة الغرب. هذه التواكلية لا تهدد استقرار النظام فحسب، وإنما أيضا استقرار السودان كله، والتعايش السلمي بين فئاته.
مع ذلك كله، أقول إن البشير بحاجة إلى دعم ومساندة من العرب. لقد تلقى هذه المساندة على أعلى مستوى في قمة الدوحة. البيان واضح. فقد تجاوب العرب مع رفض البشير اقتراحا سبق أن قدمه إليه عمرو موسى، بالقبول بتأجيل محاكمته سنة. فقد أثار الاقتراح غير الذكي وغير اللائق غضب البشير، وزاد من هياجه.
سبق أن تحدثت هنا، منذ أسابيع، عن محنة انغلاق المؤسسة الرئاسية العربية. غير أن هذه المؤسسة تبقى دستوريا رمز استقلال الدولة العربية. وعنوان سيادتها. لا يليق بالعرب، قمة ودولا وأمة، أن تتعرض المؤسسة الرئاسية إلى المهانة الدولية، بحجج دولية وأجنبية مغرضة، وبذرائع في التعامل مزدوجة: بحيث ينجو بوش من المساءلة ويعاقب صدام، وينجو ساسة وجنرالات إسرائيل المسؤولون عن مجازر غزة، ويعاقب البشير عما حدث في دارفور.
ليس أمام المؤسسة الرئاسية العربية سوى الشفافية، وعدالة التعامل مع مواطنيها، وسوى الالتزام بحد أدنى من السلوك الدولي المتعارف عليه بين الدول، تجنيبا له وللبلد الذي تحكمه الهزات والزلازل والعدوان الأجنبي بالقوة. لو أن البشير استوعب أزمة دارفور باكرا، لو أنه لم يوزِّر المتهمين والمطلوبين دوليا وزراء ومستشارين، لو أنه لم يطرد المنظمات الأجنبية.. لما وضع نفسه وبلده وأمته، في هذا الإحراج المكشوف أمام العالم.
في إبعاده الترابي، جنب البشير نظامه تهمة الانغماس في الإرهاب، وإيواء إرهابيين كابن لادن وكارلوس. كان عليه أيضا أن يدرك باكرا أن التعامل مع أجهزة دولة خارجة على القانون الدولي، وأعراف التعامل باحترام مع الجيران، كإيران، لا يفيد نظامه، ولا ينقذ ويستعيد فلسطين، بتهريب صواريخ التنك الرديئة، إلى نظام معزول في غزة، وخارج بدوره على السلطة الفلسطينية الشرعية، وواضع للحزب فوق القضية.
أعود إلى قمة العرب في الدوحة، لأقول إن غياب الرئيس مبارك عن المشاركة فيها، حرم قطر من «وجاهة» المباهاة في قدرتها على جمع العرب جميعا في دارتها. قطعت قطر الطريق على نفسها، للانضمام إلى المسعى السعودي لجعل المصالحة العربية شاملة وجامعة. الغياب المصري دليل على نفاد صبر مصر الطويل إزاء المزايدة الدبلوماسية والتلفزيونية، على دورها القومي والفلسطيني.
هناك مرارة مصرية من التلفزيون، الذي بات ينأى بقطر عن دورها كوسيط ناجح في فض النزاعات العربية، لتبدو كطرف منحاز ومشارك فيها. مسايرة إيران ومغازلة إسرائيل لا تخدمان الدور الذي يتطلع إليه الجيل الثاني من حكام الخليج، كجيل مختلف أكثر حركة ودينامية، وأشد اهتماما وإغراقا في الشأن العربي والإقليمي.
يبقى أن أقول إن إبقاء القمة لمشروع السلام العربي فوق الطاولة هو تحد لصبر عربي طويل. لعل الجالسين على القمة أرادوا منح حكومة إسرائيل الجديدة الفرصة لتثبت أنها «شريك في السلام»، كما يزعم رئيسها نتنياهو، كذلك إتاحة الفرصة لأوروبا كي تدعم تحذيرها الشفهي له، من التهرب من الحل على أساس دولة فلسطينية.
أوروبا قادرة على معاقبة إسرائيل اقتصاديا. لكن إدارة أوباما، بشعبيتها الكبيرة، تملك الفرصة والقوة لإلزام إسرائيل بالعودة إلى حدود 1967، ووقف استيطان الضفة والقدس الشرقية (نصف مليون مستوطن إلى الآن). أميركا أوباما وحدها تستطيع أن تضع حدا لتسويف إسرائيل في الحل، بعدما ألْهَت أميركا بوش ثماني سنوات، برفع شعاره المضلل: الحرب على الإرهاب.
|
|
|
|
|
|
|