|
بيان اليوم : سقوط الرئيس إلى أعلى !!!
|
الرئيس السوداني والخوف من السقوط... الى أعلى!
هناك تقصير عربي واضح حيال كل ما له علاقة بقضية دارفور. كل ما يعرفه معظم العرب في الوقت الراهن وكل ما يشغل بالهم صدور مذكرة توقيف عن المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس السوداني عمر حسن البشير. لا حديث في الأوساط العربية، أو لنقل في معظمها، سوى عن ازدواجية في المعايير. الرئيس السوداني نفسه يتحدث عن هذه الازدواجية ولا يخلو أي خطاب من خطبه من إشارة اليها والى الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة أخيراً. صحيح أن إسرائيل لجأت الى إرهاب الدولة في غزة... ولكن هل ذلك مبرر كافٍ لغض النظر عن دارفور والمآسي التي يشهدها الاقليم؟ كانت لافتة الطريقة التي تعامل بها البشير مع مذكرة التوقيف ورد فعله عليها. قال إن المحكمة الجنائية، وهي جهاز تابع لمجلس الأمن، "تحت جزمتي" كذلك قضاة المحكمة والجهاز الذي تتكون منه. بعد ذلك، انصرف الى التركيز على طرد المنظمات والجمعيات الخيرية الدولية التي تقدم مساعدات لأهل دارفور ولسودانيين في مناطق أخرى. وجه المسؤولون السودانيون اتهامات الى العاملين في هذه المنظمات والجمعيات من نوع أنهم مجرد "جواسيس" قدموا أدلة الى المحكمة الجنائية وأجهزتها في شأن جرائم ارتكبت في دارفور. لم تتردد سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في اتهام الحكومة السودانية بارتكاب جرائم كبيرة وصفتها بـ"الإبادة الجماعية" في دارفور. ولم تتردد هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية في السير على خطى سوزان رايس وحملت الرئيس السوداني مسؤولية "كل وفاة" في دارفور... ولكن ما الذي حصل فعلاً في دارفور؟ أين الحقيقة من الخيال والمبالغات، هل صحيح أن القوات السودانية والميليشيات التي تحظى بتشجيعها ودعمها وتسمى "الجنجويد" ارتكبت كل هذه الجرائم؟ هل صحيح أنها أحرقت قرى واغتصبت النساء وهجرت ما يزيد على مليوني شخص؟ هل صحيح أن عدد القتلى في دارفور تجاوز المئتي ألف، وثمة من يتحدث عن ثلاثمئة ألف قتيل، في السنوات الأخيرة؟ هناك اتهامات كثيرة للحكومة السودانية وللرئيس السوداني. معظم الاتهامات صادر عن مسؤولين أوروبيين وأميركيين ومنظمات دولية دأبت في السنوات الأخيرة على التركيز على دارفور وما يحدث فيها. المؤسف أن تصرفات النظام في السودان لا تساعد في إظهار الواقع كما هو ومواجهة الحملة التي يتعرض لها البلد الذي سيكون مقبلاً، عاجلاً أم آجلاً، على استحقاقات كبيرة. في مقدم الاستحقاقات الاستفتاء الشعبي في السنة 2011، أي بعد سنتين من الآن والذي سيتبين في ضوئه هل سيحصل الجنوب على استقلاله الناجز استناداً الى الاتفاق الموقع في العام 2005 الذي أنهى الحرب الداخلية؟ ربما هناك تحامل على النظام في السودان. في الوقت ذاته، هناك أخطاء كبيرة ارتكبها النظام. من بين الأخطاء عدم قدرته على شرح ما يدور فعلاً في دارفور ومواجهته الحملة التي يتعرض لها عن طريق الشعارات والعراضات المسلحة. إضافة الى ذلك، ليس هناك موقف عربي يساعد في توضيح الصورة عن طريق القول للعالم إن قضية دارفور في غاية التعقيد، وإن المسألة ليست مسألة قبائل عربية مدعومة من الحكومة تهاجم قبائل زنجية وتهجرها من أرضها. هناك منذ مئات السنين غزوات متبادلة بين قبائل المنطقة، وهناك عرب يعتدون على عرب آخرين في أحيان كثيرة بسبب الماء والمرعى! الخوف كل الخوف من أن يكون الرئيس السوداني فوجئ بمذكرة التوقيف وبدأ يتصرف على نحو عشوائي غير مدرك أن المحكمة الجنائية امتداد لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ربما أعتقد أن الصين، التي لديها مصالح كبيرة في السودان، ستستخدم الفيتو في المجلس لمنع صدور مذكرة التوقيف غير مدرك أن المجتمع الدولي يعمل أحياناً بطريقة لا تسمح للفيتو الصيني أو الروسي بأن يكون حاضراً. المهم الآن البحث عن مخرج. المخرج لا يكون بالتظاهرات الفولكلورية وبزيارة اقليم دارفور وإلقاء الخطب الحماسية مرة أو مرتين أو ثلاث. المخرج يكون بالسعي الى موقف هادئ يستند الى التفكير في ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. في استطاعة العرب مساعدة الرئيس البشير على تقديم قضيته الى المجتمع الدولي على نحو مختلف. يكون ذلك عن طريق دعم الاتفاق الذي توصلت اليه الحكومة السودانية مع المتمردين في دارفور في شباط الماضي في الدوحة من جهة والعمل في الوقت ذاته على جعل المحكمة الجنائية الدولية تعيد النظر في قرارها من جهة أخرى، وذلك انطلاقاً من وجود الاتفاق. الأكيد أن الشتائم لا تنفع، كذلك وضع قماشة على ظهر حمار وكتابة اسم المدعي العام للمحكمة الدولية الارجنتيني لويس مورينو اوكامبو عليها. المدعي العام الدولي ليس حماراً بأي شكل. على العكس من ذلك، إنه رجل جدي بكل المقاييس. من يريد التأكد من ذلك، يستطيع العودة الى تاريخ الرجل في ملاحقة ضباط الطغمة العسكرية التي حكمت الأرجنتين أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي. كان لمورينو- اوكامبو دور بارز وحاسم في محاكمة الضباط الذين استولوا على السلطة في الأرجنتين. تولى ملاحقتهم واحداً واحداً ابتداء من العام 1985 واستطاع الاقتصاص منهم. ما هو أكيد أيضاً أن طرد الجمعيات الخيرية الدولية من الأراضي السودانية لا يفيد. هذه الجمعيات تمثل الأمل لملايين السودانيين، ومن دونها لن يجد الآلاف ما يسدون به جوعهم. بعض الهدوء ضروري. الصراخ لا يوصل الى أي مكان. إنه تجسيد للسقوط الى أعلى... على طريقة صدّام حسين الذي انتقم من الذين أخرجوه من الكويت بوضع صورة الرئيس بوش الأب على أرض مدخل فندق الرشيد في بغداد كي يدوس عليها كل من يدخل الفندق ويخرج منه. أين صدّام الآن، وماذا نفعته تصرفات من هذا النوع؟ هل من يريد الاتعاظ من تجربة صدّام؟
المسدر:
http://www.bayanealyaoume.ma/def.asp?codelangue=23&id_info=17103
|
|
|
|
|
|